يستعد التجار لشهر رمضان،ويحتفون، بمقدمه على طريقتهم الخاصة.. فالبضاعة في الشهر الفضيل تتعدد أصنافها،وتزداد الطلبات عليها، وسواءً أكانت من المأكولات أم من الملبوسات أم حتى من الديكورات والاكسسوارات، فالتهافت والشغف بالاقتناء والشراء يبلغ درجةً من الإقبال بحيث تصل الحركة في شوارع العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات اليمنية إلى أقصى مؤشرات النشاط من بعد الظهيرة إلى وقت الذروة قبيل صلاة المغرب.. ثم منذ انصراف الناس عن صلاة العشاء حتى ساعات السحر الأخيرة.. والحركة لاتتوقف.. والمعارض ومحلات بيع الأقمشة والملابس الجاهزة للصغار والكبار لاتزال مفتوحة الأبواب ولاتنطفئ أنوارها. وتحولت التجارة بمعناها العبادي في رمضان إلى ذات مدلول خاص،لاصلة له بروحانية الشهر ولابمقاصد الصوم التي تعني التخفيف من الاستهلاك والإمساك عن الاسراف في المأكل والمشرب والملبس، لكن المشاهد التي تلتقطها أعين الراصد لظاهرة الشراء توضح أن محطة رمضان في عيون التجار لاصلة لها بروحانية الشهر، ولاتتسق مع خصوصياته في الانفاق والصدقة والصدق في البيع،والابتعاد عن الغش، وعدم اتخاذ حاجة الناس إلى شراء متطلبات العيد مبكراً، من أجل استغلالهم ناهيك عن إعلانات التخفيضات حيث تعتبر من الأفخاخ التي تجذب الناس للإقبال على الشراء في شهر رمضان بصورة غير اعتيادية.. رمضان.. شهر للتجارة مع الله .. ففيه الأجر والثواب مضاعف ولايعلم إلاَّ الله مقدارها،وهو بأيامه ولياليه فرص سانحة لكي يقبل المؤمنون على الطاعات،كل بحسب ماهو مؤهل له، وقادر على إتيانه.. فالموظف يتقن ويخلص في عمله، والعامل يحسن ويجتهد فيما أوكل إليه من أعمال. والتاجر يسعى إلى أن يتاجر مع الله تعالى فيبارك الله له في أرباحه،متى ماكان صادقاً غير غاش..فيجمع بين فريضة الصيام وبين إخراج الزكاة والصدقات،والإسهام في التخفيف من معاناة الآخرين، والتسابق في مضمار الطاعات،بدلاً عن حصر معنى الشهر الكريم في استغلال أوقاته فقط من أجل الإجهاز على البسطاء من الناس الذين يبتاعون حاجياتهم،فترتفع أثمان السلع،ويتنافس التجار في الدنيا أعظم من تنافسهم على أعمال الآخرة.. إذ تتحول معاني رمضان لدى شريحة من التجار إلى معانٍ مادية خالصة لا علاقة لها بروحانية رمضان ونفحاته.. مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:« التاجر الصدوق مع الصديقين والشهداء» وهو مايشير إلى أن التجارة يمكنها أن تجمع بين الدنيا والآخرة،متى ماكان التاجر صدوقاً في معاملته ولايغش في سلعته، أو يرفع أسعارها ليكسب الآلاف من الريالات ويفقد بها الآلاف من الحسنات نتيجة جشعه وحرصه على الكسب الوفير وإن كان فيه مشقة على أرباب الأسر المحدودة الدخل.. لقد تلخبطت القيم والغايات التي من أجلها فرض الصيام على المسلمين،واختلطت المفاهيم في ذهنيات العديد من شرائح المجتمع المسلم وليس اليمني وحده. حيث تبدلت وتعصرنت وطغت عليها لغة المادة، وغابت أشياء جميلة كانت ترافق شهر رمضان، وتعتبر من خصوصياته، كونه شهراً يضاعف الله فيه الحسنات، ويعتق المؤمنين من نار جهنم، وفيه من الفضائل ما لا حصر لها، إلى جانب فريضة الصوم التي تربي النفوس على الصبر والمشاركة في المعاناة والأفراح والأتراح مع الفقراء والمساكين وذوي الحاجات ممن يمر عليهم العام وهم يجوعون ولايشبعون، ويتحملون أصنافاً من شظف العيش، وقلة الدخل أو انعدامه، وتبطش بهم الأحوال القاسية. لذا كان رمضان مجالاً واسعاً لتذكر هؤلاء، والالتفات إليهم، والمتاجرة مع الله من خلالهم، إطعاماً وكساء والإحساس بمشاعرهم والتخفيف من عبء الظروف القاسية عليهم، وتجسيد مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يتأكد في شهر رمضان بصورة عملية خاصة أنه شهر الرحمة والكرم والتآلف وإشاعة السلام. وهو أيضاً من الأشهر المميزة والفريدة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه «إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، أي أنه شهر تم فيه اعتقال إبليس وأعوانه ليتمكن المسلمون من عبادة الله حق العبادة صياماً وعبادة وسلوكاً قولاً وعملاً.