أحسبني على جانب كبير من الصواب والحق حين أزعم أن مفهوم “المجتمع المدني“ من أكثر المفاهيم دوراناً على الألسن وأقلها حظّاً في التعريف رغم كثرة تداولها في الوسط الإعلامي والثقافي والسياسي.. كما أحسبني على حق أيضاً حين أزعم أن هذا المفهوم لايزال مجهولاً لدى كثير من الناس.. إن أقرب تعريف للمجتمع المدني ومؤسساته أنها تلك القوى السياسية والاجتماعية والحزبية والنقابية الحية والفاعلة والنشطة في المجتمع، التي تعمل في إطار ثقافة الحرية والحوار والتسامح والسلام.. وهنا لنا أن نتساءل عن أهم المهام المناطة بمنظمات المجتمع المدني، حيث إنها تسهم بشكل كبير في إثراء الجانب الديمقراطي.. وياترى ماهو الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات في إشاعة وتعزيز ونشر ثقافة الحوار والتسامح والسلام بين كافة شرائح المجتمع..؟! طرحنا هذا السؤال على نخبة من المثقفين والناشطين الحقوقيين وخرجنا بالآتي: رهن الممارسة وصدقية الانتماء ..! الدكتور أحمد الأصبحي عضو مجلس الشورى قال: إن مؤسسات المجتمع المدني بمفهومها الطبيعي والدقيق: هي تلك الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية الحية والفاعلة والنشطة في المجتمع والتي إذا ما نظرنا إليها نظرة موضوعية باعتبارها الرائدة في القيادة والتحديث والتطوير للمجتمع فإنه يمكن القول إن لها دوراً غير عادي في خلق مجتمع أكثر وعياً وأكثر عطاءً، لأن منها ما يعمل في الحقل الخدمي ومنها ما يعمل في الحقل الإنتاجي، في الحقل الخيري، في الحقل السياسي.. حقول متعددة، وهذه الحقول كلها متى ما أخلصت كل جماعة وكل منظمة في موقعها فإنها لابد أن تثمر لمصلحة المجتمع في الإطار العام.. ثم من ناحية أخرى فإن طبيعة العمل الجماعي تختلف عن طبيعة العمل الفردي، ولا يمكن لأية جماعة أن تحقق وجودها الفاعل إلا عن طريق خلق ثقافة التسامح والحوار وخلق العلاقات الديمقراطية فيما بينها، ومن يمارس الديمقراطية في علاقاته الداخلية سيشعر بالالتزام الأدبي وأنه لابد أن يتعامل بنفس هذا السلوك في علاقاته مع الأحزاب والمؤسسات الأخرى أو مع الجماعات الأخرى.. إذ إن هذه الأمور هي رهن الممارسة وصدقية الانتماء، إذا وجد الانتماء ووجد التفاعل الصحيح الذي يؤدي بالتالي إلى خلق روح التسامح والأخوة والتعاون والمودة.. ثم إن هذه النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية عندما تمتلئ وعياً وإحساساً بالمسئولية تجاه الوطن وتقرأ التاريخ قراءة معمقة ستشعر بأن تاريخها كفيل بإرشادها إلى الطرق السليمة لبناء المستقبل.. على سبيل المثال: من الذي بنى المدرجات الزراعية في التاريخ القديم، من الذي بنى السدود، من الذي اكتشف المناجم، من الذي كان أداة فاعلة في التصنيع الثقيل..؟ لأننا كنا نستخدم ونصنع منه السلاح ونصنع منه أدوات الزينة.. أيضاً مثلما استخرجنا الذهب والفضة من مناجمها والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، كل هذه الأمور هي التي صنعت الحضارة، لأنه كان هناك إيثار ولأنه كان هناك تعاون وأخوة وتنسيق وتفاهم وحياة ديمقراطية في العلاقات، على سبيل المثال نتحدث هذه الأيام عن نظام الغرفتين تعلم أن نظام الغرفتين تاريخياً مارسناه من ثلاثة آلاف سنة قبل العالم كله.. كان عندنا نظام الغرفتين ويشمل هذا النظام بقيام مجلسين مجلس اتحاد القبائل والمجلس الآخر هو المجلس الاستشاري المجلس “المنيع“ والمجلس “المسود“ كما يقال كانا هما عنوان الديمقراطية بمعطى ذلك العصر.. وصنعنا بالإيثار وبالتعاون والأخوة حضارة إنسانية وحضارة عطاء وحضارة إبداع.. والعالم عادةً يقيم مدينته ويقيم حضارته حول نهر أو حول بحيرة أو عند البحر، لكننا أقمناها في الصحراء ابتدعنا بحيرة صناعية.. إذاً هذه المعاني كلها هي التي على الأخوة والزملاء في منظمات المجتمع المدني أن يستحضروها في حياتهم العملية، بمعنى أننا إذا استحضرنا هذه القيم.. الإيثار بدلاً عن الأثرة، التعاون بدلاً عن الأنانية وغيرها سوف نصنع جميعاً قوة في بناء الدولة الحديثة والمتطورة والتي تتفق مع أصولنا الحضارية. دور محدود..! الأستاذ: عبد السلام عثمان مدير مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون له وجهة نظر خاصة مؤداها: ثقافة الحوار والتسامح والسلام ونشرها بين شرائح المجتمع هي من مهام المجتمع بكل فئاته وأسس هذه الثقافة يكتسبها الفرد أولاً من الأسرة والبيئة المحيطة به وتمر عبر مراحل عدة ووسائط متنوعة.. ومؤسسات المجتمع المدني إحدى تلك الجهات أو الفئات ومن خلال أنشطتها وفعالياتها المتنوعة والتي تقدمها على شكل برنامج زمني سنوي أو دوري أو غيره.. وخلق هذه الثقافة قد يكون بواسطة كتاب مطبوع أو حلقة نقاش أو ندوة فكرية أو صحيفة مكتوبة أو في قصيدة شعرية أو في أي قالب آخر تقيمه وتنظمه مؤسسات المجتمع المدني وتقدمه للمجتمع.. وثقافة الحوار والتسامح والسلام لا يمكن أن تكون أو تتم عن طريق جهة واحدة باعتبار أنها مرتبطة مع كل الأطر الأخرى بدءاً من الأسرة ومروراً بالمجتمع بما فيه من أعراف وعادات وتقاليد وقوانين ولوائح وانتهاءً بالدولة بكل هياكلها، وشرائح المجتمع ليست في مستوى واحد من العلم والثقافة والمعرفة، كل تلك النقاط تؤثر سلباً على مستوى الوعي الثقافي والتسامحي ويظل دور مؤسسات المجتمع المدني في خلق هذه الثقافة دوراً محدوداً لعدد من الأسباب أهمها ما ذكرناه. خلاصة رؤى الأستاذة هدى أبلان أمين عام اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عن دور مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار والتسامح والسلام بين كافة شرائح المجتمع تقول: لا شك أن منظمات المجتمع المدني هي خلاصة تفكير وأفكار وخلاصة ثقافات وخلاصة رؤى يهمها أن تنعكس على الواقع وأن تكون محوراً للحياة التي نتمنى ونتطلع إلى أن تكون قادرة على لملمة الشتات والإيمان بالآخر والإيمان بالتعدد والتنوع في إطار الثقافة وفي إطار الأفكار وفي إطار الرؤى السياسية المختلفة أيضاً، فمنظمات المجتمع المدني يجب أن تكون ذات مشروع طليعي في هذا الصدد، بمعنى ألا تغيب عن مسألة إيجاد حراك في المجتمع وبالذات الحراك الثقافي القائم على الحرية في التعبير وحرية الفكر وحرية الكتابة وحرية الإبداع، فمنظمات المجتمع المدني مطالبة بأن تؤسس وتؤصل لمثل هذه المسائل التي أصبحت في عصرنا الراهن شأناً عالمياً تشترك فيه كل الشعوب وكل الدول.. نحن لا نبحث عن ثقافة حوار وسلام فقط في إطار الداخل وإنما أيضاً في إطار حوار آخر مع الآخر ومع حضارات ومع ثقافات مختلفة، فالحوار يبدأ بذرة صغيرة وتكبر لتتسع الجميع. تنمية الوعي أولاً..! الشاعر والصحفي محيي الدين جرمه له نظرته الخاصة فيقول: هناك الكثير من الهيئات أو ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية.. أنا أرى أنه لابد أن تضطلع بدور كبير في إشاعة ثقافة المجتمع المدني وإشاعة ثقافة الحرية والديمقراطية لأنه لا يمكن أن يحدث تحول في ما يسمى بالهامش الديمقراطي في أي واقع في المجتمع العربي سواءً في اليمن أو غيرها، إلا إذا كان هناك تكريس لإشاعة ثقافة الحرية وثقافة الديمقراطية كوعي اجتماعي على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسة وعلى مستوى القائمين على هذه المؤسسات.. نلاحظ أن الكثير من هذه المؤسسات تفتقر إلى البنية الثقافية الحقيقية على مستوى وعي القائمين عليها، فهم بحاجة إلى تنمية الوعي لديهم أولاً، بحيث إنه بعد أن يتم الوعي على الصعيد المجتمعي نستطيع أن نقيم ندوات ومحاضرات وفعاليات، ونستطيع أن ننتقد ونضع أسئلة حقيقية في هذا الاتجاه، لأنه لا يمكن أن يحدث تحول أو تفاعل مع هذه المنظمات والقوى السياسية الأخرى إلا من خلال إقامة علاقة مع المجتمع ومع الفرد لكي تستطيع أن تمهد وتفكك المفاهيم التقليدية بهذا الاتجاه. إثراء للديمقراطية..! الأستاذ أحمد ناجي أحمد تربوي ونائب أمين عام اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين يتحدث عن الدور الذي تلعبه المؤسسات فيقول: إن دور مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز وإشاعة ثقافة الحوار والديمقراطية والتسامح والسلام مهم جداً وحاجة مُلحة، ذلك لأنها نتيجة طبيعية لهذه الثقافة السليمة والديمقراطية عندما تمارس دورها بشكل صحيح فإنها تسهم في إثراء الديمقراطية والحوار من خلال أداء متميز يعكس ممارستها لثقافة الحوار داخلها أولاً ثم في واقعها الاجتماعي، وعليه فإنه من الضروري بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني أن تعيش قيم الديمقراطية والحوار في علاقتها الداخلية لكي تتمكن من أداء دور متميز في الواقع الاجتماعي يعمل على النهوض، واقع الممارسة المتقدمة لمفهوم الديمقراطية والحوار والتسامح. لا بد من تهيئة المناخ المناسب..! الأستاذ الفاتح حمد تو عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين كان لنا سؤاله والحديث معه فيقول: إن لمؤسسات المجتمع المدني دوراً كبيراً ومتعاظماً في تفعيل ثقافة الحوار والتسامح والسلام بين كافة شرائح المجتمع في أرجاء الوطن العربي.. ولتنجح هذه المؤسسات في القيام بمسؤولياتها كاملة لا بد من تهيئة المناخ المناسب للعمل بكل تجرد ومسؤولية حتى تترجم كل هذه الشعارات وتفعلها على أرض الواقع.. ولا بد من إطلاق يدها وتمكينها من العمل الجاد بعيداً عن سيطرة الحكومات.. ولا ننسى أن كل نجاح تصل إليه مؤسسات المجتمع المدني سينعكس إيجابا على تلك الحكومات. سياسة الحوار مطلوبة ..! ويواصل: وسياسة الحوار مطلوبة الآن في هذه المرحلة الحرجة من مراحل التكتلات الإقليمية التي يمر بها الوطن العربي، وسياسة التسامح هي الوصفة المناسبة لعلاج كل مشكلات التناحر والتشرذم التي تعاني منها الأمة العربية.. أما السلام فهو الغاية التي تبيح ابتكار كل الوسائل الضرورية وكل الأساليب المتاحة للوصول إليه، لأن مشكلة العالم اليوم هي الحروب القبلية والإقليمية التي تقطع أوصاله وتقضي على الأخضر واليابس وتهدد بدمار شامل. نعود فنؤكد أن لمؤسسات المجتمع المدني دوراً خطيراً وكبيراً، لأن هذه المؤسسات بتركيباتها المدنية هي صمام الأمان، وهي المؤسسات التي تنضوي تحت لوائها كل شرائح المجتمع المدني بغض النظر عن انتماءاتها وتوجهاتها، فهي قبل كل شي تجمع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي وقادرة تماماً على تحريك القواعد من أجل بسط ثقافة الحوار والتسامح والسلام.