تعاقبت عشرات الحكومات خلال نصف قرن مضى منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين والتي لم يتحقق أي من أهدافها كما كان يطمح أبناء اليمن وقد سبق للكثيرين الكتابة عن ذلك، ولكن أقتصر هنا للكتابة فقط عن شريحة من شرائح المجتمع التي تكاد تكون مغيبة تماماً ومنسية أيضاً ألا وهي شريحة نزلاء ونزيلات السجون المركزية والمعتقلات بمختلف المحافظات الذين قهرتهم الظروف وأوصلتهم إلى قضاء بقية أعمارهم أو جزء منه خلف القضبان الحديدية بين أربعة جدران لا تتوافر فيها أبسط مقومات الإصلاحيات، محرومين من أدنى الحقوق الإنسانية والآدمية. بل الكثير منهم لم يحصل حتى على العدالة الحقيقة ليشعروا بالرضا عما آلت إليه أمورهم. فالإنسان لا يولد مجرماً وإنما الظروف المحيطة به هي التي قد توصله إلى الانحراف وامتهان الإجرام، إضافة إلى ضعف الوازع الديني وبالتالي فمرتكب الجريمة كالمريض يحتاج إلى تشخيص لمرضه ومن ثم إعطائه العلاج المناسب لشفائه وواجب الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة التأهيل وإصلاح مرتكب الجريمة ليعود فرداً صالحاً في المجتمع، وليس الاكتفاء برميه خلف القضبان لقضاء عقوبته في سجون تجعل من دخله يخرج وهو أشد خطراً مما كان عليه بسبب عدم التأهيل وعدم التصنيف لاختلاطه بمجالسة نزلاء أشد منه خطراً وإجراماً ولا نعني بذلك تبرير الأفعال الإجرامية الصادرة من المجرمين والتماس الأعذار لهم، لا بل يجب معاقبتهم جزاء لما اقترفوه وفقاً للقوانين النافذة ولكن مع منحهم كافة الحقوق اللازمة المنصوص عليها بقانون تنظيم السجون رقم “48” لسنة 91 ولائحته التنظيمية. فالحكومات السابقة المتعاقبة لم تول أي اهتمام يذكر لإصلاح أوضاع المنشآت العقابية ونزلائها، فتلك السجون لم يتم إنشاؤها بموجب تخطيط هندسي وفقاً للمواصفات المتعارف عليها دولياً في مثل هذه المؤسسات؛ لذا لا يمكن اعتبارها إصلاحيات مركزية هدفها الإصلاح والتهذيب وإعادة التأهيل لنزلائها ليعودوا أعضاء صالحين ومنتجين في المجتمع ينفعون أنفسهم وأسرهم ووطنهم، كما نص بذلك قانون تنظيم السجون ولائحته التنظيمية الذي مازال غائباً ولم يلق النور لتنفيذه على الواقع العملي. فلا بنية تحتية للتدريب والتأهيل والتعليم ولا ورش فنية لا حدادة ولا نجارة ولا خراطة..إلخ ولا تصنيف للنزلاء بحسب درجة الخطورة والسوابق ولا أخصائيين لحل مشاكل السجناء الشخصية لتحسين علاقاتهم الأسرية وعلاقاتهم مع المحيطين بهم، ولا تسجيل حالات أسر المسجونين التي تحتاج إلى مساعدات من الضمان الاجتماعي لحمايتها من الانحراف أثناء غياب رب الأسرة في السجن ولا توفير لمتطلبات النزلاء الأساسية فلا طعام كافي رغم عدم جودته ولا ماء صالح للشرب ولا ماء كافي للحمامات ولا أدوات نظافة ولا وحدة صحية ولا أدوية كافية ولا كادر طبي. إضافة إلى تلف أبواب الحمامات ومواسير المياه وتسدد مواسير الصرف الصحي وتآكل حديد النوافذ وبلاط الحمامات رغم أن لدينا قوانين تكفل إصلاح وإعادة تأهيل السجناء لإعادتهم أفرادا صالحين في المجتمع إلا أنه لم يجر العمل بها وتنفيذها لعدم وجود نية صادقة أو سياسة استراتيجية لدى الحكومات السابقة واستمرت أوضاع السجون والمسجونين مغيبة أي من القضايا الهامشية، بل والأكثر من ذلك كان يتم استغلال قضايا السجناء في المناسبات الدينية والوطنية كدعاية إعلامية من قبل القائمين عليها لتلميع صور القيادات السياسية والإدارية للدولة وللحصول على مساعدات من المنظمات الدولية. لقد آن الأوان لقيادات الجهات ذات العلاقة أن لا تسير على نهج الحكومات السابقة وتكرر أخطاءها، بل يجب عليها أن تولي اهتمامها بقضايا المسجونين والاستماع إلى استغاثاتهم وإعداد استراتيجية لإعادة هيكلة المنشآت مع ملحقاتها من مباني التدريب والتأهيل والتعليم وتجهيزها بالأدوات والأجهزة اللازمة وفقاً للإمكانيات المتاحة حتى لو كانت البدايات بالمحافظات الرئيسية لكي نستطيع أن نضفي على هذه المنشآت صفة الإصلاحية باعتبارها مؤسسات إصلاحية وتأهيلية لا عقابية فحسب، فالسجين وإن شذ عن السلوك القويم باقترافه للجريمة إلا أنه يظل إنساناً وله آدميته ويجب معاملته وفقاً لهذا المفهوم أملاً في عودته فرداً صالحاً في المجتمع، وبقاء المسجونين في مثل هذه الأوضاع الحالية قد يولد شعوراً سلبياً وانتقامياً يؤدي في نهاية المطاف إلى التمادي في الإجرام والتمرد وهذا ما نخشاه. كما يجب على الحكومة الاهتمام بالقائمين على تلك المنشآت من الجنود والقوة العاملة من حيث التدريب والتأهيل ومنحهم الامتيازات المستحقة والعلاوات والمكافآت كونهم لا يقلون معاناة عن المسجونين وكذا محاربة الفساد وتجفيف منابعه في تلك المنشآت مع وضع آلية للمتابعة وإرساء مبدأ الثواب والعقاب كذا فتح أبواب المنشآت العقابية أمام المنظمات المدنية والحقوقية لتكون عوناً في تحسين أوضاع السجون والسجناء. حفظ الله اليمن آمناً مستقراً حراً.