كثر تناول المبيدات عبر الوسائل المختلفة وحملت وزرها ووزر سواها من خلال ذلك متناسين أن المواد السامة والخطرة لا حصر لها ابتداء من الطلاء بأنواعه حتى المواد الغذائية المصنعة التي احتلت صدارة قائمة منظمة الصحة العالمية لاعداد الأمراض السرطانية عالمياً, فإن المطلوب وضع معالجات لكل تلك المواد أخذاً بالمثل العربي “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.. وبالعودة إلى المبيدات نبدأ بما هو لها ونسأل: هل المبيدات مفيدة؟!. ونقول: “نعم” لأنها تحمي انتاج المحاصيل من الآفات, موفرة فاقداً يتصاعد مع درجة الإصابة تصل أحياناً من 40 % إلى 50 % ومع تزايد عدد سكان الكرة الأرضية يعد ذلك مهماً مع تزايد الاحتياجات الغذائية وفقاً للتزايد المشار إليه. هل المبيدات ضارة؟ كذلك نقول: “نعم” إنها خطرة وذات مضار متعددة خاصة مع سوء استخدامها مثل أي مواد خطرة أخرى. إذاً ماهو المطلوب؟! المطلوب تحقيق ثلاثة أمور أساسية يتفرع من كل منها فيما بعد بنود أخرى وهي: أولاً: تحقيق زيادة في الإنتاج الزراعي من خلال مكافحة الآفات. ثانياً: ضمان سلامة صحة الإنسان والحيوان من مخاطرها. ثالثاً: ضمان سلامة البيئة بكامل مكوناتها. ولنأخذ كلاً منها على حدة ونبين ما ينطوي من أنشطة واشتراطات. أولاً تحقيق زيادة في الإنتاج الزراعي من خلال مكافحة الآفات: لزيادة الإنتاج الزراعي لابد من تحقيق مكافحة مثلى للآفات بمبيدات تخصصية معلومة فاعليتها على كل آفة بما يوجد قائمة مبيدات يتم العمل بها مع ضمان سلامة المتعاملين معها بالوسائل المختلفة, وتنعقد الصلاحية في هذا الجانب لوزارة الزراعة والري, وللوصول إلى ذلك لابد من العمل على الآتي: 1 - إجراء التجارب الحقلية المكثفة للحصول على ثلاثة إلى أربعة أنواع من المبيدات لكل آفة لتوفير خيارات للمزارع, وهي ذات أعلى فاعلية للآفة. إذا افترضنا صعوبة انجاز ذلك فمن الممكن اللجوء إلى قائمة منظمة الأغذية والزراعة التي بدأت بها في عام 63م, ويضاف ويحذف فيها العديد من المبيدات سنوياً واعتمادها مرجعاً في هذا الجانب. 2 - تكثيف النشاط الإرشادي في هذا الجانب بشتى الوسائل المتاحة لإيصال المعلومات إلى المزارع والمتعاملين مع المبيدات من بداية أخذ العبوة وحتى طريقة التخلص منها بما في ذلك استخدام الملابس الوقائية. 3 - النشرات الإرشادية والأنشطة الإرشادية الأخرى الموضحة للمزارعين والمستهلكين فترات الأمان ودرجة السمية لكل مبيد والآثار المترتبة عن عدم التقيد بها. ثانياً: ضمان سلامة الإنسان والحيوان من مخاطر المبيدات, ويتحقق ذلك من خلال: 1 - درجة سمية المبيد وضمان توافقها مع الجرعة المسموح بها والتي توفرها منظمة الصحة العالمية التي بدأت عملها في عام 52م واستمرت في إضافات وتغير حتى تاريخنا الحالي. 2 - أن يكون الأثر المتبقى للمبيد بعد انتهاء فترة الأمان متوافقاً مع النسب المسموح بها حسب قوائم منظمة الصحة العالمية وكذا منظمة الأغذية والزراعة. 3 - أن تكون النسب التراكمية للمبيد صفراً أو في أدنى مستوياتها التي لا تخلق أي مشاكل صحية للإنسان والحيوان وهناك قائمة جزئية لدى منظمة الصحة العالمية كون ذلك يتطلب فترات طويلة من الدراسات والأبحاث. 4 - ضمان عدم تسبب المبيد في أمراض مزمنة أو خطرة للإنسان منها السرطان, وهناك كذلك قائمة بالمبيدات التي تم منعها لدى المنظمتين الصحة العالمية – والأغذية الزراعية – وتأخذ كذلك فترات زمنية طويلة من الأبحاث والدراسات لتأكيد ذلك من عدمه, وتنعقد الصلاحية في هذا الجانب لوزارة الصحة والسكان. ثالثاً: ضمان سلامة البيئة بكامل مكوناتها, ويتحقق ذلك من خلال: 1 - عدم التأثير السام للمبيدات على الكائنات المائية. 2 - عدم التأثير السام للمبيدات على الكائنات الحية الأخرى مما يؤثر على التوازن الطبيعي في البيئة. 3 - ألا يكون للمبيد تأثير من خلال انبعاث مواد ذات تأثير سلبي على الغلاف الجوي. 4 - أن تكون فترة بقاء المبيد في التربة قصيرة جداً لتحاشي آثارها الضارة. وتنعقد الصلاحية في هذا الجانب لوزارة المياه والبيئة أو من يمثلها مثل الهيئة العامة لحماية البيئة, ومن خلال ما سبق يتضح جلياً أن المتطلبات المذكورة تعكس الاشتراطات الأساسية التي يجب أن تعمل اللجنة الوطنية لتسجيل المبيدات عليها حتى نحصل على قائمة المبيدات التي تقر اللجنة تداولها في الوطن والتي ستكون خاضعة سنوياً للإضافة أو الحذف وفقاً لاشتراطات خاصة أو ظهور نتائج محلية أو أممية مؤكدة تشير إليها بأصابع الاتهام أو البراءة. كما أنها تحدد ماهية لجنة التسجيل التي تترأسها وزارة الزراعة وتشارك في عضويتها وزارة الصحة ووزارة المياه والبيئة, وهذا فعلاً ما عكسه القرار الوزاري رقم 73 لعام2001م ورقم 8 لعام 2002م والذي يمثل جزءاً من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 25 لعام 99م لتنظيم تداول مبيدات الآفات النباتية عندما حدد لجنة التسجيل وصلاحياتها وإن شابه بعض القصور. وإن كانت قد صدرت قائمة المبيدات فلا أعتقد أنها لبّت الاشتراطات السابقة أو قاربتها, إضافة إلى أن قوام اللجنة التي أعدتها تتعارض مع ما صدر في اللائحة والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من القانون, كما أن أي لجنة حالية تعمل لن تكون أي قائمة تسجيل تخرج بها كذلك ملبية للاشتراطات أو تحمل الصفة القانونية كونها تخالف قوام اللجنة التي صدرت في اللائحة رغم ضخامتها. إذ أن اللجنة لابد أن تشكل من رئيس يشغل درجة وكيل وزارة, أي موقع قرار في وزارة الزراعة، وأعضاء من الصحة والبيئة والزراعة لا يقلون عن درجة مدير عام له علاقة بهذه المواد بحيث أن مكونات إدارته سيكون بالنسبة له مساعدون ينعقد عليهم توفير المعلومات والبيانات اللازمة, وله حق اتخاذ القرار في اللجنة, ولا يمنع ذلك من الاستعانة بالجهات البحثية إن توفرت لديها أنشطة ذات صلة في هذا الجانب. كما أن الاستعادنة بأي شخص تخصصي من جهات أخرى يعد جانباً فنياً فقط ولا يحق له التدخل في قرار اللجة, وأترك الباقي للقانونيين للخوض فيه إن جانبت الصواب. ولكن هل تنتهي كل المشاكل والمخاطر بصدور القائمة, مع القول ان الوضع السابق هو المثالي, لأن مشاكلنا التي تسبق القائمة كثيرة تستلزم وضع الحلول لها, لأن بقاءها كما هي تصبح أي قائمة لا جدوى منها مثل: 1 - تعدد عمليات الرش لنفس المحصول من ثلاث إلى أربع مرات بالمبيد ذاته أو مبيدات متعددة ولذات الآفة مما يزيد معه كمية المبيد المستخدم في وحدة المساحة وتأثيراته العكسية وإكساب الآفة مناعة تزيد صعوبة التعامل معها مستقبلاً. 2 - قطف وتسويق المحاصيل (فاكهة – خضار – محاصيل أخرى مختلفة بما في ذلك القات) قبل انتها فترة الأمان بل أحياناً بعد الرش مباشرة مما يزيد من حالات التعرض للتسمم والأمراض الأخرى للإنسان والحيوان كون كمية المبيد أعلى من النسب المسموح بها. 3 - استخدام المبيدات من قبل المزارعين بجسد عارٍ من كل وسائل الحماية المطلوبة. 4 - جوانب قصور في القانون ذاته من حيث فرض الغرامات قبل العقوبات, كما لابد أن يكون ذا شمولية أكثر من جوانب العقوبات لا تقتصر على من تدوال المبيدات بل كذلك المستخدمين له, وهذا الجانب بحاجة إلى مراجعة كاملة للقانون واستكمال جانب القصور من خلال الملاحظات الممكن جمعها من كل من تعامل معه. 5 - عدم استغلال ما ورد في الاتفاقات ومدونات السلوك الدولية عبر المؤتمرات المختلفة انتهاء بكوبنهاجن ومنها مثلاً إلزام الشركات بإرفاق نشرة مع كل علبة مبيد توضح فيها كامل البيانات الخاصة بالمبيد ابتداء من تركيزه – ومركباته الأساسية – السمية – فترة الأمان – نوع الآفة – الجرعة المستخدمة – طريقة الاستخدام – المواد المستخدمة عند التعرض للتسمم حتى الوصول إلى كيفية التخلص من العبوة. وهذه أمثلة فقط, ويعود ذلك إلى الأسباب الآتية من وجهة نظري: - عدم وجود قائمة مبيدات تخصصية يمكن للجميع الرجوع إليها والاستفادة منها. - ضعف بل انعدام الجانب الإرشادي في جانب المبيدات بشكل كلي وإن تعددت مبرراته (نشرات – توعية – ميداني عبر الاجتماعات – الحقول التوضيحية... إلخ). - إبعاد القات عن أي خدمات إرشادية أدى إلى جهل المزارعين عن النوعية والاستخدام والمحاذير والرش بكل ما هبّ ودبّ من المبيدات, رغم أن الآفات على القات من الضعف بحيث أنها لا تحتاج إلا أقل المبيدات تركيزاً وبالملامسة مما يسهل معه التخلص منه عند الاستخدام بالغسل. - عدم تواجد الجهات البحثية في هذا الجانب سواء في الجانب الزراعي وكذا الصحي والبيئي. إذاً من خلال ما سبق نستطيع أن نقول إننا أولاً مطالبون بمعالجة أوجه القصور الموجودة كل جهة مسئولياتها في هذا الجانب لا أن تحمل وزارة الزراعة والري نفسها مسئولية الجميع. وإذا وجدنا أنفسنا لأي سبب غير قادرين على ذلك بشكل كلي أو جزئي فمن حقنا الاستعانة بالمنظمات الدولية ذات الاختصاص ومنها اللجنة المشتركة التي أسست عام 2001م من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الفاو لإلغاء التداخل والتعارض بينهما, وأوكلت إليها عمليات تسجيل المبيدات سواء لإيجاد الإطار الصحيح للوزارات المختلفة في هياكلها أم شكل تلك الأطر بما في ذلك الخبراء التخصصون الذين يمكن الاستفادة منهم, ويمكن للجنة التسجيل الوطنية كذلك الاستعانة بنموذج استمارات التسجيل التي تعمل على ضوئها اللجنة المشتركة إضافة إلى قائمة المبيدات التي تم تسجيلها حتى الآن والتي تصل إلى 259 نوعاً كخطوة أولى. لقد أردت التعرض للمكافحة المتكاملة وأهميتها كبديل من شأنه التقليل بشكل كبير من استخدام المبيدات, خاصة أن لنا تجربة في تهامة من خلال مكافحة ذبابة الدراق رغم أنها جزئية, ولكن كبر الموضوع وأهميته وعدم امكانية اختصاره كالمواضيع الأخرى فإنه يستحق تناوله باستقلالية, لذا اكتفيت بالإشارة إليه فقط. إن اختصار الموضوع استلزم إعطاء المواضيع أقل مما تستحقه كون الكثير منها قد يتطلب ملازم مستقلة وذلك لأني وضعت في الأساس منذ البداية أن هذا يعتبر دعوة ملحة لعقد ورشة عمل موسعة تضم كل الجهات والأشخاص ذوي الاختصاص بما في ذلك المنظمات المحلية والدولية ومراكز البحوث المتخصصة ولعدة أيام لتناول كل مكون بعدد من أوراق العمل والخروج بتوصيات تحمل الحلول والمعالجات لهذا الجانب, ولتكن تهامة موقعها, وإشارة واضحة لكل من يتعاطى مع المبيدات بلا معرفة. إن هذا الموضوع واسع وشأنك وله الكثير من المتطلبات وليس موضوعاً عابراً يمكن التعامل معه بسطيحة.