كم باقي لرمضان؟! وكم باقي من رمضان؟ سؤالان لا يختلفان إلا بحرفي الجر (اللام ومن) ولكنها يختلفان كثيراً من حيث المعنى...فبالأمس القريب كنا نتساءل عن موعد قدوم رمضان وهل سنكمل عدة شعبان واليوم ونحن في الثلث الأخير منه نسأل كم مضى منه وكم المتبقي من هذا الشهر الكريم؟!و في الحقيقة كلا السؤالين يضعان ويصنعان حسرةً في النفس البشرية لكونها- أي النفس- دائماً ما تحب الأمل وتخاف من وقت الغروب وتأريخ الانتهاء..وتخاف أيضاً من عدم تكرار الفرص..قبل رمضان يتمنى المرء الوصول إلى رمضان وسيعمل المستحيلات وسيحصد الحسنات وما أن يهل هلال الشهر حتى يتناسى الإنسان عظمة كل ثانية وكل لحظة ثمينة في هذا الشهر المبارك فيبدأ بالحماس ثم يخبو تدريجياً وقد ينطفىء في النصف أو قبل ذلك ولا يصحو إلا في ليلة العيد... عجيب أمرك يا رمضان والأعجب منه أمرنا نحن المتقاعسن والمقصرين والمهدرين للفرص العظيمة والتي لا يوجد بعدها فرصة..(ليلة القدر خير من ألف شهر)لو قسمت الألف شهر على اثني عشر شهراً في العام فستجد نفسك أمام ليلةٍ خيراً من ثلاث وثمانين سنة وثلث السنة أي عمر (قبيلي) ..والله أنها فرصة ليست بعدها من فرصة..ليلة واحدة فقط من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه..وهي خير من عبادة ألف شهراً..أي كرمٍ هذا وأي عطاء هذا يا رب... وما الذي نريده بعد ذلك؟ (وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين) اللهم لا تجعل قيام هذه الليلة كبيراً علينا ولا ثقيلاً يا رب العالمين..قبل أن أكتب هذا المقال..سألت نفسي ماذا سأصنع بعد الانتهاء من كتابته؟فقلت:لا أدري..سأخلد للنوم كعادتي اليومية..قلتُ: إنما الأعمال بالنيات ويكفي الإنسان الحرقة والندم..والندم توبة..لكننيِ آمنت حينها أنه لابد من شد المئزر ورص الصفوف واعتزال الدنيا ولو لليلة واحدة...ثم حمدتُ الله وقلتُ: لعل غيري سيقرأ هذه الأسطر فيكون أكبر وأكثر همةٍ مني ورُبّ مبّلغٍ أوعى من سامع أو قائل أو كاتب..فلعل أحدهم قرأ حروفي وتذكر الحالة العامة التي تعترينا جميعاً وقام من مجلسه أو كرسيه أو سيارته أو دكانه أو بيته واغتنم هذه الليالي المباركات والأيام المحمودات ومن يدري فقد يفوز بها عكاشة فلا نُحرم من أجره.. والدال على الخير كفاعله.. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا..اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر آمين.