((كما هي الشموع التي تتمزّق حباً وعطاءً.. أهديك نذراً من نزيف الروح)) بهذه الكلمات التي سبقت شوق القراءة والتعمق في الخوض في معركة أدبية قابلة لكل الاحتمالات.. استهلت بها الكاتبة ورقة الإهداءات الخاصة في كتاب ((عندما حل المساء... أطفأ شمعة)) للقاصة والشاعرة والروائية بلقيس الكبسي التي توشّحت بكل أنواع الأدب الحديث وأفرغت فيه كل وجدانيات الروح المفعمة والعابثة بالحياة لتحتضن في فحواها كل الطقوس. في يومي الذي يشبه ذلك الغروب الذي تجرد منه الكتاب كان حظي يطوف معي لألتقط هذا النذر من الكاتب ذاته بعد كومة الوعود والقطرات المتناثرة من الكتاب في صدر الصحف اليومية استأذنت نفسي للطواف بين شهقات الكتاب ببساط من الجوري والكلمات الآسرة التي تبدو كقائد عاد من هدنة من الشعر والروائية استقبلت جموع الرغبات بزمجرات الحناجر. استقللت أول الأوراق بعمق الكتاب لأتحسس تجليات جديدة للروح كانت بمناسبة دعوة كانت بمثابة احتفاء حيث تقول فيه ((عبارات الحب لا يفهما إلا المحبون ... فوردة تكريم في الحياة خير من باقة على القبر)) أجهشت الكاتبة كل قواها الوجدانية في وصف التكريم لمن نحب ولتعبر عن بساطة هذا التكريم الذي قد يكتنز بظهر قطرات الندى المتناثرة بصدر وردة وحيدة كفيلة بإيقاظ آلاف المشاعر النائمة تحت وسادة الإهمال ولتكون هذه الوردة أفضل بكثير من تلك الورود التي نرميها كل أسبوع على المقامات. وهذه الدعوة التي أظهرت تفوق الكاتبة وأجادتها العزف بالكلمات فوق تلابيب الروح ولتأخذنا بعدها إلى تلك اللحظات التي قد يحالفنا الحظ لنقع فيها لتعبّر عنها ب بلاغة وقالت فيه ((أصدمت عيناهما ببعضهما وتبادلا حديثاً عجزت عنه بلاغة الألسن)) لتضفي بكلماتها رونقاً خاصاً للقاءات الخاصة والحاسمة أحياناً والمفعمة بأرتال المفاجئات غير مسبقة الإعداد والتحضير لأعبّر هذه البلاغة بسلام لأعدو إلى صفحة أخرى وأروي هذا الظمأ من الأدب المقدم بطريقة جديدة بعيداً عن الكلاسيكية لتوقفني بعدها الكاتبة بلقيس الكبسي أمام زوبعة كتبت عنه: ((انتصبت الأشجار عارية.. خلعت أوراقها.. بعد أن صُبِغت بصفرة باهتة.. تساقطت خاوية.. احتضنتها الأرض لبرهة.. وبعد أن سئمت منها.. أهدتها للرياح لتلهو بزوبعتها)) بهذه الصور التعبيرية الوجدانية وغزارة الكلمات التي تصل إلى حدود التوغل للأشياء ملأت الكاتبة جنبات الكتاب ليقدم بأبهى حلة ومكانة. عندما حل المساء أطفأ شمعة. مجموعة قصصية ما أن وقعت في يدي أحدثت ضجة في داخلي سرعان ما تحولت إلى ثورة أدبية عارمة لم أفق منها على بلقيس الكبسي قاصة وروائية وشاعرة وكاتبة من ذلك الزمان الذي كنا نبحث عنه في نهايات الحكايات القديمة حيث أضفت بهذا الكتاب بعُداً تراجيدياً للقصة القصيرة تلامس الواقع بمنتهى اللذة ومصبوغة بزفير المشاعر والحنين الذي كل منا يبحث عنه ليملأ وجدانه من عطاياه الوافرة بالحب والامتنان النهائي.