يستقبل الأطفال العيد بحمل المشاعل والطوفان بها في الشوارع .. وتتوارى الأحقاد وتتلاشى الضغائن.. وترق المشاعر وتكتسي النفوس بحلة من الجمال. تنفرد أيام وليالي عيد الفطر المبارك بمحافظة حضرموت خصوصاً وفي عموم محافظات الجمهورية عموماً، بأجواء مفعمة بالبهجة والسعادة وبمشاعر مغمورة بالرقة..، وتكستي النفوس بحلة من الجمال..، وتترسخ مبادئ وقيم العدل والتراحم، والتكافل الاجتماعي المسلم الذي لا يأمن جيرانه شره لم يذق طعم الإيمان وفيهذه الأيام والليالي تحيا الطقوس والعادات الفرائحية المتوارثة عن الآباء والأجداء، ابتهاجاً بقدوم عيد الفطر المبارك فتتفرد أيام عيد الفطر المبارك بنكهة خاصة وتكتسب ميزة منفردة، ففيها تصفو القلوب وترق المشاعر وتكتسي النفوس بحلة من الجمال ووتوارى الأحقاد وتتلاشى الضغائن ويتناسى الخصام والشقاق والاختلاف ويعم ا لسلام والفرحة بين أبناء حضرموت باجتماعهم بقلوب متحابة وأجسام متعانقة ووجوه باشة وأيد متصافحة. فالعيد في حضرموت ومدن أقليم حضرموت «حضرموت - شبوة المهرة - سقطرة» تتقارب العادات والتقاليد من خلال تلك المظاهر الأحتفائية التي كانت ولازالت ...بدايتها لحظة إعلان قدوم العيد بواسطة المدفع في السابق أو إطلاق الأعيرة النارية، حينها تغمر الفرحة الأطفال وتسمعهم يرددون منشدين »دو الليلة مقابر وغدوة زينة« حيث اعتاد أهالي البلدة في ليلة العيد أن يعمروا المساجد وزيادة أضرحة الأولياء ويقضون الليل بكامله في قراءة القرآن الكريم في هذه الأماكن ولذلك فهي تسمى (مقابر) حسب ما جاء في أهزوجة الأطفال، أما البعض الآخر فيقضي الليلة في السمر واللهو حتى قرب موعد صلاة الفجر ويطلقون على هذه الليلة اسم»ليلة الحية« لأن الناس لاينامون فيها ويظلون سهرانين (حيين) للصباح. وفي صباح العيد يتوجه الرجال بصحبة أطفالهم في كامل زينتهم إلى المسجد الجامع لأداء صلاة العيد ويقام بجانب الجامع سوق لبيع الحلويات والمكسرات والعاب الأطفال.. ويطلق على هذا اليوم (يوم الزينة) وبعد انتهاء خطبة العيد يتصافح الجميع متبادلين التهاني بالعيد، ثم تبدأ مراسيم الاحتفال بالزينة فتتجمع الفرق الشعبية أمام الجامع كالزامل والعدة والمرفع والزف وتسير في موكب مخترقة شوارع المدينة لتنتهي بجوار الحصن الأزهر (المركز الثقافي حالياً) وبعدها يتجه الناس لزيارة الأهل والأقارب كي يتبادلون التهاني بحلول العيد يبسطون أيديهم بالجواد والسخاء وتتحرك نفوسهم بالشفقة والرحمة، فيوسع موسرهم على معسرهم، وتسرى في قلوبهم روح المحبة والتآخي فتذهب عنهم الضغائن وتتلاشى الأحقادو تسود المودة والصفاء، ويكون للأطفال نصيبهم من العطف، حيث يقوم الكبار بتقديم النقود لهم ويقال له (العوادة) فيضفي فرحة ما بعدها فرحة على الأطفال. ومن المظاهر التي تصاحب العيد وتسود بين أفراد المجتمع تلك الزيارات والتجمعات التي تقام في أحياء المدينة حيث يتجمع أهالي كل حارة في مكان معروف ليتبادلوا التهاني ثم يقومون بزيارة المرضى من أهالي الحارة، وكان كبار السن والشيوخ في الماضي يستغلون هذه المناسبة في الصلح بين المتخاصمين من خلال الزيارة، مما يقوي أواصر الألفة والمحبة، وفي أيام العيد الثلاثة تقام بجوار الحصن الأزهر الألعاب الشعبية عصراً خاصة لعبة “البارعة” والشبواني التي تضفي جواً من البهجة على أيام العيد، وبوجود البسطات في هذا الموقع يشعر الأطفال بالفرح العارم فيشترون ما تشتهي أنفسهم من العاب وحلويات بما جمعوه من عواد كما جرت العادة في ثاني أيام العيد أن يذهب الأهالي إلى منطقة النقعة في ضواحي المدينة لزيارة ضريح الشيخ محمد بن سالم حيث يأتي الأهالي من كافة مناطق المديرية تصحبهم العابهم الشعبية لعل أشهرها “المرزحة” التي يقيمها أهالي مدينة القارة، كما يقام بها سوق يتبضع منه الأهالي لأطفالهم. ومراسيم استقبال العيد يختلف باختلاف المناطق والشعوب، وعندنا بمحافظة حضرموت تختلف المراسيم في المدن عن المناطق الريفية فلكل منطقة عاداتها وتقاليدها ولكنها جميعها تعد جزءاً لا يتجزأ من الموروث الاجتماعي في كافة محافظات الجمهورية ففي مناطقنا الريفية وبالذات منطقة فوه الشعبية من ضواحي مدينة المكلا يقوم الأطفال في ليلة العيد بشراء وتنظيم وتجهيز ملابس العيد الجديدة ويخرجون إلى شوارع القرية حاملين الأعواد مرفوعة وفي أعلاها« لمبة »وسراج كالمشاعل عبارة عن علبة لبن صغيرة مملوءة بالكورسين”القاز” وذبالة قطن يتم اشعالها، ويطوف الأطفال بها حاملين المشاعل كل شوارع وأزقة القرية مرددين أهازيج بتوديع شهر رمضان شهر القيام والصيام والمغفرة والأحسان ومن ضمن تلك الأهازيج : مودع مودع يا رمضان.. ودعك الله يا رمضان.. شهر العبادة شهر الصيام بينما الشباب يسهرون في ليلة العيد لتجهيز وجلب ما تبقى من المتطلبات المنزلية بمساعدة آبائهم والنساء يسهرن في ترتيب وتزيين وتنظيف المنازل وتركيب أدوات الزينة والستائر المنزلية وبالذات في غرف الأستقبال. ترديد الأهازيج والموشحات وفي يوم العيد وبالذات بعد صلاة العيد في المسجد يصطف الرجال والشباب في ساحة المسجد ويقومون بتقديم العقال وشيخ المنطقة ويتبادلون التهاني والتحايا والتبريكات العيدية في طابور منتظم .. وبعد الانتهاء من التهاني في المسجد ينتقل الجميع الجميع إلى خارج المسجد وينتظمون في مجموعتين المجموعة الأولى يتقدمها السادة والمشايخ ومنصب القرية ويقومون بترديد مقاطع إنشادية وموشحات دينية ترتفع أصواتهم ونبراتهم بالتكبيرات والتهاني والاستغفار الروحية الصافية ويتقدمهم الشباب بالطبول والدفوف وبالذات من لديهم الخبرة في دق الطبول ولديهم مقدرة صوتية مقبولة ومؤثرة في ترديد الموشحات ويتجهون صوب المقابر في القرية وهناك تقرأ الفاتحة على أرواح الموتى ويتم توزيع القهوة والتمر وأحيانا قطع من حلوى وبعدها تنتهي الأفراح بالعيد لهذه المجموعة أما المجموعة الثانية فيتقدمها عقال ومقادمة القرية من البدو وكافة الشرائح الأخرى وتصطف خارج المسجد ومن ثم يقوم أفراد هذه المجموعة بترديد الأهازيج والزوامل التي تتخللها الألعاب الشعبية الراقصة.. بينما يصطف الأطفال بمحاذاة المواكب الشعبية ويقومون بإطلاق المفرقعات والجميع شيوخاً وأطفالاً رجالاً وشباباً مبتجهين ومستبشرين بفرحة العيد السعيد وهكذا تستمر الأفراح الشعبية حتى الساعة العاشرة تقريباً وبعدها يتجهون إلى المنازل لتقديم التهاني للشيوخ والأقارب والأصدقاء وأعيان وعقال ومعاودتهم بالعيد والقيام بمراسيم ذبح ولائم العيد مرددين التكبيرات أثناء الذبح. تعاظم البهجة ثم يجتمعون على موائد الغداء الاسرية والتي يتقدمها الاكلات المشهورة والتي تحدثنا عنها سابقا في موائد رمضان .