في آخر زيارة له لليمن منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، أو تزيد وصف استشاري أمراض القلب التدخلي الين ريتشارد فرنسي الجنسية اليمن بوجه عام وتعز بوجه خاص بالحضارية في إشارة للتغير السريع، والمذهل ما بين مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والتي كانت أول زيارة له كجزء من البعثة الطبية الفرنسية في المستشفى الجمهوري بتعز والوقت الحاضر، مشيراً إلى أن تعز بمثابة بيته الثاني. البداية يؤكد طبيب القلب ريتشارد أن العلاقة اليمنية الفرنسية تاريخية، ولا يمكن لعامل الزمن أن يمحوها، وأنها ضاربة في الأعماق. وأشار ريتشارد أن علاقة فرنسا بدأت مع اليمن من خلال البعثات الطبية التي كانت ترسل إلى اليمن منذ ما قبل الثورة اليمنية حين كانت اليمن ترزح في الظلام..والطب فيها يكاد يكون معدوماً. معظم الأقسام الموجودة في المستشفى الجمهوري بتعز يقول الطبيب الفرنسي ريتشارد وعدد من المعمرين الذين عملوا في المستشفى إنها من تأسيس أطباء فرنسيين، خصوصاً قسم القلب، والذي أسسته الطبيبة الفرنسية فيلارد وما زالت آثارها باقية حتى اليوم. شوق بعد غياب ريتشارد التقيته مع أحد المعمرين الذين عملوا في المستشفى منذ عهد الإمام، ويدعى الكوكباني، هذا الاسم التاريخي الذي يعلمه الجميع في المستشفى، حينها اقتنصت فرصة التقاط صور له مع المعمر الكوكباني من عدسة الأخ محمد الباروت، وكانت لحظات تعبر عن متن، وعراقة العلاقة الحميمية بينهما، وهما يتبادلان الحديث الممزوج بالمودة، والاشتياق، وذكريات الزمان والمكان..لحظات ربما عادت بهما إلى تلك الحقبة الزمنية البريئة مع الطب، والمرضى، وأحياناً مع الشاي اليمني الأصيل وأسواق تعز الشعبية وناسها البسطاء. كم كانت عدسة الباروت منصفة في اقتناصها تلك اللحظات المليئة بالضحكات، وشعر الكوكباني قد غزاه الشيب من عمر تهالك مع تقادم الأيام وريتشارد وقف معه العمر عند الشباب. أسواق تعز الشعبية في إحدى غرف ذاكرة ريتشارد الكبيرة صور ولحظات تاريخية لا يمكنها أن تنمحي، أو تزول كما يقول وكأنها متحف يحوي حقبة زمنية من تاريخ تعز مع أسواقها الشعبية من باب موسى والباب الكبير، والشنيني، والجحملية، وغيرها من الأسواق..ذاكرة لم تزل محتفظة بطعم الشاي اليمنيالتعزي الأصيل، وبعض من مأكولات شعبية لم تزل هي الأخرى لم تراوح مكانها من الذاكرة. يقول ريتشارد: سنة ونصف هي مدة إقامته الأولى في العام 1981م ومن أجمل محطات حياته بنى فيها علاقات مع زملائه في المهنة من أطباء يمنيين، وأجانب، وعدد من الممرضين، والمرضى مازالت بعضها قائمة حتى الآن حد وصفه تعز تلك المدينة التي لا تشعر الغرباء بالوحشة تسكنهم قبل أن يسكنوها فتضفي على زائريها طمأنينة الروح، وحديث النفس، وروعة المكان وريتشارد أحد هؤلاء الذين سحرتهم تعز فسكنته قبل أن يسكنها؛ لذا هو يقول إنها بيته الذي يشعره بالدفء، والأمان بحكم معارفه، وعلاقته الطيبة مهم. حبها أغواني يقول طبيب القلب الفرنسي إنه يحتفظ في فرنسا بعدد من الصور، والذكريات له في اليمن وخصوصاً تعز...مشيراً إلى أنه تجول في عدد من المحافظات كإب وذمار وصنعاء، وأن جميعها لها خصوصيات، ومكانة في قلبه تمتاز كل مدينة بمميزات منفردة إلا أن تعز تنفرد بخصوصيات أكثر، وتحتل مكانة كبيرة في قلبه، مشيراً إلى التغير الكبير، والتوسع المدهش لمدينة تعز في الوقت الحالي، ومواكبتها للتحديث في كافة المستويات من حيث المستشفيات، والإمكانات المتاحة فيها والحاسوب والتلفونات وشبكات الطرق وغيرها....الخ مؤكداً أن فرقاً شاسعاً بين تعز الأمس، وتعز اليوم حيث توفرت الإمكانات الطبية، والتقنيات الحديثة التي لم تكن موجودة. مركز ثقافي نتيجة للعلاقات التاريخية اليمنية الفرنسية القديمة يسعى الفرنسيون بالتنسيق مع الجانب الرسمي اليمني لافتتاح مركز ثقافي فرنسي في تعز في أحد المنازل التي كانت تسكنها الطبيبة الفرنسية فيلارد مؤسسة قسم القلب بمستشفى الجمهوري والرئيسة التاريخية للرابطة. لم تكن فيلارد طبيبة فرنسية وحسب، بل كانت قريبة جداً من اليمنيين، والمرضى الذين كانوا يرتادون المستشفى للعلاج؛ لذا يقول عدد ممن عملوا معها إنها كانت ربما تنفق على المستشفى والمرضى المعدمين من نفقتها الخاصة؛ فأصبحت آثارها باقية حتى اليوم، ويكاد كثير ممن يعملون في المستشفى اليوم يعرفونها رغم السنين الطويلة التي مرت. خواطر طبية يقول الين: إن هناك فرقاً كبيراً بين نوعية الأمراض في السبعينيات والثمانينيات واليوم، حيث كانت الأمراض الروماتيزمية هي السائدة آنذاك، أمراض صمام القلب الناتج عن التهاب اللوز..أما اليوم فالوضع مختلف من حيث زيادة الإصابة بأمراض الشرايين المتزايدة بنسبة كبيرة، خاصة صغار السن معللاً ذلك بسبب التحولات في الظروف المعيشية، إضافة إلى ظهور أمراض جديدة مثل ارتفاع ضغط الدم، البدانة والسكر، وممارسة التدخين مع قلة حركة وعدم ممارسة الرياضة. مشيراً إلى أن جميع هذه الأمراض، ليست مقتصرة فقط على اليمن، والدول النامية فقط، بل يؤكد أن المجتمع الأوروبي هو الآخر أكثر معاناة من تلك الأمراض. دعم فرنسي يعزم كثير من الأطباء الفرنسيين خصوصاً من لهم علاقة ود تاريخية مع تعز والمستشفى الجمهوري فيها إلى زيارتها كجزء من بعثات طبية، وبدعم فرنسي من خلال رابطة أسسها عدد من هؤلاء الذين عشقوا تعز عشقاً أبدياً محفورا في القلب والذاكرة..مؤكدين دعمهم لأهم الأقسام في المستشفى الجمهوري بتعز، وهو مركز القلب والقسطرة، وقسم الولادة من خلال مشروع متكامل يدعمه أطباء فرنسيون متفرغون للعمل في دعم هذا المشروع. ريتشارد يترك عددا من الانطباعات في آخر زيارة له من النصف الأخير لهذا العام عن الكادر الطبي اليمني المبسوط من أدائه كما يقول منوهاً إلى أنهم بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والصبر والصقل، ومواكبة التقنيات الجديدة، التي تظهر كل يوم. هكذا تبدو العلاقة اليمنية الفرنسية تاريخية، أصيلة تترجم إلى أعمال بفضل أطباء أحبتهم تعز فأخلصوا لها..