وأنت تمر على خط تعز التربة مروراً بالمنتصف النشمة مركز مديرية المعافر ستتراءى لك في كل محطة من محطات سفرك عدة جنان بدءاً من الضباب متنفس الشعراء والفنانين ومروراً بالبركاني الوادي استراحة الزائر ومشتهى المانجو!! وجنة ثالثة مدفونة منسية تسمى بالصافية وهي الحد الفاصل بين مديرية المعافر ومديرية الشمايتين وكل تلك الجنان والتاليات يشكلن أنموذجاً رائعاً لسياحة طبيعية خلابة تنسي الراكب سفره والزائر همه وكدره. منسية!! على بعد أمتار من وادي البركاني يقع وادي الصافية ملوحاً من بعيد بأغصان نخيله الباسقات أن تفضل يازائر فالهجر أضناني!! حقيقة أول مايلفت انتباهك وأنت تستمتع وتحملق بنظرك يمنة ويسرة على جنبات وادي البركاني بأشجار المانجو والنخيل المتراصة كعرض كرنفالي لاستقبالك وفجأة تصطدم بأرض قاحلة وهضاب جرداء ولوحة أمامك تشير إليك أن هذه المنطقة تدعى “الصافية” وعلى بعد نظر ترى نخيل وأشجار مانجو وخضرة تكسو الأرض، فتجاهل الصافية بقحالتها لتصرف نظرك حول طبيعة خلابة والحقيقة أن الصافية هي عبارة عن وادي جميل تشتهر بزراعة المانجو والنخيل والليمون وبعض المزروعات وأما البداية القاحلة لها فما هي إلا بداية لجنة مدفونة في قاع الوادي هناك. زيارات متتالية في بادئ الأمر تترأى لك أرضاً قاحلة وسط هضاب هي الأخرى كذلك و أرضاً وعرة تمضي بك نحو وسط الوادي المخفي حيث الخضرة والجمال. سائلة يمتاز الوادي بجريان مياهه المنسكبة بغزارة في فصل الصيف والخفيف في فصل الشتاء وإذا صادفك سيل فجأة وأنت تريد أن تعبر بسيارتك نحو الضفة الأخرى للوادي عبر السائلة فقد تكون مغامرتك خطرة وكارثية.وتستمد سائلة وادي الصافية مياهها الجارية من الجبال المحيطة بها والممتدة من سائلة السمسرة. ما خفي كان أعظم طوال مشيك عبر السيارة التي تقلك حيث مبتغاك “الصافية” لن تشاهد أية آثار تدل على أن ثمة واديا هناك سوى السائلة التي تدلك عن كثافة الأشجار والزراعة التي جادت بها الأرض الطيبة بفضلٍ من الله ونعمة. فالسائلة هناك تتوسط جانبين زراعيين تسقي كل أرض عطشت فتروي أشجاراً لطالما احتاجت للماء. شجرة الغريب من أبرز معالم الصافية التي تشتهر بها هي وجود شجرة الغريب بالقرب من مركز السمسرة والتي تبهر الزائرين وهم ينظرون اليها بعجب واندهاش وهم يلتقطون لأنفسهم صورا تذكارية . كرم حاتمي كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف صباحاً أي قبيل صلاة الظهر وهو موعد غداء أبناء ذلكم الوادي، فالمزارعون هناك ينتظمون جيداً بمواعيد وجباتهم عكس القاطنين في المدن، فترى نساء الوادي وفوق رأس كل واحدة منهن “قُفَّة” مصنوعة من نسيج النخل وبداخلها وجبة الغداء للمزارعين وعمالهم صنعتها الزوجات من خير الوادي، ليجتمع المزارعون والعمال تحت أشجار مانجو كثيفة تقيهم حر الشمس ليهنأوا بوجبة غداء مع أفياء ونسيم تلك الأشجار. ما يميز أبناء الوادي هو كرمهم الحاتمي، فلا يمكن لزائر يمر عليهم دون أن يكرموه ولو مما جادت به أرضهم من مانجو أو فاكهة أخرى. وإذا كنت ممن لايمضغون القات ففرصة ذهبية لك لتتجول في أنحاء الوادي وتحملق بنظرك نحو تلك الروابي الخضراء والجداول الزراعية التي تأسر اللب وتهيم العاشق، حينها ستتنهد وشفتاك تسبح بحمد الله. آبار حارة كانت أول بئر في المنطقة تفجرت وهي تلفظ مياهاً حارة في الصافية، فلم تكن تحتاج إلى مضخة كعادة الآبار بل أنها استطاعت أن تشق لها طريقاً “سائلة” فأصبحت غيثاً أخر لأبناء الوادي إلى جانب السائلة الطبيعية، كما أنها أصبحت مزاراً سياحياً وعلاجياً بامتياز فالصافية أرض بكر تخفي في جوفها مخزوناً مائياً كبيراً بحسب مهندسين. أساليب تقليدية يعتمد مزارعو الوادي على أساليب بدائية في زراعتهم ولم تدخل إليهم الأساليب الحديثة في تنظيم الري وذلك بسبب الإهمال المتعمد شأنهم شأن بقية المناطق الزراعية فالحكومات المتعاقبة لم تكن جديرة في الاهتمام بهذا القطاع ويأمل كثيرون أن تكون الأيام القادمة هي أيام خير واهتمام بهذا القطاع الزراعي الهام.. وبالرغم من أن أرض أهل الصافية غزيرة المياه إلا أن معظم قراها لا تحظى بمشروع مياه يصل إلى بيوتهم فهم مايزالون يعتمدون على نقل المياه بواسطة الحمير وفوق رؤوس فتياتهم ويأملون من الجهات المختصة النظر إليهم بروح المواطنة المتساوية والإنسانية الحقة. أرض معطاء إذا ذهبت إلى الصافية فارغاً فإنك لن تعود منها إلا وأنت محمل بما لذ وطاب من أرض ذلكم الوادي فغصباً عنك ستضطر أن تعود محملاً بهدايا من أرض طيبة جاد بها أهلها الكرماء الطيبون الذين مايزالون على نخوتهم وكرمهم اللامنتهي طالما والأرض تجود لهم بما أنعم الله عليهم.=