عرّف العلماء التراث بأنه كل ما أنتجه العقل البشري من آثار وفنون مصنوعة أو منطوقة، وبناءً عليه فإن الدين لايدخل في نطاق التراث الإنساني لأن مصدر الدين هو الوحي الذي جاء به النبيون من ربهم ولا دخل للعقل البشري في إنتاجه..وإذا كنا نستبعد أن يكون الدين من التراث بناءً على ماسبق فكيف نتعامل مع القصص القرآني وأحداث الأمم السابقة وأخبار من مضى باعتبارها خاضعة للمنطق وإعمال العقل. ويمكن الخروج من هذه المعادلة الصعبة بإيجاد الفرق بين أمرين. الأول: الدين الموحى به من عند الله إلى البشرية عن طريق الأنبياء في الكتب المقدسة. الثاني: تفسير مسائل الدين ودخل اللغة في توضيح مقاصده وهنا يدخل العقل البشري في إنتاجه فعد من التراث الإنساني. وفي القصة التي بين أيدينا يحدثنا القرآن الكريم بأن قبيلة قريش قبل البعثة المحمدية كانت تزاول مهنة التجارة ويقوم بها أفراد من القبيلة تمتلك ثراءً وذكاءً أهلها للقيام بهذه المهمة الشاقة وقد ذكر لنا العلماء في السيرة النبوية بعض الأسماء اللامعة من الرجال والنساء فقد كان أبو سفيان بن حرب وعتبة بن ربيعة وعثمان بن عفان وغيرهم من التجار في ذلك الزمان ممن عنتهم الآية ومن النساء خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء كانوا يشتغلون بالتجارة بواسطة الجمال والدواب بما يسمى بالقافلة وسيراً على الأقدام وقد كان التسوق موسمياً وربما كان لهذا التسوق الموسمي أهدافاً لها صلة بمواسم الإنتاج الزراعي والصناعي وخلافه ولها صلة أيضاً بالجانب الاستهلاكي فبعض السلع مطلوبة في الصيف في بعض الأماكن والبعض الآخر مطلوبة في الشتاء في أماكن أخرى وهذا هو السر في التبادل التجاري للسلع في مواسم مختلفة وأماكن تتفاوت احتياجات سكانها بين آونة وأخرى فقد يشتد البرد في بعض الأماكن فيحتاج الناس إلى الأصواف وأنواع التوابل وقد عبر عن هذا الاحتياج الأعشى وهو شاعر قريش عندما سأله مضيفوه عن نوع الأكل الذي يناسبه وكان يحتاج إلى الدفء قبل كل شيء فقال لمضيفيه “قلت أطبخوا لي جبة وقميصاً”. وقد يشتد الحر في أماكن أخرى فيحصل كساد لبعض السلع التجارية ويشتد الإقبال على سلع أخرى، ومن هنا نعرف مغزى رحلة الشتاء والصيف فقد كان التجار يتجهون نحو بلاد الشام في موسم الصيف وإلى اليمن في موسم الشتاء وهنا يمكن التسوق الموسمي والذي يحتاج إلى بحث حول التسوق الموسمي وأنواع المنتجات التي تباع في كل موسم على حدة وأسباب الكساد والطلب على بعض السلع بعينها وتعد سورة قريش من أقصر السور في القرآن الكريم وهي مكية تضمنت هذه السورة على قصرها معاني جليلة نوجزها في الدروس التالية: 1 لفت الأنظار إلى أهمية التسوق الموسمي وشحذ الهمم إلى البحث في هذا المضمار. 2 الدعوة إلى تنوع السلع الاستهلاكية بحسب العرض والطلب. 3 الأمر الإلهي لبني البشر بعبادة الواحد الأحد لاشريك له ولا سند “فليعبدوا رب هذا البيت”. 4 الاهتمام مرة أخرى بحاجة الناس إلى الغذاء ومن ثم الكساء “الذي أطعمهم من جوع”. 5 التركيز على ملاك ذلك كله وهو الأمن والأمان وعدم الخوف إلا من الخالق وحده “وآمنهم من خوف”. 6 الإحاطة والشمول بما أوجزته هذه السورة من دروس في الاقتصاد وهو عصب الحياة، ومنها التسوق الموسمي إشباع غريزة الإنسان الأمن والاستقرار وهو الذي لايتحقق إلا في مجتمع عرف ماله وما عليه وطبق شرع الله وعدله وآمن به وأدى حقوقه قال تعالى: “الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون”.