القراءة.. ذلك العالم الذي يأخذك إلى عوالم مختلفة وعصور شتى.. كما أنها تجعلك توقظ (الأموات)، من سباتهم العميق حين تقرأ ما سطّرته أناملهم بين دفتيّ الكتب العظيمة والإرث الثقافي والفكري اللذين خلّفوهما لمحبّي الثقافة والإبداع، والاستزادة من بحرهما الذي لا شاطئ له. كما أن القراءة تعكس مدى وعي القارئ أياً كان، سواءً كان من المهتمين بالثقافة أو متابعة كل جديد.. فالقراءة باتت ضرورة لابد منها ومعرفة ما يدور في هذا العالم.. هنا توقفنا مع نخبةٍ من المهتمين بالقراءة والمثقفين وكلٌّ منهم ذكر أسباباً ومبررات حسب رؤيته من خلالِ اللقاءات معهم في سياقِ الموضوع التالي. الكتابُ يظلُّ المرجع الأساس عن أولِ كتابٍ قرأه وأعاد قراءته للمرةِ الثانية هو كتاب: “أدباء معاصرون”، للكاتب والناقد رجاء النقاش الذي صدر عام 1971م، ذلك ما غاص في مضمونه الأستاذ والشاعر الكبير حسن عبدالله الشرفي، وأضاف أن الكاتب النقاش تناول ثمان شخصيات من كبارِ الأدباء في القرنِ العشرين. وتحدّث عنهم بتفاصيل مشوّقة ورائعة أمثال: طه حسين، وتوفيق الحكيم، ومحمود درويش، والطيب صالح، وبدر شاكر السياب وغيرهم.. وعن وضع القراءة والكتاب الورقي في ظل المنافسة الإلكترونية يضيف الشاعر الشرفي: الكتاب الورقي يظل المرجع الأساس الذي لا غنى عنه، وإن حاول البعض تفضيل الكتاب الإلكتروني عليه، لكنني في كل الأحوال أنا من مناصري الكتاب الورقي، وعن أفضلية اختيار الكتاب للقارئ يقول: إنها مسألة ذوق، ووعي، وفهم، ولا توجد معايير أخرى في تقديري مع التأكيد أنه لا يخلو كتاب من فائدة. لكلّ قارئ أسلوبه مثلما هناك أذواق في اختيار الكتب، بالمقابل هناك أساليب عند قراءتها.. ذلك ما أوضحه الناقد والشاعر عبدالرحمن مراد، يقول: ليس لدي أية منهجية في قراءة الكتب ولا استطيع القول: إني مخلص تمام الإخلاص للكتاب من الغلافِ إلى الغلاف... لكني أطوف بين أوراقه وجنباته وأتأمل في بعض فقراته وعناوينه وأقرأ فقرة من هنا، وفصلاً من هناك.. ويضيف مراد: لا أظن أن هناك رؤية محددة قد يتركها كتاب، ولكن هناك أفقاً معرفياً يتسع وكلما قرأ الإنسان، كلما ازداد علماً بجهله أما عن منافسةِ الكتاب الإلكتروني للورقي فيختم بقوله: علينا أن نعترف بوسائل الإعلام المتعددة التي أخذت كل الاهتمام بالكتاب، ولأن الكتاب الإلكتروني أصبح أكثر رواجاً وتداولاً، كما أن الجانب الاقتصادي متعدد الأوجه يلعب دوراً مهماً في رواجه، وسرعة تناوله والحصول على المعلومة ولذلك في سنواتٍ معدودات قد يتوارى الكتابُ الورقي، ويصبح تاريخاً ماضوياً لا يتواكب مع تجلياتِ اللحظة الحضارية القادمة، ويختم مراد: لا أحب النصح في جانب القراءة لأن لكلِ قارئ اهتماماته، وبإمكان الإنسان أن يستفيد من كل شيء وبالذات المضمونين المعرفي والعلمي . معارض الكُتب تغلب عليها كُتب (الطبخ)..! وعن منافسةِ الكتاب الإلكتروني للورقي يطرح رؤية مغايرة الزميل فايز الأشول محرر بصحيفة الجمهورية.. قائلاً: بالنسبة للقارئ في اليمن لا يزال الكتاب الورقي يحافظ على مكانته، يرجع ذلك لأن أمية الحاسوب في المجتمع اليمني تتعدى 80 % وليس هناك ما يلبي اهتمامات القارئ. وعن دور النشر في اليمن، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة للكتاب، يضيف الأشول: دورهم مخجل، فمشروع المكتبة الوطنية لم يرَ النور بعد، ومعارض الكُتب في اليمن يغلب عليها كتب (الطبخ)، والكتب التي تكرّس المذهب السلفي، أو الوهابي في اليمن، وشد القارئ إلى للماضي ومآسي التاريخ، وكل ما من شأنه تسطيح عقلية القارئ.. وليس عواطفه وغرائزه، يستشرف المستقبل ولا يودع المجتمع في كهوف الماضوية. مناهجنا تعتمدُ التلقين..! ومن أبرز أسباب تراجع القراءة: زيادة نسبة الأمية من عامٍ إلى آخر، وقلة الوعي بأهمية القراءة، كذلك عدم وجود توجّه حقيقي نحو الإقبال على قراءة الكتب، فالبعض لا تمس يداه الكتاب إلا أوقات الدراسة فقط..ذلك ما بدأ به حديثه الطالب الجامعي خليل سفيان جامعة صنعاء كلية الإعلام.. ويضيف سفيان: كطالب جامعي أرى أن القصور في مناهجنا هو السبب الذي جعل الطالب لا يملك الرغبة في الاطلاع والتوسع لأن مناهجنا تعتمد التلقين، والطالب الجامعي لا يهتم سوى بالمقرر فقط، باعتباره وسيلة لاجتياز الامتحان، وهذا مايركّزون عليه، ويضيف سفيان: عن أكثر كتابين شدته فكرتهما هما: (وحي القلم)، لمصطفي الرافعي، وكتاب (المتلاعبون بالعقول)، ويختم سفيان: نصيحة لكلِ زميل دراسة قراءة كتابين على الأقل، كتاب في التخصص، وآخر في الثقافةِ العامة. تقارير مخجلة.. العربي يقرأ بمعدل 6دقائق في السنة..! أشار تقرير التنمية الإنسانية الذي أصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، أن نصيب العرب في النشر يقل عن 1% كما أن عدد الكتب التي تصدر في إسرائيل أكثر من الكتب التي تصدر في 22بلداً عربياً، وأن الكتب المترجمة في العالم العربي يقل عددها عما تصدره دار نشر واحدة في أوربا وأمريكا.. وعندما حسبت إذاعةBBC البريطانية عدد العرب ومعدل ما يقرؤونه وجدت أن معدل القراءة هو نصف دقيقة في العام. وهنا يمكن اتهام الإذاعة البريطانية بالمبالغة والتشكيك في دقة الإحصاءات، لكن ذلك كله لا ينفي وجود مشكلة عويصة بين أمة (اقرأ) والقراءة، فالمقاييس الدولية تقول: إن 15ألفاً من المواطنين يجب أن تكون لهم مكتبة، فإذاً المعدل يصل في بعض بلداننا إلى مكتبة لكلِ 150ألفاً وفي بعضها الآخر مكتبة لكل مليون ناهيك عن محتويات هذه المكتبات وما إذا كانت تقدم معرفة حقيقية..! ويعلق على إحصاءات BBCعبد الستار أبو حسين ربما تكون إحصاءات اليونسكو أكثر دقة لأنها تعتمد على الإحصاءات الصادرة عن كل بلدٍ فتشير إلى أن المواطن العربي يقرأ بمعدل 6دقائق في السنة، ويصدر كتاباً لكل350ألف مواطن في الوطن العربي، بينما يصدر كتاب لكل150ألف مواطن في أوربا وتستهلك كل دور النشر العربية من الورق ما تستهلكه دار نشر فرنسية واحدة هي (باليمار)...! وبعد هذه الإحصاءات والأرقام المخجلة نتذكّر ما حدث بعد حرب يونيو حزيران 1967م حين سأل أحد الصحفيين وزير الحرب الصهيوني آنذاك موشي ديان حين سأله كيف غامرت بنشر خطة الحرب قبل وقوعها..؟! فأجاب بغرور: لأن العرب لا يقرؤون..! وعند إجابة وزير الحرب الصهيوني نتوّقف كثيراً، لأن العرب كانوا أصحاب حضارة وسادوا على غيرهم وكانوا أول من ثقّف العالم حين اهتموا بالقراءة وخصّصوا لها جلّ أوقاتهم.. أما الآن فقد بات هجرها سيد الموقف وبذلك تراجع مستوى إنتاجهم الفكري.. وأصبح الخواء المعرفي السائد لدى الغالبية العظمى.. ويظل الكتاب الورقي الأهم برغم المنافسة الشديدة من الكتابِ الإلكتروني.. والوسائل المعاصرة الأخرى.. إضافة أن لقراءته حميمية لا تُقاوم.. ويسهل الرجوع إليه في أي وقت.. خاصة مع انطفاء الكهرباء المستمر..!