سبحانك بديع أنت: ابتدعت المبتدعات ابتداعاً، واخترعت المخترعات اختراعاً، لا اقتداء ببديع كان قبلك ولا اتباعاً، ولاقياساً قست عليه ذلك ولا سماعاً. فكل موجود ينسب إلى ابتداعك، وكل مشهود يتعلق باختراعك، يسبح بحمدك ويشير إلى اصطناعك، إلا من ركب بتنكيس الجهل رأسه، وسفه كما سفه الحمار نفسه. أليس العاجز أن يأتي بمثل ذلك العالم، إن العالم عاجز كذلك، يضطره العلم إذا عقد هنالك، إلى الاقرار بأن العالم مملوك وأنت مالك. سبحانك شهيد أنت لشواهد الموجودات، قبل حلولها في الجهات، وتعلقها بالأعراض والصفات، وتحركها بالجوارح والآلات، فكأنما هي في حكمك محكوم عليها، كما كانت في علمك منظور إليها، ماخالفت بحرف مما كتبت حرفاً، ولانافت بوصفٍ مما علمت وصفاً. على ذلك جرى حكمك وقضاؤك، واستقر أرضك وسماؤك، ونزل داؤك ودواؤك، وجرت ريحك وانفتق هواؤك، وأكل رزقك وشرب ماؤك، وجدنا على ذلك كلامك دليلاً: [قل كل يعمل من على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً]. سبحانك مقيت أنت بمعنى المكافآت، ومضاعفة الأجور والمجازات، لأهل الوفاء والمصافات، ثم لأهل الخطل والمنافات، كل تقيت بعمله عند الموافاة. سبحانك فاطر أنت: فطرت الفطر، وصورت الصور، فكل مفطور أسيرك، وكل مصور جارك وخفيرك، الأمر أمرك والتدبير تدبيرك، والصنع صنعك والتقدير تقديرك، ملأ السماوات والأرض ومابينهما عدلك ونورك سبحانك فات العقول سرك، والعيون ظهورك، لاتنكشف حجبك، ولاتنجاب ستورك. سبحانك قاهر أنت: لما قدرت قهرت، ولما قهرت فطرت، ولما فطرت أسرت، ولما أسرت حصرت. فكل مقدور بعزتك مقهور، وكل مقهور بحكمتك مفطور، وكل مفطور بقبضتك مأسور، وكل مأسور بإحاطتك محصور. الفوقية قهرك لذوي التحتية، والتحتية قهرك لذوي الفوقية، فلعلم ذلك خضع لك العارفون، ولفهم ماهنالك خشع لك الخاشعون، ولجهل ذلك نسيك الغافلون، وعمل بمعاصيك العاملون. سبحانك محي أنت: أحييت أموات الأول، بقدرتك التي لم تزل، وخلقت الإنسان من عجل، وقدرت له الرزق والأجل، فأصبح بعد الممات حياً منظوراً، وبعد العدم شيئاً مذكورا، وبعد الصمم سميعا، وبعد الكمه بصيرا، وبعد الخرس ناطقاً، وبعد السفه خبيراً. ثم أحييت قلوباً بمعرفتك، كانت ميتة بالجهل بك، وملأتها من حبك وخشيتك ونورتها بملاحظتك ورؤيتك، وأقمتها في صف رفيع حضرتك. سبحانك مميت أنت: أمت أحياء الأبد، إلى أن لا يبقى أحد، من أهل الرقيع والجدد، وبقي الواحد وسقط العدد، هنالك تقول وقد ثوى القوم، يا عبادي:[لمن الملك اليوم] أين كل متكبر جبار؟ أين كل ناه أمار؟ أين من تعاطى ماليس له من الفخار؟ فلا يسمع مجيباً من الأقطار، كيف وقد صمت الأسماع وعميت الأبصار، وبليت الأجسام وطفئت الأنوار. فتجيب قولك بقولك، بلسان قوتك وحولك:[لله الواحد القهار]. ومميت قلوب أهل الإعراض عنك، لما رضيت بالدنيا عوضاً منك، فهي مكبة على الأعراض، مصرة على دوام الإعراض، معتاضة منك بئس المعتاض. سبحانك مولى أنت: أوليت الآلاء، وأسبغت النعماء، وبسطت يديك بالعطاء لأهل الأرضين والسماء، فلك على أجناس فطرتك الولاء، ومتابعة الحمد والثناء. سبحانك مولانا بعظمتك وتعاليك، ونحن مواليك وأبناء مواليك، نلوذ بعزتك ومعاليك، ونتوب إليك من معاصيك، لتجعلنا ممن يحبك ويواليك. سبحانك نصير أنت: تنصر أولياءك على أعدائك، لما استحقوا من نصرك واستوجبوا من ولائك، وتنصرهم على حسن بلائك، بحسن الصبر لك والتعلق برجائك، وتنصرهم على اتباع أوامرك واجتناب نواهيك، بتواتر توفيقك وتظاهر معانيك، يستطيعون طاعتك ولا يستطيعون معاصيك. قويت عزائمهم: إذ أنت لهم ظهير، على كل أمر صغير وكبير، وفزعوا إلى الاعتصام بركنك الجليل الخطير، إذ ناديتهم إلى ذلك في كتابك المنير [واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير]. سبحانك ودود أنت: لأهل ودادك قبل تخيرهم، في عالم اشهادك، ولذلك أنعمت عليهم بنعمة إيجادك، وأدخلتهم في جمل أحرفك وأعدادك، فأصبحوا مستأنسين بقربك فرقين من بعادك، أولئك أوتاد بلادك، وأنجم عبادك، جعلت لهم في كل قلب ودا، لا يجد الناظر إليهم منه بداً، أمراء وفدك الذين تنجز لهم يوم القيامة وعدا، من قولك الصادق خبراً وعهداً:[يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا].