لم يكن التوقيع على الوثيقة الخاصة بحل القضية الجنوبية في نسختها الأخيرة رقم 27 التي تم مناقشتها من قبل اطراف مؤتمر الحوار الوطني وعلى رأسهم اللجنة المصغرة، وقدمها المبعوث الأممي جمال بن عمر، هو القول الفصل لحل القضية من جذورها، ولكن الذي حدث في الواقع انفتاح شهية الشارع اليمني للحديث حول ما ورد في مسودة الوثيقة ومناقشتها، بدءًاً من عدد الأقاليم التي ستشكل ملامح دولة اليمن الاتحادية، وانتهاء بتفاصيل توزيع الثروة والسلطة في الأقاليم وغيرها من تفاصيل.. (الجمهورية) عمدت إلى جس نبض الرأي العام للشارع اليمني شمالاً وجنوباً، واستطلعت آراءهم حول ما ورد في مضمون هذه الوثيقة، وقياس ردود أفعالهم المتباينة.. أولويات كانت البداية مع السيدة اليمنية توكل كرمان (الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وعضو لجنة التوفيق في مؤتمر الحوار الوطني) والتي قالت: نحن مع معالجة المظالم بما يكفل جبر الضرر، مع العلم أن ليس كل الجنوب مظلوماً وليس كل الشمال ظالماً، منوهة بالقول: نحن لسنا هنا ضد الجنوب بقدر ما نحن مع قضيتهم العادلة. - وبخصوص توزيع الوظيفة العامة فضلت توكل كرمان اعتماد معيار الكفاءة ومحل الإقامة والعمل لشغل الوظيفة السياسية ترشيحا وترشحا في جميع الأقاليم، ولن يكون هناك تنمية مستدامة ما دامت الوظائف تمنح لغير الأكفاء، وعلى أسس عصبوية وجهوية. مخاطر كارثية وقالت كرمان أنه من خلال الدولة الوطنية ستجد اليمن وفرة عظيمة لألف سنة قادمة، وما يجب على الجميع القيام به هو البدء بمعالجة أصحاب المظالم عن طريق عدالة انتقالية حقيقية، وتختتم كرمان حديثها: كل ما أريده أن يكون هناك حقوق مواطنة متساوية لجميع اليمنيين وهوية يمنية واحدة، كما يجب أن يكون هناك حقاً للمجتمعات المحلية في اختيار الإقليم الذي تريد أو البقاء كولاية مرتبطة بالسلطة المركزية بدون أي امتيازات خاصة. أفضل البدائل - ويرى الصحفي عدنان هاشم بأن ورقة بن عمر قد مثلت خلاصة حوارات السياسيين منذ 18 مارس2013؛ ويذكر عدنان أن الانتقال من الدولة البسيطة إلى المركبة هو ما أثير حوله من خلاف؛ لكنه في الواقع لا يثير أي مخاوف بشأن التقسيم لأن النظام الفيدرالي نظام إداري قانوني قريب جداً من اللامركزية، ولأن الثورة الشعبية تعالج نكبات النظام السابق فلا يمكن البقاء في الدولة المركزية لعدة أسباب، تتخلص بفشل ذلك النظام في إدارة البلد وإشعال الأزمات فيه. ويعتقد عدنان بأن شكل الدولة الفيدرالي يمثل أقل الحلول سوءاً، وكذلك أفضل البدائل الموجودة، فهي الخيار الثاني للجميع بالنسبة للدول التي تعاني الأزمات؛ ونقطة تتوسط كل الآراء؛ وتحافظ على البلد موحداً؛ ومخاطر التشطير أقل بكثير مقابل استمرار شكل الدولة البسيطة. بداية جيدة على الصعيد المقابل يؤكد القيادي في الحراك الجنوبي المتحدث باسم مكون مؤتمر شعب الجنوب في مؤتمر الحوار أحمد القنع أن وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية قد مثلت انتصاراً لليمنيين بشكل عام وأبناء المحافظات الجنوبية بشكل خاص ولبت مطالبهم الحقوقية.. ويضيف: الوثيقة لبت المطالب الحقوقية لأبناء الجنوب بشكل كبير, في حين أن المطالب السياسية لم تحسم بعد، فهناك خيارات مطروحة ما بين إقليمين وستة أقاليم وخيارات أخرى. ويرجع القنع إلى أن الانتصار الذي تحقق في هذه الوثيقة وكافة مخرجات فرق عمل الحوار كان الدور الأبرز فيه للرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية ولمجموعة ال 85 كاملة. - محمد ناصر المقبلي (مسؤول ملف المجلس الأعلى للشباب بفريق استقلالية الهيئات في مؤتمر الحوار الوطني) يرى بأن الوثيقة شكلت بداية جيدة تؤسس لحل عادل الأهم أن تكون الخيارات لدولة اتحادية توضع على أساس علمي إقليمين أو أكثر، وتطرح على الحوار لماذا إقليمان ولماذا اكثر، بما يضمن الوحدة واللامركزية والشراكة الحقيقية، ويشير المقبلي إلى أن مسألة التحول إلى دولة اتحادية قبل استعادة الدولة المركزية تعتبر مشكلة وينبغي التركيز على مسألة التأسيس لدولة وطنية مركزية أولاً، ثم التحول إلى الدولة الاتحادية. عبد الرحمن باتيس أحد الشخصيات الاجتماعية المعروفة في حضرموت، سرد حزمة من التعليقات حول ملاحظاته المتعلقة بالوثيقة، حيث قال: كنا نأمل أن تخرج اللجنة المصغرة لفريق القضية الجنوبية أو ما تعرف بلجنة 8 + 8 بحل جذري للقضية الجنوبية بما يحقق طموح أبناء الوطن خصوصا أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، ورغم ما جاء فيها من مواد جيدة إلا أنها أغفلت تضحيات شباب الثورة الشبابية السلمية والذين كان لهم الفضل بعد الله في الوصول للحوار. - كما يشير باتيس إلى أن الوثيقة لم تحدد آلية صحيحة لاختيار أعضاء البرلمان، واكتفت بتحديد نسبة 50 % للجنوب و 50 % للشمال، وهذا يهضم حق أبناء بعض المحافظات مثل ما حدث في الحوار الوطني حيث مثّل أبناء حضرموت ب 27 عضواً فقط من أصل 284 عضواً للمحافظات الجنوبية. مطلب ثورة فبراير من جهته اعتبر الدكتور عبد الحكيم حزام المشرقي وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية بأنها المخرج لكل القضايا في اليمن, وأكد أن خيار الدولة الفيدرالية هو مطلب ثورة فبراير 2011م, محذرا من تبني خيار الإقليميين، لأن ذلك بوابة سهلة لانفصال قادم, مطالباً الشعب اليمني بالوقوف وراء الرئيس هادي من أجل العبور الآمن بالوطن حتى يوم الانتخابات الدستورية.. وأضاف: نحن راضون كل الرضا عن الوثيقة لعدة أسباب منها أننا نعتبر أن القضية الجنوبية هي المدخل الحقيقي لحل كافة القضايا في اليمن, فعندما خرج الشعب اليمني يوم 11 فبراير 2011م في كل محافظات اليمن رافضا لكل أنواع الظلم والاستبداد, وعندما تسارع العالم لمساعدة اليمن كان الصوت القوي هو الصوت الصادر من ساحة الحرية بتعز الذي نادي بحل القضية الجنوبية، وأقول: فهي تفخخ مصالحهم للذين لا يريدون للشعب اليمني أن يعيش بحرية وكرامة وإن الوثيقة هي إنجاز عظيم للشعب اليمني وهي جاءت نتيجة تراكمات وصراعات وعقود زمنية وكان آخرها ما بعد حرب صيف 94م، وهي تلبي احتياجات الشعب ولا تلبي احتياجات مراكز القوى التي ترى أن مصالحها متضررة بالوثيقة، ولهذا فإن الشعب للأسف ليس لديه رافعة إعلامية توضح موقفه من الوثيقة التي يؤيدها تماماً، وتلبي تطلعاته، والمجتمع الدولي مطلوب منه الآن إيجاد حل للشعب اليمني, والانفصال لن يكون حلاً أبداً، كما أن دولة المركز المقدس ليست حلاً, والحل هو في الفيدرالية وهي تعني تقسيم السلطة من المركز الرأسي إلى الأفقي ويصبح الشعب في ظلها هو صاحب القرار، وعندما يصبح هو صاحب القرار يستطيع حينئذ استعادة كرامته وحريته وتحقيق التنمية والبناء. طريق المجد سالم الصادر (مسؤول المجلس المحلي لمحافظة شبوة) علق أيضاً على الموضوع بقوله: كانت كل الحيثيات التي دخلت بها الفضية الجنوبية مؤتمر الحوار سياسية بامتياز سواء في التمثيل أو طبيعة الخصوصية التي أعطيت للحراك داخل اللجان، وخصوصاً المعنية بالقضية الجنوبية وهذا يجعل من الهوية السياسية لجنوب ما قبل الوحدة هو الحاضر وهو الأساس الذي من خلاله سميت القضية الجنوبية، وبغض النظر عن طبيعة الحلول النهائية والتي يفترض أن تخرج بها مخرجات الحوار، ويستطرد سالم حديثه هنا بقوله : مع اني أرى اتحاد إقليمين جنوب وشمال اكثر ضمانة للوحدة من عدة أقاليم لأسباب عديدة. - ويختزل الشاب همدان الحقب أحد أعضاء مؤتمر الحوار الوطني حديثه في الختام حول الخيار الذي يخص شكل الدولة.. مؤكداً على ضرورة أن يأخذ الجميع في الاعتبار هنا مكاسب ثورتي سبتمبر وأكتوبر الاجتماعية والسياسية، لقوله إن الشعوب الحكيمة لا تدمر ما أنجزته من مكتسبات بل تراكمها في طريقها نحو المجد.