نقاش روسي إيراني حول الوضع في اليمن    شبوة برس" ينشر تفاصيل دخول قوات النخبة (لواء بارشيد) وادي سر (صور)    عدن.. النائب العام يوجّه بالتحقيق العاجل في حادثة إعدام خارج القانون بشبوة    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي التجار والقطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على السواحل تمتد نحو المرتفعات    هامبتون تتوج بجائزة فيفا لافضل حارسة مرمى في العالم 2025    اوفالي تتوج بجائزة فيفا مارتا 2025 لأجمل هدف في كرة القدم النسائية    دوناروما الأفضل في العالم: جائزة تاريخية لحارس إيطاليا في 2025    مدير أمن العاصمة عدن يكرّم المدير العام لمؤسسة مطابع الكتاب المدرسي تقديرًا لجهوده في طباعة السجلات الأمنية    الهجري في حوار دولي يؤكد أولوية استعادة الدولة ويعرض رؤية الإصلاح للسلام والعلاقات الإقليمية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي جمال سرور في وفاة شقيقته    بن حبتور ومفتاح يشاركان في افتتاح أعمال المؤتمر العلمي الثامن لمركز القلب العسكري    الكشف عن هوية سارقة حقائب ومقتنيات نسائية من قاعات الأعراس بصنعاء    الحديدة تودّع القبطان عبدالله شاره في جنازة رسمية وشعبية    استياء شعبي واسع لإعدام مواطن بطريقة بشعة من قبل قبليين في شبوة بعد تسليمه لهم    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    أمن العاصمة عدن يضبط مجموعة مسلحة أغلقت مدرسة الكويت في منطقة إنماء.    الأرصاد تتوقع أمطاراً متفرقة وانخفاضاً في درجات الحرارة    مواطنو عدن المحتلة يشترون الزيت بالملليلتر.. مشاهد مروعة تكشف عمق الأزمة المعيشية    البيضاء.. فعالية خطابية في رداع تخلّد ذكرى اللواء صالح الوهبي    عالميا.. انخفاض أسعار الذهب    الخميس.. نهائي كأس العرب بين الأردن والمغرب    بورنموث يُجبر مانشستر يونايتد على تعادل درامي    صباح المسيح الدجال:    القضاء في شبوة بين غياب الدولة وتمرير سطو النافذين على حقوق المواطنين    الشرق الأوسط الجديد بأجندة صهيونية    ترامب يقاضي بي بي سي ويطالب بتعويض 5 مليارات دولار    مشروع رحلة وعي: الإطار العربي المتكامل لسيكولوجية السفر    وفيات وتعطيل الدراسة مع استمرار الأمطار والسيول في دول عربية    المرتضى "القاتل والمفاوض"    السامعي يوجّه بإيقاف العمل في مشروع إنشاء بحيرة صرف صحي بتعز ومحاسبة المتسببين    المغرب والأردن إلى نهائي كأس العرب بعد انتصارين مثيرين    دراسة: الأطفال النباتيون أقصر قامة وأنحف من أقرانهم متناولي اللحوم    مأرب.. السلطة المحلية تكرم فريق نادي السد لكرة القدم بمناسبة الصعود لدوري الدرجة الثانية    أعمال إنشائية تمهيدية لترميم سور أثري في مدينة تعز القديمة    الرئيس الزُبيدي يبحث سُبل تطوير البنية التحتية لقطاع النقل    ضبط 4 أطنان من السلع منتهية الصلاحية في المنصورة    وزارة الإعلام تكرم إعلاميات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة    النفط يرتفع وسط مخاوف من تعطل الإمدادات    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات الناجمة عن الأمطار في المغرب الى 21 شخصا    ترامب 2.0 يعيد طرح تقسيم اليمن والاعتراف بالحوثي كمدخل لإعادة هندسة خليج عدن والبحر الأحمر    الأستاذة أشجان حزام ل 26 سبتمبر: 66 لوحة فنية متميزة ضمها متحف الزبير بسلطنة عمان    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    شبوة.. حريق داخل مطار عتق الدولي    مرض الفشل الكلوي (32)    هيئة الآثار والمتاحف تنشر القائمة ال30 بالآثار اليمنية المنهوبة    الصحفي والمراسل التلفزيوني المتألق أحمد الشلفي …    تعز.. الجوازات تعلن استئناف طباعة دفاتر الجوازات وتحدد الفترة التي تم الوصول إليها في الطباعة    صندوق النقد الدولي يعلّق أنشطته في اليمن ومخاوف من تبعات القرار على استقرار أسعار الصرف    أسياد النصر: الأبطال الذين سبقوا الانتصار وتواروا في الظل    ست فواكه تقلل خطر الإصابة بأمراض الكلى    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    صنعاء.. هيئة الآثار والمتاحف تصدر قائمة بأكثر من 20 قطعة أثرية منهوبة    حضرموت أم الثورة الجنوبية.. بايعشوت وبن داؤود والنشيد الجنوبي الحالي    منتخب الجزائر حامل اللقب يودع كأس العرب أمام الإمارات    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب و تجفيف منابعه
نشر في الجمهورية يوم 15 - 08 - 2014

الإرهاب، بمفهومه السائد اليوم ليس صناعة إسلامية. وإذا كانت كلمة «إرهاب» قد وردت في بضع مواضع في القرآن الكريم، فقد حملت معنىً مختلفاً عن المعنى الحالي، حملت معنى الخوف والتخويف، ولم تحمل معنى القتل والتدمير. فالتوجيه الإلهي مثلاً، في قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم}، إنما يرمى إلى إحداث الرهبة والخوف في نفس العدو، مما أعددنا له من قوة، تجعله يرتدع عن القيام بالعدوان ويخشاه ويصرف النظر عنه ويجنح للسلم. والنتيجة المتوخاة من هذا الإرهاب الرادع هي أن يحل السلام ويتعزز الأمن والاستقرار.
فالمعنى القرآني هنا يتطابق إلى حد بعيد مع معنى (الردع)، الذي استخدمته في زماننا هذا بعض القوى العالمية العظمى المتخاصمة، عنواناً لعلاقاتها، بعضها بالبعض الآخر، ومسوغاً لتطوير وتكثيف ترساناتها المسلحة.
كلنا يعرف أن قوى عالمية وإقليمية ومحلية بذرت في الماضي بذور ظاهرة الإرهاب، التي نعاني منها اليوم، ورعتها ونمتها ووظفتها في صراعاتها.
ولما استنفذت أغراضها منها، أخذت تصرخ وتولول وتعبر عن مخاوفها من تعاظم شأن هذه الظاهرة. وسارعت حتى إلى استبدال مصطلحاتها السابقة بمصطلحات جديدة، تعبر عن الحالة الجديدة. وهكذا اختفى مصطلحا (الجهاد والمجاهدون)، ليحل محلهما مصطلحا (الإرهاب والإرهابيون).
وبدت هذه الظاهرة أشبه بالشخصية الخيالية، التي صنعها فرانكنشتاين، وخرجت عن سيطرته وتحولت إلى خطر يهدد حياة من حولها، بمن فيهم صانعها نفسه. هذه حقيقة يجب ألا تغيب عن أذهاننا ونحن نتصدى للإرهاب.
لأن أصدقاءه بالأمس يمكن أن يصبحوا أصدقاءه في المستقبل، حتى وإن أنكروا اليوم صلتهم به.
ولا شك أن الخطوة الأولى للتخلص من هذه الظاهرة، تتمثل في السعي إلى فهمها. وذلك بأن ندرس خصائص البيئة التي نشأت فيها وظروف نشأتها ومسارات تطورها، وأن نحدد القابلة، التي وُلدت على يديها، أي القوى الدولية والإقليمية والمحلية، التي نشطت في تجميع عناصرها وتنظيمها وتمويلها وتدريبها وتسليحها وتوظيفها لصالحها. إن فهم الظاهرة، أية ظاهرة، فهماً صحيحاً، هو المدخل السليم للتعامل معها، تعاملاً مؤثراً، يؤدي إلى السيطرة عليها.
أما الخطوة الثانية، فهي تجفيف منابعها، أي تغيير خصائص البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أنتجتها وأمدتها بأسباب الحياة وكفلت استمرارها وتعاظمها وانتشارها. فإذا لم يتم تغيير خصائص هذه البيئة، فإنها ستعيد إنتاج الإرهاب بصورة مستمرة، وربما بأشكال مختلفة.
إن بعض الشباب تدفعه بالأصل ردود أفعاله، تجاه ما يمتلئ به الواقع من صنوف القهر والحرمان والتمايز الاقتصادي والاجتماعي واستبداد الأنظمة الحاكمة وانعدام الفرص لتحسين شروط حياته، تدفعه إلى انتهاج العنف سبيلاً لتحقيق ذاته، وتهيؤه لتقبل ثقافة مشوَّهة، تسوِّغ له أن يقطع صلته بمجتمعه وينظر إليه نظرة عدائية ويقتل أفراده ويدمر ممتلكاته ويقلق أمنه واستقراره. إن هؤلاء الشباب لم يولدوا مفطورين على العنف. إنهم شباب عاديون، ألقت بهم إلى دائرة العنف ظروف الحياة الصعبة والبيئة، التي صنعتها أنظمة مستبدة فاسدة، وتلقفتهم ووظفت ردود أفعالهم قوى منتفعة.
ألا نشعر جميعنا بالقهر والغضب، عندما تعبث حفنة من البشر بالسلطة والثروة، وترزح الملايين تحت ذل الفاقة، ويستحوذ المتنفذون على كل الفرص، التي يحتاجونها والتي لا يحتاجونها، فرص التعليم والتطبيب والعمل ونهب حقوق الآخرين وقمعهم وخرق القوانين والتحكم حتى بأحكام القضاء؟ ألا نشعر جميعنا بالمهانة وبجرح الكرامة الوطنية، ونحن نرى الحاكم العربي يسير في ركاب المصالح الأجنبية ويتفانى في خدمتها على حساب شعبه ووطنه؟.
هذه بيئة فاقدة لمعاني الكرامة الوطنية ومشبعة بضروب الفساد والاستبداد والظلم والفقر، بيئة يتوجب علينا جميعنا أن نقاوم شرورها ونعمل على تغييرها. إلى هنا ليس ثمة خلاف.
ولكن كيف نقاومها وبأية وسائل؟ هل نقاومها بالرفض الكلي لمجتمعنا والانسحاب منه وإعلان العداء له وممارسة العنف المنفلت، الذي يستدعي بالضرورة عنفاً مضاداً ويدخلنا في حلقة مفرغة، من الفعل ورد الفعل، فيحيل الحياة إلى جحيم ولا يقدم حلولاً حقيقية، لتجاوز الواقع الظالم، ويصيب الأبرياء، الذين يشكلون هدفاً يسهل الوصول إليه في أي وقت، قبل الأقوياء المسيئين، القادرين على توفير وسائل الحماية لأنفسهم؟ أم نقاومه بالوسائل السلمية، المتمثلة بالكلمة الصادقة والموقف المبدئي والسلوك المتميز ونشر الوعي الوطني في صفوف الجماهير وحشدها وتنظيمها، لتصبح أداة فعالة في عملية التغيير؟.
إن العمل السلمي الناضج الدؤوب، الذي تقوده حركة سياسية، تمتلك تنظيماً متماسكاً ومشروعاً وطنياً واضحاً، هو السبيل الأكثر أماناً لإحداث التغييرات المطلوبة، حتى وإن أخذ مدى زمنياً أطول. لأنه يوفر على الشعوب الكثير من المعاناة والدمار وسفك الدماء وإزهاق الأرواح واضطراب الحياة وخيبات الأمل. ولا يصبح حمل السلاح مشروعاً إلا في حالة واحدة، وهي تعرض الوطن لعدوان خارجي أو احتلال أجنبي. ففي هذه الحالة تصبح المقاومة المسلحة واجباً وطنياً ودينياً وإنسانياً. أما في مواجهة أوضاعنا الداخلية وتغيير خصائص بيئتنا المتردية، فإن الوسائل السلمية هي الأكثر أماناً والأعمق تأثيراً.
العنف المسلح إذاً يستدعي عنفاً مسلحاً مضاداً، كما قلنا. وهذه مسلمة، يقرها كل البشر ولا يعارضها عرف ولا قانون ولا دين (ماعدا دين المسيح عليه السلام، الذي لم تحكم قيمه سلوك أتباعه، فعمل بعضهم على تدميرنا وتدمير أوطاننا، ومازالوا يعملون).
ولكن السؤال، الذي يجب أن يُطرح هنا: هل يمكن للعنف المضاد، الذي يتصدى لظاهرة العنف الإرهابي، هل يمكن له وحده أن ينهي هذه الظاهرة؟ إن قواتنا المسلحة اليمنية وأجهزتنا الأمنية، ومن ورائها شعبنا، تبذل جهوداً وتقدم تضحيات وتحقق انتصارات. فهل هذا يكفي؟ بالطبع لا. فمالم يترافق الجهد العسكري والأمني بعملية إصلاح جادة، تقوض ركائز الفساد المستشري في أجهزة الدولة، ومالم تعمد السلطة إلى إحداث تغيير ملموس في البيئة المنتجة للإرهاب، فإن الإرهاب سيعود للظهور باستمرار، مادامت بيئته باقية وأسبابه متوفرة.
وخلاصة القول: إن تغيير خصائص البيئة الحالية، المولِّدة والحاضنة للإرهاب، هو السبيل إلى تجفيف منابعه الحقيقية ووضع حد نهائي له. عندها ستتحول هذه البيئة إلى بيئة حاضنة للتعايش والمحبة والعمل المثمر، في ظل حياة كريمة، لا يشعر الإنسان فيها بالقهر والظلم والحرمان، ولا يتنفس هواءً مشبعاً بالكراهية والحقد.
وهذا هو الدعم الحقيقي والإسناد العملي لجهود القوات المسلحة والأمن، والتعبير الصادق عن وفائنا لدماء وأرواح شهدائنا وجرحانا، في هاتين المؤسستين وفي أوساط الشعب. وهذا هو السبيل، الذي يجب أن نمضي فيه، إذا أردنا أن نضع حداً نهائياً لهذه الظاهرة ونمنع تكرارها في حياتنا مستقبلاً ونهيئ للشباب المغرر بهم، الذين ذهبوا بعيداً في طريق العنف، نهيئ لهم بيئة جاذبة، تشجعهم على العودة إلى أهلهم وقراهم ومدنهم، وتحقق اندماجهم في مجتمعهم الطيب من جديد، ليعيشوا حياتهم الطبيعية في كنفه. فهل نحن واعون لأهمية تجفيف منابع الإرهاب هذه، وهل نحن مهيؤون وقادرون على تجفيفها؟ سؤال كلنا معنيون بالإجابة عليه، وقبلنا جميعاً الممسكون بمفاصل السلطة ومواقع القرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.