ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    في اليوم 216 لحرب الإبادة على غزة.. 34904 شهيدا وأكثر من 78514 جريحا والمفاوضات تتوقف    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    مراكز مليشيا الحوثي.. معسكرات لإفساد الفطرة    استهداف الاقتصاد الوطني.. نهج حوثي للمتاجرة بأوجاع اليمنيين    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    منظمة الشهيد جار الله عمر تعقد اجتماعاً مع هيئة رئاسة الرقابة الحزبية العليا    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    بعثات دبلوماسية تدرس إستئناف عملها من عدن مميز    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    رئيس مجلس القيادة يكرّم المناضل محمد قحطان بوسام 26 سبتمبر من الدرجة الأولى    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    المحكمة العليا تقر الحكم بإعدام قاتل الطفلة حنين البكري بعدن    اعتدنا خبر وفاته.. موسيقار شهير يكشف عن الوضع الصحي للزعيم ''عادل إمام''    الأسطورة تيدي رينير يتقدم قائمة زاخرة بالنجوم في "مونديال الجودو – أبوظبي 2024"    تصرف مثير من ''أصالة'' يشعل وسائل الإعلام.. وتكهنات حول مصير علاقتها بزوجها    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    وفاة الشيخ ''آل نهيان'' وإعلان لديوان الرئاسة الإماراتي    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية اليوم الخميس    تصاعد الخلافات بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر والأخير يرفض التراجع عن هذا الاشتراط !    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسة الإصلاحات الأمريكية في المنطقة العربية.. بين القيم والمصالح
نشر في الجمهورية يوم 18 - 04 - 2014


«مغامرة البحث في قلب الحدث»
صدر مؤخراً عن منتدى المعارف في بيروت كتاب «سياسة الإصلاحات الأمريكية في المنطق العربية.. بين القيم والمصالح» لمؤلّفه السياسي والباحث الأكاديمي والإعلامي المتمرّس والحاضر بقوة في واجهة المشهد السياسي والإعلامي اليمني الدكتور عبدالغني الشميري، وهو كتاب في أصله أطروحة دكتوراه تقدّم بها الباحث إلى جامعة عبدالمالك السعدي المغربية في مدينة طنجة، ويتصل موضوعه بالجديد والأجد وبأحداث تتلاحق ضمن دائرتنا الزمنية، وتتردّد أصداؤها على مقربة منا وفي تخومنا وديارنا؛ الأمر يتعلّق بدين المرحلة التي بشّرَ به الغرب الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المنتصر للتو في معركة عض اليد كان قد خاضها على أساس أيديولوجي مع خصمه اللدود المعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق ، ودامت نحو 45 عاماً وأخذت كل أبعاد الحرب؛ إلا أنها كانت باردة في معظم محطّاتها..
صدر مؤخراً عن منتدى المعارف في بيروت كتاب «سياسة الإصلاحات الأمريكية في المنطق العربية.. بين القيم والمصالح» لمؤلّفه السياسي والباحث الأكاديمي والإعلامي المتمرّس والحاضر بقوة في واجهة المشهد السياسي والإعلامي اليمني الدكتور عبدالغني الشميري، وهو كتاب في أصله أطروحة دكتوراه تقدّم بها الباحث إلى جامعة عبدالمالك السعدي المغربية في مدينة طنجة، ويتصل موضوعه بالجديد والأجد وبأحداث تتلاحق ضمن دائرتنا الزمنية، وتتردّد أصداؤها على مقربة منا وفي تخومنا وديارنا؛ الأمر يتعلّق بدين المرحلة التي بشّرَ به الغرب الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المنتصر للتو في معركة عض اليد كان قد خاضها على أساس أيديولوجي مع خصمه اللدود المعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق ، ودامت نحو 45 عاماً وأخذت كل أبعاد الحرب؛ إلا أنها كانت باردة في معظم محطّاتها..
وفي حين تسلّل الإسلام، ديننا الذي نعتز به خلسة وعبر أفراد أو جمعيات إلى الغرب، أو عبر جاليات تنتمي إلى بلدان استعمرها الغرب؛ اختار هذا الغرب ابتداءً من عام 1989م إثر انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو أن يجعل من الإسلام خصمه الأيديولوجي ووقود حربه المقبلة وشيطانه الأكبر الذي يُلهم صراع الحضارات، ولتكون الشعوب العربية الإسلامية هدفاً للموجة الثالثة من دين الغرب (الديمقراطية) على نحو ما بشّر به مفكّرون مثيرون للجدل من أمثال صمويل هيتنجتون، يأتي هذا السفر الثمين في (560) صفحة، ويشمل تقديماً للأكاديمي القطري المعروف الدكتور محمد المسفر، ومقدمة للمؤلف، فيما يتوزّع متن الكتاب على قسمين رئيسين وأربعة فصول.
جاء القسم الأول تحت عنوان «الإصلاحات السياسية في المنطقة العربية» واشتمل هذا القسم على تمهيد مطول، وعلى الفصلين الأول والثاني: الفصل الأول بعنوان: الإصلاح السياسي كمفهوم وإشكالية في المنطقة، والفصل الثاني بعنوان: إشكالات الإصلاح السياسي وأهمية المنطقة، وجاء القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان «الولايات المتحدة الأمريكية والديمقراطية في المنطقة» واشتمل بدوره على تمهيد وفصلين هما: الفصل الثالث والفصل الرابع، الفصل الثالث بعنوان «محدّدات الإصلاح السياسي الأمريكي في المنطقة» والفصل الرابع بعنوان «واقع الإصلاحات الأمريكية بين القيم والمصالح» واشتمل القسم الثاني أيضاً على الخاتمة، وقائمة طويلة ومتنوّعة من المراجع باللغتين العربية والإنجليزية، منها ما هو لمؤلّفين عرب، ومنها ما هو مترجم لمؤلّفين أجانب، ومنها ما هو باللغة الأصلية لهؤلاء المؤلّفين وبالأخص الغربيين، وجميعها تعكس جهداً بحثياً رصيناً ومعمّقاً وشاقاً في نفس الوقت، وتعبّر بشكل واضح عن المضمون الغني والثري لهذا الكتاب واتصاله بأحدث المعلومات والمواقف الخاصة بمشروع الإصلاحات السياسية والديمقراطية الأمريكية في منطقتنا العربية.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يقارب قضية استغرقت اهتمام المفكرين والباحثين في حقل العلاقات الدولية وفي علم الاجتماع السياسي كذلك في عالمنا العربي وفي الغرب أيضاً، ولأن المؤلّف بتناوله هذا الموضوع إنما يخوض مغامرة البحث في مجال أحداثه ووقائعه ساخنة وملتهبة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وزد على ذلك أن المؤلف اكتسب ميزة النظر إلى قضية الإصلاحات السياسية والديمقراطية؛ ليس فقط مما توفره المراجع المتخصصة، بل من وقوفه على مقربة من دائرة صنع القرار في نظام عربي طالته ثورات الربيع العربي، هو نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو قربٌ أتاح له أيضاً الإطلالة على الأنظمة العربية الأخرى في دوائرها الضيقة وعلى طبيعة تفكيرها وإدارتها شؤون دولها، وقد كان لافتاً أن المؤلّف لم يُستغرق في النموذج اليمني، أكثر من بقية النماذج العربية الأخرى التي عاشت تجربة الإصلاح السياسي والتغيير على إيقاع ثورة الشباب والشعوب المحمولة على موجة الربيع العربي.
القسم الأول: الإصلاحات السياسية في المنطقة العربية
في هذا القسم أجرى المؤلّف مقاربة مفهومية شاملة لموضوع الإصلاح السياسي الذي يستوعب في دلالته أيضاً معنى الإصلاحات الديمقراطية، وتطرق إلى مفهوم اللغوي والاصطلاحي للإصلاح قبل أن يتوسّع في بيان معنى الإصلاح السياسي، ومعنى النهضة والديمقراطية، والتحوّل الديمقراطي، وأنظمة الحكم، والعوامل الدافعة للتحوّل الديمقراطي، ومراحله، وهنا حرص المؤلف على تأكيد حقيقة أن الإصلاح ليس مفهوماً طارئاً على الأمة العربية والإسلامية؛ بل هو مفهوم أصيل ومتجذّر في أصل الدين الإسلامي وفي جوهر الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وربط الباحث بين مفهوم الإصلاح وبين مفهوم النهضة باعتبارهما مفهومين مترادفين ليؤكد أن فكرة الإصلاح فكرة أصيلة في الذهنية العربية.
وتتبّع الباحث إشكالية العلاقة بين الديمقراطية والاستبداد في منطقتنا العربية، وعرض في هذا السياق خصائص المنطقة، ومجتمعاتها والأنظمة السياسية السائدة فيها، وعدَّدَ العوامل التي أسهمت في تعثر الديمقراطية في السياق التاريخي الممتد من مستهل عهد النهضة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحتى يومنا هذا، والجذور التاريخية للدولة في المنطقة العربية، وبحث في الثقافة السياسية للمنطقة والبدائل المحتملة للإصلاح السياسي وتلك المعيقة له أيضاً، وذكر منها: بديل الإصلاح المباشر والسريع، وبديل مقدّمة القطار، وبديل الإصلاح البطيء والتدريجي، وبديل الإصلاح الشكلي، وبديل الجمود والرفض، وبديل الانتفاضة الشعبية أو الثورة، وهو البديل الذي تحقّق بالفعل في إطار ما عُرف بموجة الربيع العربي.
وحاول المؤلّف في الفصل الأول من الكتاب أن يجيب بِنَفَسِ الباحث الموضوعي وتجرده العلمي عن أسئلة جريئة عمّا إذا كانت الديمقراطية مشكلة عربية أم إسلامية، وعن إشكالية الدين والثقافة والاقتصاد، وهل يمكن أن تشكّل عوائق أمام المضي في تحقيق الإصلاحات السياسية في المنطقة، وقد اعتمد المؤلّف الاستنتاجات التي توصّل إليها باحثون غربيون معتبرون من أمثال لاري دايموند، وألفريد ستيبان وغراييم روبرتسون، حيث أقرّ دايموند كما أورد المؤلف في كتابه أن لا الثقافة ولا الدين يقدّمان تفسيراً مقنعاً للعجز الديمقراطي العربي، ويستنتج في هذا السياق أن سبب العجز الديمقراطي يُعزى إلى الاقتصاد السياسي، أكثر ما يرتبط بالجغرافيا السياسية، وهذا قد يكون صحيحاً في حال انصرف الأمر إلى ما يحدث في بلداننا، حيث يتم توظيف المال العام من قبل الأنظمة لأغراض بقائها واستدامتها، بالإضافة إلى هيمنة الاقتصاد الريعي في معظم البلدان العربية، وهو الاقتصاد الذي يمنح الدولة قدرة على الهيمنة وإضعاف القوى السياسية؛ فيما لم يجد ستيبان وروبرتسون دولة عربية واحدة لها سجل مهم في توسيع نطاق معقول لديمقراطية الحقوق السياسية لمواطنيها، مقارنة بدول إسلامية مثل ماليزيا وتركيا وألبانيا وبنغلاديش والسنغال، وذلك إثر دراسة لهما شملت «16» عربية، و«29» دولة إسلامية.
واستناداً إلى دراسة مقارنة أجراها دايموند أيضاً، تبيّن أن هناك فجوةَ حريّةٍ كبيرةً في الدول العربية وفقاً لمقياس «فريدوم هاوس» الذي يضم سبع درجات تقاس بها درجة السوء في جانب الحريات، حيث تبيّن أن متوسط سوء الحرية في الدول العربية سجّل 5.35 درجة، في حين بلغ المتوسط في الدول الإسلامية 4.7، وهنا يصل المؤلّف إلى تأكيد أن الدول العربية تمارس نوعاً من “منهجة الاستبداد” استناداً إلى أنماط من ممارسة الحكم، ومؤسسات تتكئ عليها في إخضاع شعوبها، وبمرونة لافتة تعتمد أسلوب “القمع الانتقائي”.
وفي سياق مقاربته لإشكاليات الإصلاح السياسي في المنطقة، من زاويتين رئيستين هما: الواقع العربي، والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؛ تناول المؤلّف المشكلة السياسية في المنطقة العربية، والإرث الاستعماري والقيم التي خلفها، والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وعلاقة أمريكا بالأنظمة العربية، وعلاقتها بالإسلام، وأهداف أمريكا من فكرة الإصلاحات السياسية بالمنطقة، والتدخُّلات الأمريكية في المنطقة، وقد جاءت مقاربات المؤلّف لهذه القضايا على النحو التالي:
أولاً: يتصل بالواقع العربي:
رأى المؤلّف أن الإصلاح الديمقراطي طُرح في واقع عربي منشدٌ إلى ماضيه، ومرتهن إلى العوامل الثقافية والدينية كمصدر لإضفاء الشرعية على السلطة، على الرغم من أن تبنّي النهج الإصلاحي جاء في سياق الفكر النهضوي العربي، والذي جاء بدوره كنتاج للاحتكاك مع أوروبا، واستعرض في هذا السياق الأدوار المؤثّرة لرجال التنوير من أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ورفاعة الطهطاوي، ولفت أيضاً إلى بروز التيار الحداثي العربي، الذي كان قد طرح فكرة الديمقراطية بدلالاتها التنويرية المرتبطة بفكرة التحرُّر والعلمانية.
وهنا يرى المؤلّف ومعه كل الحق أن الدعوة إلى الإصلاح السياسي في العالم العربي، قد سبقت بزمن طويل، ما أسماه المؤلّف «الاندفاع المتأخّر والشغف بقضية الإصلاحات السياسية في المنطقة العربية» الذي تبنّته الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي بوش الابن، ويرى أيضاً أن الأنظمة العربية عمدت إلى استبعاد مبدأ التعدُّدية من الممارسة السياسية بذريعة حماية الوحدة الوطنية من استفحال الخصوصيات، دون أن يؤدّي ذلك بالضرورة إلى قيام دولة المواطنة، هذا بالإضافة إلى تعميق التبعية العربية للقوى الخارجية، إلى جانب الأثر السياسي السلبي للطفرة النفطية ممثّلاً في تحصين الأنظمة، بالنظر إلى سيادة نمط الاقتصاد الريعي المرتبط أصلاً بهذه الثروة الطارئة، واستنتج المؤلّف كذلك وجود نوع من الإدراك السلبي للديمقراطية في المنطقة العربية، وعدم وجود قناعات حقيقية بالديمقراطية في الواقع العربي إجمالاً.
وأبان المؤلّف عن نقطة مهمّة تتعلّق بواقع الدول العربية ما بعد الاستعمار، وهي أن قضية تغييب الديمقراطية ما فتئت تحاصر هذه الدول من منطلق أن هذا التغييب هو العلة ومكمن الخلل الرئيس في تخلُّف هذه الدول وشعوبها عن ركاب الأمم، ومع ذلك - كما يرى المؤلّف - تمترست غالبية الأنظمة العربية خلف شرعيتين مصطنعتين: الشرعية الثورية، وشرعية الحكم باسم الإسلام والخصوصية المحلية لتبرير تغييب الشرعية الدستورية المفقودة.
ثانياً: ما يتعلّق بالاستراتيجية الأمريكية
حرص المؤلّف في هذا السياق على إبراز الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية للمنطقة العربية، وما تمثّله من مصالح استراتيجية للغرب والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قلب العالم، ومهد الحضارات، ومهد النبوءات، وتناول الخلفية التاريخية للعلاقة بين أمريكا والأنظمة العربية، وموقف أمريكا من الإسلام، والأهداف الأمريكية والإصلاحات السياسية في المنطقة، والتدخلُّات الأمريكية ومصالحها في المنطقة العربية، التي أجملها في: النفط الخليجي، ومصالح الشركات الكبرى، والتحكم بأسعار النفط، والتحكم في المصالح الاقتصادية للقوى الكبرى، من خلال السيطرة على منابع النفط الاستراتيجية، مضاف إليها الممرات المائية في المنطقة وأمن اسرائيل واعتبار المنطقة وخصوصاً دول الخليج سوقاً للبضائع أمريكية، كأهداف ثابتة ومرتبطة بالمصالح الأمريكية.
ومن وجهة نظر المؤلف فإن هذه المصالح هي التي صاغت العلاقات الأمريكية مع الدول الخليجية النفطية في مرحلة ما بعد 1990م، والتي ارتكزت على ثنائية الأمن الاستراتيجي العسكري - الاقتصادي، ويرى المؤلّف أن حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وإسقاطه كدولة قد مثّلَ نقطة الارتكاز في المشروع الهجومي الإمبراطوري الأمريكي والذي استهدف الإمساك بالموقع الجيو- استراتيجي للعراق كنقطة انطلاق لاختراق المجال العربي برمّته، والإمساك بالمخزون النفطي العراقي الهائل.
وفي تشخيصه للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية، يرى المؤلف أن واشنطن، أدركت منذ وقت مبكّر سهولة التعامل مع الأنظمة غير الديمقراطية لتأمين مصالحها في المنطقة، وحرصت لذلك على أن تكون هذه الأنظمة على صلة بها وموالية لها، وحرصت كذلك على تهجين الأفكار بالاستقطاب، وكان على رأس أولوياتها أن تُحوِّلَ العراق نموذجاً ديمقراطياً يتوقُ بقيةُ العرب إلى تقليده، قبل أن يسقط هذا النموذج سقوطاً مروّعاً.
وعرض المؤلّف للموقف الأمريكي من الإسلام، في سياق إدراكه لتأثير هذا العامل في صياغة الموقف الأمريكي تجاه المنطقة، لافتاً في هذا السياق إلى أن أمريكا اتخذت من الإسلام عدوّها الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة وهزيمة النظرية الشيوعية والمعسكر الاشتراكي، وسعت في ظل هذا التوجه إلى إتلاف الشبكات الراديكالية، وإيجاد شبكات معتدلة، وسعت كذلك إلى دعم ما يُسمّى «الإسلام المدني» وإدماج الإسلاميين في السياسة العامة، وتشجيع إصلاح المدارس الدينية والمساجد، وإشراك المسلمين في المهجر، وبحث المؤلّف في فرضية أن يكون الإسلام شريكاً محتملاً لأمريكا في المنطقة، وعَرضَ لآراء الخبراء والمفكرين في ميدان العلاقات الدولية الذين قالوا كلاماً إيجابياً على هذا الصعيد.
ولم يغفل المؤلّف هنا دور وتأثير المجتمع المدني في التعاطي مع قضية الإصلاح السياسي والديمقراطي، وكيف أن هذا الدور تأثّر إيجابياً بتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث حفّزت على قيام حوارات اجتماعية وعلى حراك سياسي نتج عنه فرز واضحٌ بين نمط استجابة القوى الاجتماعية المدنية، ونمط استجابة الأنظمة، ويرى المؤلّف أن الحراك السياسي والحوارات التي شهدتها المنطقة تركزت بشكل أساس حول علاقة الدين بالدولة ودور العسكريين في الحكم، والعدالة الاجتماعية، والتنمية، ومشروعية الأحزاب الإسلامية، وتمخّضت هذه الحوارات كما أورد المؤلّف، عن (10) نقاط قال إنها مثّلت مشروعاً متمايزاً للإصلاح في المنطقة العربية وهي:
1 - الدعوة إلى التعدّدية السياسية.
2 - إعادة تعريف السلطات في الدولة على نحو يحقّق الفصل بينها.
3 - تحديد فترة ولاية رئيس الدولة في الأنظمة الجمهورية.
4 - تطوير الأنظمة الملكية إلى ملكيات دستورية.
5 - استقلال القضاء، مع إلغاء صور القضاء الاستثنائي. 6 - تحرير الإعلام مع حظر الحبس في قضايا الرأي.
7 - إيجاد ضمانات جديّة لنزاهة الانتخابات.
8 - تطوير مناهج التعليم على نحو يصلها بمتطلبات النهضة.
9 - الاهتمام بالبحث العلمي، والشفافية.
10 - إطلاق الحريات المدنية والسياسية مع تحقيق مبدأ المساواة أمام القانون.
القسم الثاني من الكتاب: الولايات المتحدة الأمريكية والديمقراطية في المنطقة
يتركّز اهتمام هذا القسم من الكتاب حول محدّدات الإصلاح السياسي الأمريكي في المنطقة الذي يستغرق الفصل الثالث، وحول واقع الإصلاحات الأمريكية بين القيم والمصالح الذي يستغرق الفصل الرابع من الكتاب، وفي الفصل الثالث يعيد المؤلّف الاهتمام الأمريكي الكبير بقضية الإصلاحات السياسية والديمقراطية في المنطقة العربية إلى ما بعد أحداث ال11 من سبتمبر2001م، دون أن يعني ذلك - من وجهة نظره - غياب الاهتمام قبل هذا التاريخ، حيث شهدت الفترة السابقة اهتماماً إلى حد ما بالديمقراطية وحقوق الإنسان والترويج لهما في المنطقة العربية، ولكن في إطار حسابات المصالح الأمريكية، ويرى أن وضوح ملامح الاستراتيجية الجديدة للإصلاح السياسي بمنطقتنا العربية في أعقاب أحداث ال11 من سبتمبر بدأ في نوفمبر 2003م، عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن “أن السياسة الأمريكية التي امتدت على نحو ستين عاماً في تأييد حكومات لا تلتزم بالحرية السياسية قد فشلت، وأن واشنطن قد تبنّت استراتيجية مستقبلية جديدة للحرية في الشرق الأوسط” كان هذا الإعلان من وجهة نظر المؤلّف مفزعاً لمختلف الأنظمة العربية التي هرعت بدورها نحو التعامل مع الأمر وكأنه تهديد بالإقصاء، وولّد شعوراً مفزعاً بالتخلّي عن استحقاقات التحالف مع الولايات المتحدة.
وبشأن الترويج الديمقراطي من قبل الولايات المتحدة في المنطقة؛ يرى المؤلّف أن هذا الترويج تحوّل في ظل الأولوية المطلقة للأمن إلى وظيفة داخل الاستراتيجية الأمنية الأمريكية، وحتى عندما رفعت إدارة بوش شعارات الإصلاح السياسي كمخرج مثالي لأزمات المنطقة؛ لم تَصْدُقْ في الالتزام بها أمام أولوية تحقيق مصالحها، على الرغم مما تضمّنته الاستراتيجية الأمريكية بعد أحداث سبتمبر وما تلتها من استراتيجيات أُعلن عنها بين عامي 2006 و2010م، وما ورد ضمن وثيقة الأمن القومي، من “أن تعزيز الكرامة الإنسانية هو أولوية” و“أن الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها الدفاع عن الحرية والعدالة” وما ورد في إطار هذه الوثيقة من تأكيد على أن “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لابد أن تنبع من المعتقدات الأمريكية الراسخة في العدل والحرية” وبناء عليها ستتخذ الإدارة الأمريكية الخطوات التالية:
- إدانة كل اختراق أو انتهاك يهدد وجود الكرامة الإنسانية.
- استخدام المعونات الخارجية من أجل تدعيم الحرية.
- تطوير المؤسسات الديمقراطية في إطار العلاقات الثنائية.
- بذل جهود خاصة من أجل تدعيم حرية العبادة وحمايتها من ضغوط الحكومات القمعية.
وتتبّع المؤلّف التحوّل اللافت في الموقف الأمريكي من قضية الإصلاح السياسي والديمقراطي في المنطقة العربية، والذي بدأ - كما قال - متحمسّاً ومصرّاً على إصلاح ودمقرطة الأنظمة الحليفة في المنطقة “لكن سرعان ما تمّ العدول عن هذا الاتجاه وتحت تأثير ودواعي الاستراتيجية الأمنية نفسها” بل إن هناك دراسات ذهبت إلى حد الربط بين الديمقراطية والإرهاب، واعتبرت أن “الكوابح المؤسّسية التي تتضمّنها الدساتير الديمقراطية تحد من قدرة الحكومات على مراقبة الحركات والمجموعات السياسية الراديكالية».
وعرض المؤلّف للرؤية التي خلصت إليها الإدارة الأمريكية في سياق مشروعها للإصلاح الأمريكي في المنطقة، والتي صاغها مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية، ريتشارد هاس..
وتفترض هذه الرؤية وجود نماذج مختلفة للديمقراطية، وأن الانتخابات لا تصنع الديمقراطية ما لم يصاحب الانتخابات تطور المجتمع المدني ومنظماته وآلياته، وأن الديمقراطية تحتاج إلى وقت قد يصل إلى عقود بل وأجيال، وأن الأفضل تشجيع الديمقراطية من الداخل عوضاً عن فرضها من الخارج.
ما قد يبدو تراجعاً هنا يُعزى، بنظر المؤلف، إلى الصدمة التي أحدثها فوز التيار الإسلامي الراديكالي أو حتى المعتدل في المنطقة بالانتخابات الديمقراطية التي جرت في المنطقة، مثال على ذلك فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، وفوز حركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2005، وفوز الإخوان المسلمين في مصر قبل عامين..
وفي الفصل الرابع من الكتاب يتناول المؤلف السياسة الأمريكية، ويطرح السؤال العريض: ما الذي يحكم هذه السياسة.. وهل هي المصالح أم القيم؟.. وفي هذا السياق يذهب المؤلف إلى أن الولايات المتحدة اليوم هي قوة مهيمنة على الصعيد الدولي وهي ديمقراطية في آنٍ معاً، وهو ما يفرض التساؤل أيضاً بشأن ما إذا كان الإسقاط الخارجي للديمقراطية، بحسب تعبير المؤلف، ينسجم مع المسئولية الإمبريالية؟.. وهنا يرى أنه يمكن للقوة المهيمنة أن تدافع عن الديمقراطية بل وتعزيزها، ويمكنها أيضاً تهديد الديمقراطية..
وفي تقديره لحقيقة الموقف الأمريكي، يرى المؤلف أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تؤكد أن الديمقراطية الحقيقية التي تفضي إلى تداول سلمي للسلطة في المنطقة العربية، لن تأتي إلا بإسلاميين مناهضين للمصالح الأمريكية، وبالتالي، فإن الولايات المتحدة لا تبدي الاهتمام بنشر الديمقراطية والقيم الأمريكية بعيداً عن حسابات المصالح.
وهنا توسع المؤلّف في عرض رؤى أمريكية عديدة، إحداها تذهب إلى الاعتقاد بأن فرض الديمقراطية لن يؤدي إلى نشر القيم الأمريكية فحسب، بل سيُحسن أيضاً من أمن الولايات المتحدة، وسوف تتوقف المنطقة عن إنتاج الإرهاب، قبل أن تدخل هذه الرؤية في امتحان صعب بعد فوز حركة حماس في الانتخابات، وانزلاق السياسة الأمريكية إلى نوع من الانتقائية في التعامل مع النماذج الديمقراطية في المنطقة.
وتذهب رؤية أمريكية أخرى إلى تأكيد أن الأولوية يجب أن تكون للمصالح..
ويعرض المؤلّف لرؤية ثالثة وهي تمثل كما وصفها مدرسة فكرية، وتذهب هذه الرؤية إلى أنه «يمكن أن يأتي نصف الإصلاح الديمقراطي الاقتصادي والسياسي على التوالي، انطلاقًاً من أن العرب ليسوا مستعدين للديمقراطية، ويجب أن يصبحوا أولاً أفضل تعليماً وأكثر ازدهاراً، وأوسع طبقة متوسطة، أي أكثر تغريباً، بحسب تعبير المؤلف.. الذي يصف هذه الرؤية بالمتعالية.
وهنا يرى المؤلّف أنه في إطار «مسلسل تضارب المصالح الأمريكية في المنطقة مع القيم والمثل الديمقراطية»، ظهرت تعقيدات شديدة واجهت السياسة الإصلاحية لأمريكا في المنطقة، فالمصالح الأمنية تقتضي بقاء الأنظمة الحليفة، وهذا يمنع التداول السلمي للسلطة، والإبقاء على الحلفاء بحسب التجربة القائمة، يتطلب دعم حكومات شمولية قمعية تنتج بدورها التطرف.
ويخلص كذلك إلى ما اعتبره تراجعاً أمريكياً عن الإصلاح السياسي والديمقراطي، في ذروة الترويج للديمقراطية في المنطقة، حيث تصارعت وجهتا نظر، إحداهما تبنت نظرية «السلام الديمقراطي»، أي أن الدول الديمقراطية لا تتحارب، وأن وجود دول ديمقراطية في المنطقة يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، وأخرى ترفض الترويج للديمقراطية، استناداً إلى أربعة مبررات: الأول: أن الديمقراطية ثقافة بالأساس وليست سلعة عالمية، والثاني: أن مبدأ احترام السيادة هو أساس النظام الدولي، والثالث: أن المثالية يجب ألا تتفوق على المصلحة الوطنية، والرابع: أن الإصلاحات الديمقراطية معقدة وصعبة ولذا لا يمكن أن تتم من قبل فاعلين خارجيين.
ولحظ المؤلف أن من مؤشرات التراجع الأمريكي عن المضي في فرض مشروع الإصلاحات والدمقرطة: أن الإدارة الأمريكية وخصوصاً في عهد بوش الإبن، اتبعت سياسة “نصف الخطوة” في دعم الإصلاح، وذلك بالضغط على أنظمة الحكم الضعيفة أكثر من ضغطها على الأنظمة القوية الفاعلة التي يكون تحقيق الديمقراطية والحرية فيها بداية التحرك الفعلي لتطبيق الديمقراطية، هذا بالإضافة إلى أن التراجع يُعزى إلى خوف أمريكا من أن تتولى السلطة قوى معادية للسياسة وللمصالح الأمريكية، وخوفها من أن يؤثر فرض الديمقراطية على تعاون الدول الحليفة لها في مكافحة الإرهاب. ويشير المؤلف إلى عامل أساسي يتمثل في وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، والذي صاحبه إحداث العديد من التغيرات في السياسات الأمريكية، حيث وضع القضايا الداخلية وبخاصة الأزمة الاقتصادية وإصلاح القطاع المالي وقطاع الصحة في مقدمة أولوياته.. ولاحظ المؤلف إنه لم يطرأ أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية في عهد إدارة الرئيس أوباما.. ليخلص إلى استنتاج مفاده: أن أزمة السياسة الأمريكية في المنطقة هي أزمة التناقض بين القيم والمصالح الأمريكية، وصعوبة الوصول إلى رزمة واحدة تلتزم البراغماتية دون أن تصطدم بتوجهات المدرسة المثالية.
ويرى المؤلّف أن الولايات المتحدة وهي قوة مهيمنة «عندما تختار بين إعطاء الأولوية لمصالحها أو لأيديولوجيتها، فإن لذلك أثره على توازنات القوى الدولية».. وبشأن المنطقة العربية، فإن المعضلة، من وجهة نظر المؤلّف، تكمن في «أن تفضيل المصلحة الأمريكية متمثلة في ضمان تدفق النفط بيسر إلى العالم الصناعي، يعني أن تصبح الولايات المتحدة قوة محافظة ساعية إلى الاستقرار، وستكون محكومة في تحالفاتها مع الأنظمة غير الديمقراطية، بضمان قدرة هذه الأنظمة على فرض السلم الداخلي، ومواصلة قمعها للتيارات الإسلامية المتطرفة.
الربيع العربي:
شكّل الجزء الأخير من الفصل الرابع والأخير من كتاب الدكتور عبد الغني الشميري، أهمية استثنائية، لكونه انشغل بموضوع الساعة: الربيع العربي، من كونه - من وجهة نظر المؤلف - قد دفع بقوى تغيير وإصلاح من خارج المعادلة التقليدية في المشروع الأمريكي، ممثلة في: الإدارة الأمريكية والأنظمة العربية.. فالثورات التي عاشتها دول عربية مهمة مثل مصر وسورية، وقبلها تونس واليمن وليبيا، «فتحت آفاقاً لمشهد جديد في الشرق الأوسط» على حد تعبير المؤلف، الذي يذهب إلى التنبؤ بإمكانية «أن تلد المنطقة قطباً جديداً في الساحة الإقليمية والعالمية، ركيزته مثلث القوة: العرب - تركيا - وإيران».
وفي هذا السياق فنّد المؤلّفُ وجهاتِ النظر التي ذهبت إلى القول إن: «موجة التغيير في الوطن العربي لا تعبر بالمطلق عن ثورات تلقائية، بل تم التدبير لهذه المرحلة منذ عامي 2007 و2008، من خلال عقد لقاءات ومؤتمرات برعاية الأمم المتحدة».. ليؤكد أن ثورات الربيع «لن تكون نسخة مكملة للثورات اللونية التي شهدتها أوروبا الشرقية، وغيرها من مناطق العالم، التي أرادتها الولايات المتحدة وسيلة لإقامة أنظمة حكم موالية لها».. ويقول «إن الثورات العربية قد أخذت تضرب منظومة من الحكومات وأنظمة الحكم العربية التي عرفت كيف تروّض شعوبها المعتزة بعروبتها وبتضامنها مع القضية الفلسطينية».
ويخلص المؤلّف إلى تأكيد «إن ثورات الربيع العربي، كانت وليدةً للظروف المحلية العربية التي تتمثل في غياب الديمقراطية، وهدر الكرامة الإنسانية، وعدم المشاركة السياسية والاجتماعية، وتزايد الفساد خاصة في الدول التي انطلقت فيها الثورات».
ولذلك يعتبر المؤلّف «إننا أمام جيل عربي جديد، جيل ما بعد الحركات الإسلامية والقومية واليسارية، بالنسبة له الحركات الثورية الكبرى في السبعينيات والثمانينيات هي تاريخ قديم».. ويقول: «نشأ هؤلاء الشباب والشابات المتعلمون والجامعيون الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية كافة، على كره الدولة البوليسية»..
وأفسح المؤلّف هنا مجالاً لبيان التأثير الهام الذي مثّله فضاء التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، الذي يسر للشباب مهمة التعبئة والحشد للتظاهرات..
الربيع العربي والمخاوف الأمريكية:
كان المؤلف موفقاً في هذا العنوان الذي يؤشر إلى فهمه العميق لحقيقة الموقف الأمريكي من ثورات الربيع العربي، والذي اتسم بالترقب والقلق.. وخص موقف إدارة أوباما من ثورة 25 يناير في مصر بمساحة للتحليل والتقييم.. حيث لاحظ أن «الثورة المصرية أحدثت تداعيات كبيرة لجهة تقويض الستاتيكا السياسية في المنطقة، وأثارت مخاوف لدى الإسرائيليين والأمريكيين من تداعيات سقوط مبارك على اتفاقية كامب دايفد وعلى الاستقرار في المنطقة.. ولاحظ المؤلّف وقوع الإدارة الأمريكية في تخبط فيما يخص سياستها تجاه الربيع العربي: «فمن السعي إلى الإبقاء على الأنظمة، استناداً إلى استرايتجية “التشديد على الاستقرار” إلى «الأولوية للديمقراطية والحرية».
ولأن أمريكا أخضعت مواقفها لمعيار المصالح، فقد وقعت في التخبط الذي رأيناه إبان اندلاع ثورات الربيع العربي وخصوصاً في مصر.. ويعزز المؤلّف وجهة نظره هذه بقول الرئيس أوباما: «علينا الاعتراف بأن الاستراتيجية المبنية على المواصلة الضيقة لهذه المصالح لن تملأ معدة فارغة أو تسمح للمرء بالكلام عما يجول في الخاطر.. وإن فشلاً بتغيير مقاربتنا هذه يهدد بدوامة من الانقسام العميق بين الولايات المتحدة والعالم العربي».
وعرض المؤلف للاستراتيجية الأمريكية تجاه الربيع العربي التي رأى أنها تتمثل في ثلاث فئات أو مستويات:
الأولى: موجهة تجاه تونس ومصر، وتمارس مع أنظمتها الديمقراطية الوليدة سياسة الاحتواء، وعدم السماح بتغيير كبير في سياساتها.. وهذا ما رأيناه في مصر وفي تونس أيضاً..
الثانية: موجهة نحو ليبيا واليمن، واللتان أقرت بضرورة تغيير رأس نظاميهما، بسبب ما قاما به من عمليات عنف منظم، ولأنهما أصبحا جزءاً من المشكلة وليس من الحل.. والأمر ذاته يتعلق بموقفها من نظام الأسد الذي باتت تطالب برحيله بعد أن قويت شوكة المعارضة.
الثالثة: دول لا تزال واشنطن تأمل في الإبقاء على أنظمة الحكم فيها مع إدخال بعض الإصلاحات الضرورية.. ومن هذه الدول: المغرب والبحرين والأردن.
وقد اختتم المؤلف كتابه بخاتمة أعاد فيها تلخيص أهم الأفكار التي استغرقت اهتمامه على امتداد قسمي الكتاب وفصوله الأربعة.. مع التأكيد على أن هذا العرض لا يغني أبداً عن الاطلاع على الكتاب الذي، أنصح كل مهتم باقتنائه لتعميم الفائدة، وللإحاطة بموضوع هو محل اهتمام الغالبية العظمى من الشعوب العربية في هذه المرحلة من زمن الربيع العربي..
والله الموفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.