وقحة، ما عندها أهل، ومن يرضى على نفسه يتزوجها.. لعل الحياء هو ما منعنا الغوص في الشتائم أكثر، واستعرضنا فقط شيئاً بسيطاً، مما تكابده الفتيات اللآتي اخترن لأنفسهن امتهان هذه المهن العظيمة، والتي تصبح مهنة مقدسة فقط، فيما لو كانت لرجل.. قهر وظلم وقذف يومي تتجرعهُ الإعلاميات والحقوقيات فلا تسلم منه لا في الشارع ولا حتى على صفحات التواصل الاجتماعية الخاصة بهن، وذلك بسبب النظرة الدونية من المجتمع لهذه المهن حين تمارسنها النساء فقط، نساء اخترن لأنفسهن أقلام النور ولباس العدل لتقويم مسار مجتمع شديد الانحراف والتعصب فيما لو تعلق الأمر بالمرأة.. في نكران واضح لدورهن في الثورة يبدو ذلك واضحاً من قبل متعصبين مؤخراً بتزايد حدة الهجوم والانتقاد على الناشطات والإعلاميات، والذي وصل أحياناً كثيرة إلى حد القذف والتشهير لبعض الناشطات والحقوقيات والإعلاميات منهن على سبيل المثال أيقونتا الثورة: (توكل كرمان ), (وبشرى المقطري) التي وصل الأمر مع الأخيرة حد التكفير، وفي مثل هذه الحالات تحوم الشكوك دوماً نحو مطابخ النظام السابق وإعلامه المضاد خصوصاً فيما يتعلق بناشطات الثورة. وعن ذاك الاستهداف غير الأخلاقي كتبت الناشطة الحقوقية أمل باشا في صفحتها على الفيس بوك: تتكالب حملات قذرة متنوعة من تشهير وتكفير وتخوين وتقليل وانتقاص ضد الناشطات اليمنيات من جميع الجهات بدءاً من بشرى المقطري وأروى عثمان وسامية الأغبري ونبيلة الزبير وبلقيس اللهبي ووميض شاكر وهدى جعفر وأطياف الوزير وماجدة الحداد ورمزية الإرياني وانتهاءً بتوكل كرمان وغيرهن لا أتذكرهن، ثم تعاود الحملات الممنهجة تباعاً المخجل أكثر عندما يتصدر هذه الحملات ويحرض لها من يقدمون أنفسهم على أنهم مشاعل التغيير وصانعو الدولة المدنية الحديثة وحماة حقوق الإنسان. يا هؤلاء ما زالت مهام التغيير وتحدياته جاثمة، ويصعب اجتثاثها، وهذا يتطلب توحيد كل الجهود وتعبئة طاقاتنا الإنسانية احتراماً ووفاءً لأرواح الأف الشهداء الذين بذلوا أرواحهم رخيصة ثمناً لحلم التغيير وكذلك الجرحى الذين ما زالت جروح أغلبهم مفتوحة وغائرة وعصية على التطبيب. هناك من يخلط ببلادة لا يحسد عليها بين النقد الموضوعي للمواقف والرأي المتعلق بالشأن العام وهذا مطلوب ومقبول وحق يكفله القانون وبين التعرض الشخصي للحياة الخاصة والعائلية وبالإساءات بالشتم والسب اعتقاداً منهم أنها من باب حرية التعبير وحق النقد للأسف هذا ليس من حرية التعبير أو النقد في شيء، بل هي أفعال مستهجنة اجتماعياً ومجرمة و معاقب عليها قانوناً, وهي ليست سوى دليل على سقوط أخلاقي ومحاولات عقيمة باستخدام أدوات رديئة لإسكات أصوات النساء المسموعة، كونهم ينظرون لها في أعماق أنفسهم على أنها أصوات عورة لن يقنعنا هؤلاء مهما هتفوا وبحت أصواتهم الثورية المدنية الزائفة.. ولأنه فعل لا أخلاقي جبان تجد أغلب الشتامين مقنّعين بحسابات وهمية عديدة كفئران معذورة، يخشى الإمساك بها متلبسة بهوياتها الحقيقية وانكشافها اللاخلاقي. تضامني مع كل اليمنيات واليمنيين الشرفاء واللعنة على زمن ردئ فرخ كل هؤلاء الكائنات الممسوخة. الجهل السائد والفهم الخاطئ للدين الإسلامي رحمة القدسي (طالبة في جامعة تعز) تقول: «رجل الدين في بلادنا لم يصبح رجل دين بما تعنيه الكلمة من معنى وإنما يستخدم الدين حسب ما تقتضيه المصلحة، ويستخدم موروثات تقليدية من زمن ما قبل الإسلام لخدمة مصالحه. وما ساعدهم في اليمن هو الجهل السائد والفهم الخاطئ للدين الإسلامي الذي اعتبره بريئاً من كل ما يدعيه هؤلاء الذين استخدموا الدين ووظفوه لمحاربة المرأة بعدما فجرت هذه المرأة اليمنية ما تختزنه من عنفوان نضالي عظيم وقوة وجرأة، وكسرت حاجز الصمت وتمردت على كل العادات والتقاليد التي تخنق الحريات». الصدام مع دعاة التغيير رئيس مركز المعلومات لحقوق الإنسان عز الدين الأصبحي يقول: «حقوق المرأة هي الخطوة الأبرز في منظومة تعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية لأنها تنصف في حال تحقيقها كل المجتمع وتعيد الاعتبار إلى أدميته، وعندما تنتهك هذه الحقوق تتضرر كل المنظومة الحقوقية. لهذا من الطبيعي أن يصطدم دعاة التغيير مع المطالبين بعدم التطوير أياً كانوا.. وهذا يعني أن الموضوع ليس موضوع رجال دين ونساء بل مسألة تيارين مختلفين، الأول مع العصر وتعزيز الحقوق والآخر ليس مع ذلك. والقضية هي أن لا تطور ممكناً لأي مجتمع لا يزال ينظر إلى المرأة بعين عصر مضى». التكفير حكم من أحكام الإسلام وعن التكفير الشيخ محمد الحزمي (رجل دين وخطيب جامع) يبرر ما يحدث بقوله: «نحن مجتمع مسلم ويجب التقيد بتعاليم الدين إلا إذا كانت الناشطات يعتقدن أنهن مختلفات، فهناك منهن من تتعدى على الله باسم أنها ناشطة! فماذا تتوقعين من رجال الدين؟ هل نسكت على هذه التصرفات؟ وبغض النظر عن من هي إلا أنه لا يجوز السكوت عن أي شخص يتعدى على الله وعلى ثوابت الدين أو الرسول والصحابة أياً كان.. و على العلماء أن يقفوا أمام هذا الأمر الخطير ويبينوا للأمة أن هذا لا يجوز ويجب أن يبت القضاء هذه المسألة.. هل الناشطات أوالإعلاميات وغيرهن فوق المساءلة ولا يحاسبهن أحد؟». ويضيف الشيخ الحزمي: «نحن في سفينة واحدة وبلد واحد وليس بيننا أقليات دينية، والعلماء ليسوا ضد أحد ولا نعادي أحداً. نحن نعادي من عادى ديننا أيا يكن. حتى لو وجدت في ابني عداوة للإسلام سأكون له عدواً، لان المعيار بيننا وبين الجميع هو المبادئ والقيم المشتركة التي جاء بها الإسلام». وحول أحكام التكفير للنساء من قبل رجال الدين يقول: «التكفير حكم من أحكام الإسلام، فالمسلم يدخل الإسلام بكلمة ويخرج منه بكلمة. وهناك من يتعدى على الله ويقول إنه ليس بكافر، وهو ليس الحاكم في هذه الأمور ولا يفقهها حتى يفتي بهذا. وهنا أقول للمرأة إن الإسلام أكثر دين أنصفك فلا تغتري بالغرب، فأنت معززة مكرمة أما وأختا وزوجة ومحور ارتكاز صلاح المجتمع والله خلق النساء والرجال للتكامل». لو حسبناها معركة ستخسرها المرأة يرى رئيس مركز قياس الرأي العام حافظ البكاري أن «المشكلة ليست في الرأي بل في التعامل مع طريقة طرح الرأي سواء من قبل الناشطات أو من قبل العلماء.. العلماء جعلوا أنفسهم أوصياء على أخلاق الناس، وفي المقابل نجد بعض الناشطات والناشطين يعتبرون أنفسهم نخبة في المجتمع، وأحياناً تخطئ هذه النخبة في تعاملها مع الآخرين.. ومن هنا فإن المشكلة هي في عدم وجود اتصال حقيقي بين الطرفين إلا في الجانب السلبي والهجوم على الآخر». ويضيف: «يجب أن نبتعد عن الوصاية على الأخلاق ونتحدث في كيف يمكن أن نحدث تغييراً إيجابياً في المجتمع، فنحن مجتمع محافظ، ينبغي أن نركز فيه على رفع الوعي الثقافي والفكري لدى الناس». المرأة اليمنية ودورها الكبير في إنجاح الثورة على الرغم من أن المرأة اليمنية أبهرت العالم بحضورها الكبير والشجاع في المسيرات ورغم الواجبات الأسرية والخوف واستخدام النظام العائلي كل أشكال وأدوات القمع إلا أنهن خرجن إلى جانب الرجال في هذه المهمة الثورية العظيمة. وكان من اللافت للنظر في بعض المسيرات النسائية وجود نساء يحملن أطفالهن الرضع، ذلك الإيمان القوي من قبل المرأة اليمنية جعلها تتحدى الصعاب وتقتحم الخطر وتصر أن تشارك بنفسها وأطفالها مهما حدث. ولم يمنع المرأة من المشاركة في المسيرات أشكال الاعتداء على المسيرات والفعاليات الثورية من قبل النظام العائلي، فتعرضت المرأة الثائرة للقصف والرصاص والاعتداء بالضرب وأعقاب بنادق وهراوات النظام البائس، بل وتعرضت للخطف وتحملت ذلك بصبر وثبات وكان أداؤها بطولياً في مختلف الجوانب الطبية والحقوقية والإعلامية، بل حتى في تأمين الساحات وبعض أدوار خفية كإعداد الطعام والمدد المادي، ومع ذلك وبرغم كل التضحيات التي قدمتها المرأة وأثبتتها وبجدارة، فإنها لابد أن تكون موجودة في معادلة التغيير إلا أنها مازالت وللأسف تعاني التعصب والعنف والتمييز والإساءة ضدها، ولعل الإعلاميات والحقوقيات ينلن النصيب الأكبر من ذاك التمييز والنظرة الدونية للمرأة في مجتمع قبلي ذكوري؛ لأنهن استطعن وبشجاعة كسر جدار العزلة وتمكن من الوقوف بقوة أمام تلك العادات والتقاليد المجحفة للمرأة والمنكرة لوجودها ودورها الهام في رقي ونجاح المجتمعات. الدور الإعلامي للمرأة في الثورة لقد منحت الثورة المرأة الإعلامية فرصة المشاركة إلى جانب أخيها الرجل، وأتاحت لها الخروج لساحات التغيير وكسر حاجز الخوف، فقد قمن بالنزول الميداني لرصد الأحداث حال وقوعها، ولاقت المرأة الإعلامية تشجيعاً من قبل الأهل وتقبلاً كبيراً من قبل المجتمع بسبب وجودها داخل الأحداث ودورها الكبير الذي تقوم به. لقد برز دور المرأة في المجال الإعلامي بشكل كبير، حيث نشطت الإعلاميات في هذا المجال عبر المشاركة في المنتديات والفضائيات والصحف والمجلات والإنترنت ووسائل الإعلام المختلفة حتى لا يكاد يخلو ائتلاف نسوي أو حركات نسوية من مسؤولة إعلامية تقوم بتنشيط هذا الجانب وتفعيله عبر وسائل الإعلام المختلفة، فقد عملت الإعلاميات على إبراز كل الفعاليات الثورية والأنشطة والانتهاكات الحقوقية، وتوثيق جرائم النظام ونشرها عبر الصحف والمواقع، بل خاطرن بأنفسهن بالنزول إلى أماكن خطرة في أحداث الحصبة وهائل وكنتاكي، وفي ساحة الحرية بتعز ومختلف محافظات الجمهورية. كما حرصن على مقابلة الجرحى وأسر الشهداء ونقل معاناتهم إلى المجتمع الدولي والعربي وبرزن في التصريحات والمشاركة بالحضور في الحوارات والندوات وذلك عبر الفضائيات المحلية والعالمية، وحرصن على إنشاء الصفحات الإخبارية في مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى كتابة المقالات والمشاركة بالحوار وإبداء الرأي. السؤال.. الذي يطرح نفسه اليوم هو، هل تعود المرأة للكبت وعدم الفاعلية بسبب ضراوة الاستهداف، أم أن الثقة التي أكسبتها إياها ثورة فبراير ستمكنها من التحرر من سندان العادات والتقاليد والخلاص من نظرة المجتمع الدونية ونيل حقوقها وحريتها بعيدا عن الكبت باسم الدين في مجتمع قبلي محافظ؟.