إيصال الأفكار والعبر والدروس يحتاج للكثير من المهارة والخبرة واختيار الأساليب المناسبة .. خاصةً إذا كان المتلقون من شريحة محددة بعينها ، عندئذ تحتاج هذه المهمة إلى تميز في طرق إيصال المراد ، وإبداع وابتكار في طرح الفكرة تلو الأخرى . فإذا كنا - مثلاً - نريد أن نحث الأطفال على التحصيل العلمي ، وتشجيعهم ليس فقط على المذاكرة والاهتمام بالدروس، بل وتحقيق التفوق الدراسي والتميز العلمي علينا حينها أن نلقي أمامهم نماذج واقعية وقصص نجاح تتحدث عن ذاتها ، حيث أن طبيعة المرحلة العمرية والانجذاب الانبهاري لهذه الفئة يحتم الأخذ بالأساليب النوعية التي تتناسب مع متطلبات التأثير والإقناع وإيصال الأفكار. غرس البذور مدرسة دروب المعرفة اتخذت من هذا النهج سبيلاً لها ، هدفت من خلاله إلى دفع الأطفال والطلبة إلى تمثل النماذج الناجحة التي قدمت لهم ، ويسيروا على هديها ، ويقتدوا بعزيمة وإرادة كل نموذج وتغلبه على المعوقات والصعاب في سبيل تحقيق الهدف الذي يسعى إليه . فقد اعتادت المدرسة على تنظيم محاضرات تستهدف الطلبة الصغار ، وبطريقة تتناسب مع مستواهم الفكري ، كان المحاضرون الذين يتم اختيارهم بعناية يتفنون في إغراء الطلبة الصغار في تبني أفكارهم ، والتعهد بتحقيق الأحلام والأهداف التي يتمنى تحقيقها كل طالب ، كبرت أو صغرت ، في عالم المدرسة أو خارجها .. فمن خلال تخصصاتهم الاجتماعية والعلمية ، وخبرتهم في التعامل والتخاطب مع صغار السن وتحفيزهم وتشجيعهم ، استطاع المحاضرون أن يغرسوا في أطفال وطلبة المدرسة بذرة الثقة بالنفس والتفوق والقدرة على التأسي بالقصص والنماذج والقدوات الناجحة التي كان يسوقها المحاضرون في ثنايا محاضراتهم. سر السعادة آخر تلك المحاضرات التي شهدتها مدرسة دروب المعرفة ، محاضرة للأستاذة الكفيفة سمية يوسف عبد الواحد رئيسة دار الأمان لرعاية الكفيفات بتعز ، والتي ألقت محاضرة للطلبة الصغار بعنوان ( سر السعادة ) ، تحدثت فيها عن القدرة الكامنة في نفس كل إنسان ، وقدرة أي منا على تحقيق المستحيل متى ما آمن بقدراته وأعطى لذاته الثقة اللازمة لتنفيذ الخطوات العملية نحو الأحلام.. واستشهدت المحاضرة بحال العديد من الكفيفات اللاتي استطعن رغم معاناتهن وإعاقتهن البصرية من تحقيق أحلامهن والوصول إلى أهدافهن ، مؤكدةً وهي تخاطب الطلبة من الصفوف الدنيا أن الإصرار والحماس والصبر على قدر الله أعطى للكثيرات من الكفيفات الأمل ، ودفعهن لتحدي إعاقتهن في سبيل السعادة في هذه الحياة.. وأشارت الأستاذة سمية إلى أن الإيمان بالقدر ، ثم الإيمان بقدراتنا وإمكانياتنا هو من يصنع سعادتنا ، لأنه عندئذ يستطيع كل منا أن ينجح إن هو استثمر طاقاته ، وأطلق لقدراته العنان ، والنجاح يأتي بالسعادة خاصةً إن كان هذا النجاح بعد تجاوز العديد من العقبات والصعاب والحواجز. قهر الإعاقة كما تحدثت رئيسة دار الأمان للكفيفات عن تجربتها الشخصية مع العمى ، وقالت إن العمى الذي أصابها منذ سن مبكرة من عمرها لم يكن أبداً عائقاً أمام طموحاتها ، ولم يمنعها من تذوق طعم النجاح الدراسي أوالنجاح في عملها ، ولم يكن يحول بينها وبين سعيها نحو السعادة.. حيث أشارت إلى تفوقها الدراسي وحصولها على معدل 98 % في امتحانات الثانوية العامة ، حين كانت تدرسها في المملكة العربية السعودية ، وبذلك استطاعت أن تتغلب على مصاعبها وإعاقتها وأثبتت أن الإعاقة لا تتواجد إلا في العقل والتفكير ، وإذا تواجدت الإعاقة هناك فحينها تموت الإرادة والعزيمة والقدرة على تحقيق المنال.. بالإضافة إلى مواصلة دراستها الجامعية والحصول على تقدير جيد جداً في قسم علوم القرآن ، وكذا نجاحها العملي والمهني كرئيسة لدار الأمان للكفيفات ، وإخراج نماذج من المعاقات بصرياً يقهرن الإحباط ويمضين نحو النجاح.. وطالبت الأطفال بأسلوبها الموجه إليهم بعدم اليأس ، أو القنوط ، فهم - الأطفال - أحسن حالاً من الكفيفات اللاتي لا يرين ، وبمقدورهم أن يصنعوا المستحيل من خلال صحتهم وقوتهم وإمكانياتهم الشخصية .