طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن وأهل اليمن
أربعون زيارة وألف حكاية ورواية
نشر في الجمهورية يوم 03 - 08 - 2008


الحلقة44
أركنها الفقيه
سمعت عن اسم السيدة عزيزة عبد الله لأول مرة في القاهرة قبيل اندلاع ثورة 26 سبتمبر عام 1962 بنحو شهرين في منزل القاضي الشاعر محمد محمود الزبيري أبو الأحرار اليمنيين طيب الله ثراه ، وكنت آنذاك على صلة صحفية حميمة به ورموز غيره من قادة المعارضة اليمنية وبينهم الاستاذ أحمد النعمان والاستاذ محسن العيني ممثل اليمن آنذاك فى اتحاد العمال العرب وعدد آخر من الطلبة اليمنيين الذين كانوا يدرسون عهدئذ فى جامعة القاهرة والمدارس الثانوية النائية فى حلوان وطنطا وبني سويف.
اذكر في منزله الكائن بحي الدقي ان كنت في زيارته والصديقين الاديبين غالب هلسا “الأردني” ووحيد النقاش “المصري”- يرحمهما الله- عندما زف الينا الأستاذ الزبيري خبر خطبة الاستاذ محسن العيني على الانسة عزيزة عبد الله التي جاءت من اليمن مع اخيها وسكنت مع اسرته، وقدم لنا في هذه المناسبة السعيدة اكواب الشربات واطباق الزبيب واللوز ، وهو يحكي لنا امر تلك الخطبة العجيبة ، وكيف انها تمت شفاهة في عدن بين شقيقها سنان ابو لحوم ابرز مشائخ قبائل بكيل وواحد مع المع قادة حركة الاحرار الدستوريين وبين الاستاذ محسن العيني الذي كان يعمل مدرسا انذاك دون ان يرى حتى صورتها أو يلتقي بها وجها لوجه الا ليلة الزفاف التي شهدتها مع جمع غفير من النخب المصرية واليمنية!
على ان علاقتي باليمن واليمنيين سواء على الصعيد الصحفي او على الصعيد الشخصي لم تتوثق وتدوم الا بعد اندلاع الثورة السبتمبرية ، حين قدر لي السفر سريعا الى متابعة مسيرتها والكتابة عنها ، وان تتواصل العلاقة وتزداد وثوقا عبر زهاء خمسين زيارة لليمن ، وخلالها تبوأ الاستاذ محسن العيني العديد من المناصب الرفيعة في اليمن وخارج اليمن ومن هنا أسمح لنفسي – بحكم صداقتنا العائلية التي لم تنقطع أبدا – الادلاء بشهادتي عن زوجته الفاضلة السيدة عزيزة عبد الله ومشوارها في التثقيف الذاتي ، إذ شاء قدرها وقدر المرأة اليمنية إبان عهود الامامة الظلامية الانزواء في ظل الرجل ، وأن يقتصر تعليمها – وغالبا في البيت – على مبادئ القراءة والكتابة فحسب ، وربما حفظ بعض سور القرآن الكريم في احسن الاحوال ، وتلك كانت ميزة تخص بها بعض العائلات بناتها وليس كل العائلات والبنات !
على أنني عندما قرأت السيرة الذاتية للسيدة عزيزة عبد الله عبر حوار معها نشرته صحيفة “رؤى” بمناسبة صدور روايتها الاولى “احلام .. نبيلة” أدركت ان ثمة فرصة محدودة اتاحت لها قسطاً من التعليم النظامي في الصغر بمدرسة الزمر ، وكانت التلميذة الوحيدة بين تلاميذها الذكور ، وبعدها أصبح عدد البنات أربعة ، صحيح انها لم تكن مدرسة بالمعنى المتعارف عليه الآن ، لكنها كانت على أي حال افضل قليلا من كتاتيب ذلك الزمان .
ويرجع الفضل لوالدها في الخروج على تقاليد ذلك الزمان التي كانت تحرم تعليم البنات ، إذ كان من أبرز قادة القبائل الذين تعاونوا مع حركة الأحرار الدستوريين التي فجرت ثورة 1948 ، ودوره معروف في قيادة المحور الغربي في شبام كوكبان ، وظل في موقعه صامداً حتى سقطت صنعاء ، حيث أودع مع رفاقه سجن حجة الرهيب بعد فشل الثورة .
ولانه خالط قادة الثورة ومعظمهم من العلماء ورجال الدين ، واتخذ لنفسه بيتا في صنعاء كانوا يترددون عليه ويتحاورون ، لذلك كان حريصا على ان يتسلل نور العلم الذي حرم منه الى عقول أولاده وأولاد عائلته ، والى الحد الذي أباحه لابنته الوحيدة من احدى زوجاته .
وربما لولا هذا القسط من العلم ، لما كان لها ان تقرأ منشورات الثورة التي تأثرت بها كثيرا وأدركها الوعي مبكرا بمأساة اليمن من خلال كتاب “معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن” الذي تعرفت فيه على فكر كاتبه الاستاذ محسن العيني قبل ان تلتقي به وتزف اليه ، وتنفتح عبر الرفقة الزوجية المباركة على العالم وتقدمه وثقافاته ولغاته ، مما أهلها للولوج بخطى ثابتة الى مجالات العمل الاجتماعي التطوعي ، سواء في اوساط نساء المهاجرين والسلك الدبلوماسي العربي في الخارج ، وسواء داخل اليمن ، فكان تكريمها أخيراً بجائزة اتحاد نساء اليمن ، لكنها لا تزال تصبو الى ارفع وسام ، حين تتكلل جهودها الراهنة بتحويل قصر غمدان التاريخي في صنعاء من مجرد قصر للسلاح الى قصر للثقافة !
وعلى الرغم من ان مقتضيات الرفقة الزوجية فرضت عليها بالضرورة واجبات رسمية وبرتوكولية واجتماعية متباينة ، فضلا عن كونها ربة بيت ، وكذا مسئوليتها عن تربية الاولاد ورعاية الاحفاد ، إلا ان السيدة أم هيثم ظلت دوما قادرة على المواءمة بين الواجبات العامة ، وبين هواياتها واهتماماتها الخاصة .
وأشهد على سبيل المثال شغفها النهم للقراءة وتعلم الكمبيوتر واللغات الحية وما تيسر لها من الاطلاع على الأدب والشعر والفن وشتى المعارف الإنسانية ، مما كان له الفضل في إطلاق ملكاتها في التعبير عن خواطرها والكتابة في الصحف شعراً ونثراً ، فما أن اطمأنت الى ان رجع الصدى يحمل اليها بشارات القبول حتى تجرأت على اقتحام لون صعب المراس من فنون الأدب ، عندما فاجأت الجميع بنشر رواية “احلام .. نبيلة” التي نالت حظاً وافراً من النقد والتقريض ، ثم لم يمض سوى عام حتى فتحت كنوزها المخبأة وقدمت هذه الرواية “اركنها الفقيه” وفي الطريق – كما علمت – روايتها الثالثة “طيف ولاية” والرابعة “عرس الولد” .
الفقيه الدعي المنحل
والشاهد انني استمتعت كثيرا عندما قرأت “أركنها الفقيه” ووجدت فيها نضجاً فنياً ورؤية ابداعية تمثل نقلة نوعية مقارنة بروايتها الأولى ، لكنها سألتني إن كانت لدي ملاحظات على الرواية سواء من حيث الصياغة او المضمون والمعالجة ، قد يكون من المفيد تداركها قبل تقديمها الى الناشر ، وقلت لها : ان ملاحظاتي انا وغيري على الرواية الان اشبه بمن يقترح على الرسام او الموسيقي التغيير بالحذف او الاضافة او التعديل بعد اكتمال العمل، وبدوري سألتها إن كانت روايتها قد اكتملت بالفعل ام لا تزال مجرد “بروفة” ؟ فقالت : لقد اكتملت بالفعل . قلت لها : إذن الحديث عنها مؤجل الى حين طبعها ونشرها !
عندئذ فقط روت لي ما وراء سؤالها ، وكيف انها ترددت كثيرا في نشر الرواية ، بدعوى ان أحد أبطالها فقيه ، وللدين قداسته ولرجالاته الاجلال والتوقير في المجتمع اليمني منذ عرف الإسلام وشارك في فتوحاته وصنع حضارته ، ولذلك كانت خشيتها من محاولة البعض إسقاط الماضي على الحاضر ، والخيال على الواقع ، وذكرت لي انها سبق لها ان عرضت ما كتبته على شخصية يمنية لها مكانتها العلمية والدينية المرموقة وسألته ان يفتيها في امرها ، وبدوره أكد لها انه لم يجد في شخوصها وأحداثها ما يسيء الى رجال الدين من قريب او بعيد ، وإن فكرة الرواية وغايتها تكمن في تنقية الدين ورجالاته من الدجل والدجالين والدخلاء ، وإن مثل هذا الفقيه الدعي المرتزق لم يسلم منه الاسلام على مر عصوره المختلفة ولا أي دين سماوي آخر ..
كذلك عرضت الرواية على طبيب نفسي شهير أعرفه ، وسألته إن كانت لشخصية البطلة وازدوجياتها – اثر فقدانها الذاكرة – لها ما يشبهها في الحياة وليست استثناء بذاتها؟ فقال لها ان ذلك يحدث فعلا ، خاصة في ضوء ما تعرضت له البطلة من توالي الأحداث الجسيمة ، ومصارعتها للوحوش الحيوانية والإنسانية !
قلت لها : إذاً فقد حازت الرواية على ثلاث فتاوى بالاجازة ، الأولى دينية ، والثانية علمية ، والثالثة أدبية إذا جاز لي ان اعتبر نفسي أديبا كوني مجرد كاتب صحفي يهوى الأدب.
توكلي يا سيدتي إذاً على الله وادفعي بالرواية الى المطبعة ، وانتظري النتيجة بعد الامتحان ، أعني بعد النشر وليس قبل النشر .
وهنا أبانت عن سر ترددها ، فعندما أدركتها الشجاعة وقدمت الرواية الى صحيفة 26سبتمبر ، وبدأت في نشر بعض فصولها، فوجئت بمقال في إحدي الصحف اليمنية يتهمها شخصياً بالتآمر على الثورة ، بينما اتهم الرواية بالتهجم على العلم والعلماء وفقا للاسلوب الشائك “ولا تقربوا الصلاة” دون استكمال الاية الكريمة “وأنتم سكارى” ! ، ولا تعلم حتى الان لماذا توقف نشر بقية فصول الرواية ، وهل كان ذلك الاتهام السبب أم لا ، لكنها توافرت بعد ذلك على كتابتها من جديد حتى اكتملت في صورتها النهائية !
والحقيقة ان الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية ، تدحض افتراء التهجم على الثورة ، كما ان جوهر الرواية ومغزاها ، يكمن حسب تقديري في الانحياز الصريح لضرورات الثورة وحتميات قيامها فوق انقاض الكهنوتية التي سولت لبعض رموزها استباحة العقول والحقوق والأعراض باسم الدين ، والدين منها براء !
ويقيني في النهاية ان الادب والفن والسياسة والبحث العلمي خسروا كثيرا في مجتمعاتنا من جراء عوامل التخويف والإرهاب الفكري والحجر على الحريات الديمقراطية والمصادرة على المطلوب ، فالمؤلفة حين التقطت فكرة الرواية وعالجتها برؤيتها الذاتية لم تضع في حساباتها الانحياز لاي من ابطالها ولا انتقائية فضائلهم او مساوئهم ، وذلك “ان كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون” وهذا قول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، ويقول السيد المسيح عليه السلام “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” ، إذاً فالخطأ والصواب قدر الإنسان في كل زمان ومكان ، وغاية الحكمة الإلهية ان يتدارك الإنسان الخطأ عبر التحوط والوقاية من الوقوع في شراكه وذلك ما عنيت به الرواية وإلا لما عني القرآن الكريم بسير الظالمين الهالكين والأمم الغابرة التي تمادت في الاثام !
فإن كانت هناك ثمة كلمة حق في الكاتبة وروايتها ، فيكفيها سبق الريادة الذي لم تنتصر فيه على ذاتها فحسب ، وإنما كان انتصارها الأعم والأشمل للمرأة اليمنية وكل امرأة عربية تواقة الى التغيير واستشراف المستقبل الأفضل ، ولعل عزاءها وفرحتها معا يكمن في القبول بإبداعاتها .. سواء من النقاد والمثقفين وسواء من جمهور القراء في اليمن وخارجه ، وانها ما زالت تملك الإرادة والموهبة حتى وافقت دار الشروق القاهرية ودار النهار البيروتية على نشر روايتها الجديدة المثيرة للجدل “عرس الوالد” وهو ما يؤكد على ان قافلة التقدم والتنوير والديمقراطية في اليمن تواصل مسيرتها صوب غاياتها النبيلة ، غير آبهة بالقاعدين والمعترضين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب !
رحلة في البلاد العربية السعيدة
مع بداية زياراتي لليمن ومعرفتي الميدانية باوضاعها ، كنت كلما سألت وغيري من الصحفيين العرب والاجانب عن الدور الحديث للمرأة اليمنية بعد اندلاع الثورة ، كانوا يقدمون لنا ممرضة لا اذكر اسمها الان ، بينما كانت للمرأة شأن اخر في جنوب اليمن الذي كان منفتحاً انذاك على العالم والرازح تحت نير الاستعمار البريطاني ، ثم في ظل الحزب الاشتراكي الحاكم .. اذ كانت المرأة اليمنية تشغل العديد من المناصب حتى عضوية المجلس النيابي وتمارس مختلف المهن .
اليوم وبعد انجاز الوحدة اليمنية راحت المرأة تشق طريقها في ثقة وكفاءة وعن علم لاستعادة زخم حضارة تاريخ “العربية السعيدة” حين تربعت الملكات سدة الحكم تباعا وبينهن الملكة بلقيس في القرن العاشر قبل الميلاد ، وحتى نالت اليمن الحكم الذاتي بعد صراع طويل عام 1917 اثر الانفصال عن الحكم التركي .. وبعدها غطت المرأة في سبات عميق من التخلف والعزلة والتقاليد القاسية ، ومارست دورها كربة بيت او فلاحة او عامله او بائعة في ظل الرجل !
كانت المرأة اليمنية بائسة ومرهقة ومحرومة من نعمة التعليم فما بالكم بالترفيه على حد ما رصده الكاتب نزيه العظم في كتابه “رحلة” في بلاد العربية السعيدة ، حيث لاحظ في عيون نساء اليمن اصفرارا يشبه المصابين باليرقان ، وصحتهن معتلة للغاية ، وان بعضهن يعملن على مطحنة التمباك من طلوع الفجر حتى الظهر ، مقابل ما يسد حاجتهن للطعام المتواضع .
كانت نسبة الوفيات 80% بين الاطفال مع انتشار الاوبئة والمجاعات ، وكانت النساء المريضات يصرخن من الام المرض حتى الموت بغياب الرعاية الصحية ، وفي كتابها الشهير”كنت طبيبة في اليمن” تصف مؤلفته الفرنسية كودي فايان وضع المرأة حينها : “قد يخيل للانسان انه يستطيع ان يتصور فظاعة وشناعة كهذه ، ولكن مشاهدة هؤلاء النسوة في هذه الزرائب اكثر سوءاً من كل ما قد يخطر على البال ، لقد قرأت كما قرأ الناس اوصاف معسكرات الابادة والافناء ، ولكني هنا رأيت بأم عيني المرأة تحتضر وهي راقدة فوق برازها، رأيتها تنهض وتتناول طفلها المبلل وهي في النفس الاخير تتضرع وتتوسل !
حتى المرأة الفقيرة عندما تصل الى سن العمل ، كان مصيرها خادمة في بيوت الامراء والسادة ، واذا رفض والدها او زوجها يزج به في السجن ، وكانت المرأة مجبرة على الزواج ولم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها ، بينما تقف “العنوسة” على رأس قائمة المشكلات الاجتماعية الان في اليمن لاسباب شتى بينها المغالاة في المهور والشبكة وكلفة حفلات الزواج وهي من اهم الدوافع وراء الغربة وهجرة الرجال والعمل بالخارج للوفاء بتكاليف الزواج !
الان نستطيع الحكم الموضوعي باطمئنان الى ان المرأة اليمنية استفادت الى حد كبير من كسر الثورة لاسوار العزلة عن اليمن ، حيث اقبلت على العلم في نهم ، وشغل اعلى درجاته الجامعية كالماجستير والدكتوراه !
من الوزيرة الى الكابتن روزا
كذلك استفادت المرأة اليمنية من النهج الديمقراطي للوحدة الى حد بعيد ، حيث تشير ارقام الانتخابات التشريعية عام 1993 الى ان عدد الناخبات بلغ 478790 ناخبة ، حيث تصاعد العدد الى مليون و272.073 ناخبة في انتخابات عام 1997 وفوز 35 امرأة في الانتخابات المحلية ، ثم تضاعف العدد في انتخابات الرئاسة ، ولعله الحجة والدليل على ان المرأة اكتسبت دورها المجتمعي ، ومن كان يدور في ذهنه ان تقطع المرأة اليمنية هذا القدر من اشواط التقدم حتى اصبحت تشارك في العمل السياسي وعضوية الاحزاب ، وتبوأت اعلى مناصب القضاء والسلك الدبلوماسي ، واصبحت امة العليم السوسوة وزيرة لشئون حقوق الانسان بعدما نجحت كسفيرة لليمن في هولندا ، بل واقتحمت المرأة الميدان الثقافي والابداعي بقوة واقتدار ، والامثال كثيرة بلا حصر ولعل ذاكرتي لا تخونني حول معرفتي بالعديد من اليمنيات ممن باتت لهن أدوار بارزة في المجتمع ، وبينهن المفكرة الحضرمية ابكار السقاف ، والشاعرة هدى ابلان التي اقام لها “اتيليه” القاهرة ليلة شعرية ، وشفاء منصور مؤلفة “النافورة” التي تحكي فصلا من بطولة المقاومة الشعبية ، واعتدال ديريه وقصتها “صور من الماضي” عن الكفاح المسلح في جنوب اليمن ، ونفس الصورة والمضمون النضالي في قصة “المهمة” للاديبة افتكار منصور ، والمذيعة المتألقة فوزية الرموش التي بدأت مسيرتها في برنامج “روضة الاطفال” ونجمة الفضائية اليمنية مها البريهي ، والمذيعة مايسة ردمان ، والسيدة “الباشا” خبيرة الاستثمار بوزارة الاقتصاد والباحثة سامية الاغبري التي نالت الماجستير عن قضايا المرأة في الصحافة اليمنية ، ونبيلة الزبير مؤلفة قصة “انه جدي” التي نالت المركز الاول في مسابقة جائزة نجيب محفوظ والفنانة التشكيلية امنة النصري ، والصحفية رضية احسان الله ومصممة الازياء مها الخليدي ، ومنى باشرحيل ، والدكتورة ميرفت مجلي الاستاذ بكلية طب جامعة صنعاء ، وحورية مشهور نائبة رئيس اللجنة الوطنية للمرأة ، والدكتورة اروى الربيع مدير عام مستشفي السبعين ، وفوزية النعمان رئيسة جهاز محو الامية ، وفايزة بامطرف عميدة كلية البنات بجامعة الاحقاف وشذى ناصر اول محامية يمنية ، والدكتورة خديجة الهيصمي استاذ العلوم السياسية بكلية تجارة جامعة صنعاء، والباحثة ثروة احمد شعلان المعيدة بكلية تجارة جامعة صنعاء ، والمحامية نبيلة الحكيمي الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان والدكتورة رؤوفة حسن استاذة الصحافة بجامعة صنعاء ، ثم الدكتورة وهيبة فارع اول وزيرة لشئون حقوق الانسان ورئيس جامعة الملكة اروى ، نهاية بخديجة السلامي اول مخرجة سينمائية واول انتاجها الفيلم التسجيلي “الغريبة في مدينتها” الذي نال الجائزة الاولي في مهرجان بيروت للافلام التسجيلية ، وجائزة تقديرية في مهرجان هولندا ، وكذلك الممثلة الواعدة فتحية ابراهيم ، والكاتبة روزا عبد الخالق اول طيارة مدنية محترفة في تاريخ اليمن والجزيرة العربية .
والشاهد ان جمال المرأة اليمنية وليد عالم التنوع البيئي والمناخي الذي يزخر به مختلف ربوع اليمن ، فساكنات ذرى الجبال الخضراء لهن ملامح وسمات وبنية مختلفة عن ساكنات المدرجات والسفوح والوديان والسواحل او الصحراء ، ورغم ان المرأة اليمنية في الغالب تشارك الرجل في كسب المعايش ، الا انها لا تنس الحفاظ على ما وهبها الله من الجمال ، عبر اختيار زينتها من الطبيعة دون اللجوء الى المساحيق الصناعية والاصباغ الكيميائية ، فهي تكحل عينيها بما يسمى “الاثمد” وهو مسحوق حجر طبيعي اسود اللون يميل الى الزرقة ، وتغسل شعرها وتستحم كذلك بأوراق شجرة الدر والنبق والدوم بعد غليه في الماء ، والحناء من الزينة الاساسية للشعر وصبغة ، وكذا تزيين الايدي والاقدام بنقوش جميلة من الحناء كما لو انها لوحات تشكيلية ، كما تستخدم رماد بعض جذور النباتات بعد حرقها في عملية تزيين الصدر والوجه والانامل وحول العين في أشكال هلالية ، مما يشي باستيحائها من العمارة اليمنية ، وحين كذلك تتعطر المرأة بالنباتات ذات الرائحة الذكية كالشذاب والريحان والمشموم والكاذي او تلف بها شعرها في عصابة حول رأسها ، وتسمى هذه الطريقة “مشاقر” بمعنى علو البناء ، ثم هناك طيوب طبيعية اخرى مثل المسك او العنبر والزيوت المستخرجة من “قط الزباد” في جزيرة سقطرة ، وكذلك الظفر المستخرج من الحيتان البحرية .
الفضة زينة الزينات
وتميل المرأة اليمنية الى التزين بالمصوغات والاكسسوارات الفضية اكثر من الذهبية، ويقولون عنها في اليمن انها زينة الزينات ولا تزال بعض العائلات اليمنية العريقة تحتفظ بالحلي القديمة دقيقة الصنع ، وتعرف بالفضة “البوساني” نسبة لعائلة يهودية كانت تشتهر بصناعتها في الماضي .
وتتزين المرأة اليمنية بعقود الفضة من باب الزينة والادخار ، ولذلك تتولى منها في الغالب عملات من الفضة او الذهب والعقيق واللؤلؤ الحر ، وهي دليل على المكانة الاجتماعية، بينما تلف خصرها او يتدلى من رأسها حزام من الفضة يسمى “العصبة” ، او يتدلى على الخدود ويسمى “زين الخد” ، اضافة الى الاساور العريضة وتسمى “قبور العشاق” ، وكذا الخلاخيل التي تطوق الارجل وغالبا ما يرصع هذه الحلي وكذا الخواتم بفصوص من العقيق اليمني والمرجان واللؤلؤ .
واذا كان الزي النسائي التقليدي الموروث في اليمن وخاصة الشمال عبارة عن “الستارة” والشرشف والعباءة والمعرفة والملحفة ، فقد ظهرت مؤخرا اكثر من محاولة لتطويرها ، وكانت البداية في ازياء الطالبات الجامعيات ، عبر الدعوة التي تبنتها الصحفية رضية احسان الله ، اذ تقول “لماذا نرتدي زي شعب اخر ونحن امة عريقة في الحضارة ، ولماذا تقلد المرأة العربية الموضة الاوروبية ونتخذها مثلا اعلى في الاناقة ، ولماذا نسايرها في قص الشعر ورسم الوجه حسب الملامح الاوروبية .
ثم نجيب على هذه التساؤلات قائلة : لاشك ان التبعية الحضارية تؤدي حتما الى التبعية الاقتصادية ومن ثم التبعية السياسية بشكل أو بآخر ، ومن هنا فان التحرر الحضاري يعني التحرر النفسي والروحي من تبعيتنا للغرب ، والزي القومي هو وسيلة من وسائل التحرر كما حدث في معركة التحرر بالهند – حيث كانت الدعوة الى زي وطني من اهم اهدافها ورغم اخذها باللغة الانجليزية والكثير من الثقافة الانجليزية !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.