خالد بن الوليد وعبد المسيح الغساني روي أنه لما انصرف خالد بن الوليد من اليمامة وضرب عسكره على الجرعة التي بين الحيرة والنهر, وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى نفذت, ثم رموه بالخزف من آنيتهم, فقال له ضرار بن الأزور: مالهم مكيدة أعظم مما ترى, فبعث إليهم: ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم أسائله ويخبرني عنكم, فبعثوا له عبدالمسيح بن عمروبن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني, وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة, فأقبل يمشى إلى خالد فلما رآه قال: مالهم أخزاهم الله بعثوا إلى رجلاً لايفقه, فلما دنا قال: أنعم صباحاً أيها الملك, فقال خالد: قد أكرمنا الله عزوجل بغير هذه التحية, بالسلام, ثم قال له خالد: من أي أقصي أثرك؟ قال: من ظهر أبي. قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي. قال: على ماأنت ؟ قال على الأرض. قال: فيم أنت ويحك؟ قال: في ثيابي. قال: أتعقل؟ قال: نعم وأقيد. قال: اين كم أنت؟ قال: اين رجل واحد. قال خالد: ما رأيت كاليوم قط, أسائله عن شئ وينحو في غيره, قال: ماأجبتك إلا عما سألت عنه. الحجاج وتلميذ فراشة الخارجية يروي صاحب (الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي) أن امرأة من الخوارج يقال لها فراشة كانت ذات نبه في رأيهم تجهز أصحاب البصائر منهم, وكان الحجاج يطلبها طلباً شديداً فأعوزته فلم يظفربها وكان يدعو الله أن يمكنه منها أو من بعض من جهزته, فمكث ماشاء الله, ثم جيء برجل ممن جهزتهم فراشة فخر ساجداً ثم رفع رأسه فقال له: ياعدو الله, قال: أنت أولى بها ياحجاج, قال: أين فراشة؟ قال: مرت تطير منذ ثلاث, قال: أين تطير؟ قال: تطير ما بين السماء والأرض, قال: أعن تلك سألتك عليك لعنة الله؟ قال: عن تلك أجبتك عليك غضب الله, قال: سألتك عن المرأة التي جهزتك واصحابك قال: وماتصنع بها؟ قال: دلنا عليها, قال: تصنع بها ماذا؟ قال: أضرب عنقها قال:ويلك ياحجاج ما أجهلك! تريد أن أدلك , وأنت عدوالله على من هو ولي الله؟ قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين, قال: فمارأيك في أمير المؤمنين عبدالملك؟ قال: على ذلك الفاسق لعنة الله ولعنة اللاعنين, قال: ولم لا أم لك؟ قال: إنه أخطأ خطيئة طبقت بين السماء والأرض, قال: وماهي؟ قال: استعماله إياك على رقاب المسلمين, فقال الحجاج لجلسائه: مارأيكم فيه؟ قالوا: نرى أن تقتله قتلة لم يقتل مثلها أحد, قال: ويلك ياحجاج, جلساء أخيك كانوا أحسن مجالسة من جلسائك, قال: وأي أخوتي تريد؟ قال: فرعون حين شاور في موسى فقالوا: أرجه وأخاه, وأشار عليك هؤلاء بقتلي, قال: وهل حفظت القرآن؟ قال: وهل خشيت فراره فأحفظه؟ قال: هل جمعت القرآن؟ قال: ما كان متفرقاً فأجمعه قال: أقرأته ظاهراً؟ قال: معاذ الله بل قرأته وأنا أنظر إليه, فقال: كيف تراك تلقى الله إن قتلتك؟ قال: ألقاه بعملي وتلقاه بدمي قال: إذا اعجلك إلى النار, قال: لوعلمت أن ذلك إليك لأحسنت عبادتك واتقيت عذابك, ولم أبغ خلافك ومناقضتك.