ثلاثون يوماً وغزة تعيش تحت نيران قوات الاحتلال، ثلاثون يوماً كانت كافية لأن تفاجئ كتائب المقاومة الفلسطينية العالم وتجبر الاحتلال على الانسحاب معلنة الانتصار عليه، (الجمهورية) سلطت الضوء على هذا الموضوع، والتقت عدداً من المحللين اليمنيين والصحفيين، وناقشت معهم أربعة محاور رئيسية متعلقة بهذه القضية: حجم الضحايا خلال الحرب، ومعرفة موقفهم من انتصار المقاومة، والتطرق إلى ما وراء غياب الموقف العالمي والصمت العربي..فلسطين جرحنا النازف علقت الناشطة اليمنية توكل كرمان والحائزة على جائزة نوبل للسلام على فشل القوات الإسرائيلية في مواجهة الحرب الأخيرة على قطاع غزة بالقول: انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة بعد المجازر التي ارتكبها يجب أن لا يكون نهاية المطاف، لا أقل من محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية، السلطة الفلسطينية معنية بالتوقيع على ميثاق روما والتوجه مباشرة لمحكمة الجنايات الدولية، حتى لا تمر الجريمة التي خلفت حوالي ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح ثلثهم من الأطفال دون عقاب. وذهبت كرمان لتلقي العتاب على جميع المتخاذلين في الانتصار لغزة قائلة: فلسطين يا جرحنا النازف.. إليك ومن أجلك تستحقين أن نجود بأغلى ما نملك بل كل ما نملك، لكننا خذلناك جميعاً. هزيمة ثقيلة لإسرائيل المحلل السياسي والصحفي المعروف عبد الملك شمسان قال: في حديث خاص للجمهورية بأن نقطة القوة في إسرائيل تتمثل بأنها قادرة على الإثخان في غزة وارتكاب المجازر الجماعية، لكن نقطة ضعفها بالمقابل أن جنوداً أيضاً يموتون، وهي دولة حكوماتها منتخبة ومصنفة ديمقراطياً من العالم الأول، والفرد فيها له قيمته لدى شعبها المغتصب، ولهذا لا تستطيع أن تتحمل الخسائر البشرية، ولا نصر بغير خسائر بشرية. ولهذا لا تزال تبحث عن وكيل يقوم بالمهمة نيابة عنها. ويتابع شمسان حديثه: في بداية الحرب كنت أتمنى أن يصل القتلى في صفوف جنودها إلى عشرين، فهذا وحده كفيل بإيقافها، لكنهم عندما وصلوا إلى عشرين اتخذت إدارتها قرار الهروب إلى الأمام والبحث عن انتصار تقدمه لشعبها وتضمن سكوته عن أولئك القتلى، لكن خسارتها ظلت تتضاعف بحثاً عن نصر كلما اقتربوا منه ابتعد عنهم كسراب قيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. وفيما يتعلق بإنجازات المقاومة يتحدث شمسان: لم تفاجئنا المقاومة بتطور قدراتها، بل تابعنا أيضا كيف كانت غزة تعاني إذا أغلق أحد المعابر الرئيسية حتى في حال السلم، لكنها اليوم أظهرت صمودا أسطوريا وهي تخوض الحرب غير المتكافئة ومعابرها مغلقة وأنفاقها مهدمة مردومة. ويؤكد شمسان بأن الموقف العربي الرسمي تجاه غزة تجاوز مربع الصمت هذه المرة إلى ما هو أسوأ، حتى إن الموقف العربي بخل عن غزة هذه المرة بأغاني “أمل عرفة” التي كان يرددها على فضائياته في الحروب السابقة حد تعبيره. ويشير شمسان إلى أن إسرائيل قد خرجت من هذه الحرب بهزيمة ثقيلة ولن يكون بمقدور الحزب الحاكم تجاوزها بسهولة، وسيظل يدفع ثمنها لزمن، وخرجت الأوطان العربية بجرح في كرامتها أكثر غوراً من ذي قبل، ووحدها غزة التي تخرج بحال أفضل. المقاومة تنتصر يرى المحلل السياسي ياسين التميمي: بأن قرار الحرب على غزة، اتخذه الكيان الصهيوني ، وكان الهدف منه هذه المرة، إنهاء التأثير العسكري للمقاومة في غزة، في سياق الخطة الإقليمية لتقليم أظافر الإسلاميين الذين سجلوا حضوراً كبيراً في ثورات الربيع العربي. ويوضح التميمي أن الهدف كان هو إنهاء وتصفية وجود المقاومة وإحداث شرخ بينها وبين حاضنتها الشعبية بدليل تركز القصف على الأماكن الآمنة المستشفيات، المساجد، مدارس الأنوروا، والأحياء السكنية، والأسواق، ولذلك كانت ضحايا العدوان كبيرة مقارنة بالاعتداءات السابقة. ويشير التميمي إلى أن الحرب لم تكن لتتوقف لو أن جيش الاحتلال لم يواجه بما لم يكن يتوقعه من شراسة في المقاومة وأساليب جديدة لم يعتدها في المواجهات، والتي أفقدته توازنه، وأفقدته العشرات من عناصر النخبة. فلو كان تمكن من كسر شوكة المقاومة وتمكن من التوغل إلى مدن وأحياء غزة لأعاد احتلالها، وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، لكن هذا لم يحدث. وينهي التميمي حديثه: يمكننا القول إن المقاومة انتصرت في غزة لأنها كبدت العدو خسارة فادحة، وجعلت مهمته صعبة للغاية، وأحدثت ما يكن اعتباره توازن رعب بينها وبين العدو، بالإضافة إلى أنها أوجدت أرضية من القبول العالمي بمطالبها فيما يخص إنهاء الحصار بفتح المعابر، وعدم تكرار العدو لاعتداءاته، ولأنها وضعت العدو في عزلة سياسية وأخلاقية عالمية أفقدته القدرة على المبادرة الإعلامية، وعلى تزييف الحقائق. معركة العصف المأكول الأستاذ عدنان عبد السلام الشرعبي يبدو غاضباً وهو يسرد حجم الضحايا التي طالت الفلسطينيين حيث يؤكد على أن الناظر إلى قطاع غزة العزة المحاصر وما خلفته المعركة الدائرة فيه ليرى أضراراً كبيرة ومهولة هذه الأضرار التي تدل على حقد وخبث الاسرائيليين والمتحالفين معهم حد تعبيره. ويرى الشرعبي بأن هذه الأضرار الناتجة عن هذه المعركة خلفت الضحايا الجسام في حق المدنيين من أبناء هذا القطاع المحاصر أبرزها: هدم مئات المنازل على رؤوس ساكنيها، وهدم المساجد ودور العبادة ومراكز القرآن الكريم، وهدم المدارس والجامعات وأبرزها مدارس الأونروا والجامعة الإسلامية التي تساعد على إعداد جيل متعلم واع يعرف طبيعة أعدائه من المجرمين الصهاينة والمنافقين. ويطلق الشرعبي على ما حدث معركة العصف المأكول ويفيد بأنها قد كشفت عن حقيقة الموقف العربي المتخاذل بل لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الموقف العربي الرسمي متآمر على قطاع غزة. العالم يخذل غزة يرى الأستاذ عدنان الشرعبي أن النظام العالمي الجديد هو صنيعة خفية اكثر ما يسعى إلى حزمة من الأهداف والتي منها القضاء على الإسلام باعتباره الدين الذي تربى من خلاله المسلمون على العقيدة والغيرة وسمت أخلاقهم وارتبطت قلوبهم ببعضها وتشابكت سواعد الإخاء بين أبنائه. ويؤكد على ذلك بدليل ما صرح به الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي بعد تأسيسه بعد انهيار حلف وارسو الذي كانت تتزعمه روسيا والاتحاد السوفيتي عندما قال (لقد قضينا على حلف وارسو ولم يبق أمامنا إلا عدو واحد هو الإسلام , هذا العدو يجب أن نعد العدة لحربه) وهاهم اليوم يسعون لذلك. ومن الأهداف بحسب الشرعبي أيضاً إضعاف المسلمين وكسر شوكتهم وتمزيق كلمتهم ومحاولة التخلص من كل صوت أو تيار إسلامي قوي ولذلك ينفقون الأموال والإمكانات والسلاح، ويسهرون الليل والنهار من أجل تحقيق هدفهم المذكور, ومن أجل تحقيق هذا الهدف رتبوا العديد من الوسائل والتي منها: صناعة العملاء والمنافقين والخونة في أوساط السياسيين والمثقفين والإعلاميين وصناع القرار، حتى يساهم هؤلاء في تحقيق أهدافهم الخبيثة، بل وصل بعضهم إلى المواقع الهامة في الحكومات وإدارة شؤون البلاد التي يحكمونها، وأصبح هؤلاء الحكام هم الأدوات بأيدي الصهاينة يحركونهم كيفما يشاؤون ومتى يريدون. ويشير الشرعبي إلى أن من بين الأهداف العمل على تجويع الشعوب العربية والإسلامية وإفقارها وحرمانها من الاستفادة من ثروات وخيرات الشعوب حتى تصبح هذه الشعوب منقادة لهم في حالة من التبعية والتذلل، تنتظر رحمة هؤلاء المجرمين والطغاة وغير ذلك الكثير والكثير. يشخص عدنان الشرعبي: الموقف العالمي الرسمي ويرى بأنه شريك للاحتلال الصهيوني في عدوانه على غزة وقتل الأبرياء والمدنيين وتدمير المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات. ويعتبره هو السند الأول للاحتلال سياسياً في مجلس الأمن والأممالمتحدة، ويعتبر الداعم الاقتصادي للصهاينة فهو من يرسل ملايين الدولارات لدعم الاحتلال الصهيوني الصليبي في فلسطين وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، وهو أول من ذبح العدالة الإنسانية وتنكر لكل مبادئ حقوق الإنسان وداس عليها وضرب بها وجه الحائط. ما وراء الصمت يذكر الأستاذ كمال العمراني بأنه كان من المتوقع أن يصل عدد الضحايا إلى أكبر من الرقم المعلن وبالنسبة للمقاومة يتحدث العمراني بأنها قد جسدت روح الأمة الإسلامية وروح شبابها الوقاد، وكانت بمثابة الفتح المنزل من السماء أثلج صدري، رغم كيد الصهاينة وعملائهم المسلمين خصوصاً الدول الداعمة للخلاص من حماس وأخواتها وسلاح المقاومة. ويستطرد العمراني: لم يكن متوقعاً تدخل الغرب في وقف العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة إلا بعد ضغط الدول العربية الداعمة للعدوان في نهاية الحرب بعد تصفية حركة حماس والمقاومة، ولكن إرادة الله تدخلت مع عزيمة المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام، لتجعل من حلمهم يتبدل من سحق حماس وكتائب المقاومة إلى وقف إطلاق النار بأقل الخسائر الممكنة. أطفال غزة وحقوق الإنسان الصحفي الشاب بلال الجردي يتطرق إلى نقطة مهمة حيث قال: بأن أغلب الضحايا خلال الأحداث كانوا من الأطفال ولكن منظمة حقوق الإنسان لم تحرك ساكناً بهذا الشأن، رغم أن ميثاق الأممالمتحدة قد نص في حقوق الطفل أكثر من عشرين مادة، وأيضاً في حقوق السكان المدنيين اشتمل على أكثر من 50حقا خاصة في حالة الحروب. ومع ذلك لم يطبقوا حتى مادة من الميثاق، فعلمت أن الميثاق يعمل لصالح دول فقط حسب رأيه. وبشأن انتصار المقاومة تحدث بلال: صراحة رغم أن معظم الشعوب لم تكن متوقعة ذلك إلا أننا قد رأينا هذه المفاجأة العظيمة التي سخرها الله عز وجل لنصرة الشعب المظلوم، أيضاً ازدادت المفاجأة يوما بعد يوم من خلال صنعها للسلاح الذي أربك العالم بأكمله، فهذا كله من عند الله عز وجل ومفاجأة المقاومة عظيمة جدا، فقد استطاعت فعل الكثير ضد العدوان الصيهوني، استطاعت قتل وأسر الكثير من الجنود وهذه مقدمة نصر بإذن الله عز وجل. وبشأن الموقف العالمي يرى بلال أن جميع الدول تبحث عن مصالحها فقط وأن المنظمات إنما تعمل لصالح دول معينة فقط، وقد سخر الله هذه المقاومة لفضح هذه المنظمات التي تنص في اغلب موادها على حقوق الإنسان، والتي ترى أنها تعمل من أجل السلم والأمن الدولي، والتي لا تقبل في عضويتها إلا المحبة للسلام ومع ذلك أين السلام. كبرياء الانتصار زكريا الربع يبدي رأيه حول القضية ويتحدث بنشوة الانتصار قائلاً: ما امتلأت كبرياء مذ وعيت أني عربي، كما حدث لي عند انتصار غزة ودحر فقاعة الجيش الذي لا يقهر؛ ويتابع: نبارك لغزة أهلها ورجالها ونساءها وأطفالها وجبالها وسهولها هذا الصمود الأسطوري، والتي أثبتت أنها البقعة المحررة من أرضنا العربية وما سواها محتل، أو مرهون القرار، كنت أتابع العدوان على غزة واستغرب كيف لجمعٍ من الناس على رقعة صغيرة من الأرض محاصرة من كل الاتجاهات يأكلون من سراديب تحت الأرض ويصنعون سلاحهم بأيديهم وإمكاناتهم المتواضعة، كيف سيواجهون أعتى قوة غاشمة تمتلك قوة هائلة وترسانة عسكرية ضخمة وأسلحة نوعية ومتطورة، حيث لا يوجد أي تكافؤ في العتاد والعدة، ولكن ومع مرور أيام الحرب أثبت الغزاويون المقاومون وجند حماس الأبطال عكس هذه المعادلة المتعارف عليها، حيث قهرت الجيش الذي لا يقهر، وفرضت شروطها عليه وهزت دولة إسرائيل ومعها اهتزت وارتعبت دول عربية كثيرة متصهينة. في نفس الاتجاه تحدث إلينا الكاتب الشاب راكان الجبيحي، وقال: لقد أذهلت المقاومة في غزة العالم بصمودها، وثباتها الحازم في الجهاد والمقاومة، والزج بأشلاء العدو نحو الرحيل. خسائر غزة بالأرقام بعد ثلاثين يوماً من العدوان الإسرائيلي على غزة قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن عدد الشهداء المسجلين لديها عدد الشهداء أكثر من 1900 شهيد وكما بلغ عدد الجرحى اكثر من 9842 وتجاوزت من بين الشهداء 430 طفلاً، و243 امرأة، و79 مسناً ومن من بين الجرحى 2878 طفلاً، و 1854 سيدة و 374 مسناً. وتشير إحصائيات أن العدوان دمر 10604 منازل و 132 مسجداً وكنيسة واحدة و 11 مقبرة إسلامية ومسيحية بشكل كلي وجزئي، وهو ما تسبب بنزوح 475 ألف مواطن، لجأ 254 ألفًا منهم إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”. وكما لم يسلم القطاع الصحي من البطش والإجرام الإسرائيلي، إذ استشهد 16 عاملاً وأصيب 38 آخرون يعملون في وزارة الصحة الفلسطينية، إضافة لتضرر 12 سيارة إسعاف و10 مراكز رعاية أولية، و13 مستشفى. وطال العدوان قطاع التعليم في غزة، حيث تضررت 188 مدرسة من بينها مدارس تابعة لوكالة “الأونروا”، و6 جامعات أبرزها الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، وتقدّر الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بنحو 2.4 مليار دولار، بشكل أولي.