تتراءى للمرء وهو يستبشر بعودة شهر رمضان أشياء كثيرة ، منها انه «أي رمضان» سيكون خيراً من الذي سبقه وانه سوف يأتي حاملاً معه الخيرات الجمة. ومن الناحية الشرعية فإن المرء يصدق بهذا فرمضان ليس كغيره من الشهور، فهو شهر تجتمع فيه الخيرات حقاً ،شهر للرحمة والمغفرة والعتق من النار. ولا يقف المرء عند درجة استبشاره بمقدم سيد الشهور، لما يكتسبه هذا الشهر من أفضلية على باقي شهور السنة بل تتسع أحلامه العريضة إلى ما سينجزه هو في أيام رمضان ولياليه من عبادات تشمل صيام نهاره وقيام ليله تهجداً ودعاءً وقراءة للقرآن ومن معاملات أخرى كصلة للرحم وسخاء في العطاء للفقراء والمحتاجين. ومع مرور أيام شهرنا الكريم وتعاقب لياليه المباركة تتبدد أحلامه الجميلة وتذهب أدراج الرياح ، بل قد تتحول إلى كابوس مزعج يراوده ليل رمضان ونهاره، فمن نهار يقضية بالنوم لساعات طويلة يستيقظ منها على مضض للذهاب إلى العمل بتمطط وضجر، هذا إذا ذهب لعمله ، كما يتحول فيه لشخص عدائي يفترس كل من يختلف معه في أي شيء تافه ، ويناله منه على أهون تقدير أقبح الشتائم التي ينهيها بعبارة «اللهم إني صائم». ومن ليل يمر سريعاً مرور الكرام لايكاد يشعر به وهو يتجول فيه - بالرغم من تسمره في مكانه - عبر قنوات الفضائيات من مسلسل إلى آخر وأمامه مائدة طويلة من خيرات ربي يتسلى بأطباقها الشهية ،يداه كلتاهما مشغولتان بالبحث عن المجهول في متعتي تفريغ العقل وملء البطن ويستمر الوضع على ما هو عليه حتى تنتهي الأيام كما بدأت مرجئاً أحلامه إلى رمضان القادم وهكذا تتوالى أضغاث الأحلام أقصد أضغاث الصيام.