للداخل والخارج.. الرسائل الكاملة في كلمة الرئيس الزُبيدي التاريخية بمناسبة ذكرى إعلان عدن    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    تقرير يكشف عن توقيع اتفاقية بين شركة تقنية إسرائيلية والحكومة اليمنية    مجلس القضاء يقر إنشاء نيابتين نوعيتين للصناعة والتجارة في تعز وحضرموت    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الوزير البكري يلتقي بنجم الكرة الطائرة الكابتن اسار جلال    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الشيخ محسن بن فريد    عندما يبكي الكبير!    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    آرسنال يُسقط بورنموث ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجرة العقول العربية ومسلسل النزيف .. الخطر القادم
نشر في الجمهورية يوم 13 - 07 - 2008

إن مفهوم الخطر القادم الذي يمكن أن يهدد كيان الأمة العربية والإسلامية يختلف تفسيره وفهمه من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر ومن مكان إلى مكان آخر، وتطالعنا نتائج وتقارير المحللين السياسيين والاقتصاديين وكذا الأكاديميين والنخب المثقفة كل يوم بعناوين جديدة، توصف لنا طبيعة الخطر الذي يهدد مستقبل أمتنا، فمنهم من يرى بأن الخطر القادم هو نضوب الثروة النفطية وما سيترتب على ذلك من مشاكل في سبيل الحصول على موارد الطاقة، وآخر يرى بأن شحة مصادر المياه والتصحر هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الأمة وأمنها الغذائي.
وبما أن مفهوم الخطر القادم قد يختلف توضيحه بسبب عاملي الزمان والمكان لكل شعب من الشعوب، فإن هجرة العقول العربية والمسلمة، ومسلسل النزيف المستمر منذ عقود، وما يترتب على ذلك من تبعات وخسائر، هو الخطر الحقيقي المحدق بأمتنا كلها، ولا يمكن أن يختلف على ذلك أي فرد من أفراد هذه الأمة.. ولما لهذه الظاهرة من تبعات خطيرة على مستقبل أمتنا بسبب نزيف الأدمغة العربية إلى الخارج فسوف أورد بعض الدراسات وكذلك الإحصائيات المتعلقة بدراسة هذه الظاهرة.. هذه الأرقام المذهلة التي توجب على كل فرد في هذه الأمة التوقف مليّاً والتفكير بجدية حيال النزيف المستمر لأهم مورد تمتلكه الأمة وهم العلماء، ففي مذكرة الأمانة العامة للاتحاد البرلماني العربي حول جوهر الأدمغة العربية ووضع سياسة واضحة لاستيعاب الكفاءات العربية والحد من هجرتها إلى الخارج، المقدمة للاتحاد البرلماني العربي المنعقد في الخرطوم في الفترة من 9 - 11 فبراير 2002م، ورد فيها الآتي:
تعتبر هجرة الكفاءات والخبرات أو ما اصطلح على تسميته (هجرة الأدمغة) أو هجرة العقول، واحدة من أكثر المشكلات حضوراً على قائمة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها البلدان النامية، منذ أن باشرت هذه البلدان بوضع البرامج للنهوض بأوضاعها المتردية الموروثة عن حقب طويلة من الحكم الاستعماري والهيمنة الأجنبية، وتمثل هذه المشكلة بالنسبة للبلدان العربية جرحاً نازفاً يثخن الجسد العربي، وتقف حاجزاً كبيراً في طريق التنمية العربية من خلال استنزاف العنصر الأثمن، والثروة الأغلى من بين العوامل الضرورية للنهوض بتنمية حقيقية متينة الأسس، قابلة للتطور والاستمرار.. ولكي ندرك أبعاد هذه المشكلة وخطورتها على واقع البلدان العربية ومستقبل عملية التنمية فيها قد يبدو من المفيد أولاً إيراد بعض الأرقام حولها.. تشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة، إلى الحقائق التالية:
- يسهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.
- إن 50 % من الأطباء و23 % من المهندسين و15 % من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا بوجه خاص.
- إن 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
- يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34 % من مجموع الأطباء العاملين فيها.
- إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75 % من المهاجرين العرب.
- بلغت الخسائر التي مُنيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وتعتبر منظمة اليونسكو أن هجرة العقول هي نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول، يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (ناحية الدول المتقدمة)، أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا، لأن هجرة العقول هي فعلاً نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج، وهو العنصر البشري.
وفي دراسة أخرى حول هذا الجانب أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية أكد فيها أن هجرة العقول العربية تكلف الدول العربية خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار.. مضيفة: إن الدول الغربية الرأسمالية تعد الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن 450 ألفاً من هذه العقول.. ورأت الدراسة أن المجتمعات العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية وليست جاذبة أو حاضنة لهذه الكفاءات، الأمر الذي أدى إلى استفحال ظاهرة هجرة العقول والأدمغة العلمية العربية إلى الخارج، خاصة إلى بلدان الغرب.
وذكرت أن 45 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن 34 بالمائة من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب.. مضيفة: إن هناك نحو 75 بالمائة من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى ثلاث دول، تحديداً هي أمريكا وبريطانيا وكندا.
ونوهت بأن الوطن العربي يسهم ب31 بالمائة من هجرة الكفاءات من الدول النامية إلى الغرب الرأسمالي بنحو 50 بالمائة من الأطباء، و23 بالمائة من المهندسين، و15 بالمائة من العلماء النابهين من العالم الثالث.
البحث العلمي سبب هام لهجرة العقل العربي
إن من الحقائق المذهلة أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي والتقني في الوطن العربي يبلغ درجة متدنية «ويعد هذا من أهم أسباب هجرة العلماء»، مقارنة بما هو الحال عليه في بقية دول العالم.. وتوضح الدراسات أن الإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي مجتمعة لا يتجاوز 2.0 بالمائة من إجمالي الموازنات العربية، في حين يبلغ الإنفاق السنوي في إسرائيل 6.2 بالمائة في الموازنة السنوية، أما أمريكا فتنفق 6.3 بالمائة، والسويد 8.3 بالمائة، وسويسرا واليابان 7.2 بالمائة، وفرنسا والدانمرك 2 بالمائة.
وترى جميع الدراسات المهتمة بهذه الظاهرة أن ضعف الاهتمام بالعلم والبحث العلمي يعد أحد العوامل المركزية في الضعف الاستراتيجي العربي في مواجهة إسرائيل، وأحد الأسباب الرئيسة وراء إخفاق مشاريع النهضة العربية.
ودعت الدراسات إلى مضاعفة الإنفاق العربي على البحث العلمي إلى 11 ضعفاً عن المعدلات الحالية، وتطوير السياسات المشجعة على تطوير البحث العلمي في كل قطاعات المجتمع وذلك للتمكن من سد الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب وإسرائيل.. ولهذا أصبحت ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية تشكل هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء.
وأشار المتخصصون إلى أن هذه الهجرة شملت كوادر متخصصة في تخصصات حرجة ودقيقة، وإلى أن استفادة الدول العربية من هذه الهجرة ضعيفة للغاية مقارنة باستفادة إسرائيل من مثل هذه الهجرات.. مؤكدين ضرورة التصدي بكل الوسائل لوقف هذا النزيف الذي يلحق الضرر بالتطور الاقتصادي القومي والتركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية.
تعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين، خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة.. وتتمثل أهم الآثار السلبية في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وتعاني مصر وغيرها من الدول العربية من آثار هذه الظاهرة، حيث يقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التي هاجرت للخارج ب428 ألفاً وفقاً لآخر إحصاء صدر في عام 3002 ، من بينهم نحو 0052 عالم.. وتشير الإحصاءات إلى أن مصر قدمت نحو 06 % من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 01 % بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو 5 %.
ويؤكد الدكتور عبدالسلام نوير - مدرس العلوم السياسة بجامعة أسيوط - في دراسة حديثة، أن الخسائر التي مُنيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية بلغت 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وأن الدول الغربية هي الرابح الأكبر من 054 ألفاً من العقول العربية المهاجرة.
وتضيف الدراسة: إنه في حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول فإن إسرائيل المستفيد الأول من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة إليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية.
وتذكر الدراسة أن مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق، ففي أمريكا حوالي 813 كفاءة مصرية، كندا 011، استراليا 07 و53 في بريطانيا، 63 في فرنسا، 52 في ألمانيا، 41 في سويسرا، 04 في هولندا، 41 في النمسا، 09 في إيطاليا، 21 في أسبانيا، وفي اليونان 06 .. وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 93 % تليها كندا 3.31 % ثم أسبانيا بنسبة 5.1 % وتتضمن هذه الأرقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة، وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالإشعاع والهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، والهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الأنسجة، والفيزياء النووية، وعلوم الفضاء، والميكروبيولوجيا، والهندسة الوراثية، والعلوم الإنسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية.
وتلفت دراسة الدكتور نوير إلى القنوات الرئيسة لهجرة الكفاءات العربية إلى البلدان الغربية هي الطلاب في الجامعات الغربية لاسيما المبعوثين الذين ترسلهم الجامعات والمراكز البحثية ولا يعود هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية.. وتؤكد أن مصر تعد من أكثر الدول معاناة من هذه المشكلة، حيث قُدّر عدد من تخلف من مبعوثيها في العودة إليها منذ بداية الستينيات حتى مطلع عام 57 بحوالي 049 مبعوثاً بنسبة 21 % من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة.
وتركز معظمهم في أمريكا، كندا، فرنسا وبريطانيا، وكانوامن المتخصصين في الهندسة والطب والأبحاث الزراعية، وخلال الفترة من 07 إلى 0891م لم يعد إلى مصر07 % من مبعوثيها في الولايات المتحدة.
أهمية إيقاف نزيف الأدمغة
بعض المفكرين يرى أن الوطن العربي لا يعاني من نزيف الدم فحسب بل هناك ما هو أشد من ذلك.. يقول المفكر والكاتب نايف كريم: ليس الدم وحده الذي ينزف في الوطن العربي بل إننا نعاني من نزيف أعمق وأخطر وأشد إيلاماً، إنه نزيف الأدمغة، ومكمن الخطورة في هذا النزيف القاتل أنه يتم بهدوء من دون ضجيج كالذي يثيره نزيف الدماء مع أن مفاعيله وآثاره أشد وطأة على مستقبل الوطن العربي، وتصيب أضراره كل مواطن عربي ولعدة أجيال، ذلك أن حرمان عجلة التقدم في أي بلد من العقول والأدمغة والخبرات اللازمة لتحريكها يترك آثاره السلبية على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والصحية والتربوية...إلخ.
ويقول تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي للعام 2002م: إن أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، يسهم وجودهم في تقدمها أكثر، ويعمق رحيلهم عن الوطن آثار التخلف والارتهان للخبرات الأجنبية.
وفيما يخص أسباب هجرة العقول العربية يقول الدكتور فاروق الباز، وهو من كبار العقول العربية التي هاجرت مصر منذ ستينيات القرن الماضي، ويشغل حالياً منصب مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن، بعد ما عمل لسنوات طويلة مع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» في مشاريع استكشاف القمر والفضاء.. يقول: إن لكل عالم وخبير عربي أسبابه الخاصة التي دفعته إلى الهجرة، وهذه تضاف إلى الأسباب العامة المشتركة في الوطن العربي، حيث لا احترام للعلم والعلماء، ولا تتوافر البيئة المناسبة للبحث العلمي والإبداع.
وبالتالي فمن الطبيعي أن يبحث العالم العربي وطالب المعرفة عن المكان الذي تتواجد فيه شعلة الحضارة، إذ عندما كان العالم العربي يحمل شعلة الحضارة قبل مئات السنين كان يأتيه المفكرون والخبرات والعقول من كل حدبٍ وصوبٍ، وبما أن شعلة الحضارة انتقلت إلى الغرب فمن الطبيعي أن يهاجر الخبراء والعلماء إلى المراكز التي تحتضن هذه الشعلة.
ويذكر تقرير رسمي حول العمالة العربية المهاجرة، أعده المدير العام لمؤسسة العمل العربية الدكتور إبراهيم قويدر، أن عدد حملة الشهادات العليا فقط من العرب المهاجرين إلى أمريكا وأوروبا يبلغ 054 ألف عربي، ما يعني أن الولايات المتحدة ودول غربي أوروبا توفر مليارات الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها، إذ لم تتعب هذه الدول لتنشئة وتدريب هذه العقول ولم تتكلف عليها، فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها، وهكذا يذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة ليصب مباشرة في إثراء البلدان المتقدمة ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها، فيما يخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كان يمكن أن تسهم هذه العقول في إيجادها.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الدول العربية كالكويت والعراق وليبيا وضعت برامج وخططاً، وافتتحت مراكز للبحث العلمي بهدف إيقاف هذا النزيف وتشجيع العقول العربية المهاجرة على العودة، إلا أنها لم تنجح إلا باستقطاب القليل من الخبرات نظراً لعدم شمولية المعالجة وعدم النجاح في إيجاد بيئة علمية مستقرة.. بل إن بعض المصادر تشير إلى أن بلداً كالعراق هاجر منه 0537 عالماً في مختلف المجالات ما بين عامي 1991م و8991م نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة في العراق وظروف الحصار الدولي التي طالت الجوانب العلمية.
من المسئول عن كل هذا ؟
سؤال يطرح نفسه عن تفشي هذه الظاهرة، ويستفز المواطن العربي كثيراً عندما يسمع بأخبار نزيف الدم في أي بلد عربي، لكنه لا يشعر بتاتاً بنزيف العقول العربية، بل تراه يسهم به عبر دفع أبنائه المتميزين إلى الهجرة لإكمال دراساتهم العليا وبناء مستقبلهم دون أن يكون لنا الحق في لومه على ذلك، فالمواطن الفرد ليس مسئولاً عن عدم توافر البيئة العلمية المزدهرة في الوطن العربي، وإن كان شريكاً مع المجتمع ككل الذي يتحمل مسئولية افتقاد هذه البيئة.
ومن كان حريصاً على إيقاف نزيف الدم العربي عليه أن يعمل أولاً على إيقاف نزيف الأدمغة العربية.. إذ لن يتوقف نزيف الدم العربي قبل أن يتوقف نزيف الأدمغة العربية، فالأمة التي تفرط بعقولها تهون على أعدائها.
وتشير جميع الدراسات المتخصصة بدراسة هذه الظاهرة إلى أن الأسباب الرئيسة لهذه الهجرة هي نتيجة لتشابك جملة من الأسباب والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية، ولكنهم يجمعون بأن أهم أسباب هجرة العقول تكمن في عدم وجود البيئة المناسبة للبحث العلمي رغم الثروات الطائلة التي تملكها هذه الأمة، وتفرز هجرة العقول العربية إلى البلدان الغربية عدة آثار سلبية على واقع التنمية في الوطن العربي.
ولا تقتصر هذه الآثار على واقع ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية فحسب، ولكنها تمتد أيضاً إلى التعليم في الوطن العربي وإمكانات توظيف متخرجيه في بناء وتطوير قاعدة تقنية عربية.. ومن أهم الانعكاسات السلبية لنزيف العقول:
- ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول العربية التي تصب في شرايين البلدان الغربية، بينما تحتاج التنمية العربية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقانة.
- تبديد الموارد الإنسانية والمالية العربية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات التي تحصل عليها البلدان الغربية دون مقابل.
- ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في البلدان العربية بالمقارنة مع الإنتاج العلمي للعرب المهاجرين في البلدان الغربية.
ومما يلفت النظر في الوطن العربي أنه مع ازدياد معدلات هجرة العقول العربية إلى الغرب يزداد اعتماد غالبية البلدان العربية على الكفاءات الغربية في ميادين شتى بتكلفة اقتصادية مرتفعة ومُبالغ فيها في كثير الأحيان.
وبعبارة أخرى فإن البلدان العربية تتحمل بسبب هذه الهجرة خسارة مزدوجة لضياع ما أنفقته من أموال وجهود في تعليم وإعداد الكفاءات العربية المهاجرة، ومواجهة نقص الكفاءات وسوء استغلالها والاستفادة منها عن طريق استيراد الكفاءات الغربية بتكلفة كبيرة.
ما الحل ؟
إن الحل في مواجهة هذا الخطر القادم، الخطر الحقيقي المحدق بالأمة، المهدد لمستقبلها، لا يمكن تجاوزه ما لم يعِ ويدرك كل فرد في الأمة حقيقة هذا الخطر، ويفهم خطورة الموقف، يمكن لنا حشد الطاقات والاستعداد للمواجهة.
نعم إن كل فرد في الأمة كبر شأنه أو صغر لابد له أن يخوض هذه الحرب الضروس لتجاوز هذا الخطر، بل يجب على الأمة (كل الأمة) رفع شعار الجهاد العلمي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وتسخير جميع طاقات وإمكانات الأمة لرفع هذا الشعار.. يجب على إعلامنا خوض المعركة، ويجب على رجال الدين حشد الطاقات ورفع راية الجهاد المقدس ضد هذا الكابوس، كما يجب على الدولة الممثلة بمؤسساتها، وأخص بالذكر - هنا - وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كونها هي الجهة المخولة برسم وتنفيذ مثل هذه السياسات، العمل على إنشاء صندوق خاص للبحث العلمي، وذلك بهدف إنشاء البنى التحتية المناسبة للبحث العلمي، والعمل على دعم المؤسسات والأفراد العاملين في هذا القطاع.. نعم صندوق خاص لدعم البحث العلمي.. كما يجب أن تتفاعل الأمة وبجميع شرائحها في دعم هذا الصندوق، بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك أن تستقطع مبالغ مالية دعماً لهذا الصندوق من مرتبات جميع موظفي الدولة، بل ويجب على مجلس النواب إقرار مشروع لفرض ضريبة البحث العلمي على كل منتج محلياً كان أو خارجياً.. نعم ولِمَ لا..؟! ألسنا في خطر؟! أليس ديننا الحنيف يدعونا للذود عن أنفسنا ومقدساتنا؟!
أرجو من الله العزيز أن تتجاوز أمتنا هذا الخطر، وتنتصر عليه.. أرجو ألا يُحرم أي فرد من أفراد هذه الأمة الأجر والثواب المستحق مقابل دفع هذا الخطر عن الأمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.