هل ترون هذه التجاعيد المتكسرة على هذا الوجه العجوز السبعيني؟ ألا تذكركم بتكسر السلاسل الجبلية على هذه الأرض اليمنية، وهو يبوح بأسرارها على طهارة الورقة في زمان يخمشون الوريقات خمشا يسمونه - مجازاً - الشعر ؟! إنه لسانها الثاني بعد أن رحل لسانها الأول أبو الحسن الهمداني، لكن هذا اللسان الجديد يتحدث شعراً ، مستنداً على ما خلّف اللسان الأول من مأثور في تاريخ هذه الأرض الطاهرة ... إنه عبدالله البردوني معزوفة اليمني المطحون والمغلوب على نفسه في هذا العصر.. إنه مواطنٌ بلا وطن لأنه من اليمن !! ها هي الذكرى الخامسة عشرة على رحيله ، ذكرى تطل من أفقها السامي على جمهور المتلقين وكأنها قصيدة بردونية جديدة يتم تداولها بعد كل هذا الغياب.. في كل مرة نشتكي نحن محبي البردوني من غياب دواوينه وكتبه الأخيرة التي لم ترَ النور إلى الآن بعد كل هذه السنوات ، لكنها شكوى موسمية لا تتجدد إلا بتجدد الذكرى وما تلبث أن تضيع بين غبار معاركنا السياسية التي لا تنتهي!.. فهل قدر البردوني أن تغتاله السياسة في كل مرة ؟! البردوني الغائب الحاضر أراجع دواوينه فأحسه يتحدث بلسان اليوم وهو ينشد فظيع جهل ما يجري…وأفظع منه أن تدري وهل تدرين يا صنعا…من المستعمر السّري غزاة لا أشاهدهم…وسيف الغزو في صدري رغم أن القصيدة قيلت في السبعينات ! فهل كان هذا الأعمى يرى - كما قال- من “سربة الأحقافا”؟.. البردوني في قصيدة مسافرة بلا مهمة يلخّص متاعب هذه البلاد في بيتين أثيريين يقول فيهما : هكذا أخبروا.. لأنّ بلادي...خنجر الآخرين وهي العقيرة هكذا ما جرى لأنّ بلادي...ثروة الآخرين، وهي الفقيرة حتى نكاد لتطابق الأحداث مع مضامين الشعر نتساءل هل ترى البردوني كان غائباً عنا طيلة هذه السنوات الخمس عشرة الماضية ؟ صحيح أنه كان غائباً بجسده ، لكن شعره كان حاضراً في كل تقلبات الأحوال اليمنية التي تعيد فصولها هذه الأيام من جديد… فالأديب الكبير يخترق برؤاه الزمان والمكان وهو يتحدث بلسان المستقبل أو يتنبّأ به.. وهكذا يظل الشاعر الكبير عبدالله البردوني لسان هذه البلاد وضميرها المعبّر عنها ويتجدد هذا التعبير في كل ذكرى رحيل.. أخيراً: سيدَ الحرف في زمان الإجادة يطرب النفس بالمعاني المشادة حوله الشعرُ من بقايا البقايا ولديه الرؤى وحلو الإفادة رحم اللهُ شاعراً قد تُوفي بعده الشعرُ حلّ فيه البلادة