أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الوزير البكري يلتقي بنجم الكرة الطائرة الكابتن اسار جلال    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الشيخ محسن بن فريد    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    آرسنال يُسقط بورنموث ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذ الإعلام اليمني سابقاً في جامعة صنعاء, والمشرف على الدراسات العليا في مجال الإعلام محمد عبد الجبار سلام ل«الجمهورية»:
على الجميع أن يعي أن الجمهورية ليست حكراً على فئة معينة ولا ضد فئة أخرى «إنها لكل اليمنيين»!!
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2014

في كل يوم على الأقل من كل عام, يحتفي الأحرار في كل دول العالم, بذكرى قيام جمهوريتهم عقب ثورة فجروها ضد حكم إقطاعي أياً كان توجهه أو حزبه أو مذهبه, وكسائر تلك الجمهوريات أسيوية أم أمريكية أو أفريقية؛ لا تختلف اليمن كبلد آسيوي عن تلك بثوراتها ولا أقول ثورتها, غاياتها جميعاً التحرر من العبودية, ولليمن قصص شتى وحكايات مع الثورات, أما الأولى (سبتمبر) فقد كانت ضد مستبد داخلي في الشمال, وأما الثانية (أكتوبر) فكانت ضد مستعمر خارجي في الجنوب وكلتا الثورتان كملت البعض منتجتان جمهوريتين أضحتا جمهورية فيما بعد, وبالمناسبة فإن اليمنيين بعد إيقادهم شعلة الثورة, يحتفون اليوم بالذكرى ال 52 لقيام الجمهورية صباح ال 26 من سبتمبر عام 1962م, والتي انتفضت ضد المملكة المتوكلية اليمنية في الشمال بعد حكم لها دام 44 سنة, وللحديث هنا عن تداعيات هذه الثورة, وأبرز مساوئ الإمامة التي آلت إلى قيام الجمهورية, التقينا في هذا الحوار الخاص, بالأستاذ الدكتور محمد عبد الجبار سلام الحمادي, أستاذ الإعلام اليمني سابقاً في جامعة صنعاء, والمشرف حالياً على الدراسات العليا في مجال الإعلام.
كتب المثقفين حشيش
- في البداية أرحب بك أستاذنا ضيفاً على الجمهورية, ودعني أسألك أولاً عن واقع التعليم في عهد الإمامة لطالما لم تحرم منه أنت؟
الشرف لي أيضاً أن أتحدث لصحيفة الجمهورية كون الموضوع أيضاً يتعلق بالجمهورية, وأما عن التعليم أولاً أنا لم أتعلم في الشمال وإنما في عدن بالنسبة للمدرسة, أما الجامعة في القاهرة, وفي روسيا أخذت الماجستير والدكتوراه, لكن في اليمن لم تكن توجد أية مدرسة كان الجهل يعم الجميع, وكان الناس يقرؤون فقط في المساجد , أو في معهد العلوم الذي كان في الحديدة, ويقتصر الأخير على الفقهاء الذين يثق فيهم الإمام والمقربين, وحتى الإمام يحيى نفسه لم يكن متعلماً!! كان يقرأ فقط الكتب المذهبية الخاصة بالدين والحكم, لدرجة أن بعضاً من كتب المثقفين والأدباء ل طه حسين وغيره.. كان الإمام يعتبرها حشيشاً, ومع ذلك هناك بعض الأسر الغنية أو الأشخاص ممن يملكون المزارع أو من أهلهم في المهجر, كانوا يذهبون للتعلم في الخارج إلى عدن أو مصر أو العراق وغيرها.. أمثال الزبيري والنعمان, أو كانوا يحصلون على منح من بعض المنظمات الأجنبية.
كل شيء من الخارج كفر
- كيف كانت علاقة الإمام مع الخارج؟
لم يكن للإمام أية علاقة مع المجتمع الخارجي, لأنه كان منعزلاً تماماً في الداخل حتى إنه كان يقول للشعب “بعد البحر معاد فيش بلاد”, فكان يخاف ويظن أن أي شيء يأتي من الخارج يعتبر كفراً , ولهذا كان لا يحب التواصل مع أحد ولا يريد أحد أن يتواصل معه, فعاش في انعزال رهيب, حتى إن وزير خارجيته وهي الوزارة الوحيدة التي كانت في عهد الإمام يحيى, عين لها وزيراً تركياً اسمه أحمد بك عام 1922م, واختار هذا الشخص لانعدام الكوادر اليمنية, فكان يستعين بالأتراك ككادر بعد حكمه مباشرة, وإيطاليا مثلا عرضت عليه مساعدات ودعماً ضد الإنجليز, لكنه رفض وخاف ولم يستطع التكيف معهم, فكان يريدهم فقط مستشارين, ونصحه وزير خارجيته التركي بعمل اتفاقية تعاون مع الطليان ووقعوها عام 1926م, لكن لم يكن منها أية فائدة, ولهذا كان الإنجليز والغرب راضين عنه كونه كان حيادياً, لا مع الحلفاء ولا مع قوات المحور, حتى إنهم كانوا يقولون: اليمن الشمالي هي الدولة العربية الوحيدة المستقلة, يعني لم تكن تذكر نهائياً, ومع ذلك استطاعت بريطانيا في عدن أن تبرم اتفاقاً بينها وبين الإمام يقضي بتسليم كل للآخر معارضيه السياسيين, وقد سلم الإمام أحمد, الحكيمي إلى عدن عام 1957م, لكن التعاون كان بطبيعة الحال بين دولة مدنية تخاف من المساءلة والقانون ودولة قبلية, ولا مجال للمقارنة هنا بين عدن التي كانت متقدمة ومتعلمة وبين الشمال المتخلف, وما يدل على ذلك أن بريطانيا لم تستطع إثبات التهم على الحكيمي, فظل في عدن واشتغل مع الأحرار.
يخضع للخارج
- في ظل هذا الانعزال الرهيب هل كان لدى الإمام قوة عسكرية على الأقل تمكنه الدفاع عن بلده من أي عدوان خارجي؟
عن أي قوة عسكرية تتحدث؟! الإمام كان أصلاً لا يريد قوة عسكرية, لأنه كان يخاف من الخارج, وكان دائماً في صراعات مع الأدارسة شمال اليمن, ولم يقدر عليهم وهم جماعة بسيطة, أصولهم من المغرب العربي, لكنهم كانوا أذكى من الإمام يحيى, فكانوا يتعاملون مع الغرب ومع الروس, أما بالنسبة لبريطانيا في عدن فكان الإمام دائماً يخضع لها لأنها كانت تضربه بالطيران إذا فقط حاول أن يرفع رأسه, وظل دائماً خاضعاً لكل من هو أقوى منه.
القوي من يحكم
- لكن كيف استطاع الإمام أن يمسك زمام الأمور وأخذ السلطة من الأتراك؟
الأتراك بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى عام 1918م, انسحبوا طوعاً من اليمن فتولى الإمام يحيى حكم البلاد لأنه كان قوياً داخلياً بسبب تحالف القبائل معه, ولم يكن يوجد أحد غيره لكي يسلمه العثمانيون مفتاح الحكم, وأحب أوضح لك شيئا هنا إن الإمام كان لديه فلسفة مفادها: “القوي دائماً هو من يحكم الآخر”.
يدخل البيت والبندق معرض
- ماذا بشأن القوة الاقتصادية أو الزراعية لليمن, وكيف كانت الأوضاع المعيشية للناس؟
الزراعة كانت مقتصرة على (القات والحبوب), لكن اقتصاد قومي لا يوجد, ولهذا كان الناس يعتمدون على الزراعة اعتماداً كلياً فكان إذا انقطع المطر مات الناس من الجوع, لكن أصحاب تعز مثلاً كان بعضهم يعمل في التجارة في عدن أو خارج اليمن, ولهذا وضعهم المعيشي كان أفضل من صنعاء, ومع ذلك كان الجميع يسلم كل سنة الزكاة والواجبات للإمام عن طريق ما كان يسمى بالمخمن, والذي لم يكن يسلم طبعاً, كان يرسل له الإمام عسكري ينزل “يعصده عصيد”, ويريد العسكري هذا أن يقدم له الدجاج واللحم وأحياناً كان ما يدخل البيت إلا وبندقه معرض فيطلب أن يكسروا الباب.
أكل حق بيت المال
- هل كان الإمام يوزع زكاة بيت المال على الفقراء والمحتاجين؟
أضرب لك مثلاً بسيطاً: أتى شخص من الفقراء يريد مساعدة من الإمام يحيى وجلس حوالي شهر يتردد عليه, وفي الأخير أعطاه الإمام ريالين فقط, فقال واحد لهذا الفقير روح عند حبشوش, وهو تاجر يهودي كان يسكن في القاع بصنعاء, فعندما راح هذا الفقير أعطاه حبشوش عشرة ريالات, بعدها كان يمشي هذا المسكين زي المجنون ويكلم الناس ويقول هذا سيدنا المسلم ابن المسلم شوفوا أعطاني ريالين, وهذا اليهودي ابن اليهودي أعطاني عشرة, يبين مدى البخل, ولهذا كان الإمام بخيلاً جداً على أسرته لدرجة أنه لم يكن يعطي بناته مصاريف مما كان يضطرهن لخياط كوافي وإرسالها مع العبد لبيعها, مثال آخر: في أحد الأيام ذهبت زوجة الإمام لتعطي جحينة للجيران, فرآها الإمام في الدرج, فخافت وخبأت الجحينة (خبز) وهي تبكي, فصاح بصوت عال وهو غاضب: ما خبأت للجيران, من حق من؟ هذا حق بيت المال!! رغم أنه لم يكن يعطي الناس المحتاجين أي شيء من حق بيت المال.
أمن بعجرفة
- يقال إن الأمن كان واجداً في عهد الإمامة؟ فهل كانت العدالة والمساواة سائدة أيضاً؟
الأمن والأمان كان موجوداً والشريعة كانت تطبق على الصغير والكبير, لأن الإمام كانت له هيبته وأي شخص يحاول أن يعتلي عليه يسجن أو يعدم, أو يطارد هو وقريته بالكامل, لكن كيف كان يتم ذلك بعجرفة طبعاً, أضرب لك مثلاً بسيطاً: مرة واحد تم قتله تحت شجرة ولم يُعرف من القاتل فنفذ الإمام عشرين عسكرياً على القرية, فربطوا الشجرة وجلسوا تحتها شهوراً, وكان أكلهم اللحم وشربهم ومصاريفهم وقاتهم على أهل القرية, لأن راتب العسكري آنذاك لم يكن سوى ريالين, مما كان يضطر أهل القرية أنفسهم أن يذهبوا ويبحثوا عن القاتل ويطلعوه من الجن, فلم يكن أحد يتجرأ أن يعمل شيئاً بسبب الانتهازية, ومع ذلك القيم كانت موجودة وهذا شيء معهود لدى اليمنيين حتى الآن, “اذكر خالي كان يخل الحريم يهينون العسكري لأن العسكري كان لا تطاوعه نفسه التكلم على المرأة أو معها”.
فالأمن كان موجوداً, لكن لم تكن توجد عدالة أو مساواة وأضرب لك مثلاً آخر: كان هناك شيخ كبير في صعدة أرسل له الإمام أحمد عسكريا أعرج, يأتي به راجلاً على الأقدام من صعدة إلى تعز, والعسكري راكب خيل الشيخ وكل ذلك من أجل أن يذله ويهينه.
هذا بالإضافة عن المناطقية والمذهبية التي كانت سائدة آنذاك, حيث إن جميع موظفي الإمامين والعسكر كانوا من الشمال, وكانت إذا حصلت أي خلافات بين تعزي وصنعاني مثلاً تجد العسكري يتعاطف مع الثاني, وأضيف لك إن الإمام يحيى يوم توليه الحكم, تلقى برقية من رئيس روسيا بهذه المناسبة, كتب فيها من إمام الشيوعية إلى إمام الزيدية, وهذا تخلف من الطرفين, رغم أن الزيدية والشافعية كلاهما رديف للآخر, كون عقود النكاح وبصائر الأراضي وما شابه.. وكافة الشعائر والطقوس الدينية هي واحدة, ولا يوجد أي خلاف سوى من الناحية النفسية فقط.
كلهم خردة
- بعيداً عن الأوضاع النفسية والمعيشية, كيف كانت أوضاع الناس الصحية, وهل كانت المراكز المتخصصة متوفرة؟
لم يكن يوجد سوى طبيبة واحدة فقط في قصر الإمام بصنعاء وهي فرنسية وقد ألفت كتاباً بعنوان “كنت طبيبة في اليمن”, بعد مغادرتها اليمن بزمن, كان هناك طبيب من عدن اسمه عفارة, حبذ أن يتطوع للعمل في قصر الإمام بتعز, فأتى ومكث فترة ثم عاد إلى عدن وعندما سأله الناس كيف وجدت تعز قال: “كلهم خرده إش أقولكم, هذا داخل القصر ما بالكم بخارجه وأنتم قيسوا”, يعني أن الناس كانوا يعيشون تحت رحمة الأوبئة, ولم تكن تتوفر أدنى خدمات صحية, إلا في الخارج طبعاً, ولم يكن أحد يستطيع السفر حينها غير البرجوازيين, والإمام أحمد سافر مرة للعلاج في إيطاليا بالباخرة سنة 1959م, ولم يخرج من اليمن بعدها, أما أبوه يحيى فلم يخرج من صنعاء إلا مرة عندما قالوا له: ثمة منابع سطحية في المناطق الوسطى, فذهب إليها وكان ذلك في الأربعينيات ولم يمكث أكثر من يوم؛ لأنه لم يخرج من قبل ولم يتعود على بيئة غير بيئة صنعاء.
خاص بأخبار الإمام
- ما واقع الإعلام في عهد الإمامة؟
كان للأتراك صحيفة اسمها صنعاء وهي أول صحيفة يمنية تأسست سنة 1872م, جزء منها كان مخصصًا لأخبار الأتراك وجزء لأخبار اليمن باللغتين التركية والعربية, بعد رحيل الأتراك تركوا مطبعة الصحيفة فأسس الإمام يحيى صحيفة اسمها “الإيمان” سنة 1926م, وكانت تطبع كل شهرين مقتصرة على أخبار الإمام يحيى وانتهت عقب وفاته, أما بخصوص إذاعة صنعاء فقد أهدى الأمريكان جهازا لاسلكيا للجيش اليمني سنة 1948م, لكن الإمام حوله إلى إذاعة خاصة تبث ساعتين من يوم كل أسبوع ثم بعد ذلك يومين بالأسبوع “ساعتين” في إطار صنعاء, وكان يقتصر بثها على (قرآن, حديث, أخبار الإمام, قصائد تمتدحه), ولم يتغير الوضع على ما هو عليه إلى قيام الجمهورية, ولهذا لم تكن الإمامة مستوعبة لمتطلبات العصر, حتى إن الأحرار أمثال النعمان والزبيري وغيرهما من الأدباء, كانوا يجلسون مع الإمام أحمد, عله يتغير وينفتح لكن بعد أن سمعوه خلسة وهو يقول لن يهدأ لي بال حتى أخضب سيفي بدماء الأحرار, أيقنوا أنه لا فائدة معه وذهبوا إلى عدن كونهم قبل ذلك جربوا مصر ولم تنفع, ولأنهم قريبون من تعز حيث تصلهم أخبارها من المسافرين, إضافة إلى أن الناس هناك متعلمون.
- كيف كانت نهاية الإمام يحيى؟
مات مقتولاً في 17 فبراير عام 1948م برصاصة بندقية أصابته في رأسه, وذلك أثناء خروجه للتمشي في حزيز, وقد كانت خطة الاغتيال منسقة بين عبدالله الوزير والشيخ مراد المذحجي وعدد من الضباط للقيام بثورة دستورية في البلاد, فاستدعى الوزير, علي ناصر القردعي وكان الأخير مأموراً في شبوة, وعند احتلالها من قبل الإنكليز, أستاء كثيراً وبات مستعداً لعمل أي شيء, فقال له الوزير تعال اقتل الإمام, وقتله بالفعل من على سيارة يقودها, وعندها عرف أتباع الإمام أن الذي قام بالاغتيال هو الوزير, كون لا يوجد أحد يملك سيارة في ذلك الوقت سوى الحكومة, وفي تلك الأثناء كان الإمام الابن أحمد في تعز, وعندما علم بالأمر أخذ خزينة الدولة التي في تعز وانطلق صوب حجة, وفي طريقه كان يرسل المكاتيب للمشائخ والأموال طالباً منهم العون, واستطاع من حجة أن يواصل المسيرة حتى أباح صنعاء للقبائل فدخلوها وعبثوا فيها, وسقطت الثورة بعد أسبوعين فقط من مقتل الإمام يحيى ليحل ابنه أحمد بدلاً عنه, لأن الوزير لم تكن لديه الخبرة الكافية والدعم لإمساك زمام الأمور.
انغلاق وتخلف ليس له مثيل
- ما الذي جعل الإمام أحمد يختار تعز عاصمة له خلافاً عن أبيه الذي فضل صنعاء؟
اختارها كونها متطورة عن صنعاء, وأذكر أنا عندما أتيت إلى صنعاء عام 1963م, لم أجد سوى فندق واحد أمكث فيه, في شارع جمال - فندق صنعاء - فكنت أبيت وآكل وأشرب في الشهر ب 9 ريالات فقط وكان راتبي حينها 109 ريالات, ولهذا السبب لم يكن أحد يأتي إلى صنعاء لأنها لا تملك بنية تحتية ومنغلقة أيضاً, بينما تعز كانت المطاعم والشوارع والفنادق قد وجدت فيها, وكانت أيضاً مدينة مفتوحة ناهيك عن أن أغلب أهلها كانوا في المهجر ما ساعد بذلك على نهوض المدينة, وأذكر أنا مرة عندما أتيت إلى صنعاء في نفس العام, ولباسي بنطلون وقميص, كان الأطفال ينادوني - يا صديق يا صديق - ظناً منهم أني صيني, كونهم لم يعهدوا لبساً هكذا إلا من العمال الصينيين في طريق صنعاء - الحديدة, وأضرب لك مثالاً آخر مضحكاً على الانغلاق الذي أنتجه وخلفه الإمام يحيي في صنعاء: إنه بعد ثورة 62م بعام, أتي بسمك من الحديدة إلى سوق الصباح في التحرير, وعندما رأى الناس السمك كانوا يعتقدون أنه - دود كبير -, وهذه أمثله حية أنا عاصرتها تدل على مدى التخلف الذي كان يعصف بالشمال نتيجة الإمامة.
رجل فقيه
- ما أبرز الاختلاف والاتفاق بين الإمامين الأب والابن من حيث المساوئ والمحاسن؟
الإمام يحيي كان رجلاً فقيهاً وعالماً ايجابياً وكان يتعامل بروح فقهية, لكنه كان يرفض كل ما يأتي من الخارج وكان رجلاً واضحاً في نمط حياته العامة يرفض كل ما هو جديد, ولم يكن يساوم أحداً, ولهذا كان أكثر تشدداً ومتأصلاً في المذهب, وتقدر تقول متخلف ومنغلق, أما الإمام أحمد فقد كان منفتحاً عن أبيه نوعاً ما, كما كان أكثر شجاعة كونه استطاع إخماد ثورات عديدة ضده, وأخمد الزرانيق أيضاً, لكنه لم يكن يؤمن بالإصلاح ولهذا لم يكن هناك تطور أبداً, أما الأمان فكان موجوداً في عهدهما كما قلنا سابقاً, لكن بطريقة عجرفية.
لا لمشاركة الآخر
- هناك من يقول إن ولي العهد الإمام البدر ابن الإمام أحمد لربما كان أكثر انفتاحاً وإصلاحاً من أبيه؟ من أي ناحية؟
الإمام البدر كان منفتحاً نعم, حتى مع الأحرار كأحمد محمد النعمان, وكذلك مع الفضلي الذي لم يتعايش إلا مع البدر, وكان رجل دين وفقيهاً, وقد وقع مع مصر اتفاقيات تعاون تجاري, ومع الروس اتفاقية إنشاء ميناء الحديدة, وكذلك مع الصين على سفلتة طريق المخا - تعز, وإنشاء مصنع الغاز سنة 57م, ومصنع إسمنت باجل, ناهيك عن طريق النقطة الرابعة الذي عمله الأمريكان, وكل هذه المشاريع كانت صدقات وتعاوناً من الخارج, فكان البدر يستشير أباه لعمل شيء معين ويوافق الإمام أحمد, لكن لم يكن العمل التنموي كبيراً إلى ذاك الحد, ولم يكن البدر يؤمن بمشاركة الآخر في الحكم وبأن الوطن للجميع, حتى إنه قام بإعدام شيوخ قبائل معارضين لأبيه, بعد عودة أبيه من إيطاليا من رحلة العلاج, وألغى الكثير من الإصلاحات.
مقدمات النصر الكبير
- ما أبرز الحركات الانقلابية التي قام بها الأحرار قبل ثورة 62م؟
كان عهد الإمام أحمد عهد معارضة وثورات، وقد تعرض إلى 12 محاولة اغتيال، أبرزها محاولة الانقلاب عليه على يد المقدم أحمد بن يحيى الثلايا قائد الجيش عام 1955م, والذي قام بمحاصرة قصر الإمام في تعز, وعندها اختلف قادة الانقلاب على تحديد مصير الإمام, فمنهم من رأى قتله, ومنهم من رأى تعيين أخيه عبدالله الملقب بسيف الله بدلاً منه وهذا ما كان, والإمام أحمد هنا كان ذكياً حيث ادعى المرض وسلم كل شيء للثلايا, فكان الثلايا مع عبدالله في قصر, والإمام في قصر آخر منعزل, بعد ذلك استخدم الإمام أحمد نساءه حيث قمن بقص شعورهن وأرسلها الإمام في أظرف إلى عساكره والقبائل في صبر, كاتبين يا غارة الله بنات النبي من باب إثارة حميتهم للدفاع عن أعراض بنات بني هاشم, فهبوا للنجدة وشنوا هجوماً على تعز ونصروا الإمام, فاستعاد الحكم واعتقل الثلايا وصعد الإمام على خيله مثل المجنون وهو يقول: “هذا الفرس وهذا الميدان يا قوم ماذا ترون في مصير الثلايا” فصرخوا “الإعدام”, وأعدم بالفعل وقال حينها الثلايا جملته المشهورة: “قُبحت من شعب أردت لك الحياة فأردت لي الموت” أما بقية من شاركوا بالانقلاب, سجنهم الإمام كصالح السيندار وحسن العمري وصبرة والمروني والفسيل.
بعد ذلك كان هناك محاولة انقلاب عام 59م, أثناء ما كان الإمام في إيطاليا لعلاج التهاب مفاصله, حينها ظن الابن البدر بأن أباه يحتضر, فقام بإنشاء مجلس نيابي برئاسة القاضي أحمد الصياغي, ولكن بعد عودة أبيه تبددت كل هذه المساعي الإصلاحية وقام بإلغاء كل شيء, وأعدم البدر بعضاً من شيوخ القبائل المناوئين التي كانت ستشاركه الإصلاح, ترضية لأبيه وكانت هذه الحادثة دليلاً قاطعاً للذين عقدوا الآمال على البدر أنه لا يختلف عمن سبقوه, وفي هذا العام أيضاً كان هناك شخص اسمه سعيد إبليس, تسلق القصر لمحاولة قتل الإمام, لكن تم القبض عليه وحوكم بالسجن.
أما المحاولة التي كادت أن تنجح فقد كانت سنة 61م, عندما بدأ مجموعة من الضباط بتشكيل خلية لاغتيال الإمام أحمد رمياً بالرصاص عندما كان في الحديدة, وتم ذلك على يد محمد العلفي وعبدالله اللقية والهندوانة, وأصيب الإمام على إثرها إصابة بليغة أقعدته طريح الفراش حتى قيام الثورة.
نشاطات مركزة في جهد واحد منظم
- كيف قامت الثورة إذاً, وكيف كانت نهاية الإمامة؟
بعد محاولة الانقلاب الأخيرة ظلت المناوشات مستمرة, وطلب الأحرار مد يد العون من جمال عبد الناصر الذي رد قائلاً: “نبارك خطواتكم وسنكون مستعدين لدعم الثورة اليمنية” فأُنشئ تنظيم الضباط الأحرار في اليمن الذي سار على نهج الضباط الأحرار في مصر والعراق, وكان أغلب من قام بالثورة هم من خريجي بغداد والقاهرة كعلي عبد المغني وغيره, وفي 19 سبتمبر عام 1962م, توفي الإمام أحمد على أثر الطلقات النارية التي أصابته في الحديدة، فخلفه ابنه الإمام بدر, وكان قرار تعيين المشير عبدالله السلال قائداً للحرس الملكي من أولى القرارات التي اتخذها الإمام الجديد, وفي مساء 25 سبتمبر من ذات العام, جمع عبد الله السلال القادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا فيها, وكان كل ضابط وكل خلية بانتظار تلقي الأوامر وبدء التحرك بمجرد بدء قصف قصر الإمام بدر بالدبابة.
فتوجهت في نفس الليلة وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابة إلى قصر البشائر, وقاموا باستخدام مكبرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي وتسليم الإمام بدر, الذي هرب إلى جبال رازح, ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام؛ إذ فتح النار على وحدة الضباط، مما دفع الثوريين إلى الرد بقذائف المدافع والدبابة.
وقد استمرت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي 26 سبتمبر, وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة, أما مخزن السلاح فكان أسهلها، إذ كان يكفي أمر مكتوب من العقيد السلال لفتح المنشأة ثم تنحية عساكر منها, وتأمين البنادق، المدفعية والذخيرة, وقد سقطت الاتصالات التليفونية أيضاً بدون أية مقاومة, وفي قصر الوصول، ظلت الوحدات الثورية آمنة تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات الهامة التي كانت قد جاءت لتبارك لولي العهد الجديد الإمام بدر.
وعلى إثر كل ذلك تم تأمين كل المناطق في صنعاء وأعلنت الإذاعة التي كان فيها مجموعة من المثقفين, أمثال عبد العزيز المقالح وعبدالوهاب جحاف ومحمد البابلي وغيرهم, أنه قد تمت الإطاحة بالإمام بدر, وحلت محله حكومة ثورية جديدة, لتندلع بعد ذلك حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية بقيادة الإمام البدر الذي بدأ بالثورة المضادة, وبين الموالين للجمهوريّة العربية اليمنية, حتى اكتملت الثورة بعد حصار لصنعاء دام سبعين يوماً انتهت فيه المعارك بانتصار الجمهوريين وفكهم الحصار في 9 فبراير عام 1968م, وسبق ذلك بعام انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 30 نوفمبر, وما كانت الثورة التي قام بها الضباط أمثال عبدالله السلال وعبدالرقيب عبدالوهاب والدكتور محسن العيني؛ إلا نتيجة لتركيز النشاطات الثورية المركزة في جهد منظم واحد للإطاحة بالإمامة.
التحرر من المعتقدات القديمة
- من خلال معايشتك لفترةٍ ما من حكم الإمامة كونت لديك تجربة, ما الرسالة التي تود أن توصلها للمجتمع؟
أسوا نظام عندي هو الإمامة لأنه يقول: “لا يحق لأحد أن يحكم إلا بقوة السلاح”, ولهذا يجب علينا أولاً أن نتحرر من معتقداتنا القديمة التي اشتغل عليها الأئمة, لأنها خزعبلات وخرافات وانتهازيات سخيفة وممقوتة, ولهذا يجب أن نكون عقلانيين ولا ننجر نحوها, وأن نكون أمة أرقى من ذلك ذوي قيم وأخلاق تؤمن بالعدل والمساواة, ولن يتحقق ذلك بطبيعة الحال؛ إلا بوجود نظام ديمقراطي يساهم فيه كل فئات المجتمع, كون ليس لدينا مصادر دخل قومية أساسية.
لدينا بحر لكن لا يوجد لدنيا نظام يستثمره, والآن نزف البترول كما يقولون ولم نطعم خيره بعد, وهذا دليل على أنه لا يوجد تخطيط وعلم, ولهذا يجب أن نعتمد على نظام علمي دقيق يقوم على خطط وبرامج, ويعتمد على ثقافتنا وإمكانيتا وعلمنا لكي نستطيع أن نوظف خيراتنا لأولادنا وأولاد أولادنا حتى نتحرر, وكفانا فئات تسيطر على المال والهبات, وكفانا تشتتاً واقتتالاً لأن الحروب في هذا الزمن لن تكون كالتي نعرفها في الماضي! إذ لن يكون لها نهاية.
الجمهورية للجميع
- كلمة أخيرة؟
طالما أننا مقتنعون بقيام دولة يمنية ديمقراطية ومتطورة, يكون نظام الحكم والسلطة فيها للجميع؛ سنظل نحتفي بثورة 26 سبتمبر إلى الأبد, كونها أخرجتنا من نظام كهنوتي استبدادي إلى ما هو أفضل, ونحن لا نريد سوى الدولة التي أقرتها مخرجات الحوار الوطني, والتوصيف الذي أتوا به في الحوار هو المطلوب, النظام الحديث, المتطور, الحكم الرشيد, الذي يشارك فيه الجميع, وأقرب اسم لهذا النظام هو “جمهورية”, لكننا نريدها على أرض الواقع, وعلى الجميع هنا؛ أن يعي ويدرك جيداً, بأن الجمهورية ليست ضد فئة معينة, كما أنها ليست حكراً لأحد!! بل هي لكل اليمنيين, والجميع مشارك في صنع الثورة, وفي تقاسم الثروة, والمشاركة في السلطة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.