أربع مباريات مرتقبة في الأسبوع الثاني من بطولة بيسان    اللجان الدستورية والخارجية والإعلام في مجلس النواب تعقد اجتماعات مع الجانب الحكومي    مسيرات ووقفات طلابية في إب تضامناً ونصرةً لغزة    هكذا غادرت حاملة الطائرات "فينسون" البحر الاحمر    الشرفي يبحث مع مكتب المبعوث الأممي المستجدات السياسية والاقتصادية وجهود دعم الاستقرار    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    تعز .. ضغوط لرفع إضراب القضاة وعدم محاسبة العسكر    السامعي من صنعاء    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    بسبب خلافات على الجبايات.. قيادي حوثي يقتحم صندوق النظافة في إب    موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    عدن.. البنك المركزي يوقف ترخيص منشأة صرافة ويغلق مقرها    مشروع "المستشفى التعليمي لكلية طب عدن".. بين طموح الإنجاز ومحاولات الإفشال    إبليس العليمي يشعل الفتنة بين الحضارم.. انفجار سياسي قادم    انتقالي الضالع ينظم محاضرات توعوية لطلاب المخيم الصيفي بالمحافظة    فريق من مجلس المستشارين يطّلع على عمل مركز الطوارئ التوليدية وعدد من المراكز الصحية بأبين    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تدعو لتشديد الرقابة على الأسواق    تقرير خاص : عودة الرئيس الزُبيدي إلى عدن تُحرّك المياه الراكدة: حراك سياسي واقتصادي لافت    التعليم العالي تعلن بدء تحويل مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج    في آخر أعماله القذرة.. معين عبدالملك يطلب من الهند حصر بيع القمح لهائل سعيد    حركة أمل: الحكومة اللبنانية تخالف بيانها الوزاري وجلسة الغد فرصة للتصحيح    همج العساكر يعربدون.. هل بقي شيء من عدن لم يُمسّ، لم يُسرق، لم يُدنس؟    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    محافظ العاصمة عدن يتفقد ميناء الحاويات ويوجّه بالحفاظ عليه كمرفق سيادي واستراتيجي    وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية في الجميمة بحجة    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



26سبتمبر.. ذاكرة شعب صنع الحرية
نشر في الجمهورية يوم 28 - 09 - 2014

26 سبتمبر ،ليس شارعاً يمتد من أمام الباب الكبير إلى قصر الإمام سابقاً ،كما أنه ليس صحيفة أسبوعية؛ إنه ذاكرة شعب بأكمله ، جردته الإمامة من أبسط حقوقه المعيشية، وشرعت تزرع في نفوس أبنائه الخوف، لدرجة أنها سخّرت وسائل المعرفة كالمذياع والتلفزيون إلى «فزاعات» لإرعاب الشعب ، وإيهامهم أن لديها عالماً خفيًا من الجن يدافع عنها، ويتربص بكل من تسول له نفسه التآمر على العرش..
“ الإمامة “.. الاسم الذي ظل كابوساً لسنوات، تخاف الناس مجرد ذكر اسمه، أصبح من الماضي، وبدا أن كل شيء انتهى للوهلة الأولى؛ حين أفاق المولود “السبتمبري” من سباته الطويل، مُنهياً عهداً من التخلف والاستبداد وظل جاثماً على صدر الشعب اليمني لسنوات، فحطم الشعب أسطورة الخوف نهائيا .
فكان انقلاب 1955 بقيادة الثلايا، الذي فشل لاستبداله إماماً بإمام، وتلته انتفاضة القبائل في 59 ،التي كان الإمام يعول عليها كثيراً في إجهاض الحركات الثورية ،لكنه لجأ إلى الضباط الذي لم يساندوا انقلاب 55، لإخماد انتفاضة القبائل بعد تسعة أشهر من اندلاعها. وسيق قادتها إلى السجون، ونهبت أراضيهم الزراعية، حينها أدرك الثوار حاجتهم لتخطيط متقن للتخلص منه ،فدرسوا كل الخيارات المتاحة أمامهم، لدرجة أنهم رسموا أهداف الثورة قبل انطلاقها. فكان فجر 26 سبتمبر ،الذي يصادف اليوم ميلاده الثاني والخمسين.
صور من الألم
هند يوسف ،78 عاماً ،تختزن في ذاكرتها أحداث جيل بأكمله، حين تحدثك عن الثورة، تدرك الألم الحقيقي الذي عاناه الشعب في ظل الحكم الإمامي ،كون الطبقات المتدنية كانت الأكثر تضرراً، واستباحة من قبل جنود الإمام ، وعماله.
تقول هند، إن الناس كانت تحيا في عهد الأئمة حياة الكلاب، كونهم كانوا يبحثون فيما تبقى من مخلفات اللبيج (عملية استخلاص الحبوب من السنابل) عما يصلح ليسدوا به رمقهم، بعد أن بلغ بهم الجوع .حداً لا يطاق، كون محصول الأرض لا يكفي لأشهر، لتبدأ حينها المعاناة..
تذرف دموعها وهي تتذكر ذلك اليوم الذي أخذت فيه ثمرة الذرة التي تكسرت سيقانها، من العُشر المخصص للإمام، لكن المبلغين (الأمناء) رأوها، فأجبروها على دفع قدح من الحبوب (ما يعادل عشرين كيلو جراماً اليوم) عوضاً عنها، كون السنبلة الواحدة من أملاك الإمام تعادل قدحاً من أملاك الشعب، رغم أن أسرتها كانت في أمس الحاجة إلى تلك الحبوب .
حين تحدثك عن الممارسات اليومية لأمناء الإمام في منطقتها، تضع قبضة يدها على فمها، وكأن خوف الأمس لا يزال حاضراً في أعماقها، “كانوا أربعة، يرقبون الوادي بأكمله، لدرجة أنهم يعدون العشر المخصص للإمام عداً، و إذا نقصت جهيشة (ثمرة الذرة)واحدة ؛ أو انقطع من سيقانها شيء، كانوا يفتشون بيتك تفتيشاً. وإذا رأوا دخاناً يتصاعد، يصرخون ألا قدها تجهش (تنضج ثمرة الذرة على الجمر )،وأتوا إليك يفحصون العشر المخصص للإمام، كما كانوا يفتشون البيوت أسبوعيا ،باحثين في مواقدها عن آثار سنبلة، دون أن يستطيع أحد أن يمنعهم من ذلك.
حتى أصوات أولئك الجنود لم تغب عن ذاكرتها، لدرجة أنها غيرت صوتها بالنبرة التي كان الجنود يتحدثون بها عند وصولهم للقرية ،كانت خيولهم تصهل، وتبرق، وتجلب معها الخوف، وكان الناس يتملكهم الخوف، فإذا كان الجنديان اثنان تذبح لهما دجاجة مع أفراخها، وإذا كانوا أكثر تذبح خروفاً، و إذا كان المواطن فقيراً يأتي الجندي ويقوم بكسر الأبواب مباشرة ،فيلجأ لطلبها من الجيران .
يؤكد “أحمد محمد نعمان” في “مذكراته التي صدرت في 2003 عن المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء” ، ما قالته الحجة هند، مضيفاً “أن الجنود كانوا يضربون الفلاحين ضرباً عنيفاً إذا امتنعوا عن تقديم ما يطلبونه، وكانوا يجلسون عند الفلاح حتى يذهب ويسدد للحاكم ما عليه من مطالب الحكومة ،ويعود إليهم بسند يثبت ذلك .عندئذٍ يذهب الجندي من بيته. و إذا امتنع أحدهم؛ ترسل مجموعة من الجند ليتسلطوا على القرية بأكملها، ويعيشوا فيها على نفقة الفلاحين، حتى إن القرى المجاورة تضطر لتقديم الطعام لهم. مما جعل بعض الفلاحين يغادرون قراهم للعمل في المهجر، أو في البحر، والنساء ينتظرن ما يصل من النقود، وتظل المرأة ربما عشر سنين وربما أكثر محرومة من زوجها الهارب من جنود الإمام، لدرجة أن بعضهن كانت تريد زوجها لا المال .
بداية الثورة
كانت شرارة ثورة 26 سبتمبر طلابية ،كما ذكر البردوني في كتابه (الثقافة والثورة في اليمن) ،وأن الطلاب الذين تظاهروا في عام 56 ضد العدوان الثلاثي على مصر ،تحولوا إلى طلاب كليات عسكرية وأمنية ثم كانوا الثوار، وكان الذين حلّوا محلهم في صفوف الثانوية والمتوسطات هم طليعة الثورة، لأنهم استقبلوا الثورة بالمظاهرات الترحيبية وبالأخص في تعز، أما مظاهرة صنعاء فمنع قيامها حظر التجوال في الساعات الأولى من قيام الثورة. وحين تألبت الهجمات الاستعمارية والرجعية على ثورة سبتمبر تلاحقت أفواج الشباب إلى معسكر الثورة فشكلوا يومذاك ما يسمى بالحرس الوطني الذي أسس قواعد الجيش الجمهوري. والذي جاءت جموعه من كل بيوت الشعب في شطري اليمن .
فكانت الشهور الأولى من عمر الثورة زغاريد أفراح ،ثم أناشيد قذائف ثم أحزاناً على شهداء الثورة ،فشغلت أفراح الثورة والتصميم على تجذيرها شعبياً عن السياسة الجديدة ومقدار اختلافها ،وعن الأوضاع الجديدة ومقدار خلوصها من الأوضاع التي أطاحت بها الثورة ،ولما صار القتال والقتل اعتياداً ثغت الأفكار الناشئة متسائلة عما يحدث في السياسة.
تنكر للماضي
الإمام “يحيى” الذي أوصل المجتمع اليمني إلى هذا الوضع كان ثائراً، وتزعم ثورة التحرير ضد الأتراك في مطلع العشرينيات ،لكنه تنكر لأبسط الحريات، بعد أن استتب له الأمر؛ برغم أنه تزين في مطلع العشرينيات بزي الثوار المعاصرين، فحول القصور التركية إلى مدارس ومياتم ودور ضيافة ودوائر حكومية، غير أن هذه الثورة الظاهرية بتقشفها المعيشي –على الإمام وبنيه وسائر موظفيه –،كما قال البردوني في كتابه “اليمن الجمهوري “ لم تتحول إلى ممارسة خلاقة وإلى صنع وضع “ديمقراطي” على أي شكل ، وإنما استبد الإمام بكل شيء ،حتى إدارة المناطق والسجون والمدارس والشئون المالية والعسكرية ،فقد كانت كل الأمور تحت إشرافه المباشر رغم إخلاص موظفيه، وعزز هذا الاستئثار بحمل بعض بنيه على رقاب الناس في الأربعينيات، فقلدهم الوزارات بدون كفاءة .فأصبح زعيم الثورة التحريرية أحق بالثورة الشعبية عليه.
شراهته للقتل
فجاء الوشاح ،وبدلاً من أن يستجيب لمطالب الشعب، تنكر كأبيه، وشرع بتصفية منافسيه، ولا تزال ساحتا حورة بحجة وصينة بتعز، شاهدتان على الدم الذي كان يزهق بعد كل جمعة ،لدرجة أن الإمام “أحمد” بعد انتهائه من ذبح ثوار الداخل ،تتبع من هرب منهم للخارج ،وظل يراسل حكومات باكستان، وإثيوبيا، ولندن لسنوات، لتسليم من وصفهم بالمتآمرين، حتى يتسنى له الحكم بدون معارضة.
وقال الزبيري الذي لجأ إلى “باكستان” ؛لقد ضبح منه أهله وخافوه،واشتركوا في ثورة 55 ،لكنه انتصر عليهم ،وقتل أخويه مع من قتلهم من أحرار البلاد، فبقي العقلاء في حيرة من أمرهم، لا يدرون ماذا يفعلون، وهم يرون يا “جناه” يشحن البلاد باروداً وديناميتا ويحمي نفسه بالقتل والذبح والتهور ،فيخلق لمن وراءه جحيما من الأحقاد والمشكلات ،ولا يتورع أن يصرخ (أعيش أنا، وبعدي الطوفان).
فكان الملايين من الشعب ينظرون إليه في ذعر وعجز، وهو يعد البلاد كلها للنسف والتدمير، ولا يوجد في أبناء الشعب من يقول له كلمة حق أو كلمة نصح صادقة مشفقة ،إنه الحاكم بأمره، (والحديث للزبيري)يقبع في قصره شهوراً طوالاً ويترك الناس يواجهون الحريق صامتين مستسلمين لأنهم يرهبون فيه شيئًا أكثر من الحريق .إنه وحده المتصرف بكل صغيرة وكبيرة في الشعب فإذا هو عكف في بيته تعطل كل شيء ،ومس الناس الضر ،و أصبح أصحاب المشاكل والقضايا والشكاوى في نكبات يعجز عنها الوصف.
سياسات حكمه
اعتمد الإمام “أحمد “على إذكاء الصراع الطائفي بين “الزيدية” و“الشافعية” ،فدعم أصحاب المذهب “الزيدي”، وطبع كتبهم ونشرها،كما قربهم منه منصباً، وأعطاهم الوظائف، وحارب أصحاب المذهب “الشافعي”، وضايقهم ،وأقصاهم من كل شيء ،وحين وجد منافسة من قبل أبناء مذهبه على العرش ،كبيت “الوزير” وغيرها ،لجأ إلى دعم أبناء المذهب “الشافعي” ،لمواجهة منافسيه ،فطبع كتبهم الممنوعة ،كسبل السلام للصنعاني، وغيرها من الكتب، مما أحدث شقاقاً بين أبناء الشعب الواحد، لا نزال نعاني آثارها حتى اليوم.
كما لعب على وتر “العنصرية” ،فقسم الشعب إلى قحطانيين وهاشميين،فدعم الهاشميين ،واصطفاهم كونهم من أهل البيت الذي ينتسب إليه. وبنى على هذا سياسة وحكماً. ولم يكتف بهذا، حتى لامست مكائده المواطن البسيط، بزرعه الأحقاد بين سكان المدن والقرى ،واهتم بتأهيل المدن وترك القرى مهملة ،فسلط جنوده عليها دون المدن، فأحدث السلب والنهب فيها، حتى ضاق الناس من ممارساتهم، وبدأ الغضب يتراكم تدريجياً.
وكان أسلوب “الرهينة” من أكثر أساليبه قذارة، فهو يأخذ أبناء القبائل والعشائر اليمنية ،ويضعهم في السجن ك “رهائن” لديه، حتى لا يثوروا عليه، وأصبح هذا المنكر طبيعياً وحقاً مقدسًا لديه، من اعترض عليه أبيح دمه وماله. وكان، زيد مطيع دماج ، الذي اخذ من عائلته، ووضع في سجن القاهرة كرهينة، أحد ضحايا هذا الأسلوب فكانت روايته الرهينة التي تُرجمت إلى عشر لغات عالمية منها ترجمتان للفرنسية، تجسيداً لمعاناة العديد من الأسر اليمنية في ظل الحكم الإمامي .
انتقامه من القبائل
حين وعت القبائل الممارسات البشعة التي كان يعتمد عليها الإمام في حكمه، من ضرب أبناء الشعب بعضهم البعض ،رفضت مجاراة لعبته وكونت تحالفا ً فيما بينها لمواجهة الإمام.
يقول البردوني؛ كان الجيش هو أدوات القمع الإمامي ضد الانتفاضات القبلية، وبعد تمرد الجيش أوكلت المهمة إلى القوى القبلية لإخماد انتفاضة الجيش، ولجأ ابنه البدر في عام 1959 ،إلى الاستعانة بالعشائر لإخماد ثورة الجنود حينما كان الإمام أحمد يرقد في أحد المستشفيات بروما للعلاج ،إلا أنه اشتم مؤامرة قبلية لتحويل الإمامة إلى سلطنات كما في الجنوب ،فهدد رؤساء العشائر وفروا من صنعاء إلى مناطقهم ،فاندلعت الانتفاضات في المناطق التي كانت من دعائم الإمامة، كحاشد وخولان وذو محمد ،وكادت هذه الانتفاضات أن تطيح بالعرش، فاستعاد الإمام أسلوب الأربعينيات مستغلاً السلاح الحديث والضباط الذين لم يوافقوا الجنود على الثورة في 59، فأخمد التمرد العشائري خلال تسعة أشهر. غير أن الإخماد يولد الاتقاد الأعنف. فقد عقدت قوى العشائر تحالفاً غير مكتوب بينها وبين قوى الجيش ضد الحكم الإمامي.
وذهب الزبيري،إلى أن الإمام جن جنونه حينما تمردت عليه القبائل، وحرك جيوشه لتأديبها، لأنه لا يريد أن تتغير القاعدة التي يقوم عليها عرشه الأثيم، والتي تستلزم أن يبقى كل فرد من أفراد الشعب مباحاً ماله ودينه، ذليلاً خائفاً قلقاً، كأن السيف مسلت على عنقه، لأن الطاغية لا يطمئن إلا إذا كانت أرواح الناس ملكاً حلالاً لسيفه ينتزعها في أي وقت يشاء.
أوضاع مأساوية
حين تحدثك هند، تمعن كثيراً في كلامها، و أنت لا تريد تفهم ذلك، ولا تسقطه على حياتك كونه سيعكر مزاجك، لكن ذلك كان واقعها الذي عاشته قبل ستين عاماً أو أكثر، كانت النساء لا تملك إلا بدلة واحدة، تغسلها وإذا جفت تلبسها من جديد، وكذلك الرجال ، فهل ستتخيل هذا، وأنت ترى اليوم أقرباءك يملكن حقائب من الثياب، ويشترين باستمرار.. والأكثر غرابة، ألا يجد الإنسان شيئاً يتغطى به، أو يلتحفه، فهل نحن في الجاهلية الأولى، “كان الناس يتغطون بالجواني (أكياس الحبوب) ،وكان فراشهم من سعف النخيل ،لذا كانوا يوقدون النار لتدفئة أجسامهم في الشتاء”.
أما الأوضاع الصحية ،فقد كان المريض يعالج بالأشجار ،حتى حبة البرمول لا توجد ،وكنا نستخدم القضاض ،والقاطور في الجراحة .
وفي روايته (مأساة واق الواق ) التي رصد فيها الأوضاع في عهد الإمام ، يقول الزبيري ؛ إن كل دقيقة من سني حكمه الطويل ،كانت طاحونة هائلة تسحق عظام الشعب ،وتنهش لحمه وتفرى جلده ،وتترك بها سمة مستديمة ،في خلاياه وفي دمه، وفي أعصابه وفي صحته العقلية والنفسية، وفي قدرته على مواجهة المستقبل البعيد. فالشعب في عهده حي كالميت وميت كالحي ،ولم يدعه يحيى في جانب تافه حقير من حياته، وهي أن يجمع له ثروة يخلفها لأسرته، فلم يسمح أن يبنى مدرسة أو مستشفى أو يعبد طريقاً ،كما لم يسمح للمؤسسات العالمية أن تقاوم وباء من الأوبئة ، أو مجاعة من المجاعات التي كانت تحصد الألوف من أبناء الشعب الفينة بعد الفينة ،كان حليف الجراد والتيفود والجدري والمجاعات والظلام والجهل والسجون والأغلال.
وذكر نعمان الذي تولى إدارة المعارف في عهد الإمام أحمد ،بعد خروجه من سجن القاهرة بحجة ،كونه كان عضوًا فاعلاً في حركة الدستوريين التي أطاحت بوالده الإمام يحيى عام 48، عن الوضع التعليمي ؛كان مقتصراً على كتاتيب تحوي تعليم القرآن ،وما يتعلق بأمور الصلاة من الوضوء والطهارة ،ثم محبة الإمام ووجوب طاعة الناس له وموالاته، هكذا تكاد المواد الدراسية تنحصر في هذا. تعليم القراءة والكتابة لا داعي له المطلوب من الفلاح أداء الصلاة ودفع الضرائب المفروضة عليه للإمام .
مشياً على الأقدام
يتذكر محمد عبد الله، “مغترب”، فرحته الشديدة بقيام الجمهورية وبالعلم اليمني الذي رفرف عالياً ،بعد قيام الثورة ؛حين سمعنا بقيام الثورة تركنا الأشياء التي كانت في أيدينا من الفرح ،ومشينا باتجاه اليمن .
هكذا استقبل اليمنيون ثورتهم المباركة، لدرجة أن هذا الفرح أنساهم كل شيء في المهجر،.. فعبد الله الذي خرج مقهوراً من الوضع في بلاده، في ظل الحكم الإمامي، تنقل بين 4 دول خليجية “ كالرياض، والكويت والبحرين وقطر ومن ثم العودة للكويت ،”، بحثاً عن فرصة عمل تكفل له حق الحياة الكريمة ،لكنه عاد مباشرة ،حين أصبح هذا العهد إلى زوال .
يقول عبد الله الذي كان مغترباً في الكويت حينها، إنه مشى 12 يوماً مع رفاقه، حتى وصلوا صنعاء ، فحملوا السلاح مدافعين عن جمهوريتهم الوليدة ، التي كانت تتعرض لمحاولات من الرجعيين لإسقاطها.
تخويف
تتذكر هند بعد سنوات من زواجها، حينما سمعت بمقتل الإمام “يحيى” من قبل الدستوريين ،أن الناس كانوا يعيشون برعب شديد، خوفاً مما هو قادم، وكان مخبرو الإمام يخوفون الناس من الأحرار و ثورتهم، وأنهم لن يأتوا سوى بالاضطرابات والنهب والقتل لدرجة أن الناس صدقوا ذلك. ونجح الإمام أحمد في نهب صنعاء اعتماداً على مخبريه. كما نجحوا في 62 في إيهامهم بأن القوات المصرية تريد احتلال اليمن. وكانت الإذاعة الوسيلة التي عززت مثل هذه المفاهيم لدى الشعب. وجاءت ثورة سبتمبر وسقطت الإمامة، لكن الحروب بين الملكيين والجمهورين استمرت طويلاً قاطعة الطريق أمام الإصلاح المنشود .
لكن صوت هند كان يرتفع بعد أن كان خافتاً ، التغيير الحقيقي لم يكن سوى في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، كانت الدنيا أمان أمان وضغطت على الكلمة جيداً ،لتؤكد ما تقوله .وأضافت، جلست أبكي عليه لثلاثة أيام متتالية ،لم أستطع أن أتناول الطعام ،وكنت كلما تذكرته أعود للبكاء من جديد، حتى وإني أحتطب من الجبل ،أو أمارس أعمالي اليومية، لكن إذا ذكرته ليلاً كان النوم يجافيني .
رؤى
توجه هند رسائلها للقيادات السياسية؛ أن يحكموا بالعدل والصدق والأمانة، و ألا يتركوا المناصب الحساسة في الدولة للمفسدين، لو لم يكن المفسدون والمخربون موجودين منذ 52 عاماً لكانت الشركات والمؤسسات موجودة من زمان .نريد الاستقرار والسلام، اتقوا الله فينا وارحموا الضعفاء والأطفال ،أو نموت أحسن.
-لا يدرك المعنى الحقيقي لثورة سبتمبر، إلا من فتش في وثائقها، ومذكرات أبطالها الذين يرون الألم الحقيقي الذي كان يجسده الإمام أحمد وممارساته بحق الشعب لترتعب من حجم الألم الذي سطروه على أرض الواقع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.