منذ ثمانية أعوام وقانون ضريبة المبيعات لم يجد طريقه إلى التنفيذ، فقد صدر القرار الجمهوري بشأن الضريبة العامة على المبيعات في عام 2001 وأقره بعد ذلك مجلس النواب على استحقاق الضريبة على السلع بواقع «5 %» وإلزام المالك للسلعة بالتسجيل لدى مصلحة الضرائب لإقرار الضريبة وتوريدها.. ومنذ ذلك الوقت لا يزال القانون في شد وجذب بين الحكومة والقطاع الخاص، وفي العام 2004م أعلنت مصلحة الضرائب للمكلفين بأنه سيتم تطبيق قانون ضرائب المبيعات منذ النصف الثاني من نفس العام، ليبدأ بعد ذلك في العام 2006 التوجه الحكومي نحو إقرار تطبيق قانون ضريبة المبيعات كون ذلك سيسهم بشكل كبير في خدمة القطاع الخاص وتحسين التشوهات التي يعاني منها الواقع الضريبي في اليمن وأن ذلك سيكون مفتاح الدخول لإصلاح الواقع الضريبي بشكل عام، ليشهد العام 2007 تشكيل لجان مشتركة لمراجعة القوانين الضريبية وعلى رأسها قانون الضريبة العامة على المبيعات وقانون ضرائب الدخل والقوانين الأخرى ذات العلاقة وإلغاء أو تعديل النصوص غير الدستورية وتنفيذ الإصلاحات الضريبية اللازمة، وظلت الأمور كما هي عليه ليشهد العام 2008 توترات حادة بين الحكومة والقطاع الخاص لتكون المحكمة هي صاحبة القرار الفصل، وبعد عدة جلسات وتأكيدات من رئيس مصلحة الضرائب بأن تكون بداية العام 2009 تطبيقاً لقانون ضريبة المبيعات، وقد أفضت الجلسة الأخيرة التي اختتم بها العام 2008 إلى رفض دعوى التجارية بأمانة العاصمة بوقف تنفيذ عدد من مواد قانون ضريبة المبيعات رقم (19) لسنة 2001، وتعديلاته، والمادة رقم (3) من الجدول رقم (4) من ذات القانون المدعى بعدم دستوريتها. لتقر الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا برئاسة القاضي عصام عبدالوهاب السماوي رفض طلب إيقاف نفاذ المواد محل الطلب ونشر الحكم في الجريدة الرسمية إضافة إلى تأجيل السير في إجراءات نظر الدعوى إلى ال29 من يناير القادم، لتظل القضية بيد المحكمة، لكن وزير المالية نعمان الصهيبي يؤكد أن التطبيق للقانون منذ بداية العام الحالي خيار لا رجعة عنه. ضرورة الشفافية في التعامل هناك من يطرح بأن القانون لا يتفق مع توجه الدولة لتشجيع القطاع الخاص.. هل القانون يعيق عمل القطاع الخاص؟ ورداً على ذلك يقول أحمد غالب رئيس مصلحة الضرائب: بالعكس القانون من أفضل القوانين في العالم ومستوى الضريبة أقل بكثير جداً على مستوى دول العالم، ولا توجد فيه أية مادة أو نص يختلف عن إجراءات تنفيذ الضريبة، وقال: نحن لسنا في كوكب منفصل عن العالم لنأتي بقانون آخر، فالقانون يعطي كل ذي حقٍ حقه ويلزم من يشتغل في العمل التجاري أن يكون لديه سجلات خاصة، كما أننا لسنا وحدنا من انتهجنا هذا القانون بل إن ضريبة المبيعات سائدة في كل دول العالم. مضيفاً: نقول للقطاع الخاص انظر من حولك وتعامل بما يجب على القطاع الخاص أن يتعامل به، ونحن مدعوون إلى أن نطور آلياتنا لمواكبة التطورات على مستوى العالم وما يمكن أن يخدم المصلحة العامة ويرفع من أداء الاقتصاد الوطني ويعالج الإشكالات القائمة التي تعيق عملية التنمية. ويؤكد غالب أن الفائدة التي ستعود على القطاعين العام والخاص في حال تطبيق قانون ضريبة المبيعات مشتركة، والدولة تفرض ضريبة المبيعات لدواعٍ شتى منها حاجة الدولة للموارد وتحقيق العدالة وكذلك توزيع الموارد ومعايير كثيرة، والدولة تفرضها بحقها السيادي، فالمنفعة محققة في حال تنفيذ قانون ضريبة المبيعات ومنها يتم تمويل خدمات سيستفيد منها المجتمع بما فيه القطاع الخاص.. متمنياً من القطاع الخاص التعامل بشفافية كما تتعامل معه الحكومة والاتجاه نحو البناء والتنمية الحقيقية والتخلص من سوء الثقة والانطلاق إلى تأسيس شراكة حقيقية تعود بالفائدة على الصالح العام. رؤية اقتصادية برؤية اقتصادية بدأ الدكتور سيف العسلي - وزير المالية السابق - متحمساً لفرض ضريبة المبيعات أثناء توليه منصب وزير المالية عام 2006 كون تطبيق الضريبة العامة للمبيعات سيعوض الخزينة العامة عن أية إيرادات سيتم فقدانها نتيجة لعملية الإصلاح الضريبي، وهو دائماً يؤكد أن ضريبة المبيعات هي أسهل الضرائب من حيث التنفيذ وأكثرها إيراداً كما تشهد على ذلك تجارب كل الدول التي طبقتها وخصوصاً التي تتشابه مع وضع اليمن، وسيؤدي تطبيقها إلى كسب ثقة رجال الأعمال، فتطبيق أية ضريبة أخرى سيكون أكثر صعوبة وسيكون من الصعب أيضاً كسب ثقة رجال الأعمال. في كتاب قصتي مع المالية يقول العسلي: حاولنا جهدنا للتحاور مع القطاع الخاص، حتى يكون للحوار معنى وحتى يتم الخروج بنتائج عملية مفيدة للجانبين، فإنه يجب أن يقوم على أسس منطقية وواضحة، وفي هذا الإطار فإننا اقترحنا أن يتمحور الحوار حول الموضوعات الداخلة ضمن اختصاص الحكومة بشكل عام ووزارة المالية بشكل خاص، وبالتالي فإنه من غير المفيد مناقشة قضايا لا نستطيع اتخاذ أية قرارات بشأنها، كذلك فإنه يجب فصل القضايا المختلفة عن بعضها حتى لا نضع أنفسنا في وضع لانستطيع أن نميز بين مختلف العناصر المؤثرة على جميع القضايا، وعلى هذا الأساس فإنه يجب أن نفرق بين القضايا المتعلقة بتطبيق القوانين وتلك المتعلقة بالقوانين ذاتها، فمن الواضح أن وزارة المالية تملك صلاحيات واسعة فيما يخص القضايا المتعلقة بتطبيق القوانين لكن عملية تغيير القوانين تتطلب إجراءات مختلفة، ولذلك فإن إصرار رجال الأعمال على عدم تطبيق قانون ضريبة المبيعات سيعمل على تقييد الحكومة في هذا الأمر بدون مبرر وتعريض المصلحة العامة للخطر، ولذلك فإن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، فالوطنيون يضحون بأنفسهم لحماية أنفس الآخرين من أبناء الشعب، وقد حاولنا جهدنا لتوضيح سعينا الحثيث على تحقيق الانسجام بين المصلحة العامة ومصلحة القطاع الخاص وانسجام مصالح القطاع الخاص مع بعضه البعض لا تتم إلا في حال تحقيق المنافسة النزيهة بين مكونات القطاع، لأنه في حال وجود احتكار من أي نوع فإن المحتكر سيكون قادراً على استغلال قوته الاحتكارية لصالحه وعلى حساب المصلحة العامة ومصالح نظرائه من القطاع الخاص، وكذلك حاولنا أن نوضح أهمية تطبيق ضريبة المبيعات على مفهوم سيادة القانون فلا يكفي فقط وجود حكومة أو قانون أو نظام وإنما يعني أن القانون السائد عادل ومطبق، ومن ثم فإن القانون يحمي الضعيف قبل القوي بقوة القانون وليس بقوة العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية القائمة، بالإضافة إلى ذلك فقد أوضحنا أهمية تطبيق ضريبة المبيعات في عملية محاربة الفساد التي تتطلب الشفافية والمساءلة، وعليه فعلى الجميع دعم كل إجراء أو تصرف يؤدي إلى زيادة مقدار الشفافية والمساءلة. إصرار القطاع الخاص على وجهة نظره لكن للأسف فإن القطاع الخاص أصر على وجهة نظره والمتمثلة في البدائل ومن الواضح أن هذه البدائل قد بنيت على افتراض أن الضريبة المزمع تطبيقها هي ضريبة المبيعات العادية وليست ضريبة المبيعات العامة «ضريبة القيمة المضافة»، وإذا ما عادوا ونظروا لهذه البدائل وفقاً لمفهوم ضريبة المبيعات العامة «ضريبة القيمة المضافة» فسيجدون أن هذه البدائل لا تتفق مع فلسفة ضريبة القيمة المضافة ولا مع نصوص قانون ضريبة المبيعات العامة الصادر عام 2001م. حماية المصلحة العامة الدكتور حسن مجلي أستاذ في كلية الشريعة بجامعة صنعاء ومحامي الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة أوضح بأن ما يطرحه القطاع الخاص فيما يتعلق بقانون الضريبة العامة على المبيعات انطوى على عدد من النصوص التي تضمنت أحكاماً مخالفة للدستور ومتعارضة مع أحكامه وقواعده التي يجب على المشرع التقيد بها عند وضع القوانين، كما أن أغلب المواد المطعون بعدم دستوريتها تفرض قيوداً على الحقوق والحريات المكفولة دستوراً، بل إن بعض النصوص محل الطعن من شأن إعمالها ووضعها موضع التنفيذ مصادرة حقوق وحريات المكلفين بالضريبة وغير ذلك من النصوص التي تتعارض مع الضمانات التي كفلها الدستور فيما يخص مبادئ الفصل بين السلطات والعدالة والمساواة والحرية ومبدأ العدالة الضريبية. وأضاف: لما كان الأمر كذلك فإن المدعين لجأوا إلى القضاء للمطالبة بحماية الحقوق والحريات المكفولة لهم بموجب الدستور بل ولحماية الدستور نفسه من الانتهاكات التي تضمنتها محل الطعن في دعوى عدم الدستورية، حيث إننا بينا ذلك تفصيلاً فيها ولا يتسع المقام هنا لذكرها ويكفي للتدليل على صحة الدعوى التي تقدمنا بها بالوكالة عن الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة ومخالفة القانون للدستور أنه تم بعد رفع الدعوى واستناداً إليها أو اهتداء بها تعديل بعض النصوص التي شملها الادعاء بعدم الدستورية بعد رفع الدعوى بحيث ركزت بعض تلك التعديلات على رفع التعارض الذي تضمنته النصوص السابقة مع الدستور ومنها على سبيل المثال إلغاء الفقرة «ب» المادة «54» والتي كانت تتضمن انتهاكاً للنصوص الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية وحرمة المسكن وحرمة المراسلات وأسرار المهنة والحماية المقرره دستوراً للملكية وحذف تلك الفقرة من القانون ليس إلا أثراً من الآثار التي ترتبت على رفع هذه الدعوى وثمرة من ثمارها، ومن النتائج التي حققتها الدعوى أيضاً تقييد بعض الصلاحيات المطلقة التي كانت المادة «58» من قانون ضريبة المبيعات تخولها لموظفي الضرائب، حيث تم تعديل المادة محل الطعن والسبب هو العبارة التي كانت المادة تتضمنها وهي «ولهم ممارسة كافة الصلاحيات» وغير ذلك من التعديلات المشار إليها لم ترفع التعارض بين أغلب النصوص المطعون فيها ونصوص الدستور ولذلك فقد استمرت الدعوى وتمسك المدعون بطلباتهم. مؤكداً أن الهدف الأساسي من الدعوى لم يكن حماية مصالح وحقوق القطاع الخاص وكافة المواطنين الحريصين على سيادة الدستور فحسب بل حماية الدستور نفسه.