تخيل معي أن رجلاً يأخذ ابنته الصغيرة البريئة يأخذها إلى الصحراء ويحفر حفرة بين الرمال، وهي تنظر إليه فتعلق بعض حبات الرمال بلحيته فتقوم من مكانها لتنفضها مما علق بها.. وهو يستمر في الحفر، حتى إذا ما انتهى من حفرته أخذ تلك الصغيرة ليضعها في الحفرة وهي تصرخ وتستعين به وتسترحمه، ولكنه يصر على ذلك ويهيل عليها الرمال، وتستمر في الصراخ والاسترحام، وهو يستمر في إهالة الرمال حتى يتوقف الصراخ تماماً وتموت الصغيرة،وينتهي الرجل من مهمته وينصرف إلى داره. هل يمكن أن يفعل أب بابنته مثل هذا، ماذنبها ما الجريمة التي ارتكبتها؟!! وتمضي الأيام ويبزغ فجر الإسلام لينشرح صدر هذا الرجل للدين الجديد فيدخل إلى مصنع التغيير القرآني ويخرج منه رجلاً آخر؟! أتدرون من هو هذا الرجل؟! إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فماذا تقول بعد ذلك عن قدرة القرآن على التغيير؟!! إن كان القرآن الكريم هو مشروع الأمة الإسلامية القومي للنهضة وهو السبيل لعودة مجدها وعزها فلابد أن ينتفض كل غيور ويبدأ بنفسه ويعود إلى القرآن ويقبل عليه بكيانه كله حتى إذا ذاق حلاوته وازداد تحرك قلبه مع آياته وشعر بنوره يسري في كيانه وأصبح لا يستطيع الاستغناء عنه، فهو بذلك قد وضع قدمه في بداية الطريق فعليه حينئذ أن يتحرك بهذه الدعوة “دعوة العودة إلى القرآن” في كل مكان ومع كل من يعرفه مع أبيه وأمه، وزوجته وأولاده وأقاربه وجيرانه ومعارفه وزملائه. إنه القرآن الكريم: يجد كل إنسان فيه بغيته.. يُقبل عليه المهموم ليجد فيه بلسمه، ويُقبل عليه المحزون ليجد فيه سلوكه ويُقبل عليه العالم ليجد فيه طلبه ويُقبل عليه الهارب من قيود الحياة الرتيبة ليجد فيه خلوته.. يُقبل عليه الضال التائه ليجد ضالته، فهو كما ورد في وصفه مأدبة الله، كل إنسان يأخذ منه حاجته ويجد فيه قناعته ومتعته وسلوته.