كارثة حقيقية تلحق بالمصابين من الأطفال جراء الإصابة بالبلهارسيا إذا أهملوا العلاج، كارثة لاتقف عند حد التأثير عليهم من خلال الأعراض المعروفة، بل أن لإصابتهم بهذا الداء خصوصية أخرى، أبرزها التعرض لسوء التغذية وتأخر النمو وتردي النشاط والتحصيل العلمي وضعف المناعة بشكل يبقي الجسم عرضة لأمراض كثيرة، ذلك لأنهم في حالة نمو بدني وعقلي متسارع وحساس. ويزيد من الطين بلة أن هذه الفئة، وبالتحديد من تتراوح أعمارهم بين «6-81 عاماً» يشكلون نسبة «08%» من إجمالي الإصابات بهذا الداء المريع في البلاد بحسب التقديرات من أصل نحو ثلاثة ملايين حالة إصابة بالبلهارسيا بنوعيها البولي والمعوي. وأساس هذه المشكلة غياب الوعي بالمشكلة ووقوع الكثيرين لاسيما في الأرياف في أخطاء وممارسات سلبية لدى تعاملهم واستعمالهم للمياه الراكدة والبطيئة الجريان التي تمثل لأغلب المناطق الريفية عصب الحياة، في ظل غياب أو ضعف مشاريع المياه النقية الصالحة للشرب، وتضافر عوامل وعراقيل كثيرة تقف حجر عثرة أمام هذه المشاريع، أهمها صعوبة التضاريس الجبلية وتناثر القرى على قمم ومنحدرات وسفوح الجبال وبطون الأودية مامهد لانتشار البلهارسيا في هذه المناطق. أضف إلى شيوع الجهل الكبير بالمرض الذي تلوح آثاره في جنوح البعض إلى اللامبالاة والإبطاء على طلب المعالجة، فقد يتطور مع الوقت ليصير مزمناً صعب العلاج مفضياً إلى مضاعفات بالغة الخطورة حيث تغزو البلهارسيا مع الوقت الكبد فتحدث فيه التهابات وتليفات تقود إلى تلفه ودماره، وبالتالي فشله تماماً في أداء وظائفه الحيوية. وللمضاعفات الأخرى للبلهارسيا المعوية إلى جانب تأثيرها المدمر للكبد طابعها الخاص مثل «التقيؤ الدموي دوالي المرئ البواسير تضخم الطحال سرطان القولون والمستقيم». أما مضاعفات البلهارسيا البولية فتشمل «قرحة المثانة حصوات المثانة تضيق الحالب الفشل الكلوي العقم عندالرجال والنساء سرطان المثانة» وأي من هذه المضاعفات تشكل خطراً على الإنسان قد تحتاج إلى تدخلات جراحية كبيرة يصعب كثيراً التنبؤ بنجاحها كذلك حال العلاج بالأدوية في ظروف مرضية متردية كهذه. إنها لكارثة تلك العادات والسلوكيات غير الصحية السائدة في أغلب الأرياف مثل «الاستحمام الوضوء السباحة الشرب غسل الأواني والملابس» في برك الأمطار المكشوفة والحواجز المائية والسدود والغيول الجارية وأسوأها وأفظعها اقتراف أعمال قبيحة أنكرها الدين، كالتبول والتبرز في مصادر المياه أو بالقرب منها، كون هذه القاذورات لاتفسد المياه وتلوثها بمختلف الأمراض الخطيرة وحسب، بل وهي السبب الوحيد للعدوى بالبلهارسيا وانتشارها واستكمالها لدورة الحياة، علاوة على ذلك إهمال النظافة الشخصية وعدم اتخاذ المراحيض لقضاء الحاجة.. وبالتالي لابد أن يعي الناس جيداً أهمية ترك هذه العادات والسلوكيات السلبية من أجل صحتهم وصحة من حولهم، وإلا ماجدوى معالجة البلهارسيا بمعزل عن الالتزام بقواعد الوقاية لحسم المشكلة بالقضاء على مرض البلهارسيا في بلادنا واجتثاثه من الجذور.. إن تنفيذ حملات وطنية للتخلص من البلهارسيا لن تكفي بمعزل عن ترسيخ القيم والسلوكيات الوقائية، فمقياس النجاح لبلوغ هدف التخلص من البلهارسيا والقضاء عليه مرهون بالوقاية والالتزام بتدابيرها وإجراءاتها إلى جانب المعالجة.. بتنا نقترب كثيراً من موعد تنفيذ المرحلة الثالثة من الحملة الوطنية للتخلص من البلهارسيا التي تتخذ المدارس مواقع، مستهدفة من تتراوح أعمارهم بين «681عاماً» بلا استثناء من طلاب وطالبات المدارس وغير الملتحقين بالمدارس أيضاً، لتكون شفاء للمصابين وواقية للمعرضين لخطر الإصابة في «23 مديرية» بمحافظات «صنعاء لحج الحديدة إب شبوة صعدة» ومدة تنفيذها أربعة أيام، في الفترة من «921 نوفمبر 8002م».. ولكل من له صلة بقريب أو صديق لايدرس وينتمي إلى الفئة العمرية المستهدفة من «6 81عاماً» ألا يتركه دون معالجة، وحق وواجب عليه حثه وإقناعه للحضور إلى المدرسة لتلقي العلاج.. علماً بأن علاج البلهارسيا في الحملة مجاني لجميع المستهدفين من طلاب وطالبات المدارس وغير الملتحقين بالدراسة ممن تتراوح أعمارهم بين «681عاماً».. كما إن إعطاء الجرعة المضادة للبلهارسيا يعتمد على قياس طول الجسم، ولابد لهم من التوجه إلى المدارس خلال فترة المعالجة لتلقي جرعة العلاج، على أن يتناول الجميع طعامهم قبل قدومهم إلى المدرسة لأخذ العلاج.. نحن نعول على الجميع التجاوب ومساندة إنجاح لحملة البلهارسيا، وبالذات الآباء والأمهات، فدورهم كبير لاغنى عنه، بالدفع بأبنائهم وبناتهم الملتحقين بالمدارس، وكذلك غير الدارسين في الفئة العمرية من «681 عاماً» لتلقي العلاج في مدارس المديريات المستهدفة..