أعتقد أن التحكم بالنفس وضبطها قاعدة هامة في ميدان التقدم الإنساني فلولا هذه الصفة على مستوى الفرد ومستوى المجتمعات لاستمر البشر يموجون في عالم من قوانين الغابة وعدوانية النفوس. التحكم بالنفس ورغباتها ونوازعها من سمات التقدم الروحي وهدف منشود للإنسان في مسيرة استخدافه على هذه البسيطة وفي خضم ذلك أنزل الله تعاليم سماوية ترشد الإنسان وتوضح له كيفية ضبط نفسه والصوم واحد من هذه التعاليم التي تأتي في ذرى التعاليم التي تضبط النفس وتكبح جماحها. الصوم عبادة تمثل رابطاً مشتركاً بين كل الأديان السماوية بل والوضعية مهما كانت اختلافاتها وفي شهر الصوم تسمو أمتنا الإسلامية وتتدرج في سلم الرقي الروحي بعبادة الصوم بالإقلاع عن الطعام والشراب الموقوت وتجنب الشهوات على العموم والتحليق في نفحات الوجود الأعلى والأرقى من معتاد الوجود البشري المشتعل بالصراعات وصروف الحياة اليومية. يصوم كثير من الناس ولكن مع ذلك تغيب عنه فلسفة الصوم الحقيقية فبدلاً من التحكم بالنفس والسيطرة عليها يعوضون بعض الانضباط والتحكم بانفلات في المأكل والمشرب وإسراف في الجانب المادي وهي ازدواجية غريبة ضمن ازدواجيات لاحصر لها في مجتمعاتنا الإسلامية. ما إن يأتي ليل رمضان حتى يتخم الصائمون والصائمات بطونهم بالإفطار ومابعده بكل مالذ وطاب ممايزيد عن حاجة البطون البشرية, والمتأمل لحركة الأسواق قبيل الإفطار يعتقد أن الناس مقبلون على مجاعة وفاقة عظيمة, أو أن البشرية على وشك الفناء فيسارع الناس إلى إعطاء نفوسهم ماتشتهيه قبل فوات الأوان. يرى بعض الصائمين أن الصوم لايعني الإقلاع عن المفطرات فقط بل يضيف شرطاً آخر حتى يقنع نفسه بصومها وهو الصوم عن العمل والنوم على الفراش بلا ككل أو ملل ولايكتفي بذلك بل يضيع الصلوات وإذا أقبل الفطور يترك الرطبات ويشغل جوفه بالمحروقات (السجائر). من المظاهر الغوغائية في رمضان بيع المفرقعات النارية التي تزعج الصائمين وتقضي مضاجع النائمين, وارتفاع أصوات أبواق السيارات وزيادة سرعة المركبات والباصات والدرجات النارية إلى درجة جنونية نسأل الله اللطف بعباده وإلهام كل ذي مقود الصبر والتأني إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.