يعتبر محصول البُن العربي «اليمني» Coffea arabica L من المحاصيل النقدية التي تدعم الاقتصاد الوطني، حيث بدأت الدولة الاهتمام بزراعة محصول البُن منذ الثمانينيات من خلال إنشاء المشروع الوطني لتطوير زراعة البن، إضافة إلى التعاون اليمني الفرنسي في التسعينيات لتطوير زراعة محصول البُن. أشار بعض الباحثين (1) إلى أن محصول البُن العربي كان يتواجد برّياً في مرتفعات اليمن وانقرض منها، وفي القرن العشرين اتجه الرأي إلى أن الهضبة الأفريقية والتي لاتزال تحتوي على عدد من أشجار البُن النامية طبيعياً، وعلى وجه الخصوص في المرتفعات الأثيوبية والسودانية يمكن أن تكون الموطن الأصلي لنشوء النوع المعروف بالنوع العربي Coffea Arabica. وهناك حقيقة أشار إليها (2) هو أن اليمنيين هم أول من ابتكر القهوة كمشروب شعبي ساخن، وعبرهم انتشرت إلى جميع بلدان العالم واجتمع حولها كثير من المثقفين وتم التعامل معها كمحصول نوعية وكيف، ومن خلالها تعمقت العلاقة مع الشعوب المختلفة من خلال التبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب خلال تلك الفترة. وتعد اليمن من الدول المصدّرة لمحصول البُن منذ القدم والذي عُرف باسم Mocka Coffee تمييزاً لميناء المخا الذي يصدّر منه البُن اليمني، حيث تم شراء أول شحنة من قبل الهولنديين من ميناء المخا عام 1628م. إن شهرة البُن اليمني ترجع إلى جودته العالية مقارنة بأنواع البن المنتجة في بلدان أخرى وعليه زاد الطلب والمنافسة بين الشركات الفرنسية، البريطانية والهولندية خلال فترة خمسينيات القرن السابع عشر حيث وصل أعلى إنتاج للبُن العربي عام 1720م بعد إنشاء الهولنديين مصنعاً للبُن في منطقة المخا عام 1708م وبدأوا تصديره، ثم أنشأ الفرنسيون مصنعاً آخر في منطقة المخا عام 1709م، وخلال تلك الفترة شهدت موانئ المخا، والحديدة واللحية حركة كبيرة لتجارة البُن. وبعد ثلاثة قرون من الازدهار بدأ الانخفاض التدريجي لتجارة البُن اليمني، وفي القرن التاسع عشر فقد اليمن معظم أسواق البُن العالمية بسبب انتقال شجرة البُن إلى مناطق أخرى من العالم إضافة إلى وجود مؤثّرات محلية على إنتاج البن اليمني وتصديره (3). الأرقام الإحصائية لحركة تجارة محصول البُن بين اليمن والعالم في بداية القرن الثامن عشر وصلت إلى ما يقارب عشرين ألف طن في العام، هذا يعني أنها كانت تُزرع في مساحة تزيد عن أضعاف المساحة المزروعة حالياً، واحتكرت اليمن تصديره إلى العالم مدة طويلة، وحالياً هي آخر دولة في قائمة تصدير البُن (4). يُزرع البُن في الجمهورية اليمنية بمناطق متباعدة عن بعضها البعض وفي مواقع معزولة بالجبال والهضاب والوديان مما يعطي لكل منطقة خصوصية معينة في التعامل مع زراعة البُن، حيث يُزرع البن في مناطق المرتفعات الغربية و الوسطى والجنوبية بين ارتفاعات مختلفة تتراوح مابين 700 إلى 2400م فوق سطح البحر ضمن نطاق مطري يصل من 400 – 700 مليمتر، و في بعض المرتفعات حتى 1000مليمتر. و تشير الدراسات بأن محصول البن تتم زراعته تحت ثلاثة أنظمة مختلفة من ناحية استخدام مصادر المياه و يمكن تميزها على النحو التالي: 1. محصول بُن يزرع في أراضي الوديان، و هنا يعتمد محصول البُن في الري على مياه السيول و الغيول إضافة إلى المياه السطحية و الأمطار. 2. محصول بُن يُزرع في السفوح متوسطة الارتفاع، و يعتمد المحصول في زراعته على مياه الأمطار مضافاً إليها الري التكميلي من الآبار الجوفية و مياه العيون الصغيرة و السدود و الخزانات. 3. محصول بُن يُزرع في المدرجات المطرية و التي تعتمد كلياً على الري بالأمطار بالإضافة إلى الخزانات التي أنشئت لحصاد مياه الأمطار. (4). المناطق المشتهرة بزراعة البُن تشمل: بني مطر، الحيمتين، بني حماد، جبل برع، ملحان، أنس، بني اسماعيل، وادي الدور بالعدين، المحويتي، الريمي، الصبري، الصعدي، الوصابي، اليافعي. ويعمل في إنتاج محصول البُن من الزراعة و حتى التصدير حوالي مليون شخص (7) . تعد الإنتاجية في وحدة المساحة لأي محصول من المحاصيل الزراعية كمحصلة لمجموعة من العوامل البيئية و مدخلات الإنتاج إضافة إلى دور العوامل الاقتصادية في زيادة أو انخفاض الإنتاجية. إن الاعتماد في إنتاج أي محصول على الزراعة المطرية في بعض المناطق يجعل من الصعب الحصول على إنتاج مستقر(6). وتواجه زراعة البُن في اليمن عدة معوقات و مشاكل: أولاً: معوقات بيئية: 1) عدم استقرار معدلات الهطول المطري السنوي. (أمطار غير مضمونة) مع عدم كفايتها في وصول بعض المحاصيل إلى مرحلة الحصاد. 2) سوء التوزيع الموسمي للأمطار و لمعظم المناطق خلال موسم النمو و الذي يعتبر الأساس في تحديد الإنتاجية لوحدة المساحة حيث يكون غالباً مفقوداً، إذ يلاحظ في أغلب السنوات نزول كميات عالية من الأمطار خلال فترة قصيرة جداً مما يؤثر سلبياً على حياة المحصول بسبب عدم حصول المحصول على احتياجاته المائية خلال المراحل المختلفة للنمو إضافة إلى التأثير السلبي لتلك الأمطار على التربة نتيجة الانجراف. 3) التضاريس الوعرة. 4) الانحدارات الشديدة للمناطق التي تُزرع فيها المحاصيل المطرية يؤدي إلى جرف التربة. 5) شح المياه مع انخفاض المعدل السنوي للأمطار. 6) قطاع التربة ضمن المدرجات الزراعية صغير، و انعكاس ذلك على كمية مياه الأمطار التي يتم تخزينها في القطاع و التي لا تكفي أحياناً لوصول النبات إلى مرحلة الإنتاج. 7) عمق التربة في بعض الوديان تتراوح من 0.5 إلى 1.3 متر إضافة إلى وجود الأحجار و الحصى و هذه النوعية من التربة لا تساعد على الاحتفاظ بالماء. 8) قوام التربة و الدور الذي تقوم به في عملية الرشح لمياه الأمطار خلال قطاع التربة، لأن معظم التراب في الوديان والمدرجات تتميز بكونها ثقيلة و هنا يفقد جزء كبير من مياه الأمطار عن طريق الجريان. 9) انخفاض درجة الحرارة في الشتاء و حدوث موجات الصقيع خلال شهر يناير يؤدي إلى حدوث موت لعدد كبير من أشجار البُن كما أن ارتفاع درجة الحرارة في الصيف الى أكثر من 30 درجة مئوية خلال الجو الجاف يؤدي إلى ذبول الأوراق، وقد تسقط الأوراق إذا طالت هذه الظاهرة، و عند حدوث أمطار بعد هذه الفترة يستخدمها النبات في إعادة تكوين أوراق جديدة وهذا يؤدي إلى حدوث خسارة في الإنتاج و النوعية. (4و6). ثانياً: المشاكل: 1) صغر حجم الحيازات الزراعية التي يمتلكها المزارعون و انعكاس ذلك في زيادة تكلفة الإنتاج. 2) ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج. 3) غياب دعم المزارعين. 4) جهاز البحث العلمي و الإرشاد الزراعي لم يؤدِ دوره المنشود. 5) منافسة البُن المستورد. 6) انتشار الأمراض و مسبباتها المختلفة. 7) سيادة محصول القات في عملية الاهتمام الزراعي و التسويق و المساحة لكونه محصولاً نقدياً يومياً. 8) قلة أبحاث تقانات الحصاد المائي التي تحفظ الرطوبة للمحصول و بخاصة في الفترات الحرجة من مراحل نموه. 9) التوسع الأفقي المنظور مستحيل نظراً لزراعة محصول البُن في الهضاب و الجبال و الوديان، أيضاً التوسع الأفقي يتطلب إضافة مدخلات جديدة لإضافة المساحة المستهدفة مثل عملية استصلاح الأراضي وما يلزمها، لذلك يلاحظ من الجدول 1 أن زيادة المساحة المنزرعة لم تحقق هدفها في زيادة الإنتاج بسبب الخلل الموجود و المرتبط أساساً بإنتاجية وحدة المساحة وهذا يعني وجود معوقات و مشاكل أدت و تؤدي الى عدم تطوير إنتاج محصول البُن العربي. (4و6). ثالثاً: معوقات فنية في القطاع المطري: 1) ضعف إعداد و تحضير التربة خاصة في المناطق الجبلية بالنسبة للمدرجات حيث يستخدم المحراث البلدي مما يؤدي إلى تكوين طبقة صمّاء فيؤثر ذلك على إنتاجية المحصول بسبب قلة استيعاب التربة لمياه الأمطار و إعاقة انتشار الجذور. 2) غياب استخدام المكينة الزراعية إما لارتفاع التكاليف أو لعدم توفرها أو لصعوبة استخدامها لضيق شرائح الزراعة خاصة المدرجات الجبلية. 3) الكفاءة المحدودة للعمليات الحقلية المختلفة تعتبر ضمن المعوقات في إنتاج المحاصيل المطرية(6). * قسم المحاصيل والمراعي - كلية الزراعة - جامعة صنعاء. المراجع 1) Jaques felix (1968)Le Café.Coll. Que sais-je 2) Petite anthologie du Café.Dans la collection Carres Gourmands..Michele Bertier(2000), EditionsEQUINOXE.263pp. 3 - الحياة الإماراتية 2014م «اليمن يسعى إلى تطوير زراعة البُن وإحياء تاريخه» - صنعاء الاثنين 27 يناير 2014م. 4 - أمين عبده الحكيمي (2012) «زراعة وإنتاج البُن في اليمن». ص 7 - 136. 5 - جمعية البُن اليمني 2008م.«واقع البُن اليمني». 6 - فقيرة عبده بكري (2006م) «الدراسة التحليلية القطرية لتطوير إنتاجية الذرة الشامية في القطاع المطري في اليمن – المنظمة العربية للتنمية الزراعية».