الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. لن تصح هجرتك لله ورسوله حتى تكون ولياً للمؤمنين: أيها الأخوة الكرام, في سورة الأنفال آيات دقيقة جداً وكأن فيها حلاً لمشكلات المسلمين اليوم، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. -آمنوا أن لهذا الكون خالقاً عظيماً، آمنوا أن الله كامل كمال مطلق، آمنوا أنه صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، آمنوا أنه في الأرض إله وفي السماء إله، آمنوا الإيمان الصحيح، لكن هذا لا يكفي-: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا}. بالمعنى الواسع: هجروا الباطل هجروا المعصية: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا}. - الهجران شيء سلبي، تحول من مكان إلى مكان، أو من حال إلى حال، لكن الجهاد فيه بذل، بذلوا جهداً-: {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. -علاقاتهم-: {وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا} -هؤلاء: {آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا} [سورة الأنفال الآية: 72] المؤمنون الذين لجؤوا إليهم، آووا الضعفاء والفقراء, ونصروهم في خصوماتهم مع الطرف الآخر، على كل هذه الصفات دقيقة جداً، ينبغي أن تؤمن وأن تهاجر وأن تجاهد وأن تؤوي وأن تنصر، قال: أولئك تلك أحوالهم وصفاتهم-: {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} -هؤلاء متعاونون سلمهم واحدة وحربهم واحدة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: ((انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا, فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ, فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ .....)). {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا}. اكتفى بالإيمان وقد تجد أناساً كثيرين قانعين بما في الإسلام، يعتز بما في الإسلام، ويتحدث بهذه المبادئ، يشيد بها لكن لا يوجد موقف عملي، لا يوجد بذل ولا يوجد عطاء ولا حركة، سلبي مؤمن، إن تحدث ملأ الحاضرين حجة وبرهاناً بعظمة هذا الدين-: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} ما أخذ موقفا، ما تحرك ما بذل ما ضحى ما أعطى، بقي سلبياً، وهذا حال مسلمين كثيرين جداً-: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}. هؤلاء ليسوا أولياء للمؤمنين، هؤلاء متقوقعون، هؤلاء متفرجون، هؤلاء لا يخطئون لأنهم لا يعملون، لا يوجد عمل: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}. -إلى أن يأخذوا موقفاً، لذلك القرآن الكريم أينما ذكرت كلمة آمنوا أتبعها الله: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. -قلما تأتي كلمة إيمان وحدها-: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً}. [سورة الكهف الآية: 107] {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. [سورة الكهف الآية: 107] لأن الإيمان قناعة وشعور، أما العمل الصالح يجسد هذه القناعة وهذا الشعور، فإن لم تجسد في عمل فهي قناعة لا تقدم ولا تؤخر. مثل واضح: إنسان معه مرض جلدي وصف له الأطباء أن يتعرض لأشعة الشمس، جالس في بيت مظلم شمالي لا يرى ضوء الشمس ولا أشعة الشمس، وهو بأمس الحاجة إلى أشعة الشمس، لو أنه جلس في هذا البيت وقال: ما أعظم أشعة الشمس، ما أشد سطوعها، يا لها من نجم متألق، يا له من نجم فيه شفاء للناس، مهما تحدث عن أشعة الشمس وأثنى عليها، ومهما كان مقتنعاً بجدوى الجلوس في أشعة الشمس، ما دام لم يجلس في أشعة الشمس فهو كلام بكلام بكلام، الحق حق، أنت إذا أقررت به ماذا فعلت؟ أقررت بحقيقة صارخة، وإن لم تقر بها تتهم في عقلك، لكنك لم تقدم شيء، نقطة دقيقة جداً: أنت لم تفعل شيء، فلم ترق عند الله بأن تقر بحقيقة صارخة . عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ, يَقُولُ: ((وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ, فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا)). أنت ما فعلت شيئا، لو أنك أقررت بما في القرآن من حقائق، هي حقائق وهي ثابتة رسوخ الجبال، أنت ماذا فعلت؟ ما لم تتحرك إلى أشعة الشمس كي تعرض جلدك لهذه الأشعة كل هذه الثناءات وتلك الفصاحات عن أشعة الشمس لا فائدة منها، ولا جدوى منها، هذا معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}. -فكل إنسان واثق أن عقيدته سليمة طبعاً شيء جيد جداً، لكن الأول خطوة لا بد من أن تتبع هذه الخطوة خطوات، شيء جيد جداً أن تصح عقيدتك، لكن إذا اكتفيت بصحة العقيدة ولم تتحرك ولم تبذل ولم تسع ما فعلت شيئاً أبداً.