لمّا نترجم للسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني، نجد أن بعض المؤرخين في ترجمته يرفعونه إلى جده يعقوب بقولهم ابن يعقوب ؛وهذا طبيعي فهو أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف الهمداني وذلك كما يقول القاضي محمد بن علي الأكوع: “إما لشهرته أو لشيء آخر لم نفهمه”(1).. لكن الأغرب أن يذكره بعض المؤرخين بلقب (ابن الحائك) التي يعلّق عليها الدكتور أحمد فؤاد باشا بقوله: “ولا ندري لهذا سببا”(2). فهل كان أجداده أو أحد أجداده يعملون بالحياكة؟ الواقع أنه هذا أمر لا أصل له في مهنة آباء الهمداني أو أجداده فما حاكوا أقمشة ولا علاقة لهم بذلك ... تشهد بذلك مقالة علي بن يوسف القفطي في كتابه إنباه الرواة على أَنْباه النُّحاة- في حديثه عن الهمداني -: “فأما تلقيبه بابن الحائك ، فلم يكن أبوه حائكاً ولا أحدٌ من أهله ، ولا في أصله حائك ، وإنما هو لقب لمنْ يشتهر بقول الشعر وكان جدّه سليمان بن عمرو المعروف بذي الدِّمْنَة شاعراً ، فسمي حائكا لحَوْكِه الشِّعر”(3) رغم أن التعليل الأخير حول حياكة الشعر أراها ركيكة ، وإلا لانطبقت على كل ابن شاعر!. وجاء في كتاب “الهمداني لسان اليمن في ذكراه الألفية “ في مقال يشرح سيرته للدكتور يوسف محمد عبدالله:” ولا نعرف شيئاً عن أول حياة الهمداني سوى أنه حدثت به علة ليست بشديدة وهو في الخامسة من عمره. وأنه منذ بلغ السابعة بدأ يحادث النفس بالأسفار . وقد كان أبوه رحالة دخل الكوفة والبصرة وبغداد وعمان ومصر . كما كان لأجداده بصر بالإبل منذ أن كانوا في مشرق اليمن - كانوا يقطنون المراشي وهي اليوم من برط . ولما تركوا البداوة واستقروا في صنعاء اشتغلوا بالجِمَالة. وإن كان منهم من عني بالصناعات كالتعدين.”(4) واشتغل الهمداني نفسه بالجِمَالة في شرخ شبابه متنقلاً بين صعدة و مكة لنقل الحجيج والتجار. فمن أين جاء لقب (ابن الحائك) هذا ؟ لقب (ابن الحائك) الذي أطلق على لسان اليمن الهمداني إنما هو لقب (للتعييب) كان يُطلق على أهل اليمن من قبل عرب الشمال في وقت اشتداد الصراع بين عرب الشمال وعرب الجنوب … فقد جاء في نهج البلاغة - منسوباً للإمام علي بن أبي طالب - وأنا أبرئه أن يكون قائل هذه الكلمات ، لكني أنقل لأمانة النقل ، جاء في نهج البلاغة: قام الاشعث - يقصدون الأشعث بن قيس الكندي اليمني - إلى علي عليه السلام ، فقال : إن الناس يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إليك عهداً لم يعهده إلى غيرك ، فقال : إنه عهد إلي ما في قراب سيفي ، لم يعهد إلي غير ذلك. فقال الأشعث : هذه إن قلتها فهي عليك لا لك ، دعها ترحل عنك، فقال له : وما علمك بما علي مما لي ! منافق ابن كافر ، حائك ابن حائك ! إني لأجد منك بنها - أي رائحة - الغزل. “(5) وقد ذُكرت هذه العبارة (حائك ابن حائك) في أكثر من موضع في الكتاب (6). يقول شارح نهج البلاغة عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد: “ وأما قوله عليه السلام للأشعث : “ حائك ابن حائك “ ، فإن أهل اليمن يُعيرون بالحياكة وليس هذا مما يخص الاشعث. “ وأضاف “ومن كلام خالد بن صفوان : ما أقول في قوم ليس فيهم إلا حائك برد ، أو دابغ جلد ، أو سائس قرد ، ملكتهم امرأة، وأغرقتهم فأرة ، ودل عليهم هدهد ! “(7). إذا عرفنا ذلك ، مع تنزيهنا للإمام علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه- أن يقول ذلك ،عرفنا أن لقب (حائك) كان لقباً (تعييبياً) لأهل اليمن قاطبة ، فكيف بلسان اليمن ؟! فالحياكة ما كان لها أصل في مهنة آباء لسان اليمن الهمداني ؛ وإنما القصد التقليل من شأنه، لأنه كان لسان هذه البلاد ولازال.. والله أعلم. الهوامش: 1/ كتاب” المقالة العاشرة من سرائر الحكمة” للسان اليمن أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني ، نسخه وعلّق عليه / القاضي محمد علي الأكوع ، ص18. 2/ كتاب الجوهرتين العتيقتين للسان اليمن الهمداني ، تحقيق أ.د / أحمد فؤاد باشا ،دار الكتب والوثائق القومية :القاهرة ،2009م، ص 16. 3/ إِنْباه الرُّواة على أَنْباه النُّحاة لابن القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم،ج1،دار الفكر العربي :القاهرة، ط1، عام 1986م، ص314. 4/ الهمداني لسان اليمن دراسات في ذكراه الألفية ،تحقيق د/ يوسف محمد عبدالله، ط1،عام 1986م ،ص 181. 5/ شرح نهج البلاغة ، تأليف: عبد الحميد أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم ،ج1، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه ،ط1،عام 1959م، ص 291. 6/ انظر صفحات ج1 ص 291، ج1 ص 297، ج4 ص 75، ج20 ص 64. 7/ نفسه ، ج1 ص 297.