كل شيء ينشأ لابد له من مصاعب ومعوقات، وما لصوت أن ينشب ويكون صدى عبثاً وبدون أسباب داعية لذلك، ومن المستحيل وجود النصر دون تضحية، ولا نجاح بدون تعب وسهر، ولا شفاء دون دواء.. وكذلك لا تُقام ثورة بدون ضحايا.. وبدون دماء أحرار.. خرجوا من أجل الحق ونصرته.. تجرعوا الموت بكؤوس من نار.. رووا أراضيهم بالسقاء الأحمر.. تركوا فجوات قلبية في الجوارح.. خلفوا بعدهم أبناء وأشلاء.. جرحى وأموات.. "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون ". هذا ما خلده اليوم الأسود الذي جسده التاريخ كيوم شاهد على الطغاة الجبابرة الذين حاولوا إحراق ساحة الحرية بتعز معتقدين أنّ حرقهم للساحة سيحرق قلوباً ثائرة متعطشة للعطاء.. محبة لثرى أراضي تعز.. ففي الذكرى الثانية لمحرقة ساحة الحرية بتعز في 29 من شهر مايو وتحت شعار (ثورتنا مستمرة .. بناء وتنمية) احتفت مدينة تعز العديد من المسيرات وكذا العروض والمهرجانات العاكسة لذكرى الحقد الأسود، بالإضافة إلى الفيلم الذي أطلقه ثوار ساحة الحرية بتعز الذي يحكي الثورة وأحداثها بحلوها ومرها. تحترق مجازاً محمد مهيوب الشرعبي مؤلف ومدير إنتاج فيلم " وجوه تحترق " أوضح بأن هذا الفيلم هو جزء من سلسلة 7 أجزاء ستعرض قريباً، ووجوه تحترق جاء حاملاً لمعان عديدة مجهولين ذووها ومرتكبوها، والقصد الأساسي هم أشخاص انتهت صلاحية بقائهم في الحياة، كما أن الفيلم يحمل قيماً ومبادئ تغافل عنها الكثير، ولعلّ من أبرزها وأهمها حمل صفات أشخاص سلبيين الفكر والمنطق، وأشخاص إيجابيين العقل والتصرف ونادراً ما نجد التركيز على الأُناس من هذه الناحية، حيث إن الأغلبية القليلة أصبح كل تركيزهم على الخير والشر متجاهلين الذوات الضعيفة.. ومهما تعددت الأغراض والوسائل فالهدف هو : ملامسة التغيير الحقيقي بالقيم والمبادئ الإنسانية. عجلة التغيير في البداية مخرج الفيلم سمير صالح قال: بداية العمل كانت فكرة مشتتة تدور في أذهان البعض، ولكن لحسن الحظ بأن هذه الفكرة كانت مستمرة، وبدأت تتناقل بين العديد من الثوار بعد أن تم تشكيلها، وقتها استطعنا من خلال التلاقي الروحي الفكري الخروج بهذا العمل المميز الحاكي لأنين العديد من الأرواح الثائرة، وأضاف أخيراً أوجه رسالة لكل يمني حر: "عجلة التغيير مستمرة ومن يحاول عرقلتها .. إنما يحاول عرقلة وإيقاف مستقبل أبنائه ومستقبله، وفي النهاية التغيير قائم لا محالة". رواية ثائرة الثائرة وفاء النابهي روت مدى معاناتها خلال الفترة السابقة وخاصة يوم المحرقة قالت: كون أغلب أهلي من جرحى المحرقة فأنا أعتبر ذلك اليوم هو من أسوأ الأيام التي مرت في حياتي شخصياً وفي حياة الثوار، وبدأت تتذكر لنا ذلك اليوم قائلة: لم نكن نعلم يومها بأنه سيجرى ما جرى وقتها، فالبداية كانت بأصوات الرصاص التي اعتادت آذاننا على سماعها ولم نكن نشعر بما يدور في نفوس الحاقدين، وما كانت سوى لحظات واشتعلت الخيام بما فيها من أجساد وأرواح، أولئك هم من سولت لهم أنفسهم بحرق المنصوبات المادية معتقدين بأنهم أحرقوا الحماس المكنون في كل فكر وقلب، لن أنسى ذلك اليوم.. لن انسى إصابة أخي واختفاءه لمدة يومين متتاليين بعد المحرقة، وعند عودته عاد لنا مصاب مخضب بالدماء. وفي الأخير قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل على كل معتد آثم.. وعلى كل من كان له يد في كل هذا العبث. ذكرى التمجيد الثوري الإعلامي علي عثمان ومتابع مونتاج الفيلم تحدث قائلاً: اليوم ذكرى تخليد شهداء الثورة.. وذكرى الإنتصار لكرامتهم.. اليوم ذكرى انتقال الثورة من الإطار السلمي إلى إسترداد الحقوق، واسترجاعها..اليوم يوم تاريخي جسدته دماء الشهداء، وتضحياتهم الجسيمة. اليوم نوصل أصواتنا إلى كل قائد إلى كل مسؤول.. اليوم نطرح أسئلتنا لكل من له يد تعويضية أين الثورة ؟! أين شهداءها.. أين أبناؤها.. أين جرحاها .. أين أيتامها .. أين أراملها ...؟؟!! الثورة تتحدث وتعاتب جريح الثورة عُمر الصمدي قال بأن يوم المحرقة يوم لن أنساه كان ذلك اليوم هو موعدي مع إصابتي الرئيسية التي أقعدتني في الأول من ديسمبر2011م ، فأنا لا زلت أتذكر إصابتي في بداية المناوشات ليلتها في مدخل الساحة الشرقي بإتجاه مديرية أمن القاهرة، وقبل أن يبدأ مسلسل إحراق الساحة كانت ساقي اليسرى أول ما احترق حين تصديت لواحدة من القنابل الدخانية الحارقة التي استهدفت التجمع الشبابي الذي كنت واحدا منه وأسعفت إلى المستشفى الميداني، وتم بعدها نقلي إلى البيت وحين اشتدت الأمور في منتصف الليل حاولت دخول الساحة من ناحية الجامعة الأردنية، وهناك التقيت الشباب في الأزقة ومنعوني من دخول الساحة، وكانت ساعتها غارقة في خضم هول وقصف لا يوصف. فوضى وألسنة لهب وأعمدة دخان كانت تلك هي أحداثاً مؤلمة كلما تذكرتها أقسمت وعاهدت نفسي وإعاقتي وإصابتي ليلتها بالوقوف ضد من حاول مصادرة حريتنا يومها وبعدها وما تلاها من انتهاكات وخاصة.. وأنا أنتهز هذه الفرصة وأوجه رسالة وتساؤلاً لحكومة الوفاق وأقول: هل وعيتم واستوعبتم المعاناة التي مرت بها تعز بداية بالمحرقة ومسلسل القصف العنيف وما تلاها من أحداث؟؟ أين أنتم من شهداء تعز وجرحاها وجراحها؟ وما موقفكم ومؤتمر الحوار الوطني مما تعيشه تعز هذه الأيام؟؟ هل هذا الواقع هو الذي كنا نحلم به ونتمناه؟ وإلى متى سيستمر إحراق تعز بهذه المنهجية والهمجية؟ أقولها بملء الفم إذا كان كل هذا يحدث بين أيديكم وأمام أعينكم فلا خير فيكم والثورة مستمرة وعلى الباغي تدور الدوائر.. خاتمة خلف الصبر أشياء جميلة تُنتظر..!