تعد تجربة العمل العربي المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من التجارب العربية ذات الديمومة بالمقارنة النسبية مع تجارب الدول العربية السابقة، اذ حافظ المجلس على وجوده منذ تأسيسه عام 1981 وحتى اليوم. ولايزال مجلس التعاون هو التجربة الوحدوية الابرز على صعيد الوطن العربي خاصة وأن دول مجلس التعاون الست تحتفل هذه الايام بذكرى مرور 28 عاماً على تأسيسه. ففي 25 مايو 1981م توصل قادة كل من دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت في اجتماع عقد في ابوظبي الى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف الى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها. وجاء انشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الخامس والعشرين من مايو عام 1981م تجسيداً لما بين الدول الأعضاء من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها وحدة التراث والانتماء والعقيدة والمصالح المشتركة واقتناعاً بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها يخدم الأهداف السامية للأمة العربية ومن هذا المنطلق فإن تنسيق المواقف بين الدول الأعضاء تجاه مختلف القضايا يشكل ركناً هاماً من أركان التعاون بين دول المجلس لتحقيق هذه الأهداف. ولم يكن قرار تأسيس مجلس التعاون وليد اللحظة بل تجسيد مؤسسي لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي حيث تتميز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية والتمازج الاسري بين مواطنيها وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عزتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة. واذا كان المجلس لهذه الاعتبارات استمراراً وتطويراً وتنظيماً لتفاعلات قديمة وقائمة فإنه من زاوية اخرى يمثل رداً عملياً على تحديات الامن والتنمية كما يمثل استجابة لتطلعات ابناء المنطقة في العقود الاخيرة لنوع من الوحدة العربية الاقليمية بعد ان تعذر تحقيقها على المستوى العربي الشامل . وحدد النظام الاساسي لمجلس التعاون اهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها وتوثيق الروابط بين شعوبها ووضع انظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات. كما شملت الانظمة الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والاعلامية والسياحية والتشريعية والادارية ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وانشاء مراكز بحوث علمية واقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص. جغرافياً يعتبر مجلس التعاون الخليجي اليوم أرسخ منظمة اقليمية عربية تضم في عضويتها ست دول تطل على الخليج العربي متمثلة في السعودية والاماراتوالبحرينوقطروعمانوالكويت. دول مرشحة للعضوية كما يعد كل من العراق باعتباره دولة عربية مطلة على الخليج العربي واليمن الذي يمثل الامتداد الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي دولاً مرشحة للحصول على عضوية المجلس الكاملة خصوصاً وان الدولتين قد حصلتا على العضوية في بعض لجان المجلس. وتضم هذه المنظمة الاقليمية العربية الراسخة التي يحوز امانتها العامة حالياً عبدالرحمن بن حمد العطية ويتخذ المجلس من الرياض مقراً له يضم 2ر36 مليون نسمة بحسب الاحصائيات السكانية الأحدث و على امتداد مساحة جغرافية تبلغ 673000ر2 كيلومتراً مربعاً ويبلغ الناتج القومي الاجمالي لدول المجلس 235ر103ر1 ترليون دولار اميركي في العام 2007 م. صيغ التعاون التكاملي لقد أثمرت مسيرة مجلس التعاون على مدى ثمانية وعشرين عاماً العديد من الانجازات في كافة المجالات. سياسياً تحتم آليات التعاون والخصائص القومية المتشابهة بين دول الخليج على أعضائه الاستمرار خاصة في ظل عدم نجاح معظم التجارب الوحدوية العربية مما يجعل ديمومة المجلس انجازاً متحققاً طيلة العقود الثلاثة الماضية ناهيك عن كونه ضرورة لا غنى لدول المجلس عنها وسط التكتلات الاقليمية والدولية القائمة حالياً. وقد أسهم التجانس بين دول المجلس في تمكين مجلس التعاون من تبني مواقف موحدة تجاه القضايا السياسية وسياسات ترتكز على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام سيادة كل دولة على أراضيها ومواردها واعتماد مبدأ الحوار السلمي وسيلة لفض المنازعات. ويهدف التنسيق والتعاون في مجال السياسة الخارجية الى صياغة مواقف مشتركة موحدة تجاه القضايا السياسية التي تهم دول مجلس التعاون في الأطر الاقليمية والعربية والدولية والتعامل كتجمع مع العالم في اطار الأسس والمرتكزات القائمة على الاحترام المتبادل. كما يرسخ وجود مجلس التعاون موقفاً موحداً من القضايا الاقليمية والعربية والدولية حيث تتخذ الدول الأعضاء بالمجلس موقفاً موحداً من قضايا العراقفلسطين وبتوافق تام مع توجهات الدول العربية. وقد حقق المجلس انجازات سياسية واضحة خلال العقود الثلاثة الماضية اهمها الحفاظ على أمن دول المجلس واستقرارها من خلال التصدي لمسببات عدم الاستقرار ومصادر الخطر التي تمثلت بشكل أساسي ومباشر في الحرب العراقية الايرانية الأمر الذي تطلب تحركاً جماعياً لدول مجلس التعاون للحيلولة دون انتشار رقعة تلك الحرب. وعلى صعيد الحوار مع الدول الصديقة والمجموعات الدولية يلاحظ المتتبع لمسيرة الحوار الذي يجريه مجلس التعاون مع الدول والمجموعات الدولية أن هذا الحوار قد قطع شوطاً لا بأس. ومما لا شك فيه أن لهذه اللقاءات المشتركة أهمية قصوى في تعميق علاقات دول مجلس التعاون مع هذه الدول والتجمعات وتأكيد حضورها في الساحة الدولية. اقتصادياً.. حقق مجلس التعاون الخليجي منجزات اقتصادية لدوله يبرز بوضوح التسهيلات التي تمت بين هذه الدول من حيث الضرائب والجمارك وحرية الحركة الى غير ذلك من تسهيل حرية المرور والسلع بين دول المجلس.. كما تحققت مشاريع اقتصادية مشتركة بين هذه الدول ويتمحور التعاون الاقتصادي الخليجي على فلسفة التكامل الاقتصادي الشامل ولذا تسعى دول المجلس حثيثاً لترسيخ الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة.. وعلى صعيد تنفيذ البرنامج الزمني للاتحاد النقدي يجري العمل حالياً على تطبيق الجدول الزمني النقدي لتحقيق متطلبات الاتحاد النقدي وتحقيق مستوى عالٍ من التقارب بين الدول الأعضاء في كافة السياسات الاقتصادية المالية والنقدية والتشريعات المصرفية. كما اهتمت دول مجلس التعاون ومنذ انشاء المجلس بالمجال التجاري وعملت على تعزيزه وتطويره بما يعود بالنفع على دول ومواطني دول المجلس. وفي هذا المجال قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون منذ 1986م السماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة تجارة التجزئة في أي دولة عضو ومساواتهم بمواطني الدولة و السماح لمواطني دول المجلس بتملك أسهم الشركات المساهمة بالدول الأعضاء وتطبيق المساواة التامة. وخطت دول مجلس التعاون خطوات كبيرة في مجال التعاون والتنسيق الصناعي فيما بينها وعملت على تدعيم كل ما يؤدي الى تعزز استمرار التنمية الصناعية بدول المجلس. وتقوم دول المجلس حالياً بالإعداد للمشاريع المشتركة للادارة المتكاملة والتنمية المستدامة للمياه و يجري العمل حالياً على اعداد القوانين والأنظمة الاسترشادية الموحدة للمحافظة على مصادر المياه السطحية والجوفية و تحلية مياه الصرف الصحي. وفي مجال الزراعة أقر المجلس الأعلى لمجلس التعاون عام 1996م سياسة زراعية مشتركة لدوله وتهدف هذه السياسة الى تحقيق التكامل الزراعي بين دول المجلس وفق استراتيجية موحدة تعتمد على الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة وتوفير الأمن الغذائي من مصادر وطنية. صحياً.. حقق التعاون في المجال الصحي بين دول المجلس العديد من الانجازات التي تخدم في مجملها المواطن الخليجي. وفي هذا المجال اعتمد المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السابعة عشرة بأن يعامل مواطنو دول المجلس المقيمون والزائرون لأي دولة عضو معاملة مواطني الدولة نفسها في الاستفادة من المراكز الصحية والمستوصفات والمستشفيات العامة. عسكرياً.. اتسم التعاون العسكري بين دول المجلس بالعمل الجاد في بناء وتطوير القوى العسكرية الدفاعية بدول المجلس حيث تطور التعاون بشكل نوعي وكمي منذ بدء تشكيل مجلس التعاون وحتى اليوم.. وفيما يخص التعاون في الشأن الامني .تنص ادبيات مجلس التعاون على وحدة وترابط أمن دول مجلس التعاون ومبدأ الأمن الجماعي وأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وأن أي اعتداء على أية دولة مسؤولية جماعية يقع عبؤها على جميع الدول الأعضاء.. وأقرت الاستراتيجية الأمنية الشاملة لدول مجلس التعاون في الاجتماع الاستثنائي الثاني لوزراء الداخلية الذي عقد في مسقط في فبراير 1987م وهي عبارة عن اطار عام للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء بمفهومه الشامل ولهذه الاستراتيجية أهداف عامة كما حددت وسائل تنفيذها. وفي هذا السياق أقرت دول مجلس التعاون ايضاً الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالارهاب في عام 2002 وأصدرت في العام ذاته اعلان مسقط بشأن مكافحة الارهاب. كما توصلت دول المجلس في عام 2004م الى التوقيع على اتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الارهاب وتم في عام 2006م تشكيل لجنة أمنية دائمة مختصة بمكافحة الارهاب تعقد اجتماعاتها بشكل دوري.