كثيراً ما نستعرض عبر ( إبداع ) أسبوعياً حالات إبداعية لمجموعة من الشباب في مجالات الفن والشعر والأدب والإنشاد والمسرح وغيرها.. ومع اهتمامنا بمثل تلك الإبداعات وحاجة المجتمع إلى فنانين ومثقفين وأدباء ، باعتبار أن الحضارة والنهضة تتصلان اتصالاً وثيقاً بمدى تطور الفنون والآداب التي تعبر تعبيراً ذاتياً عن قضايا المجتمعات وتعكس حالتها. غير أني لا أخفي أن المرحلة التي تعيشها بلادنا والأمة العربية والإسلامية قد لا تحتاج حالياً إلا لإبداعات تطبيقية وتقنية وعملية، إبداعات تساعد في تسريع وتيرة التقدم والتطوير للمجتمع، إبداعات تأخذ على عاتقها تطوير العلوم التطبيقية، لأنها حجر اساس أي نهضة ولم تقم النهضة الأوروبية الثانية إلا بعد قيام نهضة صناعية وتقنية متطورة. ولا أخفي هنا أيضاً كمحرر ل ( إبداع ) بحثي الدؤوب عن حالات إبداعية تتطرق إلى هذا النوع من الإبداع الذي ذكرته وعرضها إعلامياً لتشجيع أصحابها ، وحث غيرهم من المبدعين ليحذو حذوهم وتسليطاً للضوء على ما يحتاجه الوطن والمجتمع بل والأمة. ورغم ندرة تلك الحالات المهتمة بالتقنية والعلوم الحديثة نظراً لواقع الإمكانيات وقلتها، إلا أنه ما زال في الثنايا خبايا، وها نحن اليوم نستعرض مشاريع علمية ناجحة، استخدمت التقنية والعلم الحديث لتحقيق ذاتها وغيرها وتثبت أن عقول أبنائنا لا تختلف عن عقول الأوروبيين والغربيين فقط إن توفرت لها البيئة المساعدة. الشاب حمدي الطاهري أحد خريجي جامعة تعز في العام الماضي ، ومن أوائل كلية الهندسة أحد أولئك النادرين الذين أتحدث عنهم ، استطاع أن يصمم جهازاً خاصاً بنظام التحكم والأمن العام للمنشآت والمؤسسات العامة والخاصة (UCSS) ، بجهود ذاتية وإمكانيات بسيطة، استحق من خلالها نيل جائزة رئيس الجمهورية على مستوى تعز أولاً ثم على مستوى اليمن للعام 2010م في مجال العلوم التقنية التطبيقية، بالإضافة إلى حصوله على أفضل بحث علمي تطبيقي في جامعة تعز لذات العام. تفاصيل الإنجاز الجهاز عبارة عن جهاز إلكتروني مبني على معالج (Rabbit2000 MP) صُمم كنظام شامل قابل للتوسعة وإعادة البرمجة بسهوله، مما يُمكن من برمجته لأداء أي وظائف مطلوبة ليلبي كل متطلبات التحكم والأمن في المنشآت، بالإضافة إلى أنه يدعم تقنيات الاتصال (RS-485, RS-232, Intercom, Telephone, GSM) والشبكات (Ethernet, Wi-Fi) والويب (HTTP, FTP) ، ويرتبط بالكمبيوتر عن طريق (برنامج أمن المنشآت ثلاثي الأبعاد)، والذي يُمَكنك من عرض كافة النشاطات التي تجري داخل المنشأة ومراقبتها بمن فيها عن طريق الواجهات الرسوميه ثلاثية الأبعاد. ويقوم الجهاز بتطبيقات في مجالين الأول في قطاع المنشآت من خلال آلياً بكافة أنظمة المنشأة وتزويدها بأنظمة حماية وأمن لإداراتها ، والقطاع الثاني هو التحكم في القطاع الصناعي بخطوط الإنتاج الكبيرة في المصانع وتحويل الآلات لتشغيلها آليا.ً ونفذ العمل بالجهاز من خلال التطيق العملي على إحدى المجسمات المحتوية على العديد من الأنظمة التشغيلية كالمصاعد والإدارات الإلكترونية ونظام الإضاءة وأنظمة الإنذار والتسليك الكهربائي وغيرها وأثبت نجاحاً وأماناً كبيرين. سأبدأ بنفسي كل تلك التفاصيل أعلاه ليست هي من دفعني لاستضافة حمدي هنا، بل كلماته التي تمثل هدفاً سامياً ليت جميع الشباب ممن يقرأه أن يتمثلها واقعاً ويبدأ بنفسه كما بدأ حمدي .. يقول حمدي الطاهري : في الوقت الذي يشهد فيه العالم قفزات علمية وتقنية هائلة، نكتفي نحن بالنظر والمراقبة من بعيد، وكأن ما يحدث حولنا هو خارج نطاق إمكانياتنا وقدراتنا. ولقد ارتَسم للأسف في أذهان الكثير منا أننا غير قادرين أبداً على مواكبة هذا التطور التقني الهائل والمساهمة فيه، وكل ما نستطيع فعله هو استخدام واستهلاك القليل مما يصل إلينا من صنعهم. لكني لا أوافقهم الرأي في ذلك أبداً، فالذي عمله هؤلاء هو أنهم (بدأوا)، بدأوا وعملوا بجد وإصرار وعزيمة حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم. ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى التوقف عن النظر لأنفسنا بسلبية، والكف عن إلقاء اللوم على الواقع والظروف، ونبدأ بجد وعزيمة على إثبات أنفسنا وكياننا، فلا نكون مجرد عالة وعبء على المجتمعات نلتمس الدعم والمساعدات والمعونات من هنا وهناك. نحو صناعة يمنية إلكترونية ويضيف حول إمكانية تحقيق تلك الأحلام: بالتأكيد يمكننا ذلك ... كل ما نحتاجه هو أن (نبدأ)، نبدأ ونصنع لأنفسنا بصمة مميزة لترسم شامخة على مساحة واسعة في هذا العالم، فنحن صناع التاريخ والحضارات العظيمة، وحملة أعظم رسالة من الله.. ومن هذا المنطلق كان لابد لي أن (أبدأ) ... أبدأ وبنفسي في تنفيذ هذا المشروع وبغض النظر عن كل التحديات الاقتصادية والإمكانيات المحدودة، بحيث يصمم هذا النظام في اليمن ويصنع في اليمن، على أمل أن يمثل ذلك النواة الأولى نحو تطوير صناعة يمنية الكترونية وبرمجية متقدمة. صنع في اليمن يؤكد المبتكر حمدي ضرورة أن نستشعر المسئولية في ضرورة الإسهام بتطوير الوطن، والإيمان بضرورة أن يرتفع شعار (صنع في اليمن) عالياً ، وأن تكون هناك ثورة صناعية واقتصادية وتقنية تسهم فعلياً في نهضة وتنمية البلاد؛ لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتطور ، وان تكون المبادرة ذاتية من الشباب المبدع والدعم من الجهات والشخصيات المتفاعلة والتي يشهد لها بالدعم والتفاعل. عملاً وليس قولاً الكثير من المشاريع والمبادرات والأجهزة قام بتصميمها المبتكر حمدي الطاهري ، وغيرها قيد التصميم أو ما زال مجرد فكرة ، تختلف استعمالاتها وتتعدد فوائدهها ، وذلك ما يثلج صدورنا بأن في اليمن من أمثال هؤلاء الشباب المستشعرين لمهمتهم في بناء الوطن وتطوير المجتمع بالعمل وليس بالقول. عقول يمنية وقد لا يكون هذا النظام المبتكر اختراعاً عبقرياً بقدر ما هو عمل حقيقي يعكس قدرتنا في اليمن على صناعة وإنتاج أجهزة وأنظمة قوية وعملية وذات كفاءة، تصمم من قبل عقول يمنية طالما شهد لها الماضي كما يشهد لها الحاضر بتميزها وإبداعها.