اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    الصين: بعد 76 عاما من النكبة لا يزال ظلم شعب فلسطين يتفاقم    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في مرمى ديبورتيفو ألافيس    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيدرالية..شمول التنمية
نشر في الجمهورية يوم 24 - 05 - 2014

شهدت اليمن منعطفات عديدة إبان الفترات المتلاحقة من تاريخه السياسي رغم محاولات وحركات الإصلاح التنويرية للنهوض به إلا أنها لم تستطع أن تفتح ثغرة ليمر التغيير منها، حتى جاءت ثورتا 26سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م.. وقد بدأت تأخذ مسارها إلى الأمام ولكن القوى الثورية لسبتمبر واجهت التآمر والتحالف الخارجي بهدف إسقاط النظام الجمهوري بقدر ما غلبت القوى التقليدية بأساليبها ومفاهيمها على المجتمع ومع هذا نجد بأن ثورة أكتوبر كانت قد تمكنت من أن تقيم تراتيب اجتماعية جديدة وتوحيد 22 ولاية وسلطنة وإمارة في دولة واحدة وهذا ما كان له أثره الفاعل على مستوى قوى المجتمع شمالاً وجنوباً.
ورغم ذلك فقد ظلت الأوضاع اليمنية في حاله من اللااستقرار السياسي لأسباب أخرى حتى كان للوحدة اليمنية ان تمثل الأمل المنشود لكل اليمنيين ولكن تخللها أخطاء مما أدى إلى إخفاق في مسارها وهذا ما ترتب عليه انعكاسات سلبية على مجرى الأوضاع برمتها داخل البلاد حتى جاء الحراك الجنوبي 2007م وتلا ذلك الثورة الشبابية الشعبية السلمية في 2011م والتي على إثرها قدمت المبادرة الخليجية ومن ثم قيام مؤتمر الحوار الوطني الشامل والذي ظل لمدة أكثر من عشرة أشهر عالج خلالها الكثير من المشاكل والقضايا التي مثلت تهديداً لوحدة اليمن ومن مخرجاته قيام الدولة الفيدرالية والمكونة من ستة أقاليم، بدلاً من إقليمين.
حول الوحدة في ظل الدولة الفيدرالية كان تساؤلنا الذي طرحناه على الأستاذ أحمد محمد الحربي نائب عميد المعهد الوطني للعلوم الإدارية سابقاً والذي تحدث بالقول:
التاريخ هو المعلم الأول للسياسة
يجب علينا في إطار السؤال أن نوضح شيئاً له علاقة مباشرة في قراءتنا للوحدة، سواءً كان تركيبه أو بالمعنى الآخر بناؤها السلطوي في تركيبته، بسيطاً أم غير بسيط أي مركزي أو لا مركزي وهو التاريخ وما يعكس هذا التاريخ في تطوره من قراءات، خاصة إذا اعتبرنا التاريخ هو المعلم الأول للسياسة بعضنا يعي أن التاريخ يقول لنا إن النصر حليف الشعوب بقوة التاريخ وان الشعوب قادرة على صنع المستقبل ذلك أمر معلوم، أصبح الجميع يقولون به ولكن هذه الشعوب هل تستطيع ان تصنع المستقبل إذا لم تر نفسها فيه..؟ إنه سؤال إذا طرحناه على أنفسنا بجدية ونحن نريد أن نستخدم التاريخ من أجل مستقبلنا كشعب سواءً من الناحية الثقافية التي تتحدد بها هويتنا أم من الناحية السياسية أيضاً على اعتبار ان الأولى منبتها، ونشأتها هي البيئة التي تعيش فيها وأن الثانية هي وليدة الرؤية فهل الأولى بصورتها المكثفة وهي السياسة كتعبير عن الأوضاع أوضاعنا الاقتصادية وأوضاعنا الاجتماعية.
شاهد وحيد على ماض ضائع
وتابع الحربي بالقول : فإذا أخذنا تاريخنا من الناحية الأولى “الثقافية” ماذا نقرأ فيه..؟ نقرأ ولا ريب ان الشعب اليمني شعب حضاري أو هو تميز بذلك..؟ ولكن أليست هذه الحضارة اليمنية المتميزة من جذور ونماء وارتقاء من حالة لأخرى أفضل؟ فماذا يحدثنا التاريخ عن حضارة الشعب؟ ازدهار.. فانحطاط، وتدهور ، بل قطع تاريخي لها فبعد ان كان الشعب اليمني متحضراً يعتز بحضارته، فإذا به ينتكس إلى حياة يسيرها له مجتمع، متحلل، مشلول النشاط، غير منتج، يعيش مع بقايا مهيبة من حضارته كشاهد وحيد على ماضٍ ضائع.. صعب استعادة مقوماته وهي صعوبة يمكن تجاوزها إذا اعتبرنا التاريخ معلمنا الأول للسياسة وفي هذا يبرز سؤال ليس في القول مبالغة.. بأن التاريخ السياسي للمجتمع اليمني غير أو تفرد باستمرارية تقسيم مجموعات وحداته الاجتماعية في تراتيبها إلى قسمين..
وحدات اجتماعية أفقية
القسم الأول : وهو الغالب يبدو بارزاً في وحدات اجتماعية أفقية تضم القبائل، والطوائف المذهبية والعرقية، وفي هذه الوحدات الاجتماعية تجسد الصراع داخل المجتمع وبنية الدولة سواءً في شمال اليمن، أو في جنوبه، الذي ظل تحت الحماية البريطانية لفترة طويلة من الزمن ومن قبلها “بريطانيا” الدولة العثمانية.
في هذه الوحدات الاجتماعية كنموذج ماذا نجد للأسف الشديد نجد انقساماً داخل كل وحدة اجتماعية، إلى وحدات رئاسية تتمثل فيها مراكز السيطرة والتأثير حيث الانتماء والولاء، القبلي ، الطائفي ، المناطقي، ويحتل مركزاً مهماً، في تعريف كل فرد بل والتعرف أيضاً من أفراد المجتمع وتحديد علاقاته بالآخرين وعلاقة الآخرين به بل وطريقة تعاملهم وتفاعلهم فيه ومعه ففي هذا المجتمع الأفقي يعرف الفرد بنفسه أو يتم تعريفه من قبل الآخرين من خلال القبيلة أو الطائفة، المذهبية، التي ينتمي إليها وفيه “هذا المجتمع” حيث يتقدم الولاء “ولاء الشخص للفئة التي ينتمي إليها الفرد” على ما سواه من الانتماءات بل ويتقدم ولاؤه لها على الولاء الوطني إذ يظهر ولاء الفرد أو الجماعة للوطن ولاءً ضعيفاً وللقبيلة أو الطائفة ولاءً قوياً.. إلا في بلدان الغربة والمهجر يكون ولاء الفرد “المواطن” لوطنه اليمني كبيراً.. والتراتب في إطار هذا النموذج للوحدات الاجتماعية ظل موجوداً وبشكل من الأشكال في بنية المجتمع الأفقي هذا حيث نجد فيه ان كل قبيلة تعتبر نفسها أفضل من بقية القبائل الأخرى وأصحاب هذا المذهب يرون مذهبهم أفضل المذاهب وكذلك الجماعات الطائفية أو المناطقية وكل من هذه القبيلة أو المذهبية.. الخ التي ترى أنها الأفضل نجدها تحتل أعلى درجة منها مما وفر لنا خللاً لاضطهاد المجموعات الأخرى، إلى درجة ان على المجموعات الأخرى ان تقبل المراكز التي حددت لها بمعنى ان مرتبتها أقل من باقي المجموعات وبالتالي تبنى عليه علاقات قيمية ومكانية محددة لكل منها ونجد تعبير هذا التراتب داخل كل وحدة من وحدات هذه المجموعات حيث يتبوأ زعيم القبيلة أو العشيرة أو المذهب مراكز معينة من النفوذ أكبر من نفوذ الآخرين أياً كان مستواه المعرفي، والعلمي، فذلك لا يهم عندهم، بما في ذلك شغل المراكز في بنية الدولة.
الفرد في وحدته محكوم بقواعد
وأضاف : وناتج هذا شكل هرمي تحتي قمته مجموعة صغيرة من مشائخ، وعلماء المذاهب، والقبائل، والأكثرية من أبناء هذه المجموعات مكانهم قاع المجتمع وينظر إليهم كأنصار أو تابعين ومأمورين من ذوي المراكز والنفوذ القبلي العشائري المذهبي ومن طبيعة هذا المجتمع الأفقي أن الفرد لا يمكن له الانتقال من وحدة اجتماعية إلى أخرى فانتقاله لا يكون وفق رغبته واختياره لأنه محكوم بمواصفات وعادات وتقاليد لا يستطيع اختراقها أو تجاوزها كما أن الانتقال من تركيبة اجتماعية إلى أخرى بمعنى الترقي داخل هذه المجموعة أو تلك في إطار المجتمع والدولة.. محكوم بقواعد وأصول كما يقولون ولا يتم إلا إذا سمح لهذا الانتقال رئيس العشيرة أو شيخ القبيلة أو إكليرس المذهب مهما كانت قدرته أو حجم ثروته أو ممتلكاته.
تعدد بُنى المجتمع
وزاد قائلاً : ومن هنا نجد ان المجتمع اليمني يتصف بتعدد البنى القبلية والعصبوية الفاعلة التي تناقض نظام الدولة وضوابطها المدنية “القانونية” والنظامية، فالعقل السياسي اليمني لا يزال محكوماً بقوة الموروث الاجتماعي وثقافته ومن اللافت إن تعدد البنى القبلية يتقاطع مع التصنيف المذهبي والتواجد الجغرافي إلى حد ما.
الاحتلال العثماني والاستعمار البريطاني
ويواصل الحديث بالقول : ولذلك نجد أن الاحتلال العثماني والاستعمار البريطاني قد شجعا على بقاء هذه التراتيب في الوحدات الاجتماعية، وساند على استمرار بقائها الذي طبع البنى الاقتصادية بطابع، الاقتصاد الاكتفائي الريعي تحت حراب التخلف فساد الفقر المرض والجهل والاحتراب فيما بين سكان تلك الوحدات الاجتماعية بهدف طمس هويتها ومسخ ثقافتها، ونسيان تاريخها.. ولم تستطع حركات الإصلاح التنويرية أن تفتح ثغرة في تراتيب البنى الاجتماعية ليمن التغيير منها.
فتأصلت النزعات العصبوية والعجرفة القبلية، والتباهي الأرعن بالمكانة حتى جاءت الحركة القومية العربية.. لتحرك الجمود والسكون الاجتماعي النابذ للفرقة والتقسيم الجغرافي التركي البريطاني لليمن.. فحدثت ثورات الإصلاح والتغيير الرامية إلى تهشيم القداسة المهيمنة على المجتمع ثقافة واقتصاداً ووجوداً وقدم الشعب الكثير من الضحايا قرباناً لفكرة الإصلاح والتغيير التي لم تنجح لعدم التكافؤ بين الوحدات الاجتماعية، التقليدية، التي ترسخت مفاهيمها وقيمها في المجتمع وتلك التي لم تنتقل فكرتها الإصلاحية للتغيير إلى أبناء الشعب، حتى جاءت ثورتا 26سبتمبر 1962م وثورة14أكتوبر1963م اللتان أزالتا بعضاً من قداسة الحكم..
التراتب الرأسي
ويضيف الحربي: في تراتب الوحدات الاجتماعية.. هو التراتب الرأسي فثورة26سبتمبر 1962م حاولت بما أقدمت عليه من إجراءات وتدابير سياسية واقتصادية أن تعيد بناء تراتب الوحدات الاجتماعية وذلك بتجاوز التقليدي منها سلوكاً وقيماً وانتظاماً إلا أن اختلال التوازن بين القوى الاجتماعية... لصالح التقليدي منها إعاقة عملية البناء لتراتيب الوحدات الاجتماعية ودخلت الثورة في مواجهات عسكرية.. جرى تغذية التقليدي منها بالسلاح والمال من دول عربية مع تعاون دولي واسع.. بدءاً من بريطانيا، وإيران، والأردن وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من أن قوى الثورة السبتمبرية، وفقاً لمبدئيتها الثورية، واجهت التآمر والتحالف الدولي الذي أريد به إسقاط النظام الجمهوري، فيما كانت أهم ملاحم المواجهة هي حرب السبعين يوماً.. حيث سجلت قوى الثورة في تراتيبها الجديدة الناشئة انتصارات مذهلة قياساً إلى ميزان القوى المحلية والإقليمية والدولية، فإلى جانب مهمة إسقاط قداسة نظام الحكم الكهنوتي الثيوقراطي المسنود بقوة العادة والتقاليد ورسوخ القيم القديمة فتحت الطريق أمام نشوء تراتيب اجتماعية جديدة.. اخترقت جدار التراتبية التقليدية وأقضت مضاجعها ومع إمكانيات القوى التقليدية الكبيرة، المتحالفة مع الأنظمة المماثلة في تراتيبها وحلفائها والتي تمكنت من استعادة نفوذها ومراكز قدرتها على ضبط إيقاع بناءاتها التي بدأت مع ما سمي.. بالمصالحة الوطنية عام 1970م..
ثورة أكتوبر أقامت تراتيب جديدة
مواصلاً حديثه بالقول: إلا أن ثورة 14أكتوبر1963م بقيادة الجبهة القومية التي خاضت مع القوى الوطنية الأخرى نضالاً مسلحاً ضد الوجود الاستعماري والحكم السلاطيني في جنوب الوطن حتى 30نوفمبر 1967م حيث انتزعت الثورة حق الشعب في الحرية والاستقلال والكرامة من الحكم الأنجلو سلاطيني.. وإقامة تراتيب اجتماعية جديدة في إطار جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي وحدت(12) ولاية وسلطنة وإمارة.. في دولة واحدة قامت على برنامج نضالي لمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.. الذي بموجبه فتحت آفاقاً وطنية اجتماعية ودمرت مختلف تراتيب الوحدات الاجتماعية ذات النمط الأفقي.. ليصبح تراتب الوحدات الاجتماعية تراتباً رأسياً تحطمت أمامه كافة أساليب العادات والتقاليد المعيقة لتطور المجتمع.. والشعب اليمني فيما أثار حفيظة الوحدات الاجتماعية التقليدية ذات النموذج الأفقي المانع لحركة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
تباين بين الوحدات الاجتماعية
متابعاً: لذا نجد في سياق التاريخ السياسي، اليمني تبايناً بين الوحدات الاجتماعية في مكونات تراتيبها على مستوى الشمال وعلى مستوى الجنوب.
ففي الشمال وإن حلت وحدة ما محل وحدة أخرى في إدارة شئون المجتمع.. إلا أن الطابع الأعم كان إحلالاً في إطار النموذج الأفقي الذي يسهم بمقادير كبيرة لتعميم نموذجه على جنوب الوطن.. حيث أثيرت الحروب المسلحة وكثرت التآمرات على النظام في الجنوب الذي عزز قدرة البناء الاجتماعي على أسس حديثة.. بانتهاجه نموذجاً للدولة الوطنية الديمقراطية والمجتمع القائم على مبدأ التخطيط العلمي المنظم للحد من طغيان نموذج وحدات المجتمع الأفقي وتقوية مداميك بناء وحدات المجتمع الرأسي.. المتجسد في تحالف الطبقات الاجتماعية لبناء مجتمع يمني ديمقراطي حر وسعيد.. تنتقى فيه الروح الأنانية والعجرفة القبلية والبدوية، الناتجة عن الثقافة الماضوية العصبوية والمتعجرفة والرأسمالية الطفيلية، والمتوحشة..
انقسامه إلى مجتمعين
وأضاف قائلاً: الأمر الذي وصم المجتمع اليمني بخاصية تميزه، وانقسامه إلى مجتمعين، قائم كل منهما بذاته، ومتعارضين في نفس الوقت سياسياً..
لقد عبر المناضل عبدالفتاح إسماعيل في العام 1969م عن اتجاهات النظام السياسي للوحدات الاجتماعية الرأسية بقوله: إن الاستقلال الذي حققه شعبنا بنضاله، وتضحياته يجب ألا يتحول إلى جسر للاستعمار الجديد، بل يجب أن تتم تحولات جذرية.. تقيم نظاماً وطنياً ديمقراطياً يثبت الاستقلال السياسي بتحرر اقتصادي عن عجلة الرأسمالية العالمية، يضع بلدنا على طريق التطور والتنمية، كما أكد بأن الاتجاهات الرئيسية للنظام الوطني الديمقراطي.. الذي اعتمدته الجبهة القومية في يونيو 1969م تمثلت ب..
إلغاء قانون الجنسية الذي يميز بين أبناء اليمن الواحد على أساس شمال وجنوب.. وإعلان قانون جنسية جديد ينهي هذا التمييز وإلى الأبد..وليفتح الطريق واسعاً أمام النضال المشترك لأبناء الشعب اليمني الواحد.. وصولاً إلى تحقيق وحدة الأرض، والشعب اليمني على طريق تحقيق كامل إستراتيجية الثورة اليمنية..
إحداث تغيير جذري في أجهزة السلطة القديمة المدنية والعسكرية وتطهير المؤسسات العسكرية والأمنية من القيادات القديمة وبناء جيش وطني شعبي ثوري.. وتغيير كل القوانين الموروثة عن عهد الاستعمار بقوانين جديدة.. ووضع دستور ديمقراطي شعبي يعكس المصالح المادية والروحية.. لأوسع جماهير الشعب، وتمكين أوسع جماهير الشعب من المشاركة الفعالة والنشطة في أجهزة الدولة وإقامة مجالس الشعب المحلية المنتخبة ومجلس الشعب الأعلى المنتخب.
تحرير الاقتصاد الوطني من الاحتكارات الرأسمالية وأيلولة ملكية الشركات الاحتكارية إلى ملكية الشعب بأسره ممثلاً بقطاع الدولة القطاع العام..
سن قانون للإصلاح الزراعي الجذري يحقق شعار الأرض لمن يزرعها (يفلحها) وتوزيع الأرض للانتفاع بها رسمياً ومباشرة من قبل الفلاحين.. وقيام الحركة التعاونية الطوعية كي ينظم الفلاحون نشاطهم الإنتاجي والخدمي في التعاونيات الزراعية بأشكالها المختلفة.
بناء اقتصاد وطني إنتاجي مستقل.. على أساس استخدام العلم في البرمجة والتخطيط بهدف تحقيق نهوض وتطوير الاقتصاد الوطني في مجال الصناعة والزراعة لتحسين حياة الجماهير والنهوض بالمجالات الخدمية وتحقيق ديمقراطية التعليم المجاني ومحو الأمية وكذا مجانية التطبيب (الصحة) ونشر الثقافة الوطنية اليمنية والعربية والإنسانية.. وتوسيع شبكة الطرق والاتصالات السلكية واللاسلكية في عموم مناطق الجمهورية وتوفير المياه.. والمسكن والملبس النظيف لجماهير الشعب.
وجنوباً حققت الثورة والنظام السياسي بنموذج وحداته الاجتماعية الرأسية.. الكثير مما أعلنته، رغم شحة الإمكانيات والحصار الاقتصادي المفروض على النظام إقليمياً وعالمياً لم تستطع الثورة ونظامها السياسي والترتيب الأفقي أن تحقق ما تم إعلانه من مبادئ الثورة فالواقع الاقتصادي والاجتماعي شديد التخلف والذي حاولت قوى الجديد تحريك تطوره غلبت عليه بنية اجتماعية قبلية مغرقة في القدم ووقفت في وجه الثورة وتطور بنية الاجتماع واقتصاده وتطوره تعاظم دورها بعد الثورة وبدأت كأنها في أوج قوتها وحضورها، وبفعل عوامل عديدة منها ما سبق ذكره فرضت تفكيرها وأساليب حياتها وقيمها وقوانينها المعتمدة على العرف والعادة، على المجتمع بأكمله مشكلة عائقاً أمام التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأمام بناء نظام سياسي رشيد وصعب على الثوار ودعاة الإصلاح والتغيير تجاوزها حتى اللحظة.
ويضيف الحربي بالقول: وهذا أحد أوجه المشكلة اليمنية القائمة حيث الواقع الاجتماعي الذي يشير إلى أن التزاوج بين البنى الاجتماعية القبلية المتسم حياتها بالصراع الدائم، تحت ظروف بيئية ومعيشية صعبة لم تجد من سبيل للتغلب عليها إلا بالقتال، الذي اعتبرته مصدر رزقها، دعمته القوى الخارجية التي رأت أن بناء دولة مدنية حديثة في اليمن ليس في مصلحتها فذهبت تدعم وتساند استمرار وبقاء البنية الاجتماعية الأفقية، بوحداتها المختلفة دافعة بها إلى مسالك ودروب قتل كل جميل في اليمن، وتدمير كل مظهر من مظاهر الحياة المدنية وذلك أمر لن يتحقق من وجهة نظرها، إلا إذا تم قبيلة الدولة والسلطة بكافة أجهزتها والحيلولة دون مأسستها.
إيقاف أي لقاء
ويزيد: وكلما حاولت قوى التجريد في البلاد الالتقاء بمثيلاتها جنوباً، لتحقيق استراتيجية الثورة اليمنية، وعلى رأسها “وحدة اليمن” الأرض والإنسان، نجد القوى التقليدية تدير لها الظهر، مهرولة نحو القوى الخارجية والأكبر عناداً، في وجه التطور اليمني، لطلب العون وإيقاف أي لقاء من شأنه تحقيق وحدة اليمن.
جملة من الحقائق
لذلك يسجل لنا التاريخ جملة من هذه الحقائق أولها: إن حرب سبتمبر 1972م التي دفعت لقيامها القوى التقليدية مدفوعة بحلفاء الشر لأنها نظام الدولة في الجنوب وفشلت أهدافه، وجدنا النظام الجنوبي يستبدل قواعد الحرب ومنع حدوثها بين اليمنيين إقامة الوحدة اليمنية الديمقراطية.
وبمجرد أن انتهى المتحاورون في القاهرة والتوقيع على اتفاقية تحقيق الوحدة وإقامة نظام حكم ديمقراطي يفاجأ اليمنيون بإجراءات سياسية تأديبية تقودها دول خارجية بناءً على طلب القوى التقليدية منها إقالة رئيس الوزراء محسن العيني من منصبه تأديباً لتوقيعه اتفاقية الوحدة مع رئيس الوزراء علي ناصر محمد وتعيين القاضي الحجري عام 1973م رئيساً لوزراء الجمهورية العربية اليمنية.
وكان انتشار الفساد، ووهن الدولة فإخراج القاضي الإرياني من رئاسة الدولة، قد دفعت بهم إلى إحداث تغيير يخفف عنها بعض الأعباء، وجاء التغيير على غير ما كانت تأمله.
إبراهيم الحمدي
وجاء المقدم إبراهيم الحمدي إلى رأس السلطة ليضع رأس التحالف التقليدي في مأزق مما استدعي ترحيله في أبشع جريمة تم ارتكابها في تاريخ اليمن السياسي الحديث ليحتل الغشمي مركز الصدارة، مع طموح له غير معهود في السلطة ليتم الدفع بترحيله، بانفجار مزق جسده، لتتصاعد حمى القتل والثأر من نظام الجنوب وتحت غطاء دولي وإسناد مادي لا حدود له، ثم الإعداد والتجهيز لحرب الثأر والانتقام عام 1979م، وأمام الانكسار الذي شهده جيش القبيلة المنتقم نجد نظام الجنوب يستبدل مأسسة الحرب بالحوار لتحقيق الوحدة ووقعت اتفاقية الكويت الوحدوية من قبل رئيس النظامين عبدالفتاح وصالح، ويتم الدفع من كل الاتجاهات لتعطيل بنود اتفاقية الوحدة الموقعة في الكويت.
مناخ غير متكافئ
ويواصل أحمد الحربي قائلاً: وفي مناخ غير متكافئ القوة والإمكانيات بل وحتى الإرادات بفعل كارثة يناير 1986م التي أصابت نظام الجنوب بمقتل، ونظام الشمال يعاني من أزماته الاقتصادية وعلى وشك إعلان إفلاسه، لم يجد من منقذ له غير المبادرة التي اسماها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ليجد نظام الجنوب متنفساً لهمومه، وعلى استعداد لتحقيق الوحدة السلمية الديمقراطية كهدف استراتيجي من أهداف ثورة 14 أكتوبر ونظامها السياسي الذي يقوده الحزب الاشتراكي اليمني.. فبدلاً من وحدة كونفدرالية طرحها النظام الشمالي وضع الحزب الاشتراكي قائد نظام الجنوب الوحدة الاندماجية ليتم الإعلان عن اتفاقية للوحدة بين النظامين في 30 نوفمبر 1989م يتم تحقيقها في موعد زمني لا يتجاوز 22 مايو 1990م.
تحقيق الوحدة في إطار من الشروط الضامنة
وقال: إذن فوحدة 22 مايو، 1990م وقيام الجمهورية اليمنية كحلم شعبي جرى تحقيقه في إطار من الشروط الضامنة لاستمراره أن يكون الحكم ديمقراطياً وتعددياً سياسياً وحزبياً وفي خدمة الشعب وتطوير بنياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتجاوز الماضي بالأمة والانغماس بالمستقبل بكل أشواقه وأحلامه وبناء دولة ديمقراطية السيادة فيها للشعب فهو صاحب السلطة ومالكها لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
طرفان متعارضان
وأضاف قائلاً: إذاً هذه الوحدة التي هي عبارة عن شجرة وارفة لكنها لا تثمر أقرت مختلف القوى أنها ليست فاشلة وحسب، بل وتدميرية لقوى الشعب، ومدخراته، وثرواته لأنها تمت بين طرفين متعارضين، طرف مبدئي.. وطرف رهاني الأول تلزمه مبدئيته، والثاني تلزمه رهاناته وشتان بين هذا وذاك، والضحية في هذه الحالة سنقول الشعب والحقيقة ليست كذلك، أطراف منه يمكن، والسؤال كيف فقد المبدأ قيمته؟!
وكسب الراهن رهانه، ألا يعود ذلك إلى قصور معرفي في قراءة الواقع وفهم مخياله، لا يستند إلى شروط الذات والموضوع، أو فقدها تحت رغبة جامحة في تحقيق هدف يفتقد إلى مقومات استمراره، كل شيء جائز كما يقال في واقع اللامعقول، فهل أخطأت الوحدة؟ كهدف؟ أم فشل الوحدويون في مسعاهم؟ الوحدة كفكر، كهدف، لم تفشل بل فشل القائمون عليها، لأنهم لم يكونوا عند مستوى الفكرة الهدف ومع كل ما حدث من تشوهات تبقى الوحدة كفكرة وهدف قائمة، ولكن أي نوع من الأنواع تكون هذه الوحدة؟ وما مقوماتها؟
دولة وما هو مفهومنا للدولة؟ ذلك ما يمكن لنا أن نشير إليه ونعبر عنه بوعي وإدراك؟ ومسئولية؟
كيان مبسط
وحول إيجابيات وسلبيات الدولة الفيدرالية وبالنسبة لليمن قال الحربي: قبل أن نتحدث عن إيجابيات أو سلبيات الدولة الفيدرالية دعنا نعرج إلى الدولة من حيث مفهومها ومشكلها وماهيتها فمفهوم الدولة أو تعريفها( ذهب الكثير إلى القول كما ذهب المتحاورون في مؤتمر الحوار) إلى القول بأنها كيان مبسط يتألف من شعب وإقليم وسيادة وهي هيكل متداخل مع المجتمع شعب على أرض وهو بإرادته الحرة وبالرضى الطوعي لكل قواه وعناصره يصوغ لنفسه ميثاقاً للعيش المشترك متمثلاً في دستور مرفوع فوق كل الرؤوس أو هي من وجه ثالث يقول به البعض تعرف الدولة بالترابط الذي تقيمه بين الحكام والمحكومين سواءً تعلق الأمر بالمجتمع المدني أم بجمهورية الأفكار وحتى لو لم تكن الدولة مندمجة مع السلطة الروحية فإنها تشارك في ممارسة هذه السلطة كما نرى ذلك من خلال علاقتها الحساسة غالباً مع دور العبادات وعبر المسئوليات التي تتحملها في مادة التربية وعبر تداخلاتها وربما عبر الرقابة التي تمارسها في ميدان الأخلاق والفضيلة والهداية.
الخروج برؤية لبناء دولة
وأضاف: لقد قال المتحاورون من كل الأطياف اليمنية أن المشكلة التي نعيشها ان اليمن بلا دولة؟ وأن مهمة الجميع الخروج برؤية سياسية تعنى ببناء الدولة أو استعادة الدولة المخطوفة؟
قُدمت أكثر من رؤية
أما عن شكل الدولة فنحن نعلم أن مؤتمر الحوار الوطني قدمت إليه أكثر من رؤية عن شكل الدولة ونعلم مع ذلك أن شكل الدولة إما أن يكون شكلاً تقليدياً يتمثل بالدولة المركزية المسيطرة والمتماسكة أو هو الشكل السائد في بعض البلدان.. وهو الدولة البسيطة الموحدة التي تمارس مجموعة من الوظائف منها تحقيق الأمن وتحقيق التنمية الاقتصادية وفي هذا دار جدل حول كيفية قيام الدولة بأي من هذه الوظائف فظهرت نماذج من الدولة كالدولة الريعية الرأسمالية الاشتراكية إلى جانب الدولة الضعيفة التي تسيطر على المجتمع القوي والدولة القوية التي تسيطر على المجتمع الضعيف وهذا الأخير هو حال اليمن قبل الوحدة...
كيان مستقل
مستطرداً بالقول ومن هذا يذهب البعض إلى القول بأن الدولة كيان مستقل فاعل له وزنه وظهرت دراسات تبين بأن الدولة ليست هي القوة المفروضة على المجتمع كما أنها ليست كياناً مبسطاً يتكون من شعب وإقليم وسيادة وإنما هي أكبر من ذلك فهي إلى جانب كونها هيكلاً أكثر عمقاً وتداخلاً مع المجتمع فهي أيضاً جماعات ومصالح وقوى وكيان مستقل وفاعل له وزنه..
الاهتمام بما تشهده المنطقة من تحولات
مضيفاً: من هنا فالاهتمام بدراسة الدولة لا يعني اهتماماً بالصورة “الدولة البسيطة” ولا إعادة النظر فيما ساد الدولة من أفكار أساطير وقداسات وإنما الاهتمام بما تشهده المنطقة من تحولات مرتبطة بالحالة الثورية والتغيير في المرحلة الانتقالية حيث تطرح المرحلة فكرة السلطة اللامركزية في مواجهة المركزية والدولة غير الموحدة في مواجهة الدولة الموحدة والدولة المنهارة في مواجهة الدولة المتماسكة..
تحول في شكل الدولة
وزاد أحمد الحربي قائلاً وإذا نظرنا فرق مؤتمر الحوار الوطني وما ذهب إليه البعض خلال المرحلة الانتقالية بأن تحولاً في شكل الدولة سيكون تحولاً من الدولة البسيطة باتجاه أشكال أخرى من الدولة غير الموحدة كالفيدرالية أو الأقاليم المتمتعة بدرجة من الحكم الذاتي.
الدولة العميقة
كما يتغلغل نموذج الدولة العميقة داخل المؤسسات الأمنية والخدمية في المجتمع بشكل يحرم المجتمع من أي قدرة على الحركة أو التحرك بحرية كما هو حال اليمن بعد الوحدة إذ حاول البعض أن يتجاوز الكثير من الحقائق كما حاول المتحاورون في مؤتمر الحوار الوطني القول بأن الشيء المهم الآن هو الوحدة اليمنية في دولة ديمقراطية حديثة تعمل باتجاه المستقبل فُعرف أن الكل حريص على المستقبل لكن المشكلة أن المستقبل مرتبط بفهم الحقائق الماثلة وهذه الحقائق الماثلة لا يعترف بها أحد إلا الحريصون على مشروع الدولة المستقبلية حيث السيادة فيها للشعب من الأطراف الذين أظهروا اندفاعهم نحو الوحدة -الدولة- وحرصهم على المستقبل مع أنها الأصيل والأساس والتي بدت واضحة ب” كما يعبر الأستاذ هيكل” أننا بلد حب أم كره رهن جزءاً مهماً من إراداته وأضاع جزءاً مهماً من ثروته“وفرط بجزء كبير من قوته وتخاصم مع قيم الثقافة والعدل وتهاون بأجزاء مهمة منها واستغنى عن جزء مهم من هويته وشرعيته في الحيز الجغرافي والمنطقة التي يعيش فيها.
الدولة الانتقالية الأولى
وقال: ومع ذلك استند إلى ما يدعيه الكل من حرص على المستقبل ماضياً صوب الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة مقنعاً ومقتنعاً بأن المرحلة الانتقالية التي حددتها قوى التحاور تكفي ليس لفهم الحقائق الماثلة وإنما لتجاوز مشكلاتها وتأسيس المستقبل هكذا اقتنع الحزب الاشتراكي اليمني واقتنع غيره أن المشكلة اليمنية في إطار الوحدة لن تحل إلا بدولة مدنية حديثة تعيد الاعتبار للقضية الجنوبية أرضاً وإنساناً ورد الاعتبار لهذه القضية في إطار الوحدة لا يعني المحاكمة وإنما الإقرار بحالات القهر والغبن الذي لحق بالشعب اليمني جنوبه والشمال في إطار الدولة المركبة ولأن الحقائق التي علينا أن نمتلكها كأحزاب وجماعات ليست شيئاً آخر غير الدولة وبنيانها ومؤسساتها أي هي “الدولة” التي يجب أن تتغير لا مواقع السلطة..
المضمون السياسي لفكرة الدولة الاتحادية
وزاد: إن المضمون السياسي لفكرة الدولة الاتحادية الفدرالية يلعب دوراً أساسياً في إنشاء ووجود الدولة الفيدرالية وما القواعد التشريعية المنظمة لها إلا إطار قانوني لهذا المضمون السياسي الذي يعطي الأهمية والمدلول العلمي لفكرة الفيدرالية ويعتبر أساس وجودها الفعلي وذلك لأن الدولة الفيدرالية هي نتاج الجمع بين المحتوى السياسي لفكرة الفيدرالية وبين الإطار القانوني لها..
ويتمثل المضمون السياسي بوضوح بين عنصري هذه الدولة المتمثلين ب أولاً: عنصر الاتحاد المرتكز - على السلطة التشريعية الفيدرالية الآخذ بنظام المجلسين ذلك لأن نظام المجلسين يتلاءم وطبيعة التكوين القانوني والسياسي للدولة الفيدرالية ويطلق على أحد المجلسين المجلس الأعلى للدولة: ويمثل الولايات - المحافظات، الأعضاء في الدولة والعضوية في هذا المجلس عضوية متساوية التمثيل وذلك لأن مبدأ التمثيل المتساوي للوحدات أياً كان تسميتها بغض النظر عن عدد سكانها وكبر مساحتها تتجلى بمنعه للطغيان السياسي طغيان إحدى هذه الوحدات على الأخرى بسبب تفوقها السكاني والاقتصادي وغيرها السلطة التنفيذية السلطة القضائية الهيئات القضائية مظهر الدولة الاتحادية في المجال الدولي من حيث هل يمنع القانون الفيدرالي الدولي للولاية أو الإقليم من إنشاء أي علاقة دولية لها إذ في هذا القانون الدولي لا يسمح للولاية أو الإقليم ليس له حق التمسك بقواعد القانون الدولي للدفاع عن استقلاله وامتيازاتها الدولية ذلك أن قيام الدولة الفيدرالية وفقاً للقانون الدولي سحب هذا الحق منها واصبح من حق الدولة الفيدرالية ومع هذا السحب إلا أننا نجد النظام الفيدرالي يمنح الولايات - الأقاليم في الدولة الفيدرالية التمتع ببعض الحقوق الدولية كحق إبرام المعاهدات غير السياسية وهو حق أو تمتع لا يجعل الولاية أو الإقليم شخصية دولية مستقلة ذات سيادة فالحكومة الفيدرالية وفقاً لذلك تحتفظ لنفسها في جميع الحالات بحق ممارسة الاختصاصات الدولية عن طريق هيئاتها الفيدرالية كحقوق ممنوحة لها دستورياً.
قانون عام
وأشار الأستاذ أحمد الحربي قائلاً: ولهذا إذا أمكن للجنة الدستورية ولجنة الإشراف عليها الوصول إلى قانون عام - دستور- يبقي مختلف العلاقات الناشئة عن الدولة الاتحادية الفيدرالية.. في إطار القانون الدولي مع توفير عناصر الاستقلال الذاتي بأركانه المتمثلة بالهيئة التشريعية الإقليمية والهيئة التنفيذية الإقليمية أو القضاء الإقليمي وضمانات بقاء الدولة..
وحدة بمخرجات الحوار
وتحدث من جانبه أ. د محمد علي قحطان كلية العلوم الإدارية جامعة تعز حول الآثار الإيجابية والسلبية لمشروع الدولة الفيدرالية في اليمن فقال: تحل علينا الذكرى ال24لوحدة اليمن ففي يوم 22مايو عام 1990م أعلنت وحدة اليمن، ومنذ ذلك التاريخ يحتفل اليمنيون حكومةً وشعباً بهذه المناسبة سنوياً.. إلا أن هذا العام يعتبر عاماً متميزاً عن غيره من الأعوام السابقة كونه عاماً حافلاً بإنجاز مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي أتى تتويجاً للمبادرة الخليجية التي قبلت بها جميع القوى السياسية الفاعلة في اليمن.. سواءً التي في السلطة أو التي في المعارضة بعد اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية في بداية 2011م.
بناء الدولة الفيدرالية
وقال: أن أهم مخرجات الحوار تتمثل في مشروع بناء الدولة الفيدرالية إذ تم الاتفاق على أن تكون اليمن دولة فيدرالية مكونة من “6” أقاليم وقد تم تسمية هذه الأقاليم، وتم تشكيل اللجنة الدستورية لصياغة دستور هذه الدولة ليتم الاستفتاء عليه ثم العمل به بعد موافقة الشعب بعملية الاستفتاء المتوقع إجراؤها بعد الانتهاء من صياغة الدستور، وإقراره من قبل القوى الممثلة للمتحاورين في اللجنة الدستورية.
اليمن لم تشهد استقراراً سياسياً
وأضاف قائلاً: وعند الحديث عن السلبيات والإيجابيات لمشروع الدولة اليمنية المركبة كبديل للدولة البسيطة التي تشكلت في اليمن منذ قيام ثورة سبتمبر 1962م، وتلتها ثورة أكتوبر في عام 1963م وحتى الآن، إذ يتبين بوضوح تام عدم صلاحية هذا الشكل للدولة.. حيث جسدت المركزية التي كانت أهم عوامل المواطنة غير المتساوية والصراع السياسي المستمر على السلطة والثروة، لذلك اليمن لم تشهد استقراراً سياسياً.. فضلاً عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية هي الأخرى لم تتقدم، وبالتالي استمرت البلاد تعاني التخلف والفقر، فالأحوال المعيشية للناس تزداد تدهوراً، ومؤشرات الفقر والبطالة وتخلف الخدمات العامة، وجميع مؤشرات الاقتصاد الكلي ظلت تتزايد، وتزداد سوءاً وبصورة مستمرة إلى أن تفجرت ثورة الشباب في عام 2011م.
وفي الوقت الحالي نلاحظ أن الصراع بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة في أشد حالاته، والأمل يبقى في نجاح رئاسة الدولة والقوى المساندة لها في إتمام مهام المرحلة الانتقالية إلى أن تتم عملية الانتخابات، وقد تشكلت الدولة اليمنية الفيدرالية بأقاليمها الستة.
مخرج وحيد
وأضاف قائلاً: ومن وجهة نظرنا إنه لا مجال للحديث عن سلبيات قيام الدولة الفيدرالية، إذ إن اليمن ليس أمامها مخرج من الأوضاع الصعبة التي عاشتها ولا تزال، والمتمثلة في اشتداد النزاع السياسي والمناطقي، والحروب الأهلية من وقت لآخر، كقضية صعدة، وقضية الحراك الجنوبي، والتركيبة غير الوطنية للبنية الهيكلية للجيش والأمن، وتغول مراكز الفساد السياسي، والمالي، والإداري، إلا مشروع الدولة الفيدرالية، وبرأينا إن هذا المشروع من المتوقع في حالة نجاحه أن تحقق لليمن:
التقسيم العادل للسلطة والثروة بين جميع المحافظات في إطار الأقاليم الستة المعلن عنها، الاستقرار السياسي، ومعالجة مشاكل الجيش والأمن، وحدوث نهوض استثماري يتم من خلاله مواجهة مشكلتي البطالة والفقر، الخروج من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وتحسين مستوى معيشة سكان أقاليم الدولة.. إذ إن الاستقرار السياسي، ورضاء السكان في كل أطراف اليمن بمحافظاته الحالية المختلفة، بعد إعادة التقسيم للسلطة والثروة، سيؤدي إلى تنافس الأقاليم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويحقق تقدم اقتصادياً واجتماعياً شاملاً، ومتوازناً لجميعاً الأقاليم الأمر الذي سيشكل اللبنة الأساسية لحياة كريمة لكل اليمنيين أينما كانوا، وتتحقق اللحمة الوطنية بين جميع أجزاء البلاد بدلاً عن الصراع السياسي والمناطقي الذي تعمق بفعل مساوئ الدولة البسيطة بمركزيتها المقيتة, والتي سببت بآلياتها السياسية والإدارية والمالية كل ما تعانيه البلاد من نزوع للفرقة والتمزق.
شمول التنمية جميع أقاليم اليمن الستة، فالدولة الفيدرالية لا تترك المجال لتنمية إقليم اليمن دون الآخر، إذ إن كل إقليم سيتمتع باستقلال إداري ومالي تام، يعطي القيادات السياسية في الأقاليم القدرة على الحركة واتخاذ القرارات السريعة لمواجهة المشاكل وبنفس الوقت حشد القدرات والإمكانيات المتاحة للأقاليم نحو التنمية المستدامة.
كما أن الدولة الفيدرالية، ستمكن الناس من الحصول على الرعاية المتساوية في الخدمات العامة والإدارية في مناطقهم وتجنبهم معاناة الذهاب إلى مركز السلطة السياسية “صنعاء” كما حصل منذ قيام الوحدة ومن قبلها أثناء التشطير وحتى الآن.
سيتحقق لليمن إمكانية الازدهار الاقتصادي والاجتماعي وإعادة تشكيل صورة اليمن لدى حكومات وشعوب دول العالم.. إذ إن الصورة الحالية لليمني في دول العالم سيئة للغاية.. ونرى ذلك بوضوح عند سفرنا لدول العالم المختلفة، فعلى سبيل المثال عندما تهبط الطائرة اليمنية في مطار القاهرة، يقال “وصلت طائرة العيانين” “المرضى” وعند وصولها إلى مطار في دولة أوروبية.. يقال “وصلت طائرة الإرهابيين”.
بمعنى أن الصورة العالقة التي تشكلت لليمني عند دول وشعوب العالم خلال فترة الحكم السابق هو التخلف والفقر والمرض والإرهاب، وكل ذلك يجعل من مشروع الدولة الفيدرالية المنشودة لليمن الأمل الكبير، والذي لا نرى بدونه أي أمل في الخروج من الوضع السياسي والاقتصادي المأزوم والقابل للتفجر في أي وقت.
الإسراع ببناء الدولة الفيدرالية
ويختتم أ. د محمد علي قحطان بالقول: ولما سبق نعتقد أنه صار من الضروري أن تدرك القوى الوطنية اليمنية بكل اتجاهاتها أهمية الإسراع في بناء الدولة الفيدرالية حسب ما تم الاتفاق عليه، وتحويل القرارات المتخذة، بهذا الشأن إلى واقع بأسرع وقت ممكن، وندعو جميع اليمنيين بكل توجهاتهم مساندة القوى الحاملة لهذا المشروع، ومواجهة كل المحاولات اليائسة التي تحاول النيل من هذا المشروع سراً وعلناً، إذ ان مراكز القوى التي تعودت على نهب ثروة البلاد والعبث بكل مقدراتها المادية والبشرية لا تستطيع أن تترك ما تتمتع به من نفوذ وقوة في ظل الدولة البسيطة إذ تدير عوامل قوتها من صنعاء مركز تواجدها لتصل بنفوذها إلى جميع أنحاء اليمن، وتوزيع السلطة والثروة لأقاليم ستة، كل إقليم بشكل حكومته ويدير مقدراته، يبعد تلك القوى من مراكز اتخاذ القرار ويضعف قوة نفوذها التي تتمتع به حالياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.