سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المهندس عبدالغني ناجي، مستشار وزارة المياه والبيئة ل«الجمهورية»: الوضع المائي في اليمن مخيف ويهدد بكوارث على مختلف الصعد مالم تقف الدولة وقفة جادة للتصدي للمشكلة
مشكلة المياه في اليمن واحدة من اخطر المشاكل التي تواجه المجتمع برمته، والتهاون في معالجة مسبباتها سيقود الى كوارث ماحقة في المستقبل القريب . عن جذور المشكلة والسبل المفترض سلكها للمعالجة وعن معضلة مياه تعز والخصخصة يجيب المهندس عبد الغني ناجي مستشار وزارة المياه والبيئة على جملة من الاسئلة التي طرحت امامه عن القضية التي تؤرق الجميع.توطئة بداية كيف تنظرون للوضع المائي في اليمن الآن غلى ضوء ندرة المياه وشحتها في معظم المناطق (مدن وارياف)؟؟ الوضع المائي في اليمن مخيف ويهدد بكوارث على مختلف الصعد البيئية والاجتماعية والاقتصادية مالم تقف الدولة وقفة جادة للتصدي لمشكلة المياه وتجاوز هذا الوضع ووضع حد لهذا النزيف المستمر والانتقال الى مرحلة بناء ما تم تدميره كخطوة اولى على طريق البدء لتقم الاجيال القادمة باستكمال ذلك فالدمار الذي الحق باحواض المياه الجوفية كبير وتعويض ماتم استنزافه من المخزون المائي يحتاج الى مئات السنين . ما الذي يبعث على الخوف هنا؟؟ ما يدعو الى الخوف هو العجز المائي الكبير المتزايد حيث يصل الفارق بين ما يستهلك من المياه وما يتم تعويضه منها الى 40 % و يتم تغطية الجزء الكبير من هذا العجز من خزانات المياه الجوفيه وهو مايهدد بقرب نضوبها وايضا التناقص المستمر في حصة الفرد من المياه في اليمن فهي لا تتعدى100 متر مكعب في العام وهي كمية لاتفي بسد عشر احتياجاته الضرورية للحياة حيث يحتاج الانسان لسد احتياجاته المختلفة من المياه كمية تقدر ب 1000 متر مكعب كحد ادنى وهو ما يسمى بخط الفقر المائي ومع كل هذا فالوضع في حد ذاته رغم سوئه ليس هو المخيف بل المخيف حقا هو غياب الارادة السياسية للتصدي لهذه الكارثة واللامبالاة من قبل المجتمع تجاه ما يتهدده من مخاطر جراء هذا الوضع . قضية محورية كيف تعاطت وتتعاطى الدولة مع المشكلة؟؟ لم تحظ مشكلة المياه بالاهتمام الذي يتناسب مع كونها قضية محورية واساسية للنمو والبقاء فخلال الخمسين عاما الماضية لم تعمل الدولة شيئا يذكر على الصعيد العملي لمواجهة هذه الازمة لا فيما يتعلق بتحسين العرض او بتحسين الطلب على المياه لتجاوز العجز القائم في الموازنة المائية فعلى سبيل المثال بنيت سدود هنا وهناك لكن بشكل عشوائي وغير مدروس وهي على كثرتها حوالي الف سد لاتتسع سوى ل 80 مليون متر مكعب من المياه وهو ما واحداً من الف تقريبا من اجمالي كمية الامطار التي تسقط على اليمن وخمس السعة التخزينية لسد مارب واقل من خمسة من الف اجمالي ما تختزنه سدود دولة كالمغرب التي لايزيد عددها عن 140 سدا وتصل سعتها التخزينية الى ما يقارب عشرين مليار مترمكعب اي ثلث اجمالي المطر السا قط على اليمن في العام الواحد مع ان المغرب دولة فقيرة ووضعها المائي افضل بكثيرحصة الفرد فيها من المياه اكثر من سبعة اضعاف حصة الفرد هنا ومع ذلك اولت هذه القضية اهتماما فااستطاعت خلال اربعين عاما ان تصل بمخزونها من المياه الى هذا المستوى . في اليمن غابت الدولة وغابت معها المعالجات لهذه القضيه فاهدرت ثروة ثمينة تكونت خلال الاف السنين ثروة كان يجب الحفاظ عليها لكنه تم استنزافها والعبث بها دون رقيب وانتشرت الآبار الارتوازية في السنوات الاخيرة كا الفطر لتشكل جروحا غائرة في جسم هذا الوطن تنزف بشكل لايتوقف وكان من نتيجة ذلك هبوط مناسيب المياه بمعدلات كبيره حيث وصلت الى 8 امتار في العام في بعض الاحواض وتلوث ماتبقى فيها من مياه ووصلت اعماق الحفر الى قرابة 1000 م واصبحت كثير من مدن اليمن مهددة بالحرمان من مياه الشرب اما نتيجة نضوب احواضها او تلوثها و هذه كلها تجليات لغياب الارادة السياسية او على الاصح لغياب الدولة وبالتالي غياب المعالجات وبقاء الوضع على هذا الحال لن يحول دون تحقيق اي شكل من اشكال النمو والتقدم فحسب بل سيهدد وجود هذا الشعب على هذه الرقعة من الارض وستتفرق ايدي سبأ مرة اخرى لكن في ظل خرائط سياسية جديدة وحدود مؤمنة هذه المرة. حسب متابعتك هل وضعت مشكلة المياه كقضية محورية في مؤتمر الحوار الوطني؟؟ وكيف كان حجم التعاطي معها؟؟ كان واضعو اجندة الحوار موفقون عندما وضعوا قضية المياه ضمن القضايا التي تناولها الحوار لكن مايؤسف له ان المخرجات لم تكن في مستوى التطلعات اذ اغفلت بعض الامور الرئيسة الهامة و تم التركيز على امور ثانوية تفصيلية ذات طابع فني فقد كان المؤمل في المؤتمر ان يعطي هذه القضية المحورية ما تستحقه من الاهتمام ويحيط بها من كافة الجوانب ويخرج بموجهات دستورية وقانونية تشكل مرتكزا لرسم السياسات في مجال المياه مستقبلا لكن مع ذلك يمكن القول ان المؤتمر بما توصل اليه من مخرجات في ظل غياب الرؤى المتكاملة لدى الدولة ولدى الاطراف السياسية الاخرى تجاه قضية المياه يكون قد قام بانجاز كبير خاصة اقراره بحق الانسان في مياه الشرب النقية هذا القرار الذي يفتح المجال واسعا امام كثير من التشريعات المتعلقة بالمياه ونامل ان تستكمل بقية القضايا من قبل من سيتولون مسئولية التشريع مستقبلا. ما الذي غاب عن اذهان المتحاورين فيما يتعلق بموضوع المياه؟؟ في تقديري ان القضايا التي كانت تستحق ان تولى اهتماماً من قبل المؤتمر هي قضايا كثيرة على سبيل المثال وضع موجهات تسمح لراسمي السياسات بتحديد وتخصيص اولويات استخدام المياه على مستوى الاحواض والاقاليم وتلزمهم بالتعامل مع المياه كمكون اساسي من البيئة التي يجب حمايتها والحفاظ عليها انطلاقا من ان العيش في بيئة سليمة هو حق من حقوق الانسان وتلزمهم كذلك باتباع اسلوب الادارة المستدامة بما يحفظ للاجيال حقهم في هذا المورد وتحديد المبدأ الذي على اساسه يتم تزويد الناس بهذه الخدمة والمقصود هنا هو كيفية التعامل مع المياه كسلعة اجتماعية او اقتصادية والوقوف امام قضايا اخرى مثل ملكية المياه و غيرها من القضايا لكن مؤتمر الحوار حاول ابراز حجم المشكلة وخطورتها واعتبرها قضية امن قومي واعلن حالة الطوارئ في مجال المياه بلغة ومفردات يصعب ترجمتها الى سياسات وخطط فمشكلتنا مع المياه في اليمن هي مع انفسنا وليست مع الخارج حتى نجعل منها قضية امن قومي وحالة الطواري إذا اخذناها بمفهومها العام الذي يسمح للدولة اتخاذ ماتراه من قرارات متى مارات ضرورة لذلك حتى وان تعارضت مع حقوق الناس اذا اخذت بهذا المعنى في غياب الظوابط القانونية المنظمة الاخرى ستقود الى حالة من الفوضى ولن يؤدي ذلك الى نتيجة ناهيك عن ان اليمن الآن في مرحلة وضع الاسس والموجهات التي سينبثق عنها الدستور وبقية التشريعات التي ستحكم اليمن في المرحلة القادمة وبالتالي فهي ليست بحاجة لإعلان حالة الطوارئ بل لمزيد من التشريعات والضوابط في هذا المجال. حق اساسي ماذا يعني ان تصبح مياه الشرب حق اساسي للمواطن ؟؟ هذا يعني ان تقوم الدولة بتوفير مياه الشرب المامونة والنقيه والكافية للمواطنين بشكل تدريجي وباقصى حد تتيحه مواردها بم في ذلك الاستعانه بالمساعدات الدولية في سبيل توفير هذه الخدمة لكافة المواطنين في اقرب وقت ممكن. ويتطلب إعمال هذا الحق ان تمتنع الدولة عن المشاركة في اي ممارسة اونشاط يحرم من الوصول على قدم المساواة الى كمية المياه الكافية ويلزمها كذلك بان تمنع تدخل اي طرف ثالث يحول دون التمتع بهذا الحق وفي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس في اليمن كتدني مستوى الدخل وشحة المياه فإن القيام بآي إجراءات او ترتيبات تجعل من القطاع الخاص طرفا ثالثا مقدما للخدمة هو امر يتعارض مع تيسير الحصول على هذه الخدمة وبالتالي مع إعمال هذا الحق . اين تكمن المشكلة في الخصخصة مادام ان القطاع الخاص سيتكفل بحل المشكلة؟؟ القطاع الخاص محكوم بمنطق الربح و يسعى دائما من وراء نشاطه الى تحقيق اعلى ربح و هذه السلعة ذات طبيعة احتكارية تتيح له ذلك ونتيجة لهذا سيحرم عدد كبير من الوصول الى هذه السلعة الاساسية ولن يحصل الكثيرون على الكمية الكافية منها لاسيما في ظل الفقر وازمة المياه التي تعيشهما اليمن . هل يمكن تعريف القارئ بما تعنيه كل من الخصخصة والشراكة ؟؟؟ موضوع الخصخصة والشراكة بين القطاعين الخاص والعام في تقديم خدمات المياه على قدر كبير من الاهمية كونه يتعلق بسلعة تمس حياة الناس وهو من المواضيع التي ينبغي ان تناقش بشكل واسع على كافة المستويات الشعبية والرسمية وساحاول تسليط الضوء على هذين المفهومين. المفهوم البسيط للخصخصة هو ان يقوم القطاع الخاص بمفرده بتقديم خدمة المياه للمستفيدين في ظل ملكيته لأصول المشروع وهو ما كان سائدا في الماضي حيث كانت خدمة المياه في اوربا وفي دول العالم الاخرى تقدم عبر القطاع الخاص ومنذ القرن التاسع عشر انتقلت الخدمة الى القطاع العام نتيجة فشل القطاع الخاص في تقديم هذه الخدمة ونتيجة الاسعار العالية التي كان يضعها للحصول على الخدمة واصبح العالم كله يتلقى هذه الخدمة عبر مؤسسات القطاع العام 05 % فقط من سكان العالم هم من يتلقون هذه الخدمة عبر القطاع الخاص وهم في الغالب تجمعات سكانية صغيرة يعيشون في المناطق النائية و في العقود الاخيرة من القرن المنصرم ظهر ما يسمى بشراكة القطاع العام مع القطاع الخاص في تقديم خدمات المياه مفهوم الشراكة يعني ان يدخل القطاع الخاص مع القطاع العام في تعاقد للقيام بعمل ما ( تصميم , تنفيذ , ادارة , صيانه , تشغيل ، تحصيل..... الخ ) في اطار مشروع يهدف الى تقديم خدمة عامة ويبرر اصحاب هذا المفهوم جدوى الشراكة بالاستفادة التي يحصل عليها القطاع العام من الميزات التي يتمتع بها القطاع الخاص وما تسهم به الشراكة من تغطية للنواقص التي قد تكون موجودة في اي جانب من الجوانب لدى القطاع العام خاصة في الجانب الاداري. يعني انت مع اصل ان تقدم الدولة خدمة المياه وبقية الخدمات الاساسية للمواطن بشكل مباشر؟؟ اشرت سابقا الى ان الاصل في تقديم خدمة المياه هو أن يتولاها القطاع العام وهذا هو المتبع في كل دول العالم تقريبا وهو الشىء الطبيعي والخروج عن هذه القاعدة هنا اوهناك ما يلبث ان يصحح خذ باريس مثلا وهي موطن اكبر شركات المياه في العالم في عام 2010 عادت فيها هذه الخدمة الى يد القطاع العام مرة اخرى اليابان المياه فيها عامة 100 % , الولاياتالمتحدة 85 % وفي كل اوربا تقدم هذه الخدمة عبر القطاع العام باستثناء اربع دول. نماذج دولية للاقتداء هل هناك تجارب دولية في هذا السياق يمكن الاستفادة منها؟ في اليمن اذا كان لنا ان نستفيد من تجارب الدول الاخرى فحري بنا ان نستفيد من تجربة المانيا وهولندا وهما الدولتان الداعمتان الرئيسيتان لليمن في قطاع المياه ليس فقط لانهما من خلال هذا الدعم هما الاقرب الى اليمن بل لأن لهما تجربة متقدمة في هذا الجانب جديرة بان يؤخذ بها على مستوى العالم كله ففي هاتين الدولتين تقدم خدمة المياه عبر مؤسسات القطاع العام فهولندا التي تشكل المياه خمس مساحتها و حصة الفرد فيها من المياه تتجاوز400 ضعف حصة الفرد في اليمن تمنع القطاع الخاص او اي شخص آخر من الاستثمار في مجال تقديم خدمات المياه وقد اصدرت في عام 2004 قانونا تجرم بموجبه الاستثمار في هذا المجال من قبل اشخاص غير القطاع العام وجعلته حصرا عليه فما بالك في اليمن الدولة الفقيرة التي يردد فيها الناس ( خيط من الماء ولاخيط من الذهب ) وفي المانيا ايضا حيث الوفرة المائية الكبيرة نجد بعض المدن التي كانت فيها خدمة المياه تدار من قبل القطاع الخا ص تعود الى يد القطاع العام مرة اخرى مثل مدينة برلين التي عادت في 2010 وقبلها بوتسدام وفي هاتين الدولتين ايضا تعتبر نسبة الفاقد هى الاقل على مستوى اوربا بم في ذلك الدول التي تدار فيها المياه من قبل القطاع الخاص وهو ما يدحض الحجة القائلة بالاداء الافضل للقطاع الخاص في الجانب التقني والاقتصادي في مجال المياه. التحلية ومعالجة المشكلة ماذا لو انتقلنا الى مجال التحلية من اجل خلق معالجة للمشكلة؟ التحلية هي احدى المجالات الواعدة التي تاخرت اليمن كثيرا عن ولوجه في ظل غياب خطة شاملة لمواجهة العجز المائي القائم وتلبية احتياجات المواطنين من مياه الشرب النقية وبالتالي لم يتحقق شيئ في الماضي على هذا الصعيد فحتى اللحظة لاتنتج اليمن اي كمية من المياه المحلاة باستثناء كميات قليلة تنتج في محطات الكهربا ولهذا لاتوجد مؤسسة معنية بهذ الجانب وليس هناك اي تحضير للدخول في هذا المجال كا اعداد وتاهيل الكوادر للقيام بادارة هذه العملية والاشراف عليها مع اننا على اعتاب الدخول اليه وحتى اللحظة لم يعط هذا الموضوع اي اهتمام ولازال ينظراليه من منظار ضيق ومحدود الافق باعتباره مجرد تقنية يمكن استيرادها مثل غيرها من التقنيات وليس كعلم يجب توطينه . التحلية هي صناعة علينا ان نسهم في تطويرها بما يجعل كلفتها معقولة ويصبح بمقدورنا كيمنيين ان ننشىء المزيد من مصانع التحلية في مختلف انحاء البلد فهي افضل البدائل لحل مشكلة المياه في حال كانت بتكلفة معقولة وتكاد تكون خيارلابديل عنه خاصة في المدن الساحلية التي تلو ثت مياه احواضها بسبب الاستنزاف المفرط للمياه فيها وكذلك في بعض المدن المرتفعه نسبيا عن سطح البحر كمدينة تعز حيث تنعدم الخيارات الاخرى صحيح ان تكلفة الضخ الى ارتفاعات كبيرة عالية جدا لكن لابديل لهذه التقنية لحل مشكلة مياه الشرب في هذه المدن في ظل ماتعانيه من ازمة حادة في مياه الشرب وغياب البدائل الانسب وهي مصدرلتحسين المعروض من المياه في اطار ادارة متكاملة للمياه تاخذ في الاعتبار حصاد مياه الامطار وإعادة استعمال المياه الملوثة بعد تنقيتها وغيرذلك . تعز المشكلة مشكلة تعز المائية طالت ولم تحل منذ عقود، كيف تنظرون لهذه المشكلة؟؟ مشكلة تعز كغيرها من المشكلات التي تواجه المجتمع لم تحل لأن الدولة فشلت في القيام بوظائفها المتمثلة في تقديم الخدمات والسلع الاساسية للمواطنين فهذه المدينة ما كان لها ان تعاني لسنين طويلة من الحرمان من مياه الشرب النظيفة لو ان هناك دولة مسئولة تقوم بواجباتها تجاه مواطنيها فسكان تعز عانوا كثيرا نتيجة ازمة المياه وعانوا ولا يزالو كذلك من نوعية المياه التي تصل اليهم فما لايعلمه كثيرون ان المياه التي تصل الى منازل سكان هذه المدينة على ندرتها هي مياه ملوثة وهذا هو احد الاسباب الرئيسه لانتشار الامراض في هذه المدينة وارتفاع قيمة الفاتورة الصحية لابناء مدينة تعز . الايعتبر الحديث عن خصخصة مياه تعز مؤشرا على استمرار سياسات العهد الماضي تجاه ابناء هذه المدينة ؟ الحقيقة ان الحديث عن خصخصة مياه تعز بحسب تقديري لايعبر كما ورد في السؤال عن استمرار سياسات بقدر ماهو امتداد اوصدى لما كان يتردد في الماضي عندما كان النظام يتهرب من القيام بمسؤلياته تجاه مواطنيه ويلقي بمسئولية القيام بها على آخرين وفي الواقع ان النظام السابق لم يكن لديه توجه لحل هذه المشكلة باي شكل من الاشكال فقد مضت الى الآن ست سنوات تقريبا منذ ان تبرع الامير سلطان بمبلغ 212 مليون دولار للمشروع و كانت هذه الفترة الطويلة تكفي وتزيد لانجاز المشروع باي شكل لوتوفرت النوايا لكن كما تسمع وترى لا يزال المشروع في طور الدراسة اما الآن فتوجه الدولة جاد و مختلف في التصدي لهذه المشكلة ويقوم على اساس توفير مياه الشرب للمواطن باعتباره حقاً انسانياً اساسياً على الدولة ان تتكفل به وقدعبرت عن هذا التوجه قرارات مؤتمر الحوار الوطني التي جعلت مياه الشرب حقا انسانيا اساسيا وقد اتت هذه القرارات لتلبي حاجة الناس لتشريع يمنحهم هذا الحق واتت في الوقت ذاته كاستجابة للتوجه الدولي ازاء هذا الموضوع حيث اقرت الاممالمتحدة في عام 2010بان مياه الشرب المامونه و النقية حق من حقوق الانسان لابد منه للتمتع بالحياة وبجميع حقوق الانسان الاخرى كما ان الدستور الحالي والتشريعات النافذة لاتسمح بخصخصة المياه . في ظل اي مفهوم يندرج تسليم محطة تحلية مياه تعز للقطاع الخاص ؟ في حال مياه تعز اذا اخذنا بما يتردد حول هذا الموضوع من ان القطاع الخاص سيكون هو المالك لمحطة التحلية سيندرج الامر في اطار الخصخصة وفي حال حدث ذلك فإنها ستكون مصيبة كبيرة لأبناء تعز خاصة في ظل الحكم الفيدرالي المنشود اذا اصبحت المياه مسئولية المحليات التي قد تجد نفسها عاجزة عن دعم هذه الخدمة كذلك في ظل الفقر المنتشربين سكان تعز فحوالى40 % من ابنائها هم من الناس الذين يطحنهم الفقر وهؤلاء سيجدون انفسهم عاجزين عن دفع فاتورة المياه التي ستكون في الاصل عالية نتيجة تكلفة الضخ المرتفعة بحكم الموقع المرتفع للمدينه فقد تصل كلفة تحلية ونقل المتر المكعب من المياه الى ثلاثه دولار وهذه الكلفة مضافا اليها الربح في حال اصبح المالك لمحطة التحلية هوالقطاع الخاص ستجعل السعر غير مقدور عليه وبالتالي ستظل مشكلة المواطن في هذه المدينة قائمة اذ انه سيجد الماء حوله لكنه سيكون عاجزا عن شرائه فقيمة فاتورةالمياه قد تصل الى حوالي 25 % من دخل الاسرة وهذه النسبه كبيرة جدا فهي في كثيرمن البلدان لا تتجاوز 4 % من دخل الاسره ولتوفير المياه بسعر يتناسب مع دخل الناس وخاصة في حال مدينة تعز فإنه لاخيار امام الدولة إلا ان تقوم بتقدبم هذه الخدمة بنفسها بحيث تقلل من كلفتها بالاضافة الى دعمها بحيث تصبح متوفرة لجميع شرائح المجتمع كما هو الحال في البلدان الاخرى . فعلى سبيل المثال يتراوح سعر المتر المكعب في دول جنوب آسيا من 55 سنتا في سنغافورة الى 70 سنتا في جاكرتا وهواعلى سعر في جنوب آسيا (وبالمناسبه فإن المياه في جاكرتا تدار من قبل القطاع الخاص ولهذا فسعرها هو الاعلى في جنوب آسيا وثلاثة اضعاف السعر في بعض المدن الاندنوسية الاخرى) اما في دول الخليج المجاورة فخدمات المياه شبه مجانية اذ لايدفع المواطن السعودي سوى اقل من 10 % من الكلفة 8 سنت للمتر المكعب وفي الكويت 10 % من الكلفة هل يعني ان المطلوب تقديم خدمة المياه في اليمن بشكل رمزي مراعاة لظروف السكان؟؟ في اليمن ليس المطلوب تقديم هذه الخدمة بسعر رمزي او مجاني ولكن المطلوب توفيرها بسعر مقدور عليه ياخذ في الحسبان العوائد غير المباشرة التي تجنيها الدولة من وراء توفير هذه الخدمة لكافة شرائح المجتمع وما توفره من النفقات في مجالات اخرى كثيرة في مقدمتها تخفيض الانفاق على الصحة و ياخذ في الحسبا ن كذلك الخسائر التي تنجم عن الضعف في تقديم هذه الخدمة فالدراسات تشير الى ان العائد على الدول من كل دولار يستثمر في الصرف الصحي يصل الى 9 دولار وان الضعف في تقديم خدمة المياه والصرف الصحي يتسبب بخسائر قد تصل الى 7 % من الدخل القومي كما في حالة كمبوديا على سبيل المثال وهذه كلها امور مهمة تستدعي النظر الى هذه الخدمة بمنظار تكاملي لاسيما عند تحديد سعر هذه الخدمة. البعض يقول ان الشراكة في قطاعي الماء والكهرباء امر معمول به في كثير من الدول، وكان حلا ناجعا للمشاكل فيه؟؟ الاستعانه براس المال الخاص في المجالات الاخرى في ظل تشريعات وقوانين تنظم هذه العملية امر لابد منه لدفع عجلة التطور والنمو لكن الامر يختلف في مجال المياه فالماء سلعة اساسيه للحياه وفي اليمن خاصة حيث المياه سلعة شديدة الندرة سيكون لهذا الامر تبعات لايستطيع المواطن تحملها بالاضافة الى ان ذلك سيعيق النمو في المجالات الاخرى وخاصة اذا كان الهدف من ذلك هو الحصول على التمويلات فتجارب البلدان الاخرى تثبت ان الاستعانه براس المال الخاص في مجال المياه على وجه الخصوص لم تحقق نتائج ايجابية فقد اورد تقرير حديث لبرنامج الاممالمتحدة للبيئة ان « التجارب اظهرت ان خصخصة المياه كوسيلة للحصول على مزيد من الاستثمارات نادرا ما كانت ايجابية» عائق التمويل هل تشكل التمويلات عائقا امام الحكومة لحل مشكلة المياه؟؟ في اليمن ليست المشكلة في نقص التمويلات وانما في عدم وجود جهاز دولة كفؤ قادر على استيعاب التمويلات التي تتدفق على اليمن على شكل مساعدات وقروض وبسبب افتقارها الى مثل هذ الجهازفانها تحصل على مساعدات تقل باكثر من خمسة عشر مرة عن مثيلاتها من الدول التي تقع في نفس مستوى تخلفها ولك ان تتخيل مستوى التدني في القدرة الاستيعابية للدولة اذا كانت اليمن لاتستطيع الاستفادة من المساعدات المقدمة لها على ضآلتها ولك ان تتخيل كذلك مقدار المساعدات التي تحرم منها اليمن جراء وضع اجهزة الدولة المهترئ والفساد المستشري فيها وكمثال على ذلك لعلك سمعت عن القروض والمساعدات التي قدمت في مؤتمر المانحين في لندن عام 2006 التي تقدر بحوالي 5500 مليون خمسة مليار وخمسماة مليون لم تستوعب الدولة منها سوى 10 % تقريبا طيلة كل هذه السنوات من هنا يمكن الجزم ان مشكلة اليمن ليست في نقص التمويلات وانما في التدني المريع للقدرة الاستيعابيه للدولة وما يجري الآن هو اعادة بناء للدولة على اسس جديدة وبالتالي فالمشاكل التي نواجهها الآن لايصح ان تعالج انطلاقا من الاوضاع التي كانت سائدة في الماضي . ربما هناك مبررات وجيهة لمن يريدون خصخصخة محطة التحلية في مشروع مياه تعز ؟ بغض النظر عما سبق من ان سياسات الدولة والتشريعات القائمة لاتسمح بخصخصة المياه بشكل عام فإنه في حال محطة تحلية مياه تعز تحديدا لا توجد في تقديري اسباب من اي نوع تقنية فنية او مالية لخصخصة هذ الجزء من المشروع فتكلفة المحطة صغيرة تشكل تقريباً 30 % من اجمالي قيمة المشروع الذي سبق وان تبرع الامير سلطان بحوالي 80 % من قيمته المبلغ المتبقي من السهل ايجاد تمويل له في حال استوفت دراسة المشروع المعايير والشروط التي يشترطها المانحون فالكثيرون منهم يقدرون المأساة التي تعيشها المدينة وكذلك عملية تشغيل المحطة عملية سهلة ليست معقدة بحيث يستعان بالقطاع الخاص للقيام بها فالمحطة لاتحتاج لتشغيلها الى اكثر من عشرين شخصا خمسة فقط منهم تقريبا مهندسون والباقون فنيون وعمال واداريون كما انه لايمكن الحديث هنا على الحفاظ على المورد السبب الذي عادة ما يطرح كمبرر للخصخصة لأن الحديث هنا يدور عن تحلية مياه البحر من هنا تنتفي مبررات الخصخصة تماما. وبالمقابل هناك مبررات كثيرة ووجيهة لقيام الدولة بهذه المهمة سواء تلك التي تم التطرق اليها اوالذي لم يتسع المجال لتناولها كالاثر السياسي المترتب على خضخصة مثل هذه السلعة وكذلك المخاطر التي ستواجه القطاع الخاص في الاستثمار في هذا الجانب في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي نعيشه وهي امور تستدعي في نظري ان تتولى الدولة بنفسها تقديم هذه الخدمة وفوق هذا كله فأبناء تعز هم في الاخير مواطنون يدفعون الضرائب و من حقهم على الدولة ان توفر لهم هذه الخدمة بسعر مقدور عليه خاصة وقد حرموا منها طويلا لاسيما والدولة الآن تسعى الى إعمال الحق في مياه الشرب. في ختام هذه المقابلة المهمة كيف يمكنكم اختزال كل ما اثير هناحول مشكلة المياه في اليمن ومشكلة مياه تعز على وجه الخصوص ؟؟ اليمن لها وضعها الخاص فهي من بين الدول الاكثر فقرا في المياه على مستوى العالم والاكثر فقرا في الدخل كذلك وفي ظل مشكلة المياه القائمة لا يمكن لليمن ان تتقدم في اي مجال من المجالات وهو ما يتطلب ان تعطي الدولة قضية المياه الصدارة على سلم اولوياتها باعتبار المياه حجر الاساس في العملية التنموية وان تتصدى لهذه المشكلة وتضع الحلول العملية لها وهذا بدوره يستدعي ان تكون كل القرارات ذات الصلة بهذه القضية الهامة مستندة الى دراسات علمية دقيقة تنطلق من معطيات الواقع اليمني وتعقيداته وان يكون المجتمع شريكا في اتخاذ مثل هذه القرارات وان يستفاد كذلك من تجارب البلدان الاخرى في هذ المضمار و من المهم كذلك في التعاطي مع هذا الموضوع ان تنطلق الرؤى والاستراتيجيات من واقع اليوم وتطلعات الغد وبالطبع مع عدم اغفال الماضي ومانجم عنه من تعقيدات لكثير من المشاكل وهذا ينطبق على مشكلة تعز وغيرها من المشكلات القائمة في البلد التي لن تعالج على نحو معقول الا متى ما انبثقت الحلول من رؤى تكون نتاج تفاعل مع الواقع الجديد والمامول.وتعز على وجه الخصوص قد طالت معاناتها وهي تستحق ان ينظر الى مشكلتها من منظور انساني بعيدا عن اي حسابات اخرى لاسيما بعد هذه المعاناة الطويلة لسكانها ولا اعتقد ان هناك من سيتستغل معاناة الناس في هذه المدينة لتمرير حلول تولد لهم مشاكل اكبر في المستقبل فهم قد يقبلوا تحت ضغط الحاجة والمعاناة وعدم معرفتهم بما يمكن ان يواجهوه مستقبلا جراء مثل هذه الحلول باي حل يعتقدون بانه سينهي مأساتهم . الا ان المؤمل ان لا تستغل الظروف الصعبة لهولاء الناس في تمرير هكذا حلول وان تنظرالدولة الجديدة الى القضية بمنظار واسع تنموي حقوقي وانساني وبمنظار تكاملي يراعي آثار هذه المشكلة على مختلف القطاعات وهي في حال فعلت ذلك فإنها دون شك ستجد نفسها امام مقاربة وحيدة وهي ان تتولى بشكل مباشر توفيرمياه الشرب النقية والمامونة بالكمية الكافية وبالسعر الذي يقدر عليه سكان هذه المدينة البائسة التي عانت كثيرا من مشكلة مياه الشرب .