واحد من فلاسفة اليونان المعتبرين،تعمق كثيراً في النظر والبحث واتخذ من مقولة (أعرف نفسك بنفسك) منهجاً يسير عليه،وخطاً يلتزمه بعد أن شاعت الفلسفة السوفسطائية أو الفكر السوفسطائي القائم على المنفعة الفردية فقط، وجاء سقراط ليسقط هذا الفهم المغلوط الذي لايتجاوز إيمانه غير مايلمسه، فركز اهتمامه بقضايا الإنسان وتحديداً الجانب الأخلاقي منه. (كان أساس النظرية الأخلاقية في حياة الفرد والجماعة عنده هو توحيد الفضيلة والمعرفة فالعمل الأخلاقي في نظره مؤسس على المعرفة ويجب أن يصدر عنها،وقد استنتج من نظريته القائلة ( لا فضيلة إلا المعرفة) نتيجتين: أولاهما: أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل الخير مالم يعلم هذا الخير. الثانية: أن علم الإنسان بأن هذا الشيء خير علماً تاماً يحمله حتماً على عمله...الخ ومن هنا كانت طريقة سقراط الفلسفية وهي الحوار لاستخراج الحقائق من النفس،ومن الجدير بالذكر أن مبادئ سقراط التي حاول أن يقمها على أٍسس ثابتة لضبط سلوك الناس الخلقي والاجتماعي كانت قاعدة بعض المذاهب التي ظهرت فيما بعد...) ولطالما كان يصف نفسه بأنه ( مولد) كما كانت أمه تحترف مهنة (التوليد) إلا أن توليده من نوع آخر .. إنه يولد الحقيقة من أدمغة الرجال كما تولد أمه الأطفال من رحم النساء(1)!! وذاع صيت سقراط بين الناس، خاصة عندما كانت تلحقه كثيرٌ من المجاميع يومياً أينما جلس ليحاورها بروح المفكر والفيلسوف،محاولاً أن يدفع عنهم ذلك الاعتقاد الخاطئ،وهو أن لا حقيقة في الدنيا، وأن الحقيقة ليست إلاَّ كما تبدو للإنسان، وأن الحق متغير وأن لذة الجسم وإشباع الشهوات هي الأساس في أن يسعى الإنسان لإشباعها...الخ. فعمل على نشر فكره بأسلوب الحوار حتى يسقط خصمه مهزوماً أمام حجته المنطقية ومن ثم تبور حجة هذا الخصم أمام الناس. وكان من الطبيعي أن ينشأ لهذا السبب خصومه وأعداؤه الذين بدأوا يكيدون له ويحبكون الدسائس،وما عساهم أن يقولوا،غير أن يطعنوا في دينه وعقيدته كذباً وزوراً وأن يلفقوا عليه تهمة الإساءة للنظام والعقيدة...الخ وهذه تهمة كل زمان ومكان سرعان مايتأثر بها العامة من الناس فيكون هذا الطرف هدفاً لسهامهم وسخطهم!!. وفي عام 399ق م رفع (مليتوس) احد مواطني أثينا دعوى إلى المحكمة مفادها أن سقراط قد أساء للنظام وللدين وذلك بإنكاره للآلهة ودعا إلى آلهة جديدة كما أفسد شباب أثينا بأفكاره الجديدة التي يدعو إليها...الخ. ولما اقترب يوم المحاكمة أمام المحكمة التي ضمَّت خمسمائة عضو اختيروا بالقرعة بحبات الفول، قال حواريو سقراط لأستاذهم: ألا تُعد دفاعك وتعنى بإعداده ؟! فسأله سقراط متجاهلاً : وماذا كنت أفعل إذن طوال حياتي؟! ما أظنني كنت أفعل شيئاً إلاَّ إعداد ذلك الدفاع،فما انشغالي بالبحث عن كُنه العدل والظلم والشر والحق والضلال إلا لعنايتي بتجنب الظلم والشرور وإيثاري التزام العدل والخير وذلك هو اكرم دفاع. وأمام محكمة (الشعب) يبدأ سقراط بدفع التهمة وهدمها،ثم يعلل الحقد عليه بكرامة رسالته وشرف دعوته إلى الحق والفضيلة،وبدلاً من إرضاء قضاته والتذلل لهم يعلن أنه لايقبل أي تقييد لحريته في المستقبل، فهو مصمم على دعوته متى أطلق سراحه مهما يكن منهم بعد ذلك من شأنه من رأي أو قضاء..!.. وعَلت من القضاء الخمسمائة همهمة غضب واستنكار لما بدا في لهجة ( المتهم ) من جفاء وتعالٍ، واسترسل هو في هدوء باسم مطمئن فقال : إذا كان قولي هذا قد أغضبكم أيها الأثينيون فاعلما أنكم إن حكمتم علي بالموت إنما تسيئون لأنفسكم ولا تسيئون إلي، لأن الشر يحيق بأهله، فضيحة الشر والجور فاعلهما لا المقصود بهما، والشر هو مايجلبه المرء على نفسه بجريرته وجهله لحقيقة الخير ،فلئن ذهب البريء ضحية لذلك الجهل،فليس ذلك بضائره في شيء لأنه ظل نقياً بغير دنس،أما المفتري الكذاب فذلك هو الخاسر الخسران المبين، ولا تحسبوا دفاعي هذا عن نفسي خوفاً عليها، بل خوفاً عليكم أنتم أهل أثينا الأحياء. فإني أخشى أن تفقدوا بفقدي رجلاً لايعوض فإنكم وحق الآلهة لن تجدوا من بعدي أحداً يبصركم بعوراتكم،لتركضوا في مهاوي الفتنة والضلال الذي دأبتم عليه ....! فاحكموا إذن أيها القضاة بما شئتم،فذلك شأنكم أنتم،واعلموا أن نفوسكم هي التي في كفة الميزان لا نفسي،فاحرصوا على العَدْل والحق، فهو خير لكم وأجدى عليكم. وتداول القضاة شر تداول وقد اشتراهم خصوم سقراط وأحبُّوا أن يفهموه مقدار سلطانهم،فحكموا عليه بالموت بأغلبية 281صوتاً ضد 219على أن يكون موته بتجرع السم مُذاباً في كأس من العَسَل...! وحين أتى له الحارس بالسم تجرع سقراط كأسه ليموت، لكنه بقي حياً في ذاكرة الإنسانية)(1) 1 - كان سقراط من عائلة معدمة إذ كان أبوه يعمل صانع تماثيل وأمه مولده، ولذا فقد كانت زوجته المتمردة عليه دائماً ماتضربه وكانت غليظة الطبع خشنة القول تقابل حلم سقراط ورزانته بفحش كلامها وبذاءة لسانها وخشونة معاملتها، كانت تغضب منه لأتفه الأسباب،كما كانت لا تتورع عن الضرب واللكم والرفس لسقراط الذي كان يقابل السيئة بالحسنة،وذات يوم بارد صبت عليه قدراً من الماء فأجابها بوداعة وحلم هادئ ( لعل هذا الماء يطفئ فيك نار الغضب)!! . (1) بتصرف عن مجلة العربي، الكاتب سليمان مظهر، عدد518ص 82،يناير 2002.