يتطرق هذا الحوار مع السياسي البارز، محمد سعيد عبد الله حاجب،المعروف ب«محسن»، الذي كان لسنوات وزيرا لأمن الدولة في جنوب الوطن قبل الوحدة ، إلى جملة من التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية التي يعيشها الوطن في الوقت الراهن، ويضع الوزير السابق للإدارةالمحلية بعد الوحدة ، أيضا، تصورات وقراءات دقيقة بحكم خبرته الطويلة لما يجري في المحافظات الجنوبية من صراع واقتتال مع تنظيم القاعدة، ويتحدث عن الأسباب المعروفة وغير المعروفة التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب، وأكد أن من خطط وموّل دخول هذه الجماعات إلى جنوباليمن لم يوفر لهم الطريق الآمن لمغادرة المناطق التي استولوا عليها.. و تحدث «محسن» ل «الشرق الأوسط» عن التطورات السياسية وجولات الحوار المقبلة والإجراءات التي يمكن اتخاذها من القيادة السياسية لتجنب فشل التسوية السياسية القائمة،وأيضا عن اعتقاداته بشأن الخلل في البنية الأمنية للدولة اليمنية ومخاطر التطرف ومستقبل اليمن بشكل عام، فإلى نص الحوار: كيف تنظرون إلى التطورات الأمنية والعسكرية في محافظة أبينوجنوب البلادبشكل عام في ضوء دحر «القاعدة» من محافظة أبين؟ أولاً: من الصعب جدا تناول ما حدث ويحدث في اليمن اليوم من تطرف وإرهاب بمعزل عن الوضع العام والتعبئة وتأثير الماضي والأرضية الفكرية والسياسية والصراع الدولي أثناء الحرب الباردة والقوى التي صنعت هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة، فقد ظلت أفغانستان مدخلا للتجنيد والتدريب والتمويل والتعبئة ومسرحا لتصفية الحسابات بين تلك القوى، هذه القضية أضحت مشكلة مؤرقة لنا كيمنيين ولمن صنعوها وللعالم الذي ينفق عشرات ومئات المليارات لمحاربة «القاعدة» والقضاء عليها. ثانياً: القيادة السياسية والحكومة والمؤسسات المختلفة ينبغي أن لا تنظرلتجفيف منابع التطرف والإرهاب في اليمن كمشكلة أمنية أو تنحصر المعالجات أمنيا وعسكريا فحسب، وإنما من خلال بناء علاقات سياسية دولية صحيحة بين الدول تخدم الأمن والاستقرار للجميع، وفي ذات الوقت تبنى على إرادة سياسيةتعتمد على رؤية وطنية استراتيجية سياسية واقتصادية وتربوية وثقافية وإعلامية وأمنية شاملة لاستئصال الإرهاب، واعتبار ذلك مسؤولية المجتمع بأسره من خلال إحداث تغير في السياسات التربوية والثقافية في رياض الأطفال والمدارس والجامعات، وداخل المؤسسات الأمنية والعسكرية. ثالثاً: هناك مشكلة كبيرة متمثلة بالبطالة في أوساط الشباب، والمسؤولية والضرورة تقتضي خلق فرص عمل للتخلص التدريجي من المشكلات التي يعانيها الخريجون من المدارس والمعاهد والجامعات والحالة التي يعيشونها في ظل الأوضاع الاقتصادية والخدمية الصعبة، وكذا مراجعة البيانات التي أعلنتها الداخلية عن المطلوبين أكثر من مرة، وقامت بنشر صورهم وأعمارهم، أو الذين يفجرون أنفسهم، وآخرهم من فجر نفسه في جريمة ميدان السبعين.. سنلاحظ أنهم شباب صغار في السن. رابعاً: تطبيق قانون الخدمة العسكرية الوطنية كضريبة وطنية لما له من فوائد وإيجابيات، وكذلك إعادة النظر في وظائف ومهام المؤسسات الأمنية والدفاعية واستيعاب كل الكفاءات التي تم إقصاؤها منذ عام 1994، ومنحها حقوقها القانونية على أن تتفرغ الأجهزة بكل منتسبيها تحديدا لمكافحة التطرف والإرهاب والتخريب الاقتصادي ومكافحة الفساد والتهريب والمتاجرة بالممنوعات وحماية المجتمع ومؤسساته المختلفة من أي اختراقات، ووضع حد لتجارة السلاح وحيازته ومنع حيازته في المدن، وبوضع حلول آنية وخطة بعيدة المدى لمعالجةمشكلة الفقر، فالأوضاع المعيشية الصعبة تلقي بظلالها وتعكس نفسها علىالاستقرار السياسي والأمني وعلى حياة الناس وتخلق البيئة والمناخ والأرضية الخصبة للاستقطابات المختلفة وتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، وعدم تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية في الشؤون المدنية والإدارية والقضائية والاتفاق والتنسيق والتعاون مع دول الجوار في منطقة الجزيرة والخليج ومع دول القرن الأفريقي والمجتمع الدولي، وفقا لاستراتيجية ورؤية شاملة واضحة تخدم مصالح وأمن الأطراف المختلفة بعيدا عن الابتزاز السياسي أو المادي من قبل أي طرف، وكل ذلك سوف يساعد على الاستقرار. وبالنسبة لما حدث ويحدث في محافظة أبين، والنظر إلى التطورات وكيف سقطت زنجبار وجعار، وما حدث في لودر، سوف تأتي الأيام لتفتح كل الشفرات مثلما فتح وكشف «ويكيليكس»؛ أحداثاً وشفرات وألغازاً مختلفة، وما تم مؤخرا من حسم عسكري في أبين كان يفترض أن يتم مباشرة عقب دخول هذه الجماعات وقبل سقوط مئات الشهداء والضحايا، وقبل أن يتشرد عشرات الآلاف من المواطنين من ديارهم، وقبل أن يهان النظام بطريقة مذلة، وأتمنى أن لا يتكرر المشهد مرة أخرى في مكان آخر، وأن يحاسب المقصرون أو من كانوا سببا فيما حدث من تطورات أمنية وعسكرية، وبقاء زنجبار وجعار منذ مايو (أيار) 2011م حتى منتصف الشهرالحالي، تحت سيطرة الجماعات الإرهابية التي نفذت أعمالها الإرهابية في كل من شبوة والبيضاء وحضرموتوالجنوب إجمالا وما تركته من خسائر بشرية وأضرارمادية اقتصادية واجتماعية ونفسية لم تكن بمعزل عن السياسات الخاطئة التي اتبعها النظام، كامتداد مكشوف لما بدأ تنفيذه على يد الجماعات المتطرفة التي احتضنها ووجهها النظام السابق نحو القيادات الموجودة في صنعاء والمحافظات الجنوبية بعد 22 مايو (أيار) عام 1990، تمثلت تلك الأفعال بضرب وتفجيرات في مطار عدن والاعتداء على فندقي عدن بخور مكسر وجولد مور في التواهي،والتفجيرات في مناطق مختلفة في عدن ولحج، والاختطافات التي طالت دبلوماسيين والاغتيالات التي ذهب ضحيتها 156 شهيدا من الحزب الاشتراكي اليمني وعناصر وشخصيات وطنية وأصدقائه، وما حدث أثناء وبعد حرب صيف 1994، من أعمال متطرفة طالت حفلات الأعراس والقبور وغيرها من الأعمال جرحت كل شيء جميل في عدن وتم تحويل عدن من مدينة جميلة إلى ما هي عليه الآن تنخرها المشكلات والعمل العشوائي والحر القاتل، وما حدث ويحدث هي صناعة يمنية - أجنبية حولت اليمن إلى مزرعة لتجنيد وتربية الجهاديين كان ثمن ذلك يمنيون أبرياء من المواطنينوالضباط والجنود وجرح السيادة الوطنية، وتم وضع اليمن تحت الرقابة والوصاية. الشعب ضد التطرف ما المناخات التي أدت إلى انتشار مثل هذه الجماعات المتشددة في جنوباليمن، الذي كان معروفا بأن المواطنين فيه لديهم حصانة ضد الأفكارالإسلامية المتشددة؟ وهل للوحدة اليمنية وحرب صيف 1994 علاقة مباشرة بالأمر؟ الشعب اليمني شمالا وجنوبا شعب عربي مسلم يتطلع دائما للاستقرار لتحسين حياته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ويقف ضد التطرف والإرهاب، وهوالمتضرر من كل هذه الأعمال الإرهابية وإلا لما تقدم المواطنون وفي مقدمتهم اللجان الشعبية في محافظة أبين لقتال هذه الجماعات الإرهابية واستشهد العشرات منهم، وتخيل عملا إجراميا يذهب فيه أكثر من 100 جندي في ميدان السبعين وأكثر من 300 جريح، هذا شيء فظيع جدا وما حدث لم يكن موجودا في دين وثقافة وسلوك وعادات وتقاليد اليمنيين، وفي قضايا الثارات بين القبائل،مثلا، ظلت هناك أعراف متوارثة أن الطرق العامة والمدن تظل «مهجرة»، أي محيدة حتى في عهد الأئمة، أما اليوم فكل شيء أصبح عاديا فالقتل يمارس داخل المدن نتيجة الأفعال التي تقوم بها الجماعات الإرهابية وغياب هيبة الدولة،لانتشار السلاح وسقوط القيم النبيلة والتعبئة السياسية الخاطئة، لانتشارالكثير من المراكز التي تغذي الصراعات المذهبية والسلالية، التي تنفق عليها مئات الملايين، وليس للدولة أي إشراف أو رقابة عليها ويوظف الدين الإسلامي الحنيف لأهداف وأغراض سياسية تمارس سياسة الإقصاء والصراع على النفوذ واللهث وراء الثروة والاستماتة من أجل البقاء في السلطة وممارسة الظلم والقهر والحياة المعيشية القاسية، وتوسيع دائرة الفقر والبطالة وتدهور التعليم والخدمات المختلفة والثراء الفاحش والسلوك غير السوي وغياب الرقابةالحقيقية والمحاسبة وعدم الاختيار الجيد للقيادات المدنية والعسكرية، كلذلك وغيره من القضايا شكلت أرضية ومناخات خصبة للتطرف والإرهاب. بعد استعادة السيطرة على بعض مناطق أبين، هل ستنتهي المعركة مع هذه الجماعات أم أن الأفكار ستظل باقية؟ من خطط ل«أنصار الشريعة» وسهل لهم الدخول للسيطرة على أبين وجعار لم يضع لهم طريقا آمنا لكيفية المغادرة والخروج منها عند الانسحاب كما اتضح، وفي تقديري الشخصي ستظل المشكلة قائمة حتى بعد دحرهم من أبين، فما زالت في أبينوشبوة ولحج وعدنوحضرموت خلايا وعناصر لديها الإمكانيات، وطالما بقي مصدر التمويل موجودا وضعف الدولة، وغياب سلطة القانون، ستظل الأفكار المتطرفةموجودة لأن الأجواء التي تساعدها متوفرة، وسيعاودون الجولة مرة أخرى، كلماكان ذلك متاحا لهم، وقد لا يكون بنفس السيناريو والطريقة التي تمت في أبين وجعار ورداع، لكن في رأيي الشخصي فإنهم سيظلون ينشطون وستبقى الحوادث والأعمال الإرهابية هنا وهناك والقيادة السياسية والحكومة واللجنة العسكريةمطالبة بالإسراع في هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية على أسس وطنية ومهنية واضحة، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وأن تكون تحت قيادة سياسية وعسكرية وإدارية واحدة وليست كإقطاعيات، ومع ذلك ستظل هناك علامة استفهام وأسئلة كثيرة ماثلة عن الوقت والتوقيت لدخول هذه الفرق أبين والدعم الذي حصلت عليه هذه الجماعات، وكل ما حدث في أبينوشبوة ورداع أتى بعدجريمة ومجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس (آذار) 2011، أما بعد دخولهم أبين فكانت محرقة «ساحة الحرية» تعز في 29 مايو (أيار) 2011، ولو تتذكر كيف استولت هذه المجاميع على الأسلحة وتفجير مصنع الذخيرة 7 أكتوبر (تشرينالأول) وسقوط 90 شهيدا من النساء والشيوخ والأطفال وأكثر من 100 جريح، وكيف تمت السيطرة على جبل خنفر بكل ما فيه من قوة عسكرية، وكيف تخلت وانسحبت كل القيادات العسكرية والأمنية والإدارية من أبين وجعار ورداع إلى عدنوصنعاءقبل دخول المسلحين (أنصار الشريعة)، وتركت مليارات الريالات في المؤسسات المالية والأسلحة والذخائر في المستودعات، وكيف هرب أكثر من 60 معتقلا من سجن المكلا واتجهوا إلى محافظتي شبوةوأبين كامتداد لحالات هروب كثيرةمماثلة حدثت وترافق ذلك مع سلسلة من الاغتيالات لضباط من الأمن السياسي ومن الجيش في كل من حضرموتوعدن ولحج وأبين، كل تلك الأحداث والحوادث قيدت حتىالآن ضد مجهولين. الوحدة جبت ماقبلها كوزير سابق لأمن الدولة في جنوباليمن، هل كانت لديكم تحفظات في حكومةالجنوب إزاء الوحدة مع الشمال بسبب انتشار التطرف أو ارتباط النظام آنذاك بجماعات إسلامية متشددة؟ في 22 مايو، كنت عضوا في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني وسكرتيراللجنة المركزية ورئيساً لدائرة العلاقات الدولية، وقد غادرت أمن الدولة بتاريخ9/ 8/ 1979، أي قبل 11 عاما من قيام الوحدة التي ظلت مشروعا وهدفا رئيسيا وحلما جميلا بالنسبة لنا كحزب وللحركة الوطنية اليمنية وكانت هناك رؤىمختلفة حول قضايا أخرى حول طبيعة النظام القائم آنذاك، ولم يكن هناك تناول حول ارتباط النظام بالجماعات الإسلامية المتشددة، وقلنا إن الوحدة جبت ماقبلها وإنها بمثابة تسوية تاريخية عظيمة وتجميع لكل الإمكانيات والثروات الاقتصادية والبشرية والكوادر من أجل بناء اليمن الجديد، لكن الآخرين ظلوا كما هم يفكرون ويتصرفون بعقلية وثقافة الأصل والفرع الضم والإقصاء والثأر السياسي فتم وأد الوحدة وعلق المشروع للدولة المدنية بحرب 1994، إلى أن جرت الانتخابات التنافسية الرئاسية لأول مرة عام 2006، بين الرئيس السابق والفقيد فيصل بن شملان، وظهر الحراك السلمي عام 2007، وثورة الربيع العربي وثورة الشعب اليمني في 11 فبراير (شباط) 2011، لتحيي المشروع من جديد وهو الآن مسؤولية مؤتمر الحوار الوطني المقبل. الآنسي والقمش ما الاختلالات التي تعتقد أنها قائمة في أجهزة الأمن اليمنية بشأن محاربة الإرهاب و«القاعدة» وكيف يمكن تلافيها؟ هذا السؤال يمكن توجيهه للأخوين علي الآنسي - رئيس جهاز الأمن القومي وغالب القمش - رئيس جهاز الأمن السياسي، ولوزير الداخلية د. عبد القادر قحطان، فهم أكثر إدراكا وفهما ودراية للاختلالات والتعقيدات القائمة داخل الأجهزة الأمنية. لابديل عن الحوار هناك مخاوف من أطروحات بعض فصائل الحراك الجنوبي بشأن فك الارتباط أو الانفصال أو استعادة الدولة، لكن ما الانعكاسات الأمنية لمثل هذه الأطروحات في الجنوب؟ ينبغي أن لا نتعجل ونستبق التطورات والأحداث بمخاوف وتخيلات وباستنتاجات وأحكام مسبقة، فربما تكون غير موفقة، وننتظر نشاط وفعل ودور القيادة السياسية والحكومة ولجنة الاتصال وحواراتها مع الأطراف المعنية المختلفة وننتظر مؤتمر الحوار الوطني، وأنا شخصيا متفائل أن اليمنيين سيصلون إلى حلول إذا تجنبوا الشطارة على بعضهم وفكروا مليا بكل المآسي التي حدثت في اليمن خلال ال50 عاما المنصرمة، وبالتطورات والنهضة التي حدثت حولنا، وبمستقبل الأجيال المقبلة، لأنه لا بديل لهم عن الحوار والخروج بنتائج يرتضيها الجميع وتخدم الأمن والاستقرار والتنمية والدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية لكل اليمنيين. هل يمكن أن يشهد اليمن حربا أهلية بين فئات شمالية جنوبية وما قراءتك الشخصية لمثل هذا الأمر؟ (فأل الله ولا فألك) أنا شخصيا لا أتوقع حدوث حرب أهلية، إلا إذا كانت هناك أطراف إقليمية ودولية تريد ذلك أو ركب البعض رؤوسهم (علي وعلى أعدائي) يمكن حدوث اختلالات أمنية هنا وهناك، لكن في كل الحالات ليس لمصلحة اليمن واليمنيين أو المنطقة حدوث أي اضطرابات في هذه المنطقة الحساسة الحيوية والمهمة، فهي سوف تنعكس على دول المنطقة وعلى مصالح الآخرين، أما التدخل العسكري فهو مسألة حساسة جدا وغير مقبولة لدى اليمنيين، ولا أتوقع حدوث تدخل عسكري خارجي مباشر في اليمن فليس لأصحاب المصلحة فائدة، من وجهة نظري، وقد يقلب الموازين ويؤثر على مصالحهم في المنطقة.