لا ريب أن علم لبنان هو الأجمل بين أعلام دول العالم مجتمعة : شجرة أرز مثلثة خضراء وديعة تحيل حواس المرء إلى هديل حمام و زقزقة عصافير و زخات مطر و نِدَف ثلج هشة تتشظى كالبلور على أكتاف عارية بضة بلون الثلج نفسه, ذرى الجبال بدأت تشيخ بفعل الصقيع .. إنه الأول من يناير و أشعر بكم أنا محظوظ لأنني أدلف العام 2013م من بوابة بيروت.. من البعيد تضوع أنفاس (( فيروز )) و أغرق منتشياً لدى الهبوط في دوامة تخمين : تحت أي ِّ سقفٍ من سقوف القرميد هذه تقطن المَلاك؟! و ماذا يدور بخلدها في هذه اللحظة ياترى؟! و كيف بوسعي أن أصدِّق أن هذه الأيقونة السماوية هي حقيقة حية تمشي على قدمين ؟! ويمكن – لو ابتسم لي الحظ – أن أصادفها هنا أو هناك (( تركض بشمس الطرقات أو تمسك بخيط طيارة من ورق و خيطان أو تبيع مغازل صوف بدكانة على مفرق ، أو تمر قفز غزالٍ بين الرصيف وبيني أو تعبر شوارع المدينة مثل سهمٍ راجعٍ من سفر الزمان ...)) .. كبرنا برفقتها وظلت (( فيروز )) طفلة صغيرة خارج طائلة الوقت تتخبأ (( من درب الأعمار وتنسى أن تكبر «كما» نسي عبد الله البردوني أن يموت) ... طيلة عشرة أيام سأحترف مطاردة غير المرئي في المدينة يشق أعماقي صوت سؤالٍ كثيف الشجن : « وينن» ؟! ... وسيكون عزائي – في الأثناء – أنني أتسكع تحت سماء ظللت وتظلل غالبية «الأيقونات» التي أعبدها ، وفوق تراب دارت وتدور عليه غالبية الأحداث التي كنت و ما أزال سجين تفاصيلها .. من الجنون أن تفكر في أن تحسو بحر نبيذ إسمه «بيروت» دفعة واحدة ، ومن الزهد الأبله والورع المقيت ألا تفكر في ذلك مهما بدا محالا ً ... إزاء مدينة فاتنة بلا حدود وتحبها لماذا قد تشعر بالحزن ؟! أستطيع الجزم بأن حزناً غامراً لذيذاً واستثنائياً اجتاحني إزاء «بيروت». بأي دوافع ومن أي الزوايا داهمني ..؟! لا أدري .. حزن ملهم تشعر معه بالإنعتاق من أسر الجاذبية وتصير خفيفاً وقادراً على التحليق إلى أبعد مما تتيحه الأمكنة ، وعند نقطة ما من هذا المعراج تصبح المدينة فيك لا خارجك .. البقية الصفحة اكروبات