قدرات مروّعة تميز بها فيروس شلل الأطفال؛ جعلت منه ضمن أسوأ وأخطر الأمراض الوبائية الأكثر تهديداً للإنسانية، فهو سريع العدوى يصيب - غالباً - صغار الأطفال، وما إن يجد ثغرة لدخول اليمن يشرع في الفتك بالمصابين أو إعاقتهم حركياً وتهديد مستقبلهم.. اليوم تقف وزارة الصحة متصدّية لهذا العدو الخطير منعاً لظهوره في اليمن مجدّداً؛ بعدما تأكد وجوده في الجوار الأفريقي في الصومال وكينيا وأثيوبيا ومؤخراً في جنوب السودان، حتى يظل أطفال هذه الأرض الطيبة وأجيالها القادمة بمعزلٍ عن سطوة هذا المرض وتهديداته المروّعة. فالخير كل الخير في أن ينعم الأطفال بصحتهم، وينشأون مُعافين أقوياء بعيداً عن الإعاقة ومرارة قيودها المروّعة.. وما أروعه من منظر تراه أعين الأبوين المُحبة.. مشهد طفلهما يكبر ويترعرع يوماً بعد يومٍ سليماً معافىً من كل سوء، ويا لها من سعادة تغمر قلبيهما ولسان حالهما يقول كلما حاول صغيرهما من الوهلة الأولى تحدي قيود وضعف الصبا : ها هو غادر فراشه، إنه يتقلّب من جنبٍ إلى جنب ! يا للروعة.. لقد تمكن من الجلوس بنفسه دون مساعدة! وبعدها بأسابيع أو أشهرٍ قليلة تسلب فرحة الأبوين لُبيهما - سعادة ًوغبطةً- وهما يريان طفلهما يحاول الوقوف مستنداً على (المساند) أو الجدار, ليطير قلباهما شوقاً إلى رؤيته وهو يحاول المشي مترنحاً حتى يقوى أكثر وأكثر على المشي بحول الله وعنايته.. ويحضرني هنا قول الشاعر : وكأنما أطفالنا.. أكبادنا تمشي على الأرضِ. إن تلك اللحظات من حياة الطفل يعرفها المُحبون لأطفالهم؛ التواقون لعيشهم سالمين معافين، فأول خطوة يخطوها الطفل تنم عن اجتيازه مرحلة فارقة في حياة محفوفة بتحديات وصعابٍ جمة، لكنها تتسع لأمنيات والديه ورغبتهما التواقة لرؤية طفلهما ينمو نمواً طبيعياً ويترعرع ويتعلم في كنفهما وهو بكامل صحته البدنية والعقلية؛ حتى يصير رجلاً قوياً ،ناجحاً، وسنداً لهما عند الكبر؛ يعينهم في معيشتهم ويدفع عنهم خطوب الدهر ومتاعبه. لكن ماذا لو انهارت الأمنيات وصارت إلى زوال؟ ماذا لو طال انتظار هذا الطفل ولم يمشِ على قدميه لمرض أصابه وأقعده عن المشي كشلل الأطفال؟ وكيف حال الوالدين - حينها- وهم يرون طفلهما يمشي على عكازين أو يُحمل على كرسيٍّ متحرّك بدلاً من أن يمشي على قدميه! لا شك أن نظرات المتعة والغبطة والسرور ستتبدل لتحل محلها نظرات الأسى والشفقة, وقلوب منكسرة تعِسَة تملؤها الحسرة والألم حزناً على حال صغيرهما، ولا تنفك الأوجاع تلاحقهما كلما شاهدا طفلاً يمشي على قدميه أمام طفلهما.. فلماذا الممانعون المتصدون للتحصين الحارمون أطفالهم منه يصرّون على ترك أطفالهم منالاً لهذه المكاره التي لا يرضى بها الله وقد وفق العلماء- وإن لم يكونوا من المسلمين- لاختراع لقاحٍ طيبٍ رحمةً بالبشرية وإنقاذاً للملايين من الأطفال من الإصابة بفيروس شلل الأطفال. فالعلم ليس حكراً على أمة لم تأخذ بأسبابه ولم تسعَ لتجنيب الطفولة من مرض مروّعٍ كشلل الأطفال. لعل الكثيرين يُحمّلون القدر متبرئين من أفعالهم النكراء وقد حرموا أطفالهم من حقهم في التحصين رغم كل التحذيرات التي سمعوها والمناشدات التي ترامت إلى مسامعهم من مغبة ترك أطفالهم دون تطعيمهم مراراً ضد داء الشلل، وكأنما عند وقوع أطفالهم أسيري المرض لا حيلة لهم بما اكتسبته أيديهم وصنائعهم غير المقبولة عنوةً وعناداً! أم أنهم سيقولون بأنهم لم يكونوا على علمٍ بالتحصين وأهميته لحماية أطفالهم من هذا المرض الخطير!! فهذه والله فرية وأكذوبة أشبه بما جاء في المثل: « عذرٌ أقبح من ذنب» !! لاشك إن الأقدار لا مفر منها ولا اعتراض عليها، فالله هو الخالق وله الأمر ونحن خلقه يصنع بنا كيفما يشاء.. غير أن مولانا الرحيم الرحمن وكذلك رسوله المصطفى العدنان قد حثانا على الأخذ بالأسباب وأخذَ الحيطة والحذر من كل ما يضرنا، قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة), ويقول رسوله (صلى الله عليه وسلم) محذراً من أمراضٍ خطيرةٍ كالملاريا وحمّى الضنك: “غطوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمرُ على إناءٍ ليس عليه غطاء، ولا سقاء ليس فيه وكاء إلا أصابه من ذلك الوباء”. وقياس على مرض شلل الأطفال، فالتحصين غطاء وحصن حصين للطفولة يقيهم شرور الإصابة بالأمراض الخطيرة والقاتلة، ومن بينها مرض شلل الأطفال المروّع، ففيه من المضاعفات الخطيرة ما يبعث على المخاوف، كتيبس وتشوه العمود الفقري وكذلك الأطراف(الرجلين واليدين) وشلّها عن الحركة؛ لاسيما الطرفين السفليين من الجسم بما يعيق قدرة الطفل على المشي مدى الحياة. وفي أسوأ الأحوال قد تسبب فيروسات الشلل الوفاة عندما تصيب العضلات المسؤولة عن التنفس بالشلل مُعطلة قدرة الطفل المصاب على التنفس ليموت اختناقاً. وحيال ذلك، على الوالدينِ المُحبين لأطفالهما الحريصين على سلامتهم من كل ما يؤثر على صحتهم البدنية والذهنية والنفسية أن يبادرا ولا يتوانيا عن تطعيمهم باللقاحات التي تحميهم من أمراض الطفولةِ القاتلة، سواءً بجرعات التطعيم الروتيني كاملة في المرافق الصحية من بعد ولادتهم وحتى بلوغهم العام والنصف من العمر أو خلال حملات التحصين ضد شلل الأطفال التي تصل إلى منازلهم مُستهدفة جميع الأطفال دون سن الخامسة. حتى وإن لم تكن الحملات تصل باللقاحات من منزلٍ إلى منزل لتحصين الأطفال المستهدفين، فلأن يُحملوا اليوم في أحضان والديهم ويذهبوا بهم إلى أقرب مرفقٍ صحي لتطعيمهم.. خيراً من أن يُحملوا طوال حياتهم على عكازين أو على كرسيٍّ متحركٍ وهم عاجزين عن المشي. والخير كل الخير في أن ينعم الأطفال بصحتهم وقوتهم وينشأون أقوياء معافين بعيداً عن الإعاقة وقيودها الأليمة. وليكن الجميع في أمانة العاصمة ومحافظات (عدن، تعز، المكلا، أبين، الحديدة،شبوة، البيضاء، حجة، لحج، عمران ، صعدة، المهرة) اعتباراً من تاريخ(8-6أكتوبر2013م) متأهبين لتطعيم جميع أطفالهم دون سن الخامسة خلال حملة التحصين الاحترازية ضد شلل الأطفال حتى من سبق تحصينهم، سواءً بانتظار قدوم فرق التحصين خلال الحملة لتطعيم أطفالهم من منزلٍ إلى منزل، أو بالذهاب بهم إلى أقرب مرفق صحي أو موقع مؤقت أو مستحدث تتخذه فرق التطعيم في الحملة لأداء مهمتها الصحية المثلى. والدعوة موجهة إلى كل والدٍ ووالدة فليسارعا إلى تطعيم أطفالهم في حملة التحصين الاحترازية ضد داء الشلل بقطرتين فقط ينالها كل طفل لهما لم يتعدَ بعد الخامسة من العمر متيحة وقاية عالية لفلذات الأكباد. وليحرصا على منحهم حقهم في جرعات من اللقاح مراراً وتكراراً ليعشوا حياة كريمة أصحاء معافين، ودام الجميع بكل خير. •المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكان بوزارة الصحة العامة والسكان