مع إشراقة فجر ال22 من مايو 1990م يوم كنت يافعاً أمسكت بيد والدي وذهبت معه الى أحد المقرات الحكومية لمشاهدة رفع علم الجمهورية اليمنية في سماء الوحدة، وفي أجواء بديعة امتزجت فيها دموع الفرح والسرور ودع يومها اليمانيون التشطير ومرارته.. اليوم سألت أخي ذا ال 20 ربيعاً عن الوحدة اليمنية ووقعها في قلبه وأولويتها في مستوى ثقافته العامة فقال لي وهو يقلب في هاتفه الذكي: «بعدين أقلك» وتابع يوجد تطبيقات جديدة لعدد من الوسائط استجابتها سريعة تمكنك من معرفة كل جديد، وبرغم معرفتي بالآثار الارتدادية لهذه الوسائط الايجابية منها والسلبية إلا أن قناعتي تنطق بأن ثمة أولوية تتأرجح بين ثقافتين، الأولى تعي ثقافة الوحدة اليمنية وتعيشها والثانية تعيش في ظلها وتعيش على ايقاع ثقافة طفرة الدوت كوم، وفي ظل الحديث عنهما يظل التوازن القلق سيد المعادلة وكونه كذلك فهو لا يدوم طويلاَ فلمن سترجح الكفة؟ تعظيم ثقافة الوحدة تعاظمت ثقافة الوحدة اليمنية في الثلث الاخير من القرن المنصرم وكانت الأكثرية الساحقة تستجيب للمطالب الوطنية وتضحي من أجلها، و سرعان ما انتقل تعميم هذه الثقافة الى المناهج الدراسية والأناشيد الوطنية والبرامج الموجهة لتلاميذ المدارس، كما تضمنت السياسات العامة حينها ضرورة العناية بالأطفال والشباب من خلال إقامة المخيمات للشباب وتنظيم الرحلات والجولات داخل كل شطر قبل الوحدة لتعزيز الانتماء الوطني وتعظيم ثقافة الوحدة التي تناولتها وسائل الإعلام من صحف وإذاعات ومحطات تلفزة وكتب عنها الأدباء والشعراء والمثقفون من كل المحافظاتاليمنية فتشبع بثقافة الوحدة واهميته تحقيقها كل من عاش الثلث الأخير من القرن الفائت . يوم مايو المجيد مع اشراقة فجر ال22 من مايو أعلن قيام الجمهورية اليمنية واعادة تحقيق الوحدة ورفرف علم اليمن الموحد في سماء الوحدة، الأمر الذي جعل الفئات المثقفة الواعية سياسياً وفكرياً، ناهيك عن السواد الأعظم من اليمنيين تفخر بهذا اليوم الذي طوى آخر صفحات التشطير ومراراته وبدا الجميع يتنقل من محافظة إلى اخرى بفعل تراكم درجة الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي الذي كان محصلة سياسات تعليمية وتوعوية واعلامية وكتابات لأقلام سطرت أهمية تحقيق الوحدة وثقافتها لدى الأجيال الشابة،فعاش من شهد الوحدة اليمنية ثقافتها العامة وتجذرت مدلولاتها في كيانه . تأرجح اليوم نحتفل بمرور 24 ربيعاً لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في ظل تشبع مطلق بحب اسمها وجمال لونها ونشيدها الرائع الذي يملأ النفس، غير ان هذا التشبع المطلق يختلف بين جيلين، جيل من عاشها ومن تشرب ثقافتها قبل وأثناء إعادة تحقيقها وبين جيل الوحدة اليمنية الذي عاش في ظلها إلا انه يستقي ثقافته من اوعية جديدة وهي التحدي الأكبر الذي يواجه ثقافة الوحدة اليمنية وما زالت العولمة بكل تجلياتها الخطية وغير الخطية وما رافقها من غزو ثقافي مع تطور وسائل الاتصال الحديثة وامتلاك جميع الناس لها وانتشارها على نطاق واسع وبجميع لغات العالم تبث مختلف المعلومات والصور والأغاني والنشاطات البشرية المتنوعة ولم يعد الشاب والشابة يعير اهتماماً لما في كتب التربية والتعليم من تربية وطنية ووحدوية ولا لما تقوله الإذاعات ومحطات التلفزة المحلية وشدته محطات التلفزة الاخرى وغدا الهاتف النقال يشغل قسماً كبيراً من وقته ولاسيما أوقات فراغه ويستغله للتسلية وإضاعة الوقت. ونشأت حالة من اللامبالاة والعزوف عن الاهتمام بالمسائل العامة والتعاطي الثقافي مع القضايا الوطنية . توازن قلق إن الحديث عن الثورة الاتصالية كثيراً ما يقود إلى التأكيد بأننا لا نعيش بمعزل عن هذا العالم الذي أصبح قرية كونية صغيرة، فلسنا وحدنا من تقع عليه هذه التغيرات الآخذة في التوسع المضطرد هذا ما قاله لي أحد شباب جيل الوحدة .ومع ذلك لابد أن نحاول فَهْم أبعادها وتأثيراتها السلبية منها والايجابية على واقع ثقافتنا لاسيما ثقافة وحدتنا الوطنية وفي هذا السياق تباينت الآراء والتوجهات بهذا الشأن، فمتفائلو التكنولوجيا وخاصة من الجيل الحالي جيل الوحدة اليمنية يرون أن التطوّر التكنولوجي والرقمنة والانفجار المعرفي للمعلومات أتاحت فرصة التعبير عن الآراء مباشرة والانتقاد وألغت العزلة وأصبح الجمهور يتواصل دون حواجز، ويضيفون أنه وسيلة ضغط مناسبة على الحكومات للاستجابة لمطالب الجماهير في قضايا كثيرة تمس حياتهم اليومية، كما أن زيادة الارتباط الذي يدجنه الانترنت جعل المستخدم أكثر استجابة وارتباطاً بما يدور حوله في عالمه الافتراضي أكثر من مجرد كونه مستقبلاً عادياً. وينظر آخرون وهم كُثر إلى الجانب الآخرلتكنولوجيا الاتصال والتدفق الحر للمعلومات والمتمثل في خرق الخصوصيات والثوابت المرتبطة بالكيان المجتمعي والمنظومة الثقافية والاجتماعية، على اعتبار أن كل ما يتم إنتاجه وتبادله من معلومات وأخبار لا تعني الحقيقة المطلقة، فيتلقى المؤثر والمتأثر سيلاً من المعلومات أقرب ما تكون إلى التعميم المرتبط بالسطحية، ما تلبث أن تتحوّل إلى فكرة أو رأي يشوبه الكثير من الغموض لا تضيف غالباً قيمة إيجابية في بناء المجتمع على اختلاف مشاربه، ويؤكدون أن استغلال الطابع الفردي لهذه الوسائل بشكل سلبي يعمل على تغذية العنف والكراهية وبث الشائعات والحرب النفسية، وتضليل الرأي العام، بالإضافة إلى المُساهمة في إظهار نمط جديد من السلوكيات والاتجاهات والقيم، لا ترتبط خطياً في أحيان كثيرة مع أعراف وقيم المجتمع ومستخدمي تلك الوسائط التفاعلية. نبض وصوت كل أبناء الوطن التقت «الجمهورية» في هذا الاستطلاع الأخ الأديب عبده علي الحودي، مدير عام مكتبة البردوني العامة بادئاً بالقول: نبارك بداية للشعب اليمني والقيادة السياسية بمناسبة العيد الوطني ال 24 لقيام الجمهورية اليمنية وإعادة تحقيق الوحدة في ال22 من مايو1990م، وفيما يخص ثقافة الوحدة اليمنية بين جيلين يقول الحودي: كنت مواظباً على قراءة مجلة «العربي» وأذكر أنني قرأت عبارة للدكتور سليمان العسكري يقول: “لابد من مراجعة الذات ثقافيا والتمسك بخصوصيتنا الثقافية والانفتاح على العالم أيضا” وبهذه الحزمة من التجديدات في ظل ثورة المعلومات ومن دون الوقوع في فخ العولمة أستطيع أن أقول إن ثقافة الوحدة اليمنية بين جيلين مازالت في نبض وصوت كل أبناء الوطن، وهو ما يؤكده كلا الجيلين (الكبار والشباب). تأثيرات وفي معرض كلامه يقول الأخ عبده الحودي: لا يمكن اغفال تأثيرات العولمة والاستخدام المتزايد لتكنولوجيا التواصل والاتصال على ثقافة الوحدة اليمنية أتاحت للكثير من الجيل الحالي التغريد عبر مختلف الوسائط وثمة منهم من يسيئ لثقافة الوحدة الوطنية وقيمها الأصيلة ،انطلاقاً من توجيه ما ضيق أو أنه صادر عن عدم وعي أو قناعة تحترم حق الاختلاف في الرأي والفكر، وبالتالي إنتاج جدلية خطيرة في سياق خطابي بين جيلين متخاطبين تختلف ردود أفعالها وصار كل منها يبحث عن خصوصية ما ،مما أدى إلى استدعاء المذهبية والمناطقية.. ويضيف: وفي ظل مناخ كهذا يصبح دور المثقف ضعيفاً وكلما أفاق أحس أنه بين جدارين أولهما جدار عدم إنتاج الخطاب السلطوي ثقافة وحدوية جامعة يكون الانسان فيها بؤرته، كون هذا الخطاب ما زال موزعاً على الجيل القديم، وثانيهما جدار عدم احترام التراث الثقافي الوحدوي من قبل بعض أطراف الجيل الجديد وتورط العديد منهم في بيع خدماته للآخر على حساب الهوية الثقافية الوطنية المحركة لعجلة التنمية والحريصة على المسار الوطني الديمقراطي. ثورة موازية ويضيف الأخ الحودي: الجدلية القائمة بين الجيل الحالي والسابق ،وخاصة في ظل تأثير العولمة والاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصال والتدفق المعلوماتي وعلاقة التأثر والتأثير على ثقافة الوحدة اليمنية المباركة ،وبغض النظر عن التقصير السابق لجيل النخب ،يتحتم علينا الآن أعادة النظر في اتجاه انتاج ثقافة وحدوية تتناسب مع هذا الاستخدام للفضاءات الاتصالية بمختلف وسائطها والوصول إلى جيل الشباب الواقع تحت تأثير هذه الثورة المعلوماتية، وهنا يتطلب ثورة موازية في مجال التعليم والاقتصاد وفي ثقافتنا السياسية الحاملة لثقافة الوحدة والمسؤولة عن ترسيخها في عقول وإرادة جيل الشباب من باب الحرص على ثقافتنا الوحدوية بوصفها الحاضنة والموجهة للمصير الوطني والإنساني بمختلف أجياله القديمة والحالية، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع أفراداً ومؤسسات. مخرجات الحوار الوطني وفي نفس الإطار يقول الحودي: ما يدور في واقعنا يفرض علينا ربط تأثير العولمة والاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والتدفق الحر للمعلومات على ثقافة الوحدة اليمنية بين جيلين، انطلاقا من رصد السلبيات والايجابيات وما هو الواجب الذي ينبغي أن يكون ضمن هذه المتغيرات وهذا ما تضمنته مخرجات الحوار الوطني الشامل التي حملت أفكاراً عديدة شارك في بلورتها كلا الجيلين الذين زامنوا هذه التحولات الوطنية للوصول إلى واقع جديد يعكس ثقافة وطنية وحدوية جامعة، تتعاطى مع متغيرات العصر وتواكبه وفي إطار ما خرج به مؤتمر الحوار الوطني ،حول مستقبل الوحدة الوطنية . التنشئة الأسرية والإعلام يقول الأديب عبده الحودي: في هذا العصر يقع على الأب والأم اليوم أكثر من أي وقت مضى مسئولية مباشرة على اعتبار ان الأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية في غرس قيم الولاء والانتماء للوطن وتنمية الثقافة الوطنية للطفل الذي يعكس للمجتمع ما يتلقاه من والديه أولاً.. ويضيف: بفعل تنامي دور الإعلام الجديد الذي يسوده طابع الترفيه والإعلان على حساب المهامِّ الأخرى، يعول على الإعلام الرصين في المجتمع اليمني تكثيف البرامج المبتكرة والابداعية التي تحاكي جيل الوحدة وجيل من سبقه لإحياءِ الإرادة الثقافية الجماعيَّة لثقافة الوحدة . النمط التعليمي يقول الحودي عن هذه الجزئية: بحسب ما يرى مهتمون بهذا الشأن إنه في ظل هذه الجدلية ولضمان استمرار ثقافة الوحدة اليمنية فهي لم تعد بحاجة إلى تدريس كتب وحفظ أشعار وإلقاء أناشيد فحسب وإنما تتطلب تغيير النمط التعليمي السائد لدينا اليوم القائم على الحفظ والتلقين وتبني نظام تعليمي جديد يقوم على حرية الاختيار وتنمية قدرات النشء على التفكير الإبداعي والاستدلال والاستنباط والاستنتاج وتعريف التلميذ ببيئته المحلية وبمعالمها الأثرية والزراعية والصناعية والتجارية والطبيعية من جبال وأودية وهضاب وسهول في إطار الثقافة الواحدة والمصير مشترك. مسئولية مشتركة ويختتم الحودي بالقول :إن أساليب ترسيخ ثقافة الوحدة اليمنية بقدر ما هي مرتبطة بالخطاب بقدر ما هي موزعة على مختلف جوانب التنمية، وعلى خدمات أساسية الحياة الانسانية ،المسكن، المدرسة، المعهد، الجامعة ،المستشفى ،الوظيفة الأمن ،الكهرباء، الماء، الطرق....إلخ.كلا الجيلين لا بد من إجراء المراجعة وإعادة النظر في واجباته ودوره ، أما الواجب الضميري الوطني يجب على الدولة أن تعمل على برامج تقرب بين الأجيال في إطار ثقافة وحدوية قائمة على فكرة التعايش والقبول والتسامح وثقافة واحدية الثورة اليمنية واهدافها ومبادئها العظيمة. صفوة القول إذا كان للثورة الاتصالية والتطوّر التكنولوجي والرقمنة والانفجار المعرفي للمعلومات تأثيرات إيجابية وسلبية فإنها ستخدم من يحسن الاستفادة منها وتوظيفها التوظيف الامثل من خلال إيجاد وعي تاريخي لماضينا وحاضرنا وثقافتنا الوحدوية والتخلص من أنواع الوعي الزائف المدجن باستغلال الطابع الفردي للثورة الاتصالية والتطوّر التكنولوجي وذلك لزيادة وعي المجتمع وخاصة جيل الشباب باعتبارهم نصف الحاضر وكل المستقبل ويحملون تطلعات الغد وتناقضات الواقع الاكثر تعقيداً .