مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    كين: واثق في التسجيل ضد الريال.. وهذه أمنيتي لنجم الملكي    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقيد قاد أول هجوم على قصور الطغيان
في اربعينيات المناضل عبد الله عبد السلام صبرة
نشر في الجمهورية يوم 21 - 06 - 2008

ماذا أقول لأدمعي وهي تنهمر بدون توقف ، ومن يوم فراق الأخ المناضل اللواء عبدالله عبدالسلام محمد صبرة من الصعب حبس الدموع فهي إفرازات الألم والجرح الدامي الذي لايُشفى بسرعة ، خاصة والفقيد الراحل من أعز الإخوة بل أفضل أصدقاء العمر ، وهو رفيق درب السنوات الماضية التي عشنا مرارتها وقسوتها ومتاعبها وعناءها وحلاوتها أحياناً.
فراق رجل عزيز من أوفى الأوفياء وأقرب الأقرباء ، عشت وإياه صحبة لم تتأثر بالقيل والقال ولم يستطع أي شخص أن يفرق بيننا أو يحدث ثغرة للفراق.
كانت صحبة متينة متجذرة تميزت بالطهر والنقاء والصراحة والمصارحة والثقة القوية حتى صارت صلبة لا تقبل أي اختراق .. نعم صحبة اتسمت بالوطنية الزائدة والمواقف المُشرفة والقيم النبيلة التي تعلمناها من والدنا المجاهد الكبير عبدالسلام صبرة ، وكذلك علمنا الصبر ، وقوة التحمل ، والصمود في كل الأمور الصعبة التي واجهتنا وتواجهنا في حياتنا العملية.
وكل ما تعلمناه من والدنا عبدالسلام صبرة أطال الله في عمره ومتعه بكامل الصحة والعافية هو الحفاظ على القيم المرتكزة على الأخلاق الفاضلة ، بالإضافة إلى تزودنا من نبعه الوطني الذي لم ولن ينفد في كل ما يتعلق بكفاحنا ونضالنا من أجل تحرير الوطن الحبيب أن تنتصر على الحكم الإمام الكهنوتي ، ولا بد أن يتحرر الشعب من قيود سجانيه ومن طغيانهم ، وتعمقت المفاهيم الوطنية التي غرسها في أذهاننا وعقولنا والدنا المجاهد الكبير عبدالسلام صبرة ، بحيث أصبح هدفنا الأول والأخير هو تحرير الشعب من طغيان الإمامة والخروج به من أسوار العزلة والتخلف ، ومن الفقر والمرض والجهل ، وتملكنا الحماس واندفعنا إلى مسيرة النضال والكفاح بعزيمة قوية وإرادة صلبة لاتعرف الخوف أو التراجع.
وكان أخي المرحوم عبدالله عبدالسلام صبرة طيب الله ثراه وجزاه عن الوطن والشعب خير الجزاء في طليعة المناضلين ، وفي مقدمة المقاتلين صبيحة يوم 26 سبتمبر سنة 1962م ، وذلك بتفجيره الطلقة الأولى صوب قصر الإمام البدر (دار البشائر) وهو بداخل المارد ، حيث أعطى إشارة الهجوم على قصور الطغيان وأشعل شمعة الحرية والخلاص من حكم ظالم حرم الشعب أبسط مقومات الحياة وتسبب في تخلف الوطن ، وأحكم قبضته على كل الاتجاهات ليبقى الوطن متخلفاً معزولاً عن بقية بلدان العالم وبالذات في الخليج والجزيرة العربية.
كما أن الأخ المرحوم عبدالله عبدالسلام صبرة بإطلاقه القذيفة الأولى كان انتقاماً لزملائه المحبشي والشراعي اللذين قتلا ودمرت دبابتهم الأولى بفعل صفيحة بنزين أفرغها أحد معاوني الإمام البدر على تلك الدبابة فاشتعلت النيران بداخلها وقتل الشراعي والمحبشي.
وكانت قيادته للمارد هو إعلان الخلاص من الإمامة ، وبداية للفعل الثوري للانقضاض على الإمام ومعاونيه وإعلان بأن لحظة التحرير قد بدأت للتخلص من الاستبداد والظلم والتجويع ، وأشرقت شمس سبتمبر في ذلك اليوم لتدفئ كل أبناء الوطن وتحقق آمالهم وأمنياتهم في حياة كريمة وعزيزة ، والاحساس بالسيادة والكرامة وانتصار الحق على الباطل ، وكانت الانطلاقة السبتمبرية بمثابة عودة الروح إلى الجسد بعد أن اخفقت الثورات والإنقلابات السابقة في تحقيق الحلم الجماهيري للعيش في حياة مزدهرة ومتطورة ، ونهضة شاملة تشمل جميع المناطق في أرض الوطن ، وهذا ما فعله وحققه الفعل السبتمبري ، وبطلنا السبتمبري أخذ نصيبه من السجون المظلمة ، فقد اعتقل وهو طفل مع والدنا المجاهد عبدالسلام صبرة في سجن القاهرة بحجة ، وتلقى تعليمه اثناء تواجده في السجن من الأحرار زملاء والده وسمع منهم رأيهم في ما كانت البلاد تعانيه ، والشعب البائس الذي ذاق الأمرين من الطغيان ، وكان في السجن مع أولاد الأحرار اسماعيل بن أحمد الوزير وابراهيم بن أحمد الوزير والاخ اللواء علي عبدالله السلال وغيرهم من أولاد الأحرار الذين صمدوا أمام طغيان الحكم الإمامي ، وتحملوا المتاعب وصبروا على ظلم الظالم وهم خلف قضبان السجن ، وقد تحول الأبناء إلى أحرار وثوار عبروا نفق الكفاح ووصلوا إلى نهايته بإرادة صلبة وعزيمة قوية حتى حققوا الانتصار الأبدي على حكم الفرد الجائر وأعوانه الأذناب ، وكان البطل الجسور اللواء عبدالله صبرة يردد كلمات لهاوقع كبير ، ولأنه يمقت الظلم ويكره الظالمين فيقول :
«وللحريةالحمراء باب مضرجة بكل يدٍ تدق ، وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق».
ويكرر : «نفديك يا وطني بالروح لينعم الشعب بالحرية» .. وبالفعل تحققت الصحوة وصحا اليمنيون الثوار يتقدمهم طلائع الكلية الحربية والطيران والشرطة ، وكنت قبل الثورة بأسابيع قليلة أذهب إلى الكلية الحربية وأحمل معي وجبة الغداء للأخ عبدالله وهو مناوب، كان يسمى المناوب في ذلك الوقت «ضابط خفر» وهو من الدارسين في القاهرة وتخرج عام 1957م ، وقد التحق بدورة تخصصية في جناح المدرعات بمدرسة الأسلحة ، ثم عمل مدرساً وقائداً لسرية م/ط ، ثم مدرباً في الكلية الحربية ،ويحمل مفاهيم عسكرية أهلته ليكون الضابط الدارس في الخارج ، يستفيد من معلوماته العسكرية جميع من كانوا في الكلية الحربية ، ويتميز بأنه تربى على الوطنية وتزوّد من والده، وكان يتغنى بالوطن ويردد أناشيد حماسية في كل لحظة ، وكذلك وضع حصيلته من المعلومات العسكرية وما يصاحبها من فنون قيادية وقتالية ، حيث تدرب وتعلم على يده الكثير من الضباط وبالذات الذين فضلوا التعلم في قيادة الدبابات ، وكانت الحصيلة مشجعة ممن صاروا يعملون في جناح المدرعات ، وكان عسكرياً صارماً يحظى باحترام جميع زملائه سواء كانوا ضباطاً أم طلبة ، وله كلمة نافذة في الكلية الحربية آنذاك ، وكان يحضر في كثير من الأوقات اللقاءات المسائية التي تتم في منزل الوالد المجاهد الكبير والتي كان يحضرها الفريق المرحوم حسن بن حسين العمري ، واللواء حسين الدفعي والتاجر الوطني محمد عبدالله الجوفي وناصر الكميم والحاج حمود العشملي والعزي صالح السنيدار وأحمد حسين المروني والقاضي / محمد بن علي الزهيري ، وعدد من الضباط الأحرار لم تسعفني الذاكرة بسرد أسمائهم ، وكانوا يدخلون المنزل بطريقة سرية بعد أذان العشاء ويرتدون ملابس تنكرية لا يستطيع أي شخص أن يعرف أو يحدد من هو الشخص الذي دخل المنزل ، والفريق حسن العمري يرحمه الله كان يصل إلى المنزل بدراجة نارية يخفيها في أحد الأمكنة الموجودة في حوش المنزل الواسع أو يضعها في ممر المفرج البعيد عن البيت ، ويضع على عينيه نظارة وعلى رأسه شال ويتلثم بجزء منه.
وأحب هنا أن اتطرق للمناضل الثائر محمد عبدالله الجوفي الذي قدم الكثير من المال للثوار لشراء ذخائر ، هذا الرجل لم يظهر بعد الثورة ، ولم يطلب منصباً أو راتباً ولا رتبة عسكرية كما فعل بعض من شاركوا في الثورة ، قدم المساعدات للأحرار بصمت ، وكان الرجل يبيع العطور ودكانه في سوق الملح ، وكان يحمل عقلية ناضجة ، اجتمع بالثوار والتحق بحركة الأحرار من خلال الوالد المجاهد الكبير عبدالسلام صبرة أمد الله في عمره وقد عرض الوالد عبدالسلام على المناضل الجوفي بعد قيام الثورة عدة مناصب يتولاها وكذلك مكافآت مادية ورتبة عسكرية ولكنه رفض وبشدة وأقنع الوالد بأنه مقتنع بوضعه كتاجر ، وهو لا يسعى لتسليط الأضواء عليه ، وأن كل ما قام به وأسهم فيه إنما هو لتخليص الوطن من الاستبداد الإمامي وحكم العفن ، وهو واجب وطني لإنقاذ الشعب من الظلم الإمامي الجائر وجميع أنواع التخلف مثل الفقر والمرض والجهل ، وهو ثالوث رهيب في رأي المناضل الزاهد محمد عبدالله الجوفي ، علماً بأن أحد زملائه طلب منصباً وعين رئيساً لمصلحة التموين بدرجة وكيل وزارة ، وطلب رتبة عسكرية ومنح رتبة عقيد ، وحصل على الامتيارات التي يريدها ، ولكن الجوفي رفض كل شيء معتبراً بأن دوره في التحضير للثورة السبتمبرية واجب وطني لايجب أن يقبض الثمن نظير ما قام به ، وحرص على أن يظل مجهولاً بعيداً عن الأنظار ، وكان يزود المسؤولين بعد الثورة بنصائحه ومقترحاته ليستفيدوا منها ، ولهذا فأنا حريص على إنصافه ، وسوف أكتب عنه بإسهاب عما أعرف عنه من مواقف مشرفة قبل الثورة وبعدها ، كما أدعو مركز الدراسات والبحوث اليمني أن يشارك في هذا العمل ، كون محمد عبدالله الجوفي من الأحرار البارزين ومن الأوفياء للوطن وأبنائه ، إذ كان مناصراً ونصيراً للثورة ، ومنذ بداية التحضير لها والمشاركة في إبراز تاريخ ذلك الرجل الذي انتقل إلى جوار ربه في صمت وبدون ضجيج ، ولم يدفن في مقبرة الشهداء وله الحق في أن يُكرم ولكن في غياب الجهة التي يمكنها الاهتمام بالثوار والمناضلين دُفن في مقبرة عامة بصنعاء ، والرجل كما قلت يفضل الابتعاد عن الأضواء وأجواء النفاق زاهداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ونفس الموقف كان الحاج حمود العُشملي هو ثالث التجار في سوق الملح ، وكان له دور بارز قبل الثورة ولم يطلب بعد الثورة منصب ولارتبة عسكرية ولا راتب شعري ، ظل كما هو تاجر في سوق الملح زاهداً من الأطماع واقتناء الأراضي وامتلاك السيارات الفاخرة والهنجمة والفشر ، بقي على عادته حتى توفى.
والجدير بالذكر بأن الأخ عبدالله عبدالسلام صبرة هو من مؤسسي تنظيم الضباط الأحرار وأحد القياديين فيه ، وكانت الاجتماعات للضباط الأحرار في كثير من الأيام في منزل الوالد المجاهد عبدالسلام محمد حسن صبرة ، وكان يحضرها العديد من المناضلين ولم يكونوا يحضرون دفعة واحدة بل على دفعات ومتنكرين في ملابسهم.
كلف المرحوم عبدالله عبدالسلام صبره وزميله محمد مطهر زيد بمطاردة الإمام المخلوع محمد البدر الذي خرج من صنعاء بمساعدة بعض أعوانه ومنهم أحمد الغيل الذي كان مسؤولاً عن تشغيل المولد الكهربائي لقصر البشائر ودار الوصول، فقد لجأ إليه الإمام البدر عبر النفق الذي يوصل من دار البشائر إلى قصر دار الوصول، والغيل كان يسكن في منزل مجاور لقصر دار الوصول ثم هربه إلى همدان في حماية الشيخ عاطف المصلى الذي وفر له الحماية حتى وصل إلى المحابشة، حيث كان أعوانه ينتظرونه، وللأسف لم يظفرا به، وقد استقر اللواء عبدالله عبدالسلام في عمران كقائد للمنطقة وعاد الأخ محمد مطهر زيد إلى صنعاء وفي عام 4691م عين الأخ الراحل عبدالله عبدالسلام صبره قائداً للواء الحديدة وكانت العمليات التي تتم في محور الحديدة مهمة وصعبة ويتم التنسيق لهذه العمليات مع محور حجة الذي يمثل خطراً كبيراً على الثورة، إذ كان الإمام البدر متواجداً في مناطق حجة وبالذات الوعرة التي يتعذر الوصول إليها بالدبابات، وكانت عملية التفتيش تتم بين الأخ عبدالله والشهيد محمد الرعيني والشهيد محمد مطهر زيد هو وأخيه الشهيد أحمد مطهر زيد من حجة، وكانوا على تواصل مع الأخ علي سيف الخولاني المتواجد آنذاك في مدينة حجة، ومنذ اندلاع الثورة السبتمبرية ومن يومها فقد كان معتقلاً في قاهرة حجة «السجن الرهيب»، كان الأخ عبدالله شديد الحماس وكثيراً ماكان يختلف مع القيادة العربية التي كانت المسؤولة عن القوات المصرية في اليمن.
البعض كانوا يجاملون ويتحملون الإهانات من الاخوة المصريين لكن الأخ عبدالله عبدالسلام لم يقبل أي تدخل في عمله، وفي حالة إصرار القيادة المصرية والتي كانت تسمى «القيادة العربية» على تنفيذ أي شيء له علاقة بمسؤوليات الأخ عبدالله كان يرفضها وينسحب من العمل تجنباً لأي اصطدام علماً بأن الاخوة القادة في القوات العربية كانوا يحاولون وبشتى الوسائل إقناع المرحوم بالتعاون معهم ويعدونه بالمساعدات وتلبية كل مايطلبه لكنه ظل متمسكاً برأيه وبيمنيته معتزاً بنفسه بنقد الأخطاء والأساليب التي يتم التعامل بها مع اليمنيين لايأبه بالنتائج والعواقب رغم أن الاخوة المصريين جندوا الكثير وتعاملوا معهم ومكنوهم من القيام بأعمال قيادية في الوزارات وفي المصالح والمؤسسات والشركات وفي القطاع العسكري والأمني، وكانوا يعتمدون تقاريرهم التي يتقدمون بها إليهم في نهاية كل أسبوع، ولذلك رأت القيادة العربية بأن يعين الأخ عبدالله في عمل خارج الوطن وكانت القيادة السياسية اليمنية قد استجابت لهذا الرأي فعينته ملحقاً عسكرياً في موسكو، ثم ملحقاً عسكرياً في الجزائر واعتقل في الستينيات بالقاهرة مع حكومة الفريق حسن العمري وكان القاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ النعمان من ضمن المعتقلين والمحتجزين حيث بلغ إجمالي من اعتقلوا في تلك الفترة قرابة 26 شخصاً بينهم ضباط مثل الأخ المرحوم ابراهيم الحمدي حيث كان سكرتيراً للفريق العمري، وكاتب هذه السطور، وقد استمرت فترة الاعتقال والحجز والإقامة الجبرية في القاهرة لمدة عام وستين يوماً أفرج عنا بعد حرب يونيو حزيران 76م بحوالي شهر وكان الأخ عبدالله عبدالسلام صبرة هو أول يمني يهرب من مصر ويغادر منها إلى أسمره بجواز أحد الطلبة الذين يدرسون في الجامعة المصرية، وقد رتب عملية الهروب الأخ حمدي السنيدار وكان هروب الأخ عبدالله تحدياً كبيراً لأجهزة الأمن المصرية التي كانت قادرة على تعقب الذباب، وكان لهروبه ردة فعل كبيرة من قبل الأجهزة الأمنية، فبعد أن تأكدت بأن الأخ عبدالله عبدالسلام غادر من الأراضي المصرية ووصل إلى أسمره استدعينا للتحقيق وكنتُ أول من تعرض للمساءلة وقد طمأناهم وأكدنا لهم بأنه لم ولن يصدر من الأخ عبدالله أية إساءة نحو مصر، حيث ووالده القاضي عبدالسلام ووالدته وزوجته وأولاده وأولاد شقيقيه زوجة الأخ محمد حسن صبرة وأنا مقيمون في مصر وأن الأسباب التي دفعته إلى الهروب هي قضايا تتعلق به شخصياً وليس لها أية علاقة بالوضع السياسي واعتقال حكومة يمنية بجميع كوادرها، وكذلك قادة عسكريون على مستوى كبير من الأهمية.
ولم يكتفِ الإخوة المصريون في المخابرات والمباحث الجنائية العسكرية والتي كان يرأسها العميد جلال هريدي بالمعلومات التي قلناها لهم بل ذهبوا إلى شقة الوالد المجاهد عبدالسلام في شارع الثمار بالمهندسين وحققوا معه ولم يكن يعلم بهروب نجله عبدالله، وقد أبلغته بالخبر عبر الهاتف فور خروج المخابرات المصرية من شقتي في شارع محمد شكري بجوار مستشفى العجوزة الذي أسعف إليه الفريق حسن العمري، وقد تطابقت إجابات الوالد عبدالسلام مع إجابتي فاطمأن الإخوة المصريون، وقد نجم عن هذا الهروب قيام المخابرات بتعزيز الحراسة علينا وصرنا لانتحرك إلا ومعنا ثلاثة من المخبرين حتى في الكفتيريا التي تقع في ميدان الدقي وكانت ملتقى اليمنيين المقيمين والمحتجزين، وكان الوالد عبدالسلام وأنا نتردد عليها ونقضي فيها ساعات قليلة نتحدث مع الزملاء عن أخبار اليمن ومايستجد، والبعض يمارس لعبة الشطرنج والطاولة، وكانت الكفتيريا التي تعج بالمخابرات هو المكان الترفيهي بالنسبة لنا تدور وكنا نحاول بقدر الإمكان التحدث باللهجة اليمنية وقد رأى بعض الزملاء أن تكون أحاديثنا عن الأوضاع في اليمن، وهذا هو شغلنا الشاغل بحيث لاتغضب المخبرين فيضايقوا صاحب الكفتيريا، وقد تغلق أبوابها أمامنا ولذلك كنا في منتهى الحذر حتى إذا وصل قادم من اليمن نأخذه على «جنب» ونناقشه عن البلد وأحوالها، والبعض نطلب منهم أن يقابلوا أحدنا في مقهى «أنديانا» وهذا المقهى قريب من الكفتيريا و«أنديانا» هو المقهى الذي يجتمع فيه الطلبة اليمنيون منذ سنوات طويلة أي من قبل ثورة يوليو وقبل قيام ثورة 62 سبتمبر، وقد صار مشهوراً عند اليمنيين ولم تخلُ «أنديانا» من المخبرين وأحياناً كانوا يحذرونا من مخبرين يمنيين طلبة يعملون مع المخابرات المصرية، والكفتيريا التي كنا نتجمع فيها اختارها بعض الزملاء ومنهم حسين شرف الكبسي وأحمد صالح دويد ومحمد الثلايا وعلي العنسي ولطف العرشي وعبود مهدي، ثم ذهب الباقون إليها للتسلي وتناول الشاهي والقهوة والسندوتشات، ولا أخفي على الاخوة القراء ماعانيناه من الإهانات والقهر والذل والإذلال ومن صلافة شمس بدران وزير الحربية في ذلك الوقت والعميد جلال هريدي وبقية المسئولين الذي اعتبرونا مواطنين مصريين جردونا من يمنيتنا وماكان يطبق على المواطن المصري يطبق علينا، عام وستون يوماً شفنا العجائب من مختلف أنواع السجون بدءاً بالسجن الحربي بالعباسية ويعتبر أكبر السجون السياسية، وكان يديره اللواء حمزة البسيوني وهو من أقرب المقربين للمشير عامر وشمس بدران وكانت الصلاحيات كلها في أيدي المشير عامر ومن خلاله كان شمس بدران هو الآمر الناهي ولا سلطة عليه، وكان الوالد المجاهد عبدالسلام صبرة يلتقي الرئيس أنور السادات وهو رئيس مجلس الأمة وملف اليمن من مسؤوليته لم يستطع أن يفعل شيئاً مع عامر وشمس بدران وجلال هريدي وكان رحمه الله الرئيس السادات مهذباً ومؤدباً وله وجهة نظر حول مشاكل اليمن ولكن الأبواب مسدودة أمامه بسبب سيطرة المشير عامر على كل الأمور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.