يحتفي أبناء مديرية حيس بليلة البهجة «ليلة ال 27 من رجب» أو كما تُسمى بليلة الرجبية .. لهذه المناسبة الدينية حضورها الخاص وطقوسها الاحتفائية المتنوعة .. حينها تتبارى فرق شعبية في مناطق المديرية والمديريات المجاورة في تقديم كل ماتجيده من فنون الانشاد ومدح رسول الله.. وسباقات الخيالة والهجن وقفز الجمال وإبراز الموروث الثقافي والشعبي في المنطقة. من منا لايعرف تفاصيل تلك الحادثة التي أكرم المولى عز وجل بها خليله وصفيه رسولنا محمد صلوات الله عليه وسلم بعد تلك الأحزان والارهاصات التي تعرض لها صلوات الله عليه وسلم في سبيل تبليغ الرسالة السماوية التي حمل بها للبشرية وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم أوقاتاً عصيبة كما ذكرتها مصادر السيرة النبوية في مواجهة الكفار ومن وقفوا ضد تبليغ هذه الرسالة التي حملت كل الخير والنجاة للبشرية وقد أراد الله عز وجل التسلية والترويح وإبعاد الهموم والأحزان عن سيد البشرية وأراد الله عز وجل اكرامه بأن يسري به إلى بيت المقدس لعظمة هذا البيت ولأنه كان أولى قبلة للمسلمين ويصلي بالأنبياء ثم يعرج به إلى السموات العلى إلى أن يرى ربه ويتلقى أعظم توجيه وأنبل وأقدس عمل هي الصلاة ثم يعود إلى فراشه ومازال الدفء فيه وكل ذلك تم على دابة تسمى بالبراق وارتقى حتى وصل إلى أماكن لم يصلها غيره إكراماً من رب السموات والأرض وما في هذه الأكوان وبهذه المناسبة الغالية على قلب كل مسلم وبتلك البهجة والسرور والفرحة التي عاشها الرسول (صلى الله عليه وسلم) طوال تلك الفترة التي بدت قصيرة ولكنها طويلة بما حملتها إلى أن تقوم الساعة ولهذا فأبناء تهامة من أوائل البشر الذين كان لهم دورهم في الوقوف والمساندة إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم واظهار هذه الدعوة والتبليغ وقد برز منهم رجالات الدعوة وقادة الجيش وشخصيات كان لها ثقلها في حمل هذه الرسالة وساهموا في انتشار الإسلام حتى تجار اليمن ساهموا في نشرها ولذلك أحبهم الرسول وسمي بالنبي التهامي وكان في بعض أحاديثه يخاطبهم بلهجتهم التهامية مثل ذلك الحديث الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً أحد المسلمين التهاميين وكان على سفر وفي شهر رمضان ولم يضطر برغم ترخيص الإسلام للمسافر أن يفطر،حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بلغه خبر أنه أغمي عليه فقال بلهجه التهامي «ليس من أمبر أمصيام في أمسفر» ولهذا أحبه التهاميون كل الحب وسموا هذه الليلة التي أُسري وعُرج به إلى السماء بليلة البهجة.. وفي كل المدن التهامية يقوم أبناؤها بإحياء هذه الليلة بالسمر وإقامة الاحتفالات والمهرجانات والاستماع إلى قصة الإسراء والمعراج وتفاصيلها المثيرة وكل ماحصل للنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة. طقوس المناسبة في حيس وتعد مديرية حيس الواقعة في محافظة الحديدة من أكثر المدن التهامية احتفالاً وهي مركز للاحتفال بهذه الليلة وجيلاً بعد جيل تطورت هذه الاحتفالات بإقامة العديد من الطقوس والعادات والتقاليد وإبراز الموروث الشعبي بمختلف أنواعه وإقامة الولائم والذبائح واستقبال الضيوف الوافدين من مختلف المدن والمديريات والمحافظات لدرجة أن كل المغتربين من أبناء المديرية يعودون إلى وطنهم للمشاركة مع أهاليهم بهذه المناسبة وتمتلئ بيوتات حيس ومنازلها ومبارزها وأماكنها العامة بكل الزوار وتقام المخادر وتنصب الخيم وتصبح حيس كبيت واحد لكل الزوار وفي الأماكن العامة تشهد حيس ذلك الحراك وتعج حيس بكثرة من يقصدونها وكل بيت في حيس يقوم بذبح الخروف وإعداد الموائد من مختلف أصناف الطعام اكراماً للضيوف ويتم توزيع الذبائح على فقراء الناس ومن ليس باستطاعتهم الذبح وتعم الفرحة والسرور الكبير والصغير ويلبس الكل الجديد وتكثر الحركة التجارية وعملية البيع والشراء وتشهد حيس سوقاً عاماً وتتنوع الحركة التجارية لمختلف البضائع إلى حد توفير كل مايلزم المشتري وحتى الأطفال وتستمر هذه الحركة التجارية على مدار 42 ساعة بالإضافة إلى الليلة التي تسبق ليلة المعراج. إحياء الموروث الثقافي والشعبي في الليلة التي تسبق ليلة الاحتفال ب ال 72 رجب أو ما يسمى الرجبية جرت العادة أن يستقبل مشائخ وأعيان المديرية والقياديون كل المشاركين والراغبين في المشاركة بما لديهم من فنون شعبية وموروث شعبي وكذلك المشاركين من الخيالة والفرسان وأصحاب الهجن والقافزين من فوق الهجن والممارسين لكل الألعاب الشعبية ومنهم ذوو المهارات العالية في استعمال السيوف والفنون القتالية والاستعراضية والراقصون الماهرون في الرقصات الشعبية من الرقصات التهامية والتي من أشهرها رقصة الحقنة على أصابع الأرجل وتؤدى بشكل جماعي وكذا رقصة الشرح ورقصة المخدماني وغيرها وفي الليلة التي تسبق يوم الاحتفال تؤدى العديد من الرقصات والألعاب الشعبية وكل فرقة لها حلقتها الخاصة وتسمى بليلة استقبال المعراج ويكون المشاركون كما جرت العادة من أبناء المديريات المجاورة وكل مديرية تشارك بعدة فرق ويأتي الخيالة والفرسان المشاركون من كل المديريات المجاورة خاصة من قبيلة الزرانيق من بيت الفقيه والحسينية وكذلك من مديرية زبيد والتحيتا والمغرى بعدها يأخذون راحتهم بالمبيت والنزول ضيوفاً مكرمين. في صباح يوم الاحتفال 72 من رجب وفي الميدان العام بالمديرية أمام مدرسة النهضة أشهر مدارس المديرية وأقدمها ووسط تجمع حاشد للمواطنين وكل القادمين والواصلين الزائرين من مختلف المناطق والذين يصلون على دفعات ومجموعات على مدار اليوم كل يصل بحسب بعد منطقته وأكثرهم يصطحبون معهم أسرهم وأبناءهم حتى يستمتعوا معاً بقضاء يوم لا يمكن أن ينسى في رحاب وأحضان حيس أم المدن التهامية وأعرقها وأقدمها تاريخاً وفي الصباح وبحضور قيادة وأعضاء المجلس المحلي بالمديرية والمشائخ والأعيان والمهتمين بالموروث الشعبي والداعمين له والمحافظين عليه. العقيد- عبدالوالي السبلاني مدير المديرية رحب في كلمته بالمواطنين وبكل الزوار والضيوف والمشاركين واستعرض تاريخ مديرية حيس والفترات التاريخية التي برزت فيها ومالعبته من دور هام وخاصة في عهد الدولة الرسولية كما تطرق بالحديث إلى مناسبة الإسراء والمعراج وما تميزت به المديرية من تنظيم لهذه الليلة والاحتفال بها وكذلك الاهتمام بالفنون الشعبية والموروث الشعبي وضرورة الحفاظ على هذا التراث وإقامة مثل هذه المشاركات والترويج لها ليكون مهرجاناً سياحياً يروج لتهامة ولما تزخر به من جمال وطبيعة وتراث وآثار والقيت الكثير من القصائد التي تعظم هذه الليلة والمدائح واستعرضت بعض الرقصات الشعبية والألعاب وسط فرحة وابتهاج الجميع. عروض شعبية منذ الصباح الباكر ليلة الاحتفال إلى وقت الظهيرة تظل المديرية تستقبل المزيد والمزيد من الوافدين والزوار من مختلف المناطق والمديريات والمحافظات وتزداد الحركة وتنشط تدريجياً حتى تصل إلى ذروتها ليلاً والكثير من الحلقات الخاصة بالرقصات الشعبية والاستعراضية والألعاب الشعبية مقامة في كل شارع وحي وميدان وفي الأماكن العامة وأماكن التجمعات تقوم بعرض أحسن ما لديها وسط إعجاب شديد والزائر يحتار أين يذهب وماذا يشاهد ومن أين يبدأ ولكن بعد أن يطوف على أغلبها يجد نفسه قد ثبت واستقر به الحال لمشاهدة رقصة أو لعبة أعجبته بالإضافة إلى أن هنالك بعض الفرق الاستعراضية تطوف حتى تصل إلى كل ركن في المدينة وعملية البيع والشراء قائمة على مدار اليوم والليلة، والكل من أبناء المديرية والمديريات المجاورة يستغلون هذا اليوم في أعمال ومهن مختلفة بما ينعكس ذلك على تحسين أوضاعهم المعيشية وتلبية متطلبات أسرهم. أصناف من الوجبات بعد الظهيرة يبدأ الجميع بالسكون وأخذ قسط من الراحة وتناول وجبة الغداء لكنها ليست هي الوجبة الأساسية في هذا اليوم حيث يكون الغداء أي شيء وكل حسب مقدرته في إكرام ضيفه والوجبة الأساسية الدسمة التي تحضر لها نساء المديرية ويعددن لها منذ الصباح ويبالغن في تنوع أصناف المأكولات والتفنن في إعداد وأحسن ما لديهن وخاصة وجبة اللحم والتنوع في طبخه لكي يكون العشاء هو روح الروح وتستقبل كل البيوت كل من يعرفونه أو لا يعرفونه وفي العصر يستقر البعض لتناول القات وسط المنازل التي تنقلب إلى دواوين ومبارز وفي الأماكن العامة وفي المخادر والأسقف التي تم إعدادها لكي تستقبل أكبر عدد وبزينة وأضواء ومكبرات الصوت والفرق الفنية تطوف وتقدم أجمل ما لديها وكل المواطنين والزوار يكرمونهم بمال كل على حسب مقدرته وبعضهم لا يستقر مخزناً في مكانه ويطوف في أرجاء المدينة ليزداد متعة ومشاهدة إلى المغرب بعدها تستعد البيوت بفتح موائدها المعدة بما لذ وطاب. قصائد في مدح الرسول ويستمتع الجميع وسط مقيلهم بسماع أجمل المدائح والقصائد في مدح الرسول «ص» وذكر مكارمه وأخلاقه وبعض من القصائد، تتناول بالشعر الشعبي التهامي والتنوع في الإلقاء ومكبرات الصوت لا تكاد تهدأ محولة المدينة إلى عرس وفي وقت العشاء يتناول كلاً من في المدينة عشاءهم ومن ثم كل يأخذ مكانه للسمر ومنهم من لا يحب تناول القات ليلاً فيقضي الليلة يطوف المدينة متنقلاً بين تلك الحلقات ومعظم من يسمرون لا تفوتهم سماع قراءة سيرة الإسراء والمعراج وبأصوات تشوق السامع وآخرون يقرأون الأحاديث الواردة في الإسراء ويستمر المنشدون والمداحون والمقصودون يقدمون أروع ما لديهم وسط تلك المجموعات من الراقصين الشعبيين وفرقهم الذين يطوفون ويقفون بين الحين والآخر وسط التفاف من يحب أن يقضي ليلته وسطهم حتى يحين موعد صلاة الفجر، الكل يهدأ ويسكن ويستعد للصلاة حيث تكتظ بهم المساجد ولا يجد بعضهم إلا الشارع ليصلي فيه ما لم يكن هو أول من يدخل المسجد. رياضة شعبية بعدها ينطلق الجميع إلى خارج المدينة في مساحة واسعة أعدت وجهزت لاستقبال آخر فعالية وختام هذه الليلة في مشاهدة أروع السباقات والتمتع بمشاهدة الفقرات المتعددة والاستعراضات للفرسان على خيولهم وكذا سباقات الهجن والقفز من على الجمال ولعبة المبارزة بالسيوف وسط تواجد خارج أرض السباقات عشرات الفرق