الخروج من خيوط الدولة الوطنية إلى خيوط مصالح الأمة العربية المنتشرة على أكثر من قارة سيجعلنا أقرب للمستقبل علينا ألا نستخدم سياسات الفوضى الخلاقة، بل يجب علينا أن نستخدم حسن الأخلاق دون فوضى كانت الجلسة الأولى بعنوان “دور العرب في رسم مستقبلهم” أشبه بحوار مع معالي الوزير يوسف بن علوي بن عبد الله، والذي عرّف به مقدم الحفل قائلاً بأنه يختزن خبرة طويلة في مجال رسم العلاقات العربية، ومجال الأعمال، وهو ليس غريباً عن بيروت التي شغل فيها سابقاً منصب سفير سلطنة عمان، وحاوره الدكتور خليل جبارة مدير وحدة الحكم الصالح التابعة لمكتب رئيس مجلس الوزراء في لبنان، حيث تولّى الإشراف على تطوير وتطبيق عمليّة إرساء الديمقراطيّة والحاكميّة الصالحة والنفاذ إلى المعلومات وبرامج الشباب، كما يحمل د. جبارة شهادة دكتوراه في الاقتصاد السياسي من بريطانيا ويُدرّس مادة المالية العامة والتنمية الاقتصادية في الجامعة اللبنانية الأميركية. لديه العديد من الدراسات والمقالات عن الحكم الصالح، الفساد، والمسؤوليّة الاجتماعية، والقطاع العام والإصلاح الاقتصادي في المنطقة العربية. وقال مقدم الجلسة إن أهمية الحوار تنبثق من أهمية وثقافة الوزير العالية وإطلاعه الواسع على الملف العربي وقضايا المستقبل، ملاحظاً أن دور الشباب العربي يكمن في بناء مستقبل، لكن هذا المستقبل تعترضه عدة تحديات أهمها التحدي البيئي وتحدي التنمية والاقتصاد، ثم وجه المحاور سؤاله الأول إلى معالي الوزير يوسف بن علوي بن عبد الله: ما هي رؤية معاليكم حول استشراف المنطقة العربية للمستقبل؟ أشكر بداية مؤسسة الفكر العربي على دعوتي كونها تنعقد في بيروت التي أحمل ذكريات طيبة فيها، أما بالنسبة للسؤال الذي طرحتموه فهو يدور في عقول العرب إن كانوا شباباً، وأعتقد أن ما هو داعم لهذه العقول هو أن الطموحات التي سيطرت على تفكيرنا وسيطرت على رؤيتنا هي أكبر من المساحة المتاحة لنا إن كان في العقود الأربعة الماضية أو إن استمرت على هذا النمط للعقود المقبلة. بكل تأكيد الطموح أمر مشروع وهو خطوة أساسية لعملية التطور والانتقال من مرحلة إلى مرحلة التنفيذ ضرورية، لكن هذا الطموح يجب أن يكون منظماً وثابتاً على قاعدة واضحة منذ النصف الثاني من القرن الماضي وضعنا على سكة القطار لكن في الاتجاه الخطأ وقضينا 60 عاماً أو أكثر ونحن نتلمس الوصول إلى المحطة الصحيحة ولم نصل بعد. أعني بهذا أن قادة الأمة العربية خلال تلك الفترة منهم من لم يعد معنا ومنهم من لا زال يقود الأمة العربية لكن في تبصر جديد للوصول بالقطار إلى المحطة المرجوة، أعني بهذا خلال 60 سنة وضعنا كل جهودنا على خط الشعارات في السياسة، وفي ذات الوقت لم نحسن السياسة، ما هي السياسة؟ ما هو مفهوم السياسة؟ في رأيي أن السياسة هي تمحيص كل أمر للوصول بالعالم إلى ما هو أفضل، ولكن هذا غائب في عالمنا، السياسة عندنا هي اتخاذ القرار الذي يوافق الهوى، لذلك لم نتمكن أن نضع أنفسنا على القطار الصحيح، أقول هذا الكلام من خبرة ومعايشة لمسيرتنا في السياسة العربية التي هي في الضرورة أحد أوعية الغذاء للإنسان العربي، لذلك أود أن أقول إن المستقبل واحد، لكن إذا وجدنا أنفسنا على القطار الصحيح، إذا نظرنا إلى واقعنا ما قبل الآن، لوجدنا أن معظم الدول العربية وبالنتيجة الشعوب العربية ما زالت في حاجة كبيرة إلى المساعدات المالية الخارجية، وهذا يعني أن قدرتها على الانطلاق لشعوبها مقيّدة..ما لم ينفك هذا القيد وتنظر الدول العربية نظرة أخرى في كيفية استبدال قطار بقطار آخر، ويكون القطار الجديد من القطارات السريعة لتكون انطلاقة هائلة، وأقول إن الموارد العربية بكل تصنيفاتها ذات قيمة مادية كبرى، لكننا يجب أن ننظر إلى كيفية إدارة هذه الموارد. إعادة تركيب نظرتنا إلى العمل العربي المشترك قبل تداول العمل العربي المشترك، لا شك أن هناك منافسة كبيرة حول أيديولوجيات ومصالح مادية واقتصادية، وعلى صعيد السياسات هل عدم قدرتنا على صياغة سياسات طويلة الأمد؟ ذكرت أن مفهومي في السياسة هو تمحيص كل أمر لاستخلاص ما هو أفضل، وأقول إن ما ينبغي علينا استخلاصه هو النظر إلى مستقبلنا يبقى في إطار التوجه نحو القطار الثاني أي جمع المصالح (تنظيم الاقتصاد، الخروج من خيوط الدولة الوطنية إلى خيوط مصالح الأمة العربية المنتشرة على أكثر من قارة) لكننا مازلنا نقيّد أنفسنا بخيوط الدولة الوطنية، ومازلت أشعر بأن هناك الكثيرين بدءوا يوجهون جهودهم بهذا الاتجاه إلاّ أنه لا حل لنا إلاّ بإعادة تركيب نظرتنا إلى العمل العربي المشترك بما يتوافق مع متطلبات العصر، وبالتالي علينا ألا نستخدم سياسات الفوضى الخلاقة، بل يجب علينا أن نستخدم حسن الأخلاق دون فوضى، أعتقد أنه ينبغي للمفكرين أن يدرسوا مثل هذه الأوضاع ويقدموا توصيات لمن في أيديهم القدرة على وضع السياسات. نحن الآن في الخطوة الأولى لأن إطار الجامعة العربية بطيء، بدأنا خطوة منذ عدة سنوات لوضع المنطقة على خط إلغاء الحدود وتفعيل فكرة “المنطقة الحرة المشتركة”، وأظن أن هذه الخطوة بالاتجاه الصحيح لكنها لا تسير بالسرعة المطلوبة، لكن يكفي أنها خطوة بالاتجاه الصحيح. ينبغي كي ننجح أن نشرك الجميع باتخاذ القرارات، بدأنا في الجامعة العربية في الأربعينيات ولم نصل إلى أي نتيجة، يجب ألا نقلد لأننا لن نصل إلى أي مكان، لابد من توفير وسائل لانفكاك البعض منا من أزمنة الديون الخارجية، يجب أن نجمع كياناتنا في إطار فكري واحد. هل توافق على عنوان المؤتمر؟ من الناحية الواقعية لا يمكننا أن نبني أنفسنا من دون أن نكون جزءاً من هذا العالم، هكذا كنا تاريخياً، ما قبل الإسلام وما بعده وفي عصور النهضة العربية، وفي كل ما هو موجود في تاريخنا وتراثنا، ونحن بدأنا في تاريخنا بالشراكة مع العالم. ينبغي أن نتفاعل مع العالم بطريقة تحمي مصالحنا، بمعنى أن نكون قادرين على بناء مصالح حقيقية مع الآخرين، ولا نشعر بآن الآخرين يعطونا الخبز، لأن مافي العالم من ثروات هو ملك العالم، ما هو ملك لنا هو ملك الآخرين والعكس صحيح، وإذا أردنا أن نبني مستقبلاً بقدرٍ ممكن من إنتاج اقتصاد المعرفة، ولا نكون دائما مستوردين له، جزئياً موافق أنه علينا بناء المستقبل بالشراكة مع العالم. المحور الثاني المرتبط بالتحديات التي تواجهها المنطقة العربية، الجيوستراتيجية والتغير المناخي والتحديات الاقتصادية، انتهز الفرصة للإطلاع على تطلعات السلطنة في هذا الوضع الإقليمي الحرج والحساس مع هذه التحديات الكثيرة والجدية التي لم نبدأ بالتفاعل معها بشكل جدي خصوصاً التحديات البيئية. التحديات هي تعبير أكثر مما ينبغي توصيف الواقع به، الحياة كلها مصاعب، بعض المصاعب تعتبر تحدياً وبعضها يمكن تسويتها، ما نواجهه اليوم من الفقر وغيره ما نراه اليوم من أزمات موجودة في مختلف منطقتنا العربية هي ربما رسائل لابد أن نفك رموزها حتى نعرف كيف يمكن أن نتعامل معها، وربما إلى الآن لم نتمكن من فك هذه الرموز، وهي تجعلنا في حيرة إن كان في القضية العربية عموماً والقضية الفلسطينية بالأخص، والتأثيرات حولها، أو الوضع في العراق بكل تشعباته أو القضايا الإقليمية المتصلة والمؤثرة كقضية أفغانستان أو الملف النووي الإيراني أو ما سمي بمحاربة الإرهاب... هذه كلها رسائل مشفرة، حتى الآن قضية فلسطين مر عليها 60 عاماً، ولم نستطع فك الرموز حتى نعرف كيف نتعامل معها..المهم أن نفهم كيف علينا التعامل مع العالم، نحن في منطقتنا ثقافتنا العامة تعتمد بالأساس مبدأ رفع الظلم عن المظلوم وكبح جماح الظالم، لكن بقية العالم لا ينظرون وفقاً لهذا المفهوم بل ينظرون أن لكل أزمة أسباباً وبالتالي ينبغي أن تحل هذه الأزمات على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» الجميع ربحان من هذه الحالة عبر التسويات، وهذه في ثقافتنا غير مقبولة، إذاً المشاكل التي تحصل الآن وإذا كان لابد لنا من بناء مستقبل، ومستقبل على أساس قواعد العالم ينبغي أن نفك هذه الرموز ونفهمها ونتعامل معها. دور عُمان في هذا الإطار ما هو دور سلطنة عمان على صعيد منطقة الخليج العربي وعلى الصعيد الإقليمي الأوسع؟ كجزء من السعي العربي المشترك في إطار أهمية الحفاظ على المصالح الأساسية للبلدان والشعوب العربية في بناء المستقبل، ينبغي النظر إلى الوسائل الجديدة والأوعية الجديدة لتظهير نظرتنا في كل المستويات لا بد أن نتعامل بطريقة تحمي لنا مصالحنا، وإذا كان لابد من خسائر يجب أن تكون بالحد الأدنى. الخوف على المستقبل! انتهز هذا الوقت لأتناول موضوع الشباب العربي.. أتخيل عندما نتكلم عن الشباب نتمنى لهم مستقبلاً أفضل، هل أنت خائف على مستقبل الشباب العربي؟ لست خائفاً على مستقبل الشباب العربي، لكن ما يقلق هو: هل نستطيع أن نبني قاعدة يستطيعون من خلالها أن يصلوا إلى المستقبل الذي نتطلع إليه بدون عناء كبير؟، نحن لسنا قلقين على مستقبل الشباب فهم الذخيرة والأصل وقادة المستقبل، الفرق أننا نحن هذا الجيل خلال العقود الخمسة الماضية لم نستطع وضع تصور لكيفية إدارة مستقبل الأمة العربية، لكن بكل تأكيد أن الشباب سيكونون أفضل في إدارة مستقبل الأمة العربية من جيلنا، جيلنا كان جيل الوطنية، وبالتالي لست قلقاً على المستقبل، لكن قلقاً على أنفسنا، هل مازلنا نستطيع أن نهيء قدراً معيناً من إدارة الأمور لتحقيق تطلعات الجيل المقبل؟ الشباب ليسوا مع العالم كما ينبغي لكنهم على مقربة بماذا تعد الشباب الخليجي والعماني؟ أعتقد بأن شبابنا على مقربة قصيرة من شباب العالم، يعني مع الشباب تقنية المعلومات، هم ليسوا مع العالم كما ينبغي، لكنهم على مقربة، من مسؤوليتنا أن نهيء الأرضية بحيث يكونوا في هذا الجانب، يجب أن نهيء لهم خلال السنوات العشر المقبلة بحيث يلتصقون مع الشباب العالمي، ونستخدم على طول الساحة العربية خططاً لتثبيت الإستراتيجية، اقتصاداتنا يجب أن تنمو على أساس اقتصاديات المعرفة، هذه الحقيقة موجودة في الخليج كأولويات وهي وموجودة كأرضية أيضاً في سلطنة عمان، كذلك في دول الخليج الأخرى وهو هدف أساسي لمنظومة مجلس التعاون، ولكن بالنسبة للساحة العربية، كل دولة عربية لديها خطط وأولويات اقتصادية لكن بسرعات مختلفة، بالتالي نحن ننظر إلى أن المستقبل هو مستقبل المعرفة وأن المعرفة تدفع للاقتصاد والاقتصاد يدفع نحو المستقبل.