"إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (45)" سورة ص يعني خصصناهم بمزية، أكرمناهم بشيء، ذكر الدار فالإنسان لو دقق بحياته اليومية يوما بيوم في اليوم كم مرةً تخطر في باله الآخرة يستيقظ ويذهب إلى عمله ويشتري ويبيع ويعود إلى البيت ويأكل وينام ويلتقي مع أصدقائه وآلاف الخواطر المادية وتحقيق مصالحه وتوسيع بيته وتأمين حاجاته، في اليوم الواحد أو في الأسبوع الواحد أو في الشهر كم مرةً يخطر له الدار الآخرة وأنه سيذهب إليها ويترك الدنيا بأكملها، فهذه خالصة أي عطاء نفيس جداً يقابل هذا العطاء النفيس مرضان خطيران جداً أول مرض الغفلة عن الله، وثاني مرض طول الأمل، يخطط لثلاثين سنة وهناك شواهد كثيرة يعني إنسان يموت بحادث لا يخطر في باله أبداً أنه سيموت في هذا الوقت، كل إنسان يتصور أنه بعد الستين، بعد السبعين يعمر لا يعتني أما يأتي حادث لم يكن بالحسبان ينهي حياته، أما إذا الإنسان تذكر الآخرة دائماً ويسعى لها، قال تعالى: "وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)" [ سورة آل عمران ] آية دقيقة جداً، إن أخلصناهم، يعني أكبر عطاء لهم أنهم ذكروا الدار الآخرة، مرة طالب نال الأولى على القطر بالبكالوريا في الثانوية الشرعية فسأل مرة في الصحيفة ما سبب هذا التفوق فأجاب إجابة طيبة قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا دقيقة طوال العام الدراسي، فإذا إنسان تذكر الامتحان وكيف يدخل إلى الامتحان وسيأتيه سؤال كيف يجيب على هذا السؤال؟ كيف يرتقي أمام أهله وأمام أصدقائه؟ كيف يحقق نجاحاً ينعكس مستقبلاً باهراً؟ فإذا الطالب من أجل شهادة ثانوية الآن لا تقدم ولا تؤخر لم تغادر مخيلته ساعة الامتحان، هذه الحياة الأبدية، إنسان يسمع إعلان بالمأذنة أن فلان توفي، هذا غادر ولن يعود، منح فرصة لسعادة أبدية وانتهت الفرصة ولم يستطيع أن يصلح شيئاً، الإنسان أحياناً يسافر سفرة شهر يعد لها شهر، قبل شهر يعد لها يلزمني أن آخذ الحاجة الفلانية والحاجة الفلانية، والوثيقة الفلانية، والثياب الفلانية شهر لشهر، أما للأبد. تصور إنسان يعمل في التجارة ويربح أموال طائلة ثم أمر أن يغادر بلده دون أن يأخذ معه درهماً واحداً وفي هذا البلد عملة أخرى لا تعترف بما عنده في بلده إطلاقاً، فكل شيء جمعه ملايين مملينة أصبحت ورقاً بالنسبة إليه، ورق ذهب إلى بلد عملة ثانية، وهذا ما يحصل للإنسان عند الموت، في الدنيا المال له قيمة الذي يملك رصيد كبير، الذي يملك عملات أجنبية، وطنية، منقول وغير منقول، أوراق طابو، وأبنية، ومحلات تجارية ومركبات وشركات كل هذه الأموال لا تنفعه شيئاً في الآخرة، العملة المتداولة العمل الصالح، قال تعالى: " فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)" ( سورة القصص ) لما سقا للمرأتين ابنتي سيدنا شعيب، يا ترى الإنسان اليوم الآخر كيف يذكره، هل يذكره كل يوم، هل هناك عمل في اليوم ترجو به الله والدار الآخرة، لا ترجو منه لا سمعةً ولا مديحاً ولا تألقاً، أبداً ترجو به الله واليوم الآخرة. "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (45)" [ سورة ص ] والأولى الإنسان يعمل وقت يومياً لتذكر الموت لأنه أخطر حدث في المستقبل مغادرة نهائية، مغادرة من دون عودة، الآن يكون الإنسان مقيم ببلد يعني في بحبوحة وراتبه كبير أيام يأخذ مغادرة بلا عودة يكاد الدم يتجمد في عروقه إذا رأى مغادرة بلا عودة، معنى هذا أن إقامته انتهت وعنده محل مكلف ستين خمسين مليون، انتهى مغادرة بلا عودة، أما هذه المغادرة بلا عودة سوف تكتب على جوازنا جميعاً عند الموت، يوجد إنسان مات سألوا أهله مساءً لماذا لم يأتِ إلى الآن ؟ لم يأتِ ذهب ولم يعد، يوزعوا حاجاته حتى لا يتذكروه، لا يبقوا شيء من آثاره حتى لا يتذكروه، هذه اللحظة لحظة المغادرة. "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (45)"[ سورة ص ] لاحظ طالب لا تغيب عن مخيلته ساعة الامتحان حينما تأتي الساعة مستعد، أعصابه مرتاحة هو أعد لكل سؤال عدته، الإنسان العاقل لا يفاجأ، الأحداث المستقبلية التي لابد من أن تأتي وقد تأتي سريعاً أو بعيداً هذه الأحداث المستقبلية مستعد لها، لذلك أكبر مرض الغفلة عن الله، ثاني مرض طول الأمل، أشخاص كثيرون لهم آمال عريضة أنا ذكرت قصة أعدتها مئات المرات يمكن أن تنتقدوني على إعادتها قال لي شخص: أريد أن أسافر إلى الجزائر وأبقى خمس سنوات وسوف أزور خمس دول مرة فرنسا، ومرة إنكلترا، ومرة إسبانية.. وأريد أن أنظر إلى متاحف هذه البلاد ومعالمها وآثارها، وأعود إلى الشام وأفتح محل تجاري وأجعله للتحف وهذه الأشياء التي لا تخرب وليس لها مشكلات مع التموين، ويكبروا أولادي وأضعهم في المحل وأنا آتي صباحاً أطل عليهم، قال كلام لعشرين سنة والله في اليوم نفسه قرأت نعوته، حدثني هذا الحديث الساعة الحادي عشر مساءً أنا ذاهب إلى بيتي قرأت نعوته قلت سبحان الله إلى أين إلى عشرين سنة مرة جالس في مكان بين اثنين أسمع قصة قال له: هلكنا يحتار يعمل الشوفاج داخلي أم خارجي التمديد، الداخلي له ميزات أقدر، والخارجي أدفأ، خاف أن يعمله داخلي يفسد البلاط وبعد عشرين سنة الأنابيب تفسد، ونحن ثلاثة أشهر ننتظره داخلي أم خارجي بعد هذا أخذ قرار سيتركه داخلي، ولما تفسد الأنابيب بعد عشرين سنة يجعله خارجي بعد عشرين سنة وبعد سنة قد يكون مات ترى شخص اشترى شقتين في طابق واحد والبيت مكسي ومنتهي من الكسوة أعاده على العظم قلع السيراميك والنوافذ سنتين، بعد أن سكن بجمعة توفي، الإنسان يسير في طريق مسدود، طريق مخيف إذا ما عرف الله، إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكر الدار. مثل آخر إنسان مقيم في بيت أجرة لو فرضنا نظام الآجار في بلد معين أن مالك البيت يطرد المستأجر لأي سبب وبأي ثانية، الساعة الثالثة بالليل يخرجه، افرض هذا النظام افتراض، وهذا المستأجر معه دخل كبير فكل دخله صبه في هذا البيت، غير السقف، النوافذ ركب بلاط، في أي لحظة يقول له اخرج وكل شيء دفعه بالبيت بقي وله بيت خارج المدينة على العظم، هذا الدخل الذي يملكه الأولى أن يضعه في البيت المستأجر أما الأصلي هذه القصة كلها.