تتحمل الأحزاب مسئولية تاريخية لمساندة جهود الرئيس هادي لإنجاح المرحلة الانتقالية يتوقع التقرير العربي الثالث حول التشغيل والبطالة أن تستمر التأثيرات السلبية للاضطرابات والتغييرات التي شهدتها بعض الدول العربية على بعض اقتصادات المنطقة، على المدى القصير إلى المتوسط، لكنها بحسب التقرير ستحقق آثاراً إيجابية على المدى الطويل. ويشير التقرير الصادر عن منظمة العمل العربية الشهر الماضي أن الإحصاءات المتوافرة حول البطالة لدى فئة الشباب العربي تفوق في المتوسط خلال العشرية الأخيرة 25 % وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط العالمي لنفس الفترة والبالغ 14 %. حول ذلك أجرى مراسل وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في القاهرة هذا الحوار مع المدير العام لمنظمة العمل العربية احمد لقمان الذي أكد ان المنظمة شعرت منذ 2008 بوجود خلل واضح في التنمية الاقتصادية العربية، وسعت من خلال تقاريرها الى توضيح هذا الخلل وتبيان أهمية تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويؤكد لقمان الى ان قضايا العدالة الاجتماعية والكسب الشريف والبحث عن فرص العمل الكريمة كانت المحور الرئيسي لمبررات انطلاق التغيير في بعض الدول العربية، مشيرا ان نسبة البطالة ارتفعت عربياً خلال الأحداث الأخيرة من 14 % إلى 16 %، اي انها ارتفعت من 18 مليوناً إلى 20 مليون عربي. وقال: ان منظمة العمل العربية قد وجهت دعوات عديدة للاهتمام بالحماية والعادلة الاجتماعية، وللأسف لم يكن يلقى ذلك أي صدى لدى المسؤولين، ويضيف انه بعد قيام الاحتجاجات أعطت حكومات الدول العربية اهتماماً اكبر بقضايا التشغيل والبطالة والتنمية البشرية. وفي الشأن اليمني أكد أهمية ان تستفيد اليمن من الرعاية الدولية للمبادرة الخليجية، وان تعمل على تهيئة الأجواء المناسبة لاستيعاب دعم المانحين. ويستعرض لقمان في حواره مع (سبأ) عدداً من القضايا الملحة في الشأن الاقتصادي وحول قضايا البطالة والتشغيل في المنطقة العربية. هل يعتبر هذا خللاً في التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟ - نعم، لقد ركز المستثمرون على الاتجاه نحو الاستثمار في “المستندات، والتجارة والعملية الاقتصادية التي تعتمد على البورصة وعلى الاستثمارات في الثروات المعدنية والنفطية” وهذا شكل خللاً في التوازن التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ومن المثير في الأمر أن الدول التي شهدت احتجاجات كانت تسجل نمواً اقتصادياً قوياً ومرضياً للمؤسسات المانحة الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فقد بلغ النمو الاقتصادي في مصر 5.2 % و في تونس 4.6 % ، لكن الاستفادة من هذا النمو لم تصل إلى جميع فئات المجتمع، حيث حافظت تلك الدول على معدلات بطالة ونسب فقر عالية .. وفي المنظمة أدركنا ذلك وأشرنا في التقرير الثاني حول التشغيل الذي أطلق في يوليو 2010 - أي قبل احتجاجات تونس بستة أشهر, وألمحنا فيه الى وجود خلل في التوازن بين الشأن الاقتصادي والاجتماعي. ما هو الدافع للتغييرات التي طالت بعض الدول العربية؟ - لقد كانت قضايا العدالة الاجتماعية والكسب الشريف والبحث عن فرص العمل الكريمة المحور الرئيسي لمبررات انطلاق ثورات الربيع العربي, ولم تكن في بداياتها قد ذهبت إلى أعلى من ذلك، ولكن تطور الأحداث والتعامل الأمني مع الاحتجاجات من قبل الحكومات ترتب عليه ارتفاع سقف المطالب إلى تغيير ورحيل الأنظمة، وهذا يؤكد ما كانت تدعو إليه منظمة العمل العربية من أهمية الأخذ بعين الاعتبار الحماية والعدالة الاجتماعية، وللاسف لم يكن يلقى ذلك أي اهتمام، وبعد التطورات الحاصلة في المنطقة العربية بدأت الكثير من الدول العربية التي حدثت فيها ثورات أو التي لم يحدث فيها تدرك أهمية مراعاة التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية. هل ترتب على ذلك اي شيء ملموس؟ - للأسف كانت الكثير من الحكومات العربية من قبل لا تعطي أي اهتمام للتشغيل أو العدالة الاجتماعية ومثال على ذلك: إغفال قضية التأمين ضد البطالة, فعندما يكون لديك نسبة عالية من البطالة في الوطن العربي تصل الى 14 %، ولديك أعداد كبيرة عن العاطلين عن العمل, ولا تقيم اي اهتمام بمجال التأمين ضد الباطلة، فهذا يشكل حالة من السخط بين اوساط المواطنين في الدول العربية، ولكننا بدأنا نتلمس بعد التحولات التي حدثت الاهتمام المتزايد والمتطور في الاهتمام بالتشغيل إلي حد كبير. من خلال قراءة الوضع الاقتصادي في المنطقة، هل تعتقد ان الفترة الانتقالية لانتعاش الاقتصاديات العربية يمكن ان تطول؟ - نحن في المنظمة نرى أن المرحلة الانتقالية لدول الربيع العربي ستتراوح بين سنتين إلي ثلاث سنوات، وهذا طبيعي ومنطقي إلى أن يعاد ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية، ومن ثم تحدث الانطلاقة. وماذا عن الحكومات العربية، هل أدركت التحول الذي شكله التغيير؟ - ما يميز التغيير الحاصل في الكثير من الدول العربية الآن، أن الحكومات أصبحت تعمل في إطار شفافية أكبر، وأن الحصول على المعلومة أصبح اكثر يسرا , كما اصبح رضا المواطن أهم اعتبارات القائمين على الحكم، أكثر من الفترات الماضية وهذه عناصر جديدة وجيدة، وأصبح الجميع يحرص ويحاول تقديم أفضل ما لديه حتى يتميز عن الآخرين. كيف تقيم دعم المانحين للدول العربية التي طالها التغيير؟ - هناك تفهم ورغبة من المانحين لدعم دول الربيع العربي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؟ ما مدى قدرة الحكومات العربية أن تستوعب الأولويات وان تقدم الأطروحات والأفكار الاقتصادية العملية والقابلة للتنفيذ، ومدى جدية الحكومات في تنفيذها، من خلال تحقيق التناغم بين القوى السياسية على الأقل تجاه التنمية الاقتصادية، ويبدو لي أن هذا سيأخذ بعض الوقت لتستوعب الحكومات العربية المعونات الخارجية. ماذا عن البطالة في الوطن العربي؟ عندما يهتز الاقتصاد في فترات انعدام الاستقرار يهرب رأس المال وتتوقف الكثير من الصناعات، ويؤثر ذلك سلبا على التشغيل والبطالة، لذلك توقعت المنظمة في تقريرها عام 2010 ارتفاع نسبة البطالة خلال الفترات الانتقالية, وتنخفض كلما تمكنت الدول من إعادة ترتيب أوضاعها سريعاً .. وفي المجمل فقد ارتفعت نسبة البطالة من 14 % إلى 16 % (ارتفعت من 18 مليوناً إلى 20 مليون عربي) وهذه أرقام متحفظة فهي أرقام ليست مبالغة ولا متفائلة. ما هو تقييمك لما قطعته بعض دول الربيع العربي في الشأن الاقتصادي؟ - ربما مصر وتونس قطعت مشواراً في التهيئة وبدأت حكوماتها في العمل بخطوات جيدة لتحقيق الانطلاقة، في اليمن الخطوات التي قطعتها من خلال المبادرة الخليجية كانت جيدة, وكان رد الفعل العربي والدولي مشجعاً حول تسوية الوضع السياسي في النموذج اليمني. هل أنت متفائل بالتغيير الذي طال عدداً من الدول العربية، هل بالفعل ستحقق ثمارها أم سرعان ما يعود الوضع كما كان في السابق؟ - أنا متفائل على المستويين المتوسط والبعيد، أما على المستوي القصير لا تبدو المؤشرات إيجابية، والأمر بطبيعة الحال يختلف من بلد إلى آخر, فكلما تمكنت أطراف الحكم الجديد في أي دولة عربية من الاسراع في إعادة تنظيم نفسها، وإعطاء الأولويات للعملية التنموية والاقتصادية في البلد, فالأمور يبدو لي ستكون أكثر وضوحاً وستتمكن من تحقيق بعض المطالب . هناك من يقول أن موجة التغيير التي طالت بعض الدول العربية خلقت حالة من الفوضى الاقتصادية؟ - هذه هي سمات التغيير, فالتغيير غير المنضبط قد يولد فوضى، ولكن هل هذه الفوضى يمكن ضبطها، وبالتالي تحويلها إلى إيجابيات لتغيير بعض ما كان يشكو منه المواطنون. تظل اليمن نموذج مختلف عن باقي الدول التي جرى فيها التغيير، كيف تقرأ الوضع الاقتصادي في اليمن؟ - ستأخذ الأوضاع في بلادنا فترة إلى ان تعود لطبيعتها فتهيئة الاجواء لنجاح الحوار الوطني وفرض الأمن والاستقرار في الشارع تتطلب مساعدة جميع الأحزاب والقيادات حتى وإن اختلفت في التوجهات السياسية، وبدون تطبيق المبادرة الخليجية المتفق عليها أعتقد أن المصاعب ستكون كبيرة، فالتوفيق بين إدارة العملية السياسية وتنظيمها وبين استتباب الأمن والاستقرار وبداية الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية , هما خطان قد يعطل أحدهما الآخر إذا لم يسهم الجميع فى دعم جهود الرئيس عبد ربه منصور هادي . كيف تقرأ الوضع في اليمن؟ - يبدو لى أن هناك حرصاً من الجميع ولكن المماحكات السياسية وتعدد الرؤى والاتجاهات وتضارب المصالح وتنازعها قد يعطل المرور الآمن للمرحلة الانتقالية، ولا أحد ينكر أن المبادرة الخليجية وحكمة وهدوء الرئيس عبد ربه منصور هادي قد جنب اليمن مطبات كثيرة بعضها كان يمكن أن يكون مؤذياً للغاية . ولكن مسئولية قادة الأحزاب والبرلمان والحكومة ووجهاء اليمن بكل أطيافه مدعوون لإعلاء الوطن على كل ما عداه فالمصالح تصغر أمام الوطن وأهمية توفير الأمن والاستقرار وبدء دوران عجلة الحياة والتنمية . إن على الجميع مسئولية تاريخية كبرى فى انتشال الوطن من أوجاعه وهي كثيرة وكبيرة وعلينا أن نستفيد من الاهتمام الإقليمي والدولي والتعاطف الكبير الذي تجده بلادنا والمساندة الواضحة للجهود غير المحدودة التي يبذلها الرئيس حتى يمكن استيعاب ذلك الدعم السياسي والاقتصادي والتنموي . وهل ترى هذا ممكنا؟ - الأمور ليست سهلة والمعاناة أكيد كبيرة, فتحديد الهدف مهم، والاهم منه هو تحديد اجراءات الوصول للهدف، فأحياناً يكون الهدف واضحاً، ولكن اجراءات الوصول اليه مفقودة، وبتضافر الجهود ستكون المصاعب أقل، وان لم يحصل هذا ستكون المسافة كبيرة بين الدولة و المواطن. هل تعتقد ان الرعاية الخليجية والدولية للمبادرة يصب في صالح اليمن؟ - علينا ان نستفيد من هذه الرعاية وتوظيفها لصالح الوطن ، وعلى بلادنا ايضا استغلال الاهتمام الدولي وتهيئة الأجواء المناسبة لاستيعاب دعم المانحين، ومالم يحصل هذا، فلا أظن أن الدعم والحماس الخارجي سيستمر بنفس الاندفاع ، ومن حسن حظ اليمن أن الأوضاع الإقليمية والدولية والحاجة الى تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة مهمة في العالم قد حفز الاهتمام الخارجي باليمن، ولابد لنا كيمنيين أن نستفيد من هذا الدعم لصالحنا بأقصى قدر ممكن.