سلوكيات متوارثة تسيء للإنسان كإنسان، تستوطن حياتنا، وتعشعش في أذهان كثيرين، مهن ذات قيمة، جعلوها محتقرة وناقصة، وصنف أصحابها ب (عديمي الأصل)؛ ولو ربطنا احتياجنا لها لعظم أمرها، بل ولقبلنا رؤوس من يمتهنوها.. يعتز هؤلاء بأنفسهم، على اعتبار أن العمل (مُش عيب) وهم لا يسرقون حق أحد.. والسؤال: هل تلك النظرة القاصرة بدأت تتبدد، خاصة وثمة أعضاء جدد كسروا حاجز (الاحتكار والاحتقار)..؟!! خبرة وفن يوسف عبيد حلاق، نظرة الاحتقار من المجتمع هي ما تمنعه من مزاولة المهنة، أقدم في أحد الأيام لفتح محل.. ولم يتقبل أحد من أقربائه الفكرة، على الرغم من ذلك أصر على فتح المحل.. وهنا يقول: المهنة ليست بعيب بدليل أنها تحتاج خبرة وفنا وقليلون من يتقنونها، ويزيد يوسف بأنها مهنة ليست وضيعة فالمجتمع يحتاجها ومصدرها حلال، والتقليل بها يقلل من المهن الأخرى.. - يشاركه الرأي محمد علفي، زميله في ذات المهنة.. بل بنبرة دفاعية حادة، يقول: المسئول, والمواطن العادي, وجميع أصحاب الحرف الشريفة والوضيعة يشرفون “ كرسي الحلاقة”..!! بعد سؤالي محمد هل تتضايق حين يناديك أحدهم يا حلاق؟ بعد ابتسامة صغيرة قال: هي شخصيا لا تضايقني لأنها حرفة مثلها مثل المهندس والنجار، فالنجار سمي بذلك لبراعة تعامله مع أدوات النجارة، والحلاقة فن يعيد (الوسامة والأناقة) للأشعث والأغبر، ويزيد: العمل مريح ومربح. الإسكافي بسبب التفضيل والتمييز الطبقي يجعل من الأخدام الأشخاص المنبوذين, الغوص في تفاصيل حياتهم توحي بنشاط الحياة.. و”خياطة الأحذية” مهنة ارتبطت. بهم.. - منير الحبشي أحد هؤلاء، يقول بعد إفساحه لابتسامة خفيفة أظهرت أسنانه البيضاء: أكثر ما يضايقني نظرة الاحتقار.. ولأجل ذلك تخلى عن بسطته المفروشة في المدينة، وصار أغلب عمله في الريف.. - يقول زميله محمد بخيت: أغلب فئة المهمشين يحملون بطاقة شخصية وحاصلون على الجنسية, أما المواطن والمجتمع فهما مصدر العنصرية والتأنيب.. وتجعل من الخادم منبوذا؛ وأثناء تقديم الأحذية يجد نظرات الاحتقار والتقليل متوفرة ومع كل زبون، ويعتبرها عملا خاصا بهم؛ والشراكة فيها محصورة مع القبيلي لأسباب عرفية حتى على مستوى الأكل. جزار سعد عبدا لله (جزار) لا يكترث بما يواجهه من شتائم حول مهنته لأنها مصدر رزقه، والعمل فيها مربح، ويفصح بأنها ذات المهنة مخصصة، وأغلب من يعملون فيها بصنعاء يرجع أغلبيتهم إلى أسرة واحدة، ومن النادر أن تخرج عن الأصول. - ويضيف: المهنة مازالت بين ملفات السخرية في الشارع، وبين أفواه الناس، والكثير من يستخدم كلمة جزار لمجرد الشتم والاستفزاز، يريد الاستنقاص ممن يعملون عليها أو غير ذلك. صفات نبيلة حول ما سبق يوضح فتحي حيدر موظف، وجهة نظرة، فمزاولة أي عمل حد وصفه ليس بعيب مادام المصدر حلالا.. والربح حلالا. - فيما يرى مختار عبادي بأن جميع الأعمال غير معيبة إذا كانت بالحلال، والمهن المستصغرة هي نتيجة ثقافة هوجاء متوارثة، وأغلب من يعملون فيها أصحاب خبرة ويتسمون بصفات نبيلة وحميدة. والمهن التي ينظر لها بعين الانتقاص ليست محتقرة لذاتها بل بعض من يمارسونها يجعلونها مهنة لا تتناسب إلا مع من يقلل من مروءته وحيائه.. الضرر هو المعيار زكريا النور ماجستير علم نفس، يقول: النظرة القاصرة للمهن نتيجة الثقافة المتواجدة من القدم، وبدون أسباب فكل ما يقال مخلفات نفسية نسجتها ذاكرة الزمان. ويتساءل: هناك مهن تفتك بالمجتمعات ولم تصنف عند النظرة العامية بأنها محتقرة، وقد يعمل فيها أناس دون حرج من الله أو الناس، فبيوت الدعارة من يتاجرون بالفروج يعتبرونها مصدر دخلهم المعيشي، أو من يتاجرون بالحشيش والمخدرات التي أصبحت منتشرة بين الشباب، وأيضا من يتخذون التسول وظيفة يومية في الأسواق والشوارع وبيوت الله دون حاجة، يستخدمون فيها الأطفال وأصحاب العاهات أداة لطلبة الله, نتمنى أن يفقه الواقع الشلل المحدث داخل المجتمعات والحارات ويبادروا بمعالجة ما يضر بأرقى الحلول. - ويضيف النور: المعيار الأساسي لقياس المهن الوضيعة من غيرها هو الضرر. فكل ما يحدث الضرر سواء كان ضررا أخلاقيا أو جسمانيا أو عقليا محتقر. أما ما نلمس منه الانتفاع فهي مهنة شريفة ويعتز الكثير بوجودها، والتعايش مع الثقافة السلبية هي مشكلة المجتمعات، التي تحط من صاحب المهنة المفيدة، وترفع من صاحب المهنة الدنيئة بكل ما تعني الدناءة!!