تولي الدول مؤسسات وشعوباً اهتماماً مضاعفاً لما تمتلكه من آثار سواءً كانت لقىً أو أماكن أثرية أو بتعبير آخر آثار منقولة أو غير منقولة لما تحمله من دلالات حضارية وكنوز أبدعتها أياديِ الإنسان في الأزمنة الغابرة لأغراضه وغاياته المختلفة كأدوات المهنة زراعة وصيداً وتجارة أو أدوات زينة وأسلحة أو ما كان متصلاً بطقوس العبادات لديهم عدا مراسم الزواج والولادة والموت ولا يقل أهمية عن ذلك المآثر المتبقية من التجمعات العمرانية التي قاومت الزمن والتي تسرد لنا قصص قهر الإنسان لظروف الطبيعة وتطويعها لصالحه وذلك فيض من غيض ومن ذلك يرى البعض أن الفقر لا يقاس بين شعوب البشرية بمقياس اقتصادي كالمعتمد لدى الأممالمتحدة بمتوسط دخل الفرد اليومي المحدد 2 دولار ولكن الفقر هو الافتقار إلى رصيد حضاري ضارب في القدم يعطي للأصالة دلالات مادية تحدث عن وما كان عليه الأسلاف من قدرة وبراعة ودراية في فنون وعلوم ربما لازالت لغزاً لإنسان هذا العصر ومدى ارتباط أفراد المجتمع بذلك التراث الإنساني واهتمامهم به واعتزازهم بحيازتهم له وجذب شعوب المجتمعات الأخرى لرؤيته ودراسته وإعطائه حقه من الإنصاف العلمي والتاريخي. وأخلص إلى ما تواجهه الآثار المنقولة (لقى ومخطوطات) وغير منقولة (مدن وأماكن أثرية) من مخاطر على أكثر من مستوى وبصور مختلفة وسأكتب في هذا المقام عن اللقى الأثرية تاركاً لمقالات أخرى الحديث عن المخطوطات والمدن التاريخية وكذا الموروث الشعبي المعرض للانحسار والنسيان والتجاهل، وعودة للقى الأثرية فدوناً عن بلدان العالم لا زالت المواقع الأثرية في اليمن غير محصورة بدرجة عالية وأمرها متروك للصدفة المحضة باعتراف المسئولين على هذا القطاع البالغ الأهمية فإذا كان المتواجد فيها في محافظة تعز يتجاوز 170 موقعاً وهو رقم كبير إلا أن هذه المواقع لا زالت مكشوفة ومتاحة أمام المغامرين والباحثين عن الكنز أو الخبيئة وجميعنا نعلم حجم التدمير الذي يتركه أمثال هؤلاء بأسلوب البحث عن الكنز ورؤيتهم أو تقييمهم لشيء ما بأنه كنز، يضاعف من خطورة ترك هذه المواقع أمام لصوص الآثار انعدام الوعي بأهمية هذه اللقى للوطن أرضاً وإنساناً عدا عن احترامهم للمال العام وارتباط هذا الأخير بأنه مال لا صاحب له، وبالتالي يجب الاستحواذ عليه ولعل هذا العامل هو ما يفسر لنا تواتر الأخبار عن إلقاء الجهات الأمنية القبض على مهربين يمنيين وعرب وأجانب لآثار يمنية، وأستحضر هنا حادثة تهريب تمثال يعود للعصر الحجري كان بحوزة بريطاني يعمل لدى شركة نفطية وغيره وغيره. ورغم إعجابنا وامتناننا للقائمين على إحباط مثل هذه الجرائم إلا أننا ندرك بحكم الواقع أن هناك من ينجح في سرقة آثارنا ويحرز نجاحاً في الوصول إلى تجار الآثار خارج الحدود وبحكم قلة الإمكانيات وتواضع الخبرات من حيث الكم والكيف لا نكشف سراً إن قلنا بأن معظم الآثار المهربة لا تعلم عنها الجهات المعنية وليست مسجلة لديها وبالأحرى الإجراءات المعتمدة قانوناً لاستردادها إلى مكانها الطبيعي هنا في متاحف ذات أبنية معدة هندسياً لهذا الغرض توفر أعلى المعايير للحفاظ على الآثار ضد العوامل الفيزيائية أو الحرائق أو السرقات تصبح بعيدة المنال. أيها السادة إنها آثاركم آثار أسلافكم غناكم الحقيقي الذي تتهافت عليه كل الأيادي الممتلئة بأوراق البنوك لتغطي فقرها الحقيقي بمجد مستعار وبقطع منهوبة كيف لنا أن لا نصونها وأن لا نطالب بتغليظ العقوبة على تهريب الآثار واعتبارها جريمة جسيمة وفي هذا المعنى كانت إحدى توصيات مؤتمر الحوار الوطني.