من أعظم النعم سرور القلب، فإن سروره ثبات الذهن وابتهاج النفس، والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث، ولا ينزعج للتوافه، وبحسب قوة القلب وصفائه تُشرق النفس. فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات، وخفت عليه الأزمات. ومن أعداء السرور ضيق الأفق، وضحالة التفكير والاهتمام بالنفس فحسب، ونسيان العالم وما فيه والله قد وصف أعداءه بأنهم “أهمتهم أنفسهم” فكان هؤلاء القاصرون يرون الكون في داخلهم، فلا يفكرون في غيرهم، ولا يعيشون لسواهم، ولا يهتمون للآخرين. إذا طاف بك طائف من هم أو ألم بك غم فامنح غيرك معروفاً وأسد له جميلاً تجد الفرح والراحة اعط محروماً، انصر مظلوماً، أنقذ مكروباً، أطعم جائعاً، عد مريضاً، أعن منكوباً، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك فلا تصطدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس. خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد غيره، وشكر الغالب سواه. إن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافئ، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج أذانهم، هم في راحة، والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام. بشّر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء، وبشرهم بثواب آخر وكبير في جوار رب غفور في جنات ونهر “ في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر”.